الجِهادُ في القرآنِ والسُّنَّةِ.

32 4 2
                                    

الجِهادُ في القرآن والسُّنَّةِ:

ورَدَت كلمةُ "جِهاد" بمشتقَّاتِها في القرآنِ الكريمِ إحدى وثلاثين مرَّةً بينما وَرَدت كلمةُ "حرب" أربعَ مَّراتً فقط، ونلحظُ أنَّ معنى"الجهادِ" في القرآن وفي نصوصِ السنة المُحمَّديَّةِ أوسعُ و أعمُّ مِن معنى القتالِ، حيثُ يَعني القتالُ تحديداً: المواجهةَ المسلَّحةَ في الحروبِ،

بينما يَعني الجهادُ: بذلَ الجُهدِ في مقاومةِ العدوِّ، سواء أكان هذا العدوُّ شخصاً مُعتدياً، أم شيطاناً يجِبُ على المؤمنِ مجاهدتُه، أو حتى نَفْسَه الَّتي بينَ جَنبَيهِ، الَّتي تُزيِّنُ له فعلَ الشَّرِّ.

وكما تتعدد معاني الجهادِ تتعددُ و سائلُه أيضاً، فهناك الجهادُ بالنَّفْسِ، أو بالمالِ، أو باللِّسانِ، بمعني الحُجَّةِ و البُرهانِ، أو بالقرآنِ وذلك في مجالِ بيانِ الإسلامِ و دعوة الناس إليه، فكلُّ هذه أنواع ٌو معانٍ للجهادِ، يذكُرُها القرآنُ الكريمُ والسُّنَّةُ النَّبويَّةُ.

وممَّا جاءَ في القرآنِ من هذه المعاني خطابُ اللهِ لنبيِّه محمّدٍ ﷺ بالجهادِ بالقرآنِ في قولِه: {فَلاَ تُطِعِ الكَـٰفِرِينَ وَجَـٰه‍ِده‍ُم بِهِ جِه‍َاداً كَبِيراً } [الفرقان: ٥٢].

والنبي محمد ﷺ يُسمِّي جهادَ النَّفْسِ والشيطانِ واله‍َوى الجهاد الأكبرَ أو الأفضلَ، مُقارناً بالجهادِ الأصغرِ الَّذي هو القتالُ في ساحةِ الحربِ، ومن أمثلةِ الأحاديث التي تُبيِّنُ ذلك: قولُه ﷺ: "المُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه"¹، وقولُه ﷺ: "جاهِدوا أهواءَكم كما تُجاهِدون أعداءَكم"².

ويجب أن نعلم أنَّ الجهادَ الذي يكونُ بالنَّفْسِ أو بالمالِ ( كالقتالِ، وكَتمويلِ الجيشِ مثلاً ) مشروط -في القرآنِ- بأن يكونَط في سبيلِ اللهِ، ومِن أجلِ أن تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا.

ممَّا يضع أيديَنا منذُ البداية علي قاعدةٍ أصيلةٍ في الإسلامِ، هي ارتباطُ مشروعيَّةِ الجهاد بغايات إنسانيَّةٍ نبيلةٍ، الأمر الذي يَعني:
أنَّ الجهادَ في فلسفة الإسلام لم يُشرعْ من أجل التوسُّع، أو احتلال الأرض، أو السيطرة على موارد الغير، أو قهر الشعوبِ وإذلالِها، أو غير ذلك مِن الأغراض الشَّيطانيَّةِ التي حمَلَت كثيراً من أبناءِ الحضاراتِ - قديماً وحديثاً- على قتلِ الناسِ و احتلالِ أراضِيهم و السيطرةِ على مُقدَّراتِه‍م.

وكلمة "الجهادِ" وإن كانت تحتملُ معاني عدَّةً غيرَ القتالِ -كما ذكرنا- إلا أنَّ استعمالتها في القتالِ في سبيلِ اللهِ، هو الاستعمال الأغلب و المشهور في أدبيَّاتِ الإسلامِ.

الجِــهادُ والحــربُ:

الجهادُ في الإسلامِ ليسَ حربَ الاعتداءِ على الناسِ، بل هو الحربُ التي تكونُ في سبيلِ اللهِ فقط، فإذا خرَجَت الحربُ عن هذا الإطارِ فإنَّها لا تكونُ جهاداً، وإنما تكونُ عملاً قبيحًا مرفوضًا في شريعةِ الإسلامِ وأخلاقهِ.

مِن هنا نستطيعُ أن نضع تعريفًا للجهادِ بأنَّه: القتالُ في سبيلِ اللهِ، سواءٌ أكان بالاشتراكِ المباشِرِ في العملِ العسكريِّ (الحرب) أم بالمساعَدةِ بالمالِ، أو بالرأيِ و التفكيرِ، أو بالخِدْماتِ الطِّبِّيَّةِ، أو بأيِّ مجهودٍ يُبذَلُ مِن أجلِ الدِّفاعِ عن العقيدةِ وعن الأوطانِ.

ولكن علينا أن نُفرِّقَ بينَ كلمتينِ يُؤدِّي الخلطُ بينَهما إلي الوقوعِ في سُوءِ الفَهمِ حين نُفسِّرُ الجهادُ بمعني القتالِ في سبيلِ اللهِ، هاتانِ الكلمتانِ هما: "القتلُ والقتالُ"، والفرقُ بينهما كبيرٌ:

فالقتلُ يعني: مبادرةَ الآخَرِ بالسِّلاحِ و قتلَه، وهذا لا يتطلَّبُ إلا قاتلاً من جانبٍ، وقتيلاً مِن جانبٍ آخَرَ. بِخلافِ القتالِ: فإنَّه لا بدَّ فيه من طرفَينِ، يقاتلُ كلٌّ منهما الآخَرَ، ويمارسُ كلُّ طرفٍ منهما فعلَ القتلِ ضدَّ الطَّرفِ الآخَرِ.

والمعنى الذي تَتَضمَّنُه كلمةُ "الجهادِ" هو: المعني الثَّاني، الذَّي هو القتالٌ، وليسَ المعنى الأوَّلَ الذي هو القتلُ.

والنتيجة التي يَنتهِي إليها هذا التحليلُ:

هي أنَّ الأمرَ بالجهادِ في الإسلامِ ليسَ أمرًا بالقتلِ، بل هو أمرٌ بالمقاتَلةِ؛ أي: التَّصدِّي للمقاتِلِ ومُجاهدتُه لردِّ عدوانِه ووقفِ هجومِه.
والجهادُ بهذا المعنى يتوافق مع ما يُعرَفُ الآنَ بــ"وِزارةِ الدِّفاع"، التي تعني أن مهمتها تكمن في التصدي لكل اعتداء على الوطن بمفهومه الواسع.

وإذَن ففريضةُ الجهادِ التي يَعمل الغَربُ على تشويهِها ليسَت إلاَّ حقَّ الدَّفاعِ عن النَّفْسِ وعنِ العقيدةِ وعنِ الوطنِ، وما نظُنُّ أنَّ عاقلاً يُصادرُ على هذا الحقَّ الطبيعيِّ، أو يُشغِّبُ عليه بتلبيساتٍ وأباطيلَ، اللهمًّ إلاَّ إذا كانَ مِن هؤلاءِ السُوفِسطائيِّين الجُدُد، العابثِين بِبَدائِهِ الأذهانِ و مُسلَّماتِ العقولِ.

***
_______________
(١) أخرجه الترمذي في "جامعه" (١٦٢١) وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد في "مسنده" (٢٣٩٥٠) وابن حبان في "صحيحه"(الإحسان:٤٦٢٤).
(٢)انظر: "المفردات في غريب القرآن" للأصفهاني، مادة:"جهد"، ص٣٠٨.

الجِهاد في الإسلام.♥️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن