كان يقف في شرفة السكن بملامحه الهادئة التي تميل إلىٰ القسوة، وعيناه السمراء الفاتنة، يحاول أن يدرس ولكن تلكَ الفيروزة قَد سَرقت كُل وقته، أصبح لا يَفكر سوىٰ بها، ليقول في نفسه: لو فضلت كدا هسقط وهتبقي ست فيروز ال مش معبراني هي السبب.
قام من علىٰ الكرسي يقف مستند يده علىٰ حائط الشرفة، ينتقل بنظره بين الجامعة والكافيه المقابل، حتىٰ لمحها تودع رجل ما وتدخل إلىٰ الجامعة، أتحب رجل غَيري؟ ألن تَكن فيروزتي وحدي؟ لا سأقتله وستكون هي فيروزتي فقط.
اتجه خارج الغرفة الخاصة به هو وبعض أصدقاءه، كانت تتجه نحو الدرج للصعود، فتاة في السنة الثانية في الجامعة، ذو شعر أصفر يأثر العين، وملامح بريئة مُبهجة، وكما يُقال أن لكُل شخص ينال من اسمه شيء، فكانت فيروز وهي كالفيروز، نظرت حولها لا وجود لأي شخص، فقررت أن ترجع خطوات للخلف وتجلس علىٰ أحد المقاعد، تتأمل السماء وفي صمتها ألالاف الجمل، أهذا نتيجة فتاة تحاول الحفاظ علىٰ نفسها إلىٰ يأتي مَن كتبه الله لها، ألهذه الدرجة أصبح المجتمع مُعاق، تبًا لهذا المجتمع الراجعي، الذي تحكمه عادات سار خلفها دون أن يصنعها بعقله، أم أنها ضَحية طمع والدها، وكانت تتنهد في ألم، قائلة لنفسها: لو الرجالة كدا يبقي المجتمع كله سيدات، ازاى شخص أرفضه يروح لوالدي يطلب ايدي، وهو كان عايزني في الحرام، أستغفر الله يارب، ساعدني يارب ماليش حد، لو عرفوا مكاني هتجوز الحيوان دا، يارب ابعد الطمع عن بابا علشان يرفضه، ثم سمحت لدموعها بالهطول.
كان يقف علىٰ بعد خطوات منها وما إن لمح دموعها حتىٰ شعر وكأن الأرض تهتز تحت قدماه، فيروزته لا يحق لها أن تبكي، من ذا الذي تجرأ وأبكائها، توجه نحوها وما إن وقف أمامها حتىٰ كاد أن ينسي العالم، ورأسه مليء بالأفكار كم يود اخطفائها وحبسها بين أقفاص صدره لم تلاحظ وجوده رغم طوله اليافع الذي يصل ١٩٠ سم بينما هي لا تتعدي ١٦٢ سم وجسده الذي يبدو نحيف بعض الشيء رغم ذلك فهو يتمتع بقوة بنيان، كمان أنه لاعب كرة قدم ماهر، ومدرب لياقة بدنية، إلا أن جسده لا يوحي بأنه رياضي، نظر لها وكان قلبه يدق بسرعة هائلة: احم احم
ارتعش جسدها حينما وصل إلىٰ مسمعها صوته الرجولي لترفع عيناها المليئة بالدموع وتنظر له وكانت أصابع يداها ترتجف وهي تُزيل دموعها لم تتحدث لذلك جلس بجوارها يردف: أنتِ كويسة يا فيروز
أدارت وجهها الجهة الآخرىٰ وهمت واقفة ولكن يده أمسك بيدها وجذبها نحو المقعد وأجلسه بجواره كان يشعر بحرارة قربها كم يود أن ينقد عليها في تلك اللحظة غير منتبه ليده التي تلتف حول خصرها توجهت نحوه بنظرات غاضبة: أستاذ مروان حضرتك ناسي إننا في سكن جامعي والطريقة ال أنتَ ماسكني بيها أي حد هيشوفها هيفهم غلط.
نظر نحوها وأزاح يده عنها: يبقي تقعدي ومتتحركيش وإلا وقتها مش هيفرق معايا مين فهم غلط ومين فهم صح.
نظرت له بتساؤل: وحضرتك عايز ايه أظن أن مفيش شيء بينا علشان تقعد تكلم معايا.
ضيق عينيه وهو يتذكر كيف احتضنت ذلك الرجل: أيوا طبعا ما أنتِ كُنتِ مع حبيب القلب من شوية.
: هههه حبيب القلب مين دا أنت السهر قصر عليكَ يا مروان
عض علىٰ شفته السفلي كمحاولة للتماسك: الواد الملزق ال كنتِ بتحضنيه يا فيروز
وقفت في غضب: أنتَ ازاى تتجرأ مفيش هنا حد ملزق غيرك يا زرافة ومسمحلكش إنك تقول عن خالد كدا. تركته وهي تتجه إلىٰ غرفتها تلعن حظها الذي أوقعها في غرفة مقابلة لهذا المروان المعتوه.
أما هو فضرب يده في الكرسي: دي اتجننت لما غلط فيه وبتحبه ازاى وأنا ال بقالي شهور عاشق فيها بس والله لعرف كل حاجة ومش هتكون لحد غيري حتىٰ لو غصب عنها.
زفر في غضب واتجه إلىٰ غرفته.
فتحت باب الغرفة
:ها خالد كويس عامل ايه وحشني اوي يا فيروزة.
رمقتها بغضب: كويس يا خلود وبيسلم عليكِ وبيقولك إنه بيحبك
خلود صاحبة البشرة السمراء ويزين خدها غمازة تضيف لإبتسامتها سحر وشعر كيرلي يصل إلىٰ أسفل رأسها: طيب وموضوعك عملتي في ايه
لم تستطع التحدث وأجهشت في البكاء بحرقة لتحتضنها خلود بقوة وهي تربط علىٰ ظهرها لتُشعرها بأمان تفتقده بشدة لا تعلم لما تبكي أتبكي لأن أبيها مـستعد أن يزوجها لأي رجل يملك أموال، أم أن حظها التعيس جعلها تضرب رجلاً من أغنياء مصر والآن يريد تزوجها بعد ما كان طلبه هو ليلة واحدة، أما تبكي لأن مشاكلها سبب بعد أخيها عن حب طفولته خلود، أم لأن مروان يظن بها سوء لتقول في نفسها: وكأن الحياة تود أن تخبرني أن لا وجود للسعادة في حياتي، لذلك دائما ما تأتي صفعتها متتالية.
نامت بعد بكاء دام طويلًا وجاورتها خلود.
دَلف خالد إلىٰ المنزل والوقت يقارب السابعة صباحًا فهو يسكن في قرية تابعة لمحافظة الشرقية، أما أخته فهي في إحدىٰ جامعات القاهرة ليأتيه صوت والده المحذر: لو كنت عارف طريق فيروز ومخبي يا خالد متحلمش إنك تتجوز ال اسمها خلود دي.
نظر لوالده بقسوة: معرفش طريقها وأتمنىٰ ألاقيها قبلك علشان أنقذها من حضرتك، فيروز مغلطتش لما رفضته هو الجواز عمره ما كان عافية حج عزت، راجع نفسك صح هتعيش في قصر بس هتبقي تعيسة.
رفع إصبعه محذرًا إياه: بقولك ايه مش هتيجي أنتَ تعدل عليا يا خالد قرب شوف أنتَ رايح فين خلفة تسد النفس.
كانت تَقف في المَطبخ مترددة أتقل لزوجها أنه مخطئ لتنشب مشاكل جديدة بينهم أم تبكي سرًا خوفًا علىٰ الفتاة الصغيرة التي في البيت، أم تطلب الطلاق وترتاح من زوج كُل ما يهمه هو أن يملك ثروة كبيرة، لم تجد سوىٰ الرب الرحيم بعباده فتوجهت إليه وإختارت وقت لتدعو فيه لزوجها أن يُبعد الله عنه شيطانه، وأن يكون لإبنتها زَوج آخر غني ولا يحبها ولا يريد الانتقام منها علىٰ رفضها له، وأن يكون لخالد وخلود حياة هنيئة معًا، وأن يَحفظ لها صغيرتها سما.
كحالنا جميعًا عندما تخذلنا الحياة، ويتساقط البَشر مِن حولنا كأوراق أشجار الخريف، نلجأ إلىٰ مَن يسمعنا في كُل حين، ويغفر لنا كُل ذلاتنا، نلجأ إلىٰ رحمان رحيم.
أفاقها مِن قرارها صوت زوجها: يلا يا اسماء خلصي الفطار البت هتتأخر علىٰ مدرستها.
لتردف بصوت غلب عليه الحزن: حاضر يا أبو خالد حالًا.
وقفت تمسك ببنطال أبيها: بابي أنا عايزة فيروز توديني المدرسة زي كل يوم.
ابتسم لها: خالد هيوديكي وفيروز مش هتيجي هنا تاني فيروز هتتجوز أبيه ماجد ال بيجبلك شوكولاته.
زفرت في غضب ضامة ذراعها أمام صدرها: أبيه ماجد وحش وفيروز أحلىٰ منه وأنا مش بحبه.
رفعت نظرها لها في غضب: سما عيب اعتذري من بابا
لتضع الصغيرة رأسها أرضًا لتُخفي دموعها: أنا أسفه يا بابا مُتجهة إلىٰ من يعوضها بعض الشيء عن غياب فيروز.
نظر لها وابتسامته متسعة: أنا عارف إني طماع يا أسماء وعايزة فلوس وعز بس عارفة رغم كل العيوب ال فيا إلا إنك عمري ما غلطيني قدام حد من العيال، ولا حتىٰ ما بينا دايمًا ألاقيكي بتدعي وبعد كام يوم ألاقي نفسي برجع عن قرارتي، حتىٰ قرار فيروز خايف دعواتك تستجاب وترجع ونخسر العريس الغني دا.
بللت شفتيها: بص يا أبو خالد فيروز مكتوبة لواحد من وهيا عيلة في اللفة ولا أنا ولا أنتَ نقدر نجوزها غيره، ويمكن العريس ال أنتَ شايفه كويس دا يكون بس سبب لأجل يجي نصيبها.
تركها لا يود أن يتناقش معها فهو سيخسر أمام إيمانها.هايدي عطية
أنت تقرأ
فيروزة مروان(مكتملة)
Romanceالعِشق تَملك، يرفض كل الطرفين فيه أن يقترب أحد من معشقوه، والغرور قد يكون مثيرًا، إن عَشق الرجل إمرأة بلسان حاد فليذهب غروره الجحيم، فستكون هي الكاسر الوحيد لغروره، ويكون هو راضٍ بكل ذلات لسانها، فالعاشق مهما وصل غروره وبروده إلا إنه أمام من يحب لا...