٧-بِلَا رُوح.

80 24 38
                                    


كانت تنظر إلَيَّ بعنين مكسورتَي الحاجبين من المنتصف، وزمّة شفاه بسيطة، بغضبة، وانكسارة صغيرين، أو كبيرين ربما. صرختُ عليها قبل ذلك، طالبًا صمتها بخصوص الموضوع، أو الوجع الذي تحدثت عنه؛ فأعادت القول خافتًا: «أنا أخبرت أمي وأمك أن المشكلة فيَّ أنا، لذلك لا بأس، يمكننا الذهاب للعلاج لنتأكد أكثر، هناك دولة مجاورة فيها أطباء متخصصون، سأبيع ذهبي لنذهب».
-«قلت لكِ، لا!». نهرتها حتى ارتجفت أوصالها، رمقتني بخوف اجتمع بالحزن، والدموع في أهدابها، زمت شفتيها أكثر، واستدارت خارجةً من الغرفة.

نمت في الصالة تلك الليلة، وتركتها في الغرفة وحدها، حتى في الصباح لم أدخل إليها، ولم أرد عليها حين نبهتني بيأس أنها صنعت لي الفطور كما أحبه.
...

راشد جلس بجانبي، ينفخ في سيجارته قائلًا: «أبو صلاح قد يغلق المحل قريبًا، سينتقل، أنت تعلم هذا، صحيح؟».
يصمت لثانيةٍ، ينظر إليّ فيها، وهو يعلم أنه لن يلقى جوابًا؛ فيكمل: «عليك البحث عن بديلٍ، أو...»
صمتَ، ونفخ من سيجارته مرة أخرى، ثم أخذ يقلبها بين إصبعيه السبابة والوسطى، ثم أكمل بطريقته حين يعلم أنه يبدأ بإزعاجي: «أو يمكنك العمل في مزرعة حميكَ، وتشغلنا معك، ما رأيك؟».
كشرتُ، ثم التفتت إليه عاقدًا حاجبي بسبب الشمس، نبست وأنا أكظم غيظي من حظي: «إن أردت أن تعمل عند أحد؛ فاطلب منه بنفسك».

تركته خلفي في المقهى، وكان العصر في نهاياته، خطوت لبيت أمي، التي استقبلتني بحفاوةٍ، صبت لي الشاي، وأتت بالكعك، وبعد حديث طويل همست لي: «بني، ألا تريد أطفالًا؟».
مررت يدها في غور الجرح، تنحنحتُ، وبدأتُ بتقليب السكر في كوب الشاي؛ فاعتدلتْ في جلستها، ويداها مضمومتان لبعضهما، وأردفتْ مستلطفة: «حان الوقت لنرى أحفادنا، أنا أعلم أن لين فتاة طيبة، ولكن الطيبة وحدها لا تكفي؛ يجب أن تنجب أيضًا».
-«هذا الموضوع، لا يزال الحديث عنه باكرًا، نحن في عامنا الثالث فقط».
-«وهل يسعفني عمري لعيش عام آخر!» نطقتها بحسرةٍ، زادت اتقاد صدري، وعقدة حاجبَي، ذاب السكر، وتناثرت بعض قطرات الشاي خارج الكوب، تركت أمي أيضًا، وعدتُ إليها.

كان هناك حذاء رجالي أمام العتبة في الداخل، وصوت أبيها، ألقيت السلام عليهما، ودخلت، كان جالسًا، وبجانبه كيسٌ كرتوني ذو حجم أكبر من المتوسط بقليل، وكأن أموالي لن تكفي ابنته!

نهضت هي فور أن رأتني، متجهةً نحو المطبخ، قائلةً أنها ستحضر لي كوب شاي، كانت الجلسة طويلةً طول عمري، وثقيلةً ثقل صدري! حتى ذهب أبوها.
ودعته هي، وأنا في الداخل، أملتُ الكيس لأرى ما فيه، فستانان أو ثلاثة، عطور، بودرة، وحتى فوطٌ صحيةٌ! ارتفع حاجبي إثر رؤيتي لذلك، وعرفتُ، عرفت أنه يعلم أن الخطأ ليس في ابنته، بل العيب فيّ أنا!

حين دخلت علي بتردد، وجلست على حافة الأريكة، سألتها: «تريدين أطفالًا، صحيح؟»
بملامح مستغربة على وجهها الطفولي، أرجعتْ خصلاتها النحاسية لخلف أذنها، وأومأتْ بتردد، فأردفتُ: «ستفعلين أي شيء لذلك؟ ستستسهلين أي شيء لذلك، صح؟».

نطقتْ، وقد لاح طيف أمل في عينيها، التي انعكست زرقاء بعد رفعها لرأسها: «كل شيءٍ سيكون ممكنًا».
ابتسمتُ، ثم ألقيت عليها كل الثقل الذي كان في صدري من اليوم بطوله: «إذًا، أنتِ طالقٌ، يمكنك المشي في الطريق الذي تريدينه».

تجمدت ملامحها، وشحُبتْ كأن لونها اختفى، خرجتُ من الدار، وأغلقتُ الباب، هِمتُ على وجهي طوال الليل، وحين اقترب الفجر من الانبلاج؛ تذكرتها، عدتُ لداري، أجرُّ خيبتي ورائي، دخلتُ، ببطء رحت لحيث كنا، فوجدتها متكئةً على ذات الأريكة، ولكن بلَا روحٍ.

.تمت.

نَزِيف..«مكتملةٌ»حيث تعيش القصص. اكتشف الآن