حقائقُ حــولَ الجِهـــادِ.

6 2 0
                                    

حقائقُ حــولَ الجِهـــادِ:

- ليسَ صحيحًا أنَّ الإسلامَ دينُ السيفِ كما يَتردَّدُ في كتاباتِ بعضِ الغربيِّين ممَّن تخصَّصوا في تشويهِ صورةِ الإسلامِ وحضارتِه، والكلامُ في ردِّ هذه الفِرْيةِ طويلٌ، لكن نكتفي بأن نَلِفَت أنظارَ هؤلاءِ إلى أنَّ القرآنَ الذي قرَّرَ حريةَ الاعتقادِ في آياتِه الصريحةِ لا يمكِنُ أن يقرِّرَ في الوقتِ نَفْسِه استعمالَ السيفِ ولا غير السيفِ في نَشِر الإسلامِ، وليسَ له مِن طريقٍ في الدعوةِ إلى الإسلامِ إلا طريقَ الإقناعِ بالحُجَّةِ والبرهانِ، قالَ تعالى: {ٱدعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلحِكمَةِ وَٱلمَوعِظَةِ ٱلحَسَنَةِ وَجَـٰدِلهُم بِٱلَّتىِ هِىَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِٱلمُهتَدِينَ}[النحل: ١٢٥].

على أنَّ المقارنةَ بين القرآنِ وغيرِه مِن الكتبِ المقدَّسةِ تُثبتُ أن كلمةَ السَّيفٓ ليسَت مِن ألفاظِ القرآنِ، وأنَّها لم تُذكَر فيه ولا مرةً واحدةً، لا مفردةً ولا مثَّناةً ولا مجموعةً، وهذا أمرٌ مدهشٌ إذا أخَذنا في الاعتبارِ أنَّ السَّيف كان -في وقتِ نزولِ القرآنِ- رمزَ الشجاعةِ والبطولةِ للشبابِ والأفرادِ والقبائلِ.

- وليس صحيحًا أنَّ المسلمين عشَّاقٌ للحروبِ، بل الأمرُ على العكس تمامًا، والقرآن مملوءٌ بالآياتِ التي تدعو إلى السلامِ، وإلى تَلَمُّس كلِّ الطُّرقِ التي يَتفادى بها المسلمون كارثةَ الحربِ، والنبيُّ محمدٌ ﷺ يقولُ للمسلمين: "لا تَتَمنَّوا لقاءَ العدوِّ، وسَلُوا اللهَ العافيةَ، وكانَ يقولُ: "دَعُوا الحبشةَ ما وَدَعُوكم، واتركُوا التُّرْكَ ما تَركُوكم"² .
وهنا نَلِفتُ النَّظرَ إلى أنَّ المسلمين لم يقاتِلوا الحبشةَ المسيحيَّةَ، ولم يدخلوا معها في حربٍ، رغم قُربِها مِن المدينةِ المنورةِ عاصمةِ الإسلامِ، ورغمَ معرفةِ المسلمين بأحوالِ الأحباشِ، ورغم ضعفِها -لم يحدُثْ أنِ انتهز المسلِمون ضعفَ الحبشةِ واستعمروها، ولكنَّهم حاربوا قريشًا وفارسَ والرُّومَ؛ لأنَّ هذه الدُّوَلَ الأخيرةَ مَارَسَت على المسلمينَ عدوانًا حقيقيًا، وكانت تشكِّل خطورةً شديدةً على وجودِ دولةِ الإسلامِ، بينما كانَتِ الحبشةُ محايدةً ومسالمةً.

- الحربُ في شريعةِ الإسلامِ مُنضبطةٌ بقواعدَ إنسانيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ، لا زِلنا نَفتقِدُها في حروبِ حضاراتِ القرنِ الواحدِ والعشرينَ، ويطولُ بنا الحديثُ لو رُحنا نَستقصي هذه الضوابطَ الأخلاقيَّةَ التي حكَمَت معسكرَ المسلمين في حروبِهم مع غيرِهم، ونكتفي بالإشارةِ إلى ما يَعلَمُه المسلمون مِن أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يأمرُ قادةَ الجيوشِ بألَّا يقتلوا الصِّبيانَ ولا الأطفالَ ولا المُسنِّينَ ولا النِّساءَ ولا الأُجَراءَ الضعفاءَ، وكان يَنهى عن التمثيلِ بالقَتلى³، وأنَّ قادةَ الجيوشِ والجنودِ كانوا يَحفظون عن ظهرِ قلبٍ القانونَ الحربيَّ: لا تَقتُلَنَّ امرأةً، ولا صَبيًّا، ولا كَبيرًا هَرَمًا، ولا تَقطَعَنَّ شَجَرًا مُثمِرًا، ولا تُخَرِّبَنَّ عامِرًا، ولا تَعقِرَنَّ شاةً ولا بَعيرًا إلَّا لِمأكَلَةٍ، ولا تُحرِّقَنَّ نَخْلًاولا تُغرِقَنَّه، ولا تَغلُلْ ولا تَجبُنْ.

- إنَّ الحقيقةَ التي يَكتُمُها البعضُ في إنتشارِ الإسلامِ بهذه السرعـةِ العجيبةِ هي أنَّه دينٌ سهلٌ في عقيدتهِ، أخلاقيُّ في أحكامهِ وشريعتهِ، وأكبرُ دليلٍ على أكذوبِة العنفِ والسيفِ في الإسلامِ هو انتشارُ الإسلامِ الآنَ بينَ الأوروبيِّين والأمريكيِّين بالملايين، وبصورةٍ أقلَقَتِ الدوائرَ السياسيَّةَ والدينيَّةَ هناك، فأين هذا السيفُ أو هذا العنفُ الذي يحملُ الأوروبيِّين والأمريكيِّين ويُجبِرُهم على التَّحوُّلِ إلى دينِ الإسلامِ؟
معَ الأخذِ في الاعتبارِ أنَّ الإسلامَ لا يعترِفُ بالتبشيرِ الذي تعتمِدُه المؤسَّساتُ الدِّينيةُ في أوروبا وأمريكا، وإنما يعترِفُ فقط بالاقتناعِ الناشئِ عن نَظرٍ وتفكيرٍ وبرهانٍ، ولولا ضيقُ المقامِ لَسَرَدنا مِن أقوالِ الغربيِّين المُنصفِين وشهاداتِهم ما يؤكِّدُ كلَّ جملةٍ كُتِبَت في هذا الموضوعِ.

***
__________________
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٩٦٦) ومسلم في "صحيحه" (١٧٤٢).
(٢) أخرجه أبو داود في "سننه" (٤٣٠٢) والنسائي في "سننه" (٣١٧٦) وهو حديثٌ حسن.
(٣) كما ورد في حديث بريدة رَضِيَ ٱللَّهُ عَنهُ الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" (١٧٣١).
(٤) في بعض الروايات: "نَحلاً".
(٥) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٨١٢٥) موقوفًا على أبو بكر الصديق رَضِيَ ٱللَّهُ عَنهُ.

الجِهاد في الإسلام.♥️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن