عند الغدير حيث توقف الثلاثة يستريحون من حر الشمس وقف بجوارهم رباح خادم شيخ القبيلة منحنيا لاهثا يجمع أنفاسه الهاربة بعد ركض استنزف طاقته
سهيل : بشوي بشوي ع روحك
تليلان: شعندك ي رباح؟
رفع رباح وجهه و قد اختلطت حمرت خديه بوجهه الأدهم متحدث من بين أنفاسه : الشيخ يبيكم تروحون الحين له
سهيل: وش هذا الموضوع المهم لدرجة تذبح نفسك من الركض عشانه؟
بادي: الله يهديك ي سهيل يعني رباح و شلون بيعرف! خلونا نروح و نفهم الموضوع احسن
سهيل: اييه صادق
شد الثلاثة عقال أبلهم و هرعوا مسرعين نحو الخيام كانوا كلما أقتربوا من خيمة الشيخ كلما زادت الحيرة في عقولهم ، أصوات نقاش عالية و استنجاد ينطلق من الخيام المجاورة لخيمة الشيخ رجال القبيلة و غيرهم ممن لم يتعرفوا عليهم تبدو على وجههم سمات الهم و انشغال الذهن، نظر الثلاثة لبعضهم البعض يبحثون عن الأجوبة في أعينهم غير أن الدهشة كانت كل ما يرى في وجوههم المشتت ، اخيرا عقلوا أبلهم بجوار الخيمة و دخلوا
مخرجين من كانوا في الخيمة من انشغالهم بصوت سلامهم الأجش ، ألتفت الجميع ينظرون ناحيتهم بينما وقف الثلاثة مذهولين من المنظر أمامهم رجل في مقتبل العمر معصوب العينين و مقيد اليدين و الرجلين تتحرك شفاهه بهمسات يصعب سماعها جاثيا على ركبتيه وسط الخيمة يحرسه أربعة رجال من كل زواية ، أخرجهم من ذهولهم صوت الشيخ الذي وقف يناديهم
" سهيل .. بادي ... تليلان تعالوا سلموا على الرجال"
تبادل الرجال في الخيمة السلام و القبلات و السؤال عن الحال
الشيخ محدثا سطام الواقف بجوارهم: هذا سهيل ولدي و عيال عمه بادي و تليلان
حياهم سطام تحية خاصة جلس بعدها كل من في الخيمة و استكملوا نقاشهم ، بينما انشغل سطام بالحديث مع أحد رجاله أقترب سهيل من والده هامسا له : يبه وش السالفة ؟ من هذا الرجال و ليش هو في هذي الحالة ؟
الشيخ: الي اعرفه أن سطام شيخ قبيلة من بلاد ثانية و جاي يطلب العون و طلبت منه ما يتكلم بالسالفة لحد ما توصلون
همهم سهيل و بدأ بعدها الشيخ سطام حديثه
سطام: وصلتنا علوم أن كلمتك في هذا البلاد لها وزنها و الناس يقدرونك و ما يردون لك طلب يا شيخ متعب و بالذات الشيخ ظافر و عشانها سرنا هذا المسير نطلب منك العون
الشيخ : وصلت و دامك عندي ابشر بعزك
سطام: تسلم ، هذا الرجال هو الشيخ ذيب شيخ معروف له مكانته في بلادنا في عز الجفاف السنة الماضية غارت على قبيلته قبيلة الشيخ ظافر و في وقتها معظم رجال قبيلة الشيخ ذيب كان مرتحلين يدورن الماء و الخضرة و ما باقي فيها الا الكبار و النساء و استمرت الحرب بينهم أيام و انتهت بهزيمة قبيلته الي مات منها الكثير و استعبد من بقي من منهم اما الشيخ حبسوه بلحاله في قمة جبل مع هالرجال الأربعة الي ظلوا يحرسونه ليومك هذا
سهيل الذي بقي يفحص الرجل بنظراته ملاحظاً ملامحه الممتعضة من محور الحديث سأل بتردد سطام الذي توقف لبرهة
سهيل : الشيخ ذيب هذا هو نفسه ؟
" ايه انا هو الشيخ ذيب "
التفت الجميع ناحية الرجل الذي تدخل فجأة في الحديث كان من المستحيل معرفة اي تعبير تظهر عيناه لكن شفاهة المتجهمة كانت كفيلة بشرح إختلاجات نفسه
ذيب : كنت شيخ زمان اما الحين فالباقي من رجالي تشتتوا في الأرض مع عايلتهم ولا عدت شيخ على احد ولكن و أن دارت الدنيا عليّ يبقى دمي حر انا هنا يا شيخ متعب طالب وقفتك معي في إطلاق عقالي
الشيخ متعب : شيخ وانا ابوك و راح تبقى شيخ رغم الي صار يكيفك طيب أصلك و عزة نفسك الباقية رغم الي صار ، بس قل لي و شلون أساعدك ؟
سطام : هذا الموضوع عندي يا شيخ ، حاولت كثير مع الشيخ ظافر يفك اسر الشيخ ذيب و الشيخ ظافر كان يرفض في كل مرة لحد ما رزقه الله بالضنى بعد عمر طويل و وقتها قرر يفك اسر الشيخ ذيب لوجه الله من باب الشكر و الحمد بشرط واحد بس و هو أنك تتوسط له يا شيخ متعب و هذا نحن اليوم هنا طالبين عونك.
هز الشيخ متعب رأسه بتفهم سأل بعدها : و انت ليش هامك الشيخ ذيب ؟
مسح الشيخ سطام على يديه بينما أخفض عينيه و رد: ما انسى فضايل ابو ذيب عليّ و قلت لعلي ارد شوي منها بفك اسر ولده
الشيخ متعب : فهمت عليك ، التفت بعدها ناحية الشيخ ذيب وأكمل، ما راح ترد إلا و انت مرفوع الرأس دامك وصلت عندي يا شيخ ، باتوا الليلة هنا و من على بكرة الصبح راح نطلع للشيخ ظافر.
كلام الشيخ متعب كان مثل النسائم الباردة التي أثلجت صدر الشيخ ذيب بعد نيران ظلت مشتعلة لأيام في صدره احرقت كل جميل فيه.
في المساء بعد أن آوت الخيام أصحابها ، دخل إلى الخيمة التي ترك فيها الشيخ ذيب على حاله معصوب العينين مربوط الرجلين و اليدين جلس بجواره متلاصقين الأكتاف و الرسلان و الفنجان في يده
" بعد فك أسرك بكره وين بتعيش؟ "
بقي ذيب صامتا متوجسا من هذا الزائر
" على الأغلب ما عرفت مين أنا ، اعذرني ما عرفتك على نفسي قبل اتكلم انا سهيل ولد الشيخ متعب"
همهم ذيب بتفهم بينما صب سهيل القهوة في الفنجان و قربه لشفاه ذيب
ذيب : ما ابي
سهيل : ما اشتقت لطعم القهوة!
ذيب: ما ابي اشربها من يد غيري ولا راح اشربها الا بعد ما ترجع لي حريتي
سهيل: على راحتك ، ما جاوبتني شنو راح تسوي بعد ما تتحرر ؟
ذيب: التدخل و الفضول بخصوص الغير ما هي صفة حميدة
ضحك سهيل ضحكة خفيفة تلاها بتفسير سريع: ما اقصد اتدخل صدقني بس كنت افكر لو تقعد معنا هنا و تصير واحد منا بس هذا كل شي و قلت اكلمك بالموضوع قبل لا اذكره لأبوي
اشاح ذيب بوجهه و صمت حتى طال صمته أثناء هذا الصمت الطويل ابقى سهيل عينيه على ذيب يتأمل ملامحه محاولا أكتشاف شي من دواخله ، كان ذيب بالنسبة لسهيل أحجية تستحق عناء الفك و الحل
" مثل ما أن للكون ملك واحد للقبيلة بعد شيخ واحد ولا يمكن ان يجتمع فيها شيخين"
نطق ذيب بجوابه و طلب بعدها من سهيل تركه ليرتاح.
عند بزوغ الفجر شدت القافلة رحالها و أنطلقت إلى قبيلة الشيخ ظافر ، في الطريق كان بال الشيخ ذيب مشغولا بحوار الأمس جل ما كان يفكر فيه من قبل هو فك أسره و الان و قد بات ما سعى لتحقيقه قاب قوسين منه أو ادنى اشعل سهيل في داخله جذوة جديدة و تساؤلات متعددة عن ماذا سيفعل بعد الان و إلى أين يذهب أيجمع رجاله المشتتين؟ ام يكمل الباقي من حياته مرتحلا؟ او الخيار الجديد الذي وضعه سهيل نصب عينيه " البقاء مع قبيلة الشيخ متعب".
عند قبيلة الشيخ ظافر وبعد نقاش طويل استغرق اليوم بأكمله تمكن الشيخ متعب من أقناع الشيخ ظافر بتحرير الشيخ متعب و فك اسره، شعر سهيل لحظتها بالحبور يملئ روحه كما لو كان ذيب أخ عزيز أو صديق قديم بالنسبة له و هرع لذيب يبشره بالخبر السعيد و يفك قيده
سهيل:سمعت يا ذيب خلاص أنت الحين حر
أول ما رأت عيني ذيب التي بقيت معصوبة لمدة طويلة كانت إبتسامة سهيل الحانية، إبتسامة ما تخيل ترتسم على وجه أحد حين يتحرر و تبسم هو الآخر أيضا فهذه هي لحظته التي لطالما أنتظرها
أجتمع حوله رجال الشيخ متعب و سطام يلقون عليه التبريكات و التحايا و يحمدون الله على حريته.
بعد برهة استعد خلالها الرجال للعودة إلى الديار ، تحدث الشيخ متعب إلى ذيب و طلب منه أن يبقى لفترة في قبيلته حتى تعود له قوته و يكمل في طريقه الذي يختاره،
في طريق الرحلة أقترب سهيل بناقته من ناقة ذيب
سهيل: خير ما سويت يوم أنك قررت تبقى معنا
ذيب : لمدة وبس
ابتسم سهيل إبتسامة صغيرة تخفي خلفها العديد من الأفكار و رد: يصير خير
و أكملا الطريق بصمت وصولاً إلى الديار.