خطوط من أشعة الشمس المتسللة من ثقوب الخيمة أيقظت تليلان من سباته ففتح عيناه ببطء حتى لا يزعجه الضوء و وضع ذراعه على جبهته متأملاً سقف الخيمة و مردد في صدره كل حمد يحفظه
حمداً على إمتلاكه يوم إضافي في حياته ، حمداً على وجود زينب و الطفل الجديد ، حمداً على وجود عمته و عمه و الأهم من ذلك كله حمداً على عودة اخاه إلى حضنه ، وجه نظراته بإتجاه بادي فوجده مستيقظاً جالساً و قد بدأ على محياه إنشغال الذهن فنادى فيه
تليلان: صبحك الله بخيره يا خوي
بقى بادي صامتاً متجمداً فما كان من تليلان إلا أن زحف مقترباً منه فتنبه بادي لوجوده و رفع وجهه المبتسم بإتجاه
بادي: قمت من النوم
تليلان: اييه من فترة و حتى إني كلمتك بس ما رديت عليّ
بادي: اووه يمكن من التعب ما ركزت و انا أخوك
تليلان: ما صرت احسن الحين؟
بادي: الحمدلله الحين تحسنت ورجعت لي قوتي، بعدين يعني فيه احد يشوفك و ما ترد له عافيته؟ "ختم كلماته بضحكة"
ضرب تليلان رأسه بخفة ثم قام و شد يد بادي معه يقومه
تليلان: قم قم و خلنا نروح نأكل دامك تقول اني رديت لك عافيتك الحين دوري أرد عافيتي .. سار متجه لخارج الخيمة ثم أكمل.. هالأيام الي مرت بدونك خذت من روحي مو بس من عافيتي
لحقه بادي بخطوات ابطء و اثقل و أردف و هو يضع يده على كتف تليلان
بادي: من جد خفت عليّ؟
تليلان: اييه جد ليش مستنكر الموضوع ؟! انت كل هلي يا بادي و شلون ما اخاف عليك
ابتسم بادي لتليلان و أخفض رأسه بإحراج و في داخله حمد الله على وجود تليلان ، تليلان لين و لا ينحرج من إظهار عاطفته ابدا على عكسه تماماً.
في المراعي ، وقف ذيب أمام جمع من الأطفال متفاوتي الاعمار جمعهم هدف واحد و هو تعلم الرماية ، ألقى ذيب عليهم لمحة سريعة في محاولة لحفظ وجوههم و تقدير قدراتهم حسب اجسامهم، همهم قليلاً ثم بدأ دروسه معهم.
في المساء وصوت الحادي قد بدأ يخفت شيئاً فشيئاً و يختفي مع الشمس الغائبة بقي ذيب في المراعي بعد أن أنهى دروسه مع الأطفال متأملاً السماء القرمزية و نسيم المساء البارد لا يمر به فحسب بل و يعبر روحه يبرد رماد أياماً خالية ولت و تركت خلفها نار موقدة فيه ، بقي مدة طويلة في المرعى استنكر خلالها سهيل اختفائه فذهب يبحث عنه، تنبه ذيب على وجود سهيل بعد أن جلس بجواره
سهيل: وش مجلسك للحين في المرعى يا ذيب ؟
ذيب: الرضا
سهيل و قد ارتسمت علامات التعجب على وجهه: الرضا!!
ذيب: ايه .. احس ان قلبي مليان رضا في هذي اللحظة و كل شي من حولي السما النسيم وحتى الحجر قاعد يزيد هذا الشعور في قلبي و خفت لو تركت مكاني يغادرني شعوري
همهم سهيل ثم أردف: تغيير المكان ما راح يغيير سبب رضاك لذلك ما اعتقد أن شعورك ممكن يتغير لو تحركت طالما السبب باقي موجود
ابتسم ذيب والتفت ناحية سهيل: هذي هي المسألة انا ماني داري عن سبب الشعور بس ادري ان داخلي مليان رضا و الشعور الي يجي بدون سبب يروح بمثل ما جا
سهيل: طيب خلنا نبات الليلة هنا دامك خايف على شعورك هالقد
ضحك ذيب موافق على كلام سهيل.
في إحدى الخيام حاول بادي النوم لكن هماً اشغل روحه حال دون نومه فظل يتقلب في فراشه أملاً في أن يغلبه النعاس لحظةً و ينام غير أنه بقى على حاله فما كان منه إلا أن قرر في ختام ليلته مصارحة الشيخ بما وجده أثناء مهمته في الصباح.
في الصباح و قد امتلئت المراعي بالماشية و الرعاة و أنطلق الناس إلى أشغالهم ذهب بادي إلى الشيخ و أستأذن الرجال للإنفراد به
بادي: جيت اعطيك الخبر الأكيد عن الموضوع الي ارسلتني له يا عمي
الشيخ متعب: اسمعك
بادي: بمثل ما وصلتك الأخبار يا عمي الغار فيه أربعة رجال مع بندقياتهم و فيه رجلين مربوطين وحسب ما سمعت من كلامهم فاللي بينهم ثار
الشيخ متعب : ما قصرت يا بادي
بادي: بس يا عمي ترا الطريق غير عن الوصف الي وصلك و هذا الي خلاني اضيع
الشيخ متعب: و حفظت الطريق الصحيح زين؟
بادي: اكيد
الشيخ متعب: طيب .. انت برأيك وش نسوي معهم؟
بادي: الاحسن من رأيي إنك تجتمع بالرجال يا عمي و تشوف شنو يشيرون عليك لأن الموضوع موب هين ولا ندري وش صاير بينهم بالضبط
همهم الشيخ متعب ثم امر رباح أن يبلغ جميع الرجال بضرورة الاجتماع عنده غدا صباحاً بينما استأذن بادي و خرج
قبيل الغروب اجتمع الأربعة معاً بعد أن انهوا أعمالهم ، لفتت عدة الرماية الخاصة بذيب نظر تليلان فقام يتفحصها
تليلان: من صنع لك هالعدة يا ذيب ؟
ذيب: صنعتها بنفسي
التفت الثلاثة متفاجئين
تليلان: ما شاء الله ما توقعتها منك
بإبتسامة ذيب اجاب : ليش؟ ولا يعني عشاني كنت شيخ توقعت إن ما لي في مثل هذي الامور
تليلان: اييه يعني تقدر تقول كذا
ضحك ذيب على اعتقاد تليلان بينما تحدث بادي بينما يتفحص ذيب بنظراته : الظاهر فيه كثير اشياء باقي للحين ما عرفناها عنك يا ذيب ولا شرأيك انت
لاحظ ذيب نظرات بادي المنزعجة تجاهه فحاول ضبط نفسه و الرد بهدوء : لا تخاف يا بادي بتظهر لك الأيام كل الخفايا
اشاح بادي بنظراته لبعيد وأردف : يصير خير
بينما أكمل ذيب و تليلان حديثهم إقترب سهيل من بادي و همس له بتساؤل : وش فيك على ذيب
بادي بإستغباء : ما فهمت عليك؟
سهيل: بااادييي تدري وش اقصد
بادي: هههه ما بيني و بينه شي .. بس ذيب غريب عنا و مو معقول في يومين احط كل ثقتي فيه
سهيل: ان كنت ما تبي تثق فيه ف انت حر بس لا تتعرض له لا بالكلام ولا بالافعال
بادي: و وش الي زاعجك انت؟
سهيل: زاعجني انك قاعد تأذيه بكلامك وما ابيك تنسى يا بادي ان ذيب استجار بينا و هو ضيف عندنا و اظنك تدري ان هذي مهي عوايدنا مع ضيوفنا
همهم بادي دون رد اخر و كأنه يشير بصمته على حقيقة بقائه متمسكاً برأيه
انفض جمعهم بعد حلول المغيب و ذهب كل واحد منهم إلى خيمته يستريح من عناء يومهم.
صباحاً و قد إجتمع الرجال عند الشيخ
احد الرجال : قالوا تبينا يا شيخ
الشيخ متعب : ايه صحيح و بس يجتمع كل الرجال راح ابدأ كلامي
بعد مرور برهة اجتمع خلالها كل الرجال تنفس الشيخ بعمق وكأن صبره قد نفذ تجاه الحمل العظيم الذي بقي يحمله لأيام
الشيخ متعب : ابيكم تشُورون علي
أحد الرجال : حاضرين يا شيخ بس علمنا شالسالفة؟
هز الشيخ متعب رأسه ثم أكمل حديثه : من فترة وصلتني علوم أن فيه رجال غرب موجودين في حدود الديرة و للصراحة ما تطمنت لوجودهم بالاخص انهم ما جوني و لا حتى اعطوني خبر انهم راح يقعدون في الديرة و علشان اتأكد ارسلت بادي من ايام يتبع وراهم و يفهم قصتهم و من الي عرفه بادي انهم اربعة رجال مسلحين مع رجلين و الظاهر ان بينهم ثار و الحين وش رأيكم يا رجال؟
احد الرجال : و ليش ما نتركهم بحالهم
قاطعه رجل ثاني و رد عليه : وشلون نتركهم بحالهم و هم غريبين ولا ندري عنهم شي! وش راح نسوي لو انهم كان عيون لجماعة ثانية و ناوين علينا شر
رد الرجل الاول: الشيخ قال ان الظاهر بينهم ثار يعني ما لنا علاقة بيهم
رجل اخر : و أن كان بينهم ثار هذا ما يعطيهم الحق
يقعدون في ديرتنا بدون اذن
رد احد الرجال من اخر المجلس: و الحين يعني وش نسوي معهم
الرجل الثاني : وش قولك أنت يا شيخ ؟
صمت الشيخ لثواني ثم اردف: انا من قولي لو يروح اقوى الرجال بأسلحتهم و يتواجهون معهم و يطردونهم من ديرتنا
ذيب: قولك طيب يا شيخ بس لو تسمح لي
الشيخ متعب : قول يا ذيب نسمعك
ذيب: اشوف لو تروح يا شيخ مع الرجال و تتفاهم معهم بالطيب يكون احسن يمكن انهم مو ناوين شر و لو فهمنا منهم بنقدر نساعدهم
احد رجال الشيخ: اشوف ان شور ذيب طيب يا شيخ و هذا الاحسن بدل ما نفقد رجالنا في المعركة
الشيخ متعب : على شوركم .. اجل من بكره الصباح راح نطلع لحدود الديرة جهزوا اسلحتكم و خيولكم
"حاضرين يا شيخ " ترددت من كل الرجال الموجودين في الخيمة
في المساء جلس تليلان قرب زينب يلعب مع الصغير
تليلان: إلا ما قلتي لي وش اخترتي اسم له ؟
زينب: فكرت نسميه غْديّر دامنا لقيناه عند الغدير
تليلان: ونعم ما اخترتي
ابتسمت زينب ثم اتبعت : سمعت انكم بكره راح تروحون لأطراف الديرة
تليلان: اييه صحيح نبي نشوف مسألة الرجال هناك
زينب: انتبه لنفسك عاد
تليلان: لا توصين حريص.. الحين عاد ما اقدر افرط بنفسي طالما صار عندنا ولد
ضحكت زينب و أكمل الاثنان ليلتهما في ود بينما نامت الواحة استعداد ليوم الغد.
أنتفضت الواحة منذ الفجر استعداداً لرحيل الرجال
وبعد أن أعدت العدة و العتاد انطلق الجمع نحو وجهتهم و بعد مسير استغرق ليلتين وصل الجمع إلى الغار المذكور ، اقر الشيخ بضروري أن يرتاح الرجال ليلة قبل الإقدام على ما هو اتى