على خُطى الرَّسول ﷺ ٨٢

25 3 0
                                    

على خُطى الرَّسول ﷺ ٨٢
إنَّ منكم مُنفرين!

جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة/‏ الفجر من أجلِ فلان مما يُطيلُ بنا فيها!
فما رُؤيَ الغضبُ على وجه النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما رُؤي على وجهه في ذلك اليوم!
ثمَّ قال: يا أيها الناس، إنَّ منكم مُنفرِّين، فأيكم صلَّى بالناس فليوجِزْ، فإنَّ فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة!

إنَّ هذا الدِّين لا يُؤخذُ بالهوى، وإنما يُؤخذ بالاتباع، ولم يكن أحدٌ أخفّ صلاةً من النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس، وكان إذا صلى بالناس وسمعَ بكاء الصبيِّ في الصفوف خلفه، خفَّفَ في صلاته أكثر مخافة أن ينشغل قلب الأم على ولدها، ولكنه كان بأبي هو وأمي إذا صلى لنفسه قام الليلَ حتى تنفطرَ قدماه!

وهنا مقتل كثير من الأئمة والخطباء، أنهم يخلطون بين العبادات الفردية والعبادات الجماعية، قد يكون الإمام ممن يستعذب القرآن، ويجد لذة في أن يطيل صلاته وهذا شيء جميل، الليل أمامه طويل وليصلِّ كيفما شاء، أما حين يصلي بالناس فليس له أن يحملهم على ما لا يطيقون، ففي الناس رجل مُسنّ لا تكاد تحمله قدماه، ومنهم الرجل الذي لا يكاد يضبط وضوءه، ومنهم من تركَ وراءه دكاناً، أو ورشةً، أو وظيفةً، أو كان طالباً أراد أن يكسب أجر الجماعة بين المحاضرتين، وعندما يطيل الإمام في صلاته فإنه يشقُّ عليهم، فيسيءُ وهو يحسبُ أنه يُحسنُ، ويُنفِّر الناس وهو يحسب أنه يُرغبهم!

إننا نُصلي ونجاهد أنفسنا على الخشوع جهاداً عظيماً، وكلما كانت صلاة الإمام بالناس قصيرة، أعان الناس على ضبط خشوعهم، وكلما أطال كثر حديث النفس، ووسوسة الشيطان حتى لا يدري أحدنا ما قرأ الإمام! والواجب على الإمام أن يعين الناس على أداء صلاتهم بأكبر قدر من الخشوع، وما خفَّفَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندما سمع بكاء الصبيِّ في الصفوف خلفه إلا رحمة بالأم أن تنشغل بابنها عن خشوعها واستحضار قلبها، وقد كان لنا في نبينا أسوة حسنة!

أما عن خُطب الجمعة فحدِّث ولا حرج، يصعد أحدهم المنبر فلا يترك موضوعاً إلا دخلَ فيه، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الفنون، فيمضي الوقت الطويل وأخونا بالله على صهوة المنبر مسترسلا لا تطيب نفسه بمفارقته، وكأن مفارقة المنبر كمفارقة الروح للجسد، حتى صار الناس يبحثون عن المسجد الأبعد لأجل خطبة أقصر! وهذا من جرِّ المشقة على الناس وتنفيرهم من بيوت الله، ومن الجُمعِ والجماعات!

إن الفكرة التي لا يستطيع صاحبها أن يوصلها في عشر دقائق لن يستطيع أن يوصلها في ستين دقيقة! المشكلة في الغالب ليست في موضوع الخطبة بل في الأسلوب والطريقة التي ينتهجها الخطيب، وكلما زاد الوقت زاد ملل الناس، ولا أعتقِدُ أني وحدي من رأى بعض الناس نياماً والخطيب على منبره!
فيا أيها الخطباء والأئمة والوعاظ أنتم تقومون بأشرف مهنة وهي تعبيد الطريق أمام الناس وإيصالهم إلى الله، فلا تُفسدوا الهدف بقلة الفقه والتدبير!

أدهم شرقاوي

على خُطى الرَّسول ﷺحيث تعيش القصص. اكتشف الآن