١ | لَم يَحصُلْ عَلى المَوتِ.

282 19 32
                                    








عيناهُ الموشّحتانِ بالسواد مسحتْا المَكانَ الهادئ حولَه، فَقط اصواتُ تراطمِ امواجِ المياهِ الصغيرةِ ببعضها نتيجةَ الريّاح الخفيفه التي تَهبُ بينَ فينةً واخرَى.

خصلاتهُ التي طَالت كثيرًا - كونهُ لم يكلّف نفسهُ عناءَ الاعتناء بشعرهِ منذُ مدّةٍ طَويلَه - كانتْ تتحركُ ببطئٍ مداعبةً وجنتيهِ وجانبَ عُنقه.

أخذَ نفسًا عميقًا يملأُ رئتيهِ بالهواءِ مستمتعًا بالنسيمِ العَليل بينمَا يُدندنُ الحانًا عشوائيةً بصوتهِ المُتشحرج كونهُ لم ينطِق ببنتٍ شفةٍ منذُ مُدَّه .

كم العالمُ جميلٌ عندمَا تنظرُ إليه للمرَّةِ الأخيرةِ-
مودِّعًا ؟
منتصرًا؟
خاسرًا؟
مستسلمًا؟
مبتسمًا؟
باكيًا؟

لا يَهُم حقًا ؛فتعددتِ الأسبابُ والموتُ واحِدُ
كُلَّها تُؤدي لنهايةِ واحدةٍ،

غايتهُ الواحِدَةُ ..

نظرَ نحوَ الأسفَل، حيثُ المكانُ الذي ينشدهُ منذُ فترَه ..

النهر، حيثُ الموتُ هناكَ ينتظرُه.. أخيرًا!

ابتسمَ بهدوءٍ يغمضُ عينيهِ، قدماهُ التي تقفُ على حافةِ السور تهتزُ بخفّه كونها واقفةً على مساحةٍ صَغيره، وبالكادِ تستطيعُ موازنةً جسده!

وهوَ ينتظرُ بهدوءٍ تلكَ اللحظةَ التي يفقدُ فيها التوازنَ ويسقط اخيرًا.

إذا طالَ الأمر، سيقفزُ هوَ بنفسِه.
لكنّ هذهِ الفكرةَ لا تبدو مسليةً جدًا،
سينتظرُ أن تهبَّ ريحٌ عاتيةٌ تُسقطهُ أفضَل، حيثُ لا يتوقّع متى ستفعَل، اي بمعنى آخر: لا يُمكنهُ الجَزم بايّ لحظةٍ سيموت.

أليسَ هذا رائعًا؟ بعضُ التسليةِ في اللحظاتِ الأخيره.
لطالمَا كانَ من مُحبي المرَح، فلِمَ لا يمرحُ لآخرِ مرَّه؟

فتحَ عينيهِ يُعيدُ انظارهُ للأسفَل، تنهّدَ لتتمردَ دمعةٌ من عينهِ اليُمنى فَقط.. كالعاده.

تركهَا تنزلقُ على وجنتيهِ حتى عبرت فكّه لتلطخَ ثيابَه.

فجأةً هبّتْ ريحٌ أقوَى من سابقاتِها فَـفقَد توازنهُ وسقطَ من على الجِسر، لكنَّ رأسهُ قد ارتطمَ بالسورِ نتيجةَ سقوطهِ المُفاجِئ، مما سبَّب نزيفًا.

سقطَ في الماءِ لينزلَ جسدهُ نحوَ الأسفَل، هوَ فقدَ وعيهُ قبلَ ان تُلامسَ المياهُ جسدَهُ بالفِعل لذا كانتْ عينيهِ مغلقةً بينَما لونُ الدمِ القانِي قد إختلطَ معَ المياهِ البارده حولَه.

غـرَق!  |  جِيكُوك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن