على خُطى الرَّسول ﷺ ٨٩

26 2 0
                                    

على خُطى الرَّسول ﷺ ٨٩
اللهم لا تجعلني مثله

كان من عادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يملأَ مجالس أصحابه إفادةَ ومتعة، فأخبرهم ذات مجلسٍ قصةً جميلة من قصص بني إسرائيل فقال: كانت امرأةٌ تُرضِعُ ابناً لها من بني إسرائيل، فمرَّ بها رجلٌ راكب ذو شارة/ أي مشهور ومُهاب
فقالتْ: اللهم اجعلْ ابني مثله
فتركَ ثديها، وأقبلَ على الرَّاكب، وقال: اللهمَّ لا تجعلني مثله
ثم عاد إلى صدرها 
ثم مُرَّ بأَمَةٍ فقالت: اللهم لا تجعلْ ابني مثلها
فتركَ ثديها، وقال: اللهم اجعلني مثلها!
فقالتْ: ولمَ ذاكَ؟
فقال: الرَّاكب جبَّار من الجبابرة، وهذه الأَمة يقولون سرقتِ وزنيتِ ولم تفعل!

القَصص القرآني والنبوي ليس مادةً للتسلية وإن كان فيها شيء من المتعة، وإنما هي قصص للعظة والاعتبار، وقبل ذلك للإيمان والتصديق أنَّ هذا قد وقع حقاً مهما استغربه العقل، وخالفَ سُنن الكون، فإنَّ سُنن الكون تجري على الناس لا على الله!
فإبراهيم عليه السلام لم يحترق حقاً، وموسى عليه السلام شقَّ البحر بعصاه فعلاً، ويونس عليه السلام مكث في بطن الحوت صدقاً، وسليمان عليه السّلام كلَّم الحيوان والطير يقيناً!

وهذه قصة من قصص الصادق المصدوق، رواها البُخاريُّ، العِظة بها واجبة، والإيمان بوقوعها أوجب!

يُعلمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن لا تخدعنا المظاهر، ولا بهارج الدنيا وزينتها، فالفارس الذي تمنت المرأة أن يكون ابنها مثله كان ظالماً جباراً، والأمة التي تمنَّتْ أن لا يكون ابنها مثلها كانت مسكينة مظلومة!

لا تخدعنَّكَ المظاهر يا صاحبي فإنكَ لو التقيتَ أبا بكر في طرقات المدينة وهو رجل نحيل يتعاهد ثوبه بيده لربما لم تلتفِتْ إليه وهو أفضل الناس بعد الأنبياء!
ولو أنكَ التقيتَ بعمر بن الخطاب في طرقات المدينة ورأيته يمشي مسرعاً بثوبه المُرقَّع لربما قلتَ رجل ملهوف يُسابق ليحصل على صدقة وهو الذي لو سلكَ فجاً لسلكَ الشيطان فجاً غيره!
ولو أنكَ رأيتَ حُذيفة بن اليمان في أهل الصفة ينتظر أن يتصدَّق أحدٌ عليهم ليأكل معهم، لقلتَ يا له من مسكين وهو حافظ سرَّ النبي صلى الله عليه وسلم!
لا تخدعنَّكَ المظاهر يا صاحبي، فإنك إن رأيتَ قارون في ماله لتمنيتَ كما تمنى الذين من قبلك أن يكون لهم مثل ما له، ثم لم يمضِ وقت طويل حتى خُسفَ به وبداره الأرض!
ولو أنكَ رأيتَ فرعون في مكة وصولجانه، يأمر وينهى، لتمنيتَ رزقاً كرزقه، ومكانة كمكانته، ثم دار الزمان فإذا هو طاغية غريقٌ مُلقى على الشاطئ ليكون لمن خلفه آية!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

على خُطى الرَّسول ﷺحيث تعيش القصص. اكتشف الآن