1

6 1 0
                                    


يوم مشمس آخر من أيام الربيع، ذات البرودة المحببة للنفس، فتحت إحدى نوافذ بيوت ذلك الشارع المزدحم ،و أطلت منها ابنة الثامنة عشر ،ذات الشعر الأسود، و العيون العسلية، و هي تستنشق نسمات الصباح، كعادتها التي تقدسها، و تعتبر نسيانها إشارة للنحس، همست في حيوية رقيقة؛ كي لا يسمعها أحد المارة:
- يا له من يوم جميل!
ثم زالت تلك الرقة، و هتفت بحماس، كأي رسام تذكر أن يكمل لوحته:
-مناسب جدا للذهاب للحديقة و إكمال لوحتي!
ملأت حقيبتها، و نزلت للمطبخ، اكتفت بكوب الحليب ،و أخذت فطورها معها و خرجت مسرعة ؛و هي تودع أمها قبل أن تناديها لطلب شيئ.
ركبت دراجتها ،و ذهبت لبقعتها المفضلة من الحديقة، و نثرت أدواتها على العشب، بجانب ذلك النهر الخلاب ،و بعيدا عن ضجيج صياح و ضحكات الأطفال و عائلاتهم ،فقط هي، و تغريد الطيور، و حفيف الأشجار، و جلست ترسم بحماس.

بعد ساعتين، ذهبت للتمشي، فرأت رجلا ذا مظهر مريب، طويل القامة، يرتدي السواد ،و يخفي وجهه ،و يمشي بصعوبة، ظلت تراقبه و هي تمشي، و بما أنها كانت فتاة فضولية بامتياز، قررت أن تمسك نفسها، و لا تحشر أنفها، لكنها عرفت أن مقولة "الفضول قتل القط" لا وجود لها في قاموس حياتها، فذهبت خلفه ،حتى وصلوا إلى أزقة قديمة.

بدت الأزقة القديمة غير مخيفة حقا ،و هناك بعض الناس الفقراء الذين يعيشون في المكان، و عندما راقبته التفت يمينا و يسارا ثم دخل بيتا حجريا قديما ذو طابقين خط عليه الزمن علامات القدم ادعت أنها تتجول في الجوار و سألت سيدة عجوزا مرت بالقرب منها:
-عذرا سيدتي لمن هذا البيت؟

نظرت لها العجوز بمنتهى الغرابة لا تأتي فتاة شابة من المدينة بملابس أنيقة و هذا المظهر إلى مكان كهذا كل يوم فأجابت العجوز:
-إنه منزل طبيب لكنه ليس مكانا جيدا لا تذهبي إلى هناك يا عزيزتي.

نحن البشر حين يقال لنا لا تفعل هذا فإننا نفعله و لو كان فيه مصيبة ستقع على رؤوسنا إنها طبيعتنا الغبية لذا متجاهلة تماما مقولة أن الفضول قتل القط ذهبت الفتاة ببساطة إلى هناك و راقبت من نافذة خلفية للمنزل كانت غرفة فارغة لكن بدأ يصل إلى مسامعها بعض الأصوات بدا كلاما مختلطا مع أنين شخص يتألم
دارت حول البيت من نافذة أخرى و بدأ الصوت يصبح أقرب بدا الكلام واضحا جدا و سمعت محادثة بين شخصين:
-تحمل قليلا ساقك ملتهبة جدا لن يكفي استخدام بنج موضعي.
-إذا قم بالأمر بسرعة إنه مؤلم!
-روبيرت كان عليك أن تأتي بعد إصابتك مباشرة من الخطأ تضميدها هكذا دون تعقيم و السير عليها.

وضعت برميل نفايات صغير تحت النافذة و صعدت بحذر كان زجاج النافذة مغلقا و يغطي نصفها ستار
نظرت من خلفه بحذر و بدأ قلبها يدق بقوة.

كان ذاك الرجل الذي رأته في الحديقة جالسا على سرير و القناع و معطفه مرميان بجانبه بدا في الثلاثينات و يمد ساقه كانت مصابة كما لو أن شخصا مزقها بسكين و رجل شاب آخر ينظف الجرج و قد تلطخت الأرضية بالدماء
ما بدا غريبا هو شاب يافع آخر يقف عند باب الغرفة متكئا على الجدار يراقب بصمت مطبق و يدخن سيجارة كما لو كان في عالم آخر.

تسائلت الفتاة في نفسها "لماذا لم يذهب إلى المستشفى؟ قالت العجوز هذا منزل طبيب لكنه ليس مكانا جيدا أيعقل أن يكون هذا مجرم و هذا الطبيب يعالج المجرمين؟ "

قررت أن تلتقط صورة و بدأت خيالها يسبح علها تقوم بعمل بطولي و توقف هؤلاء المجرمين التقطت بضع صور ثم صورت الشاب الواقف لا حظت في الكاميرا كما لو كان ينظر لها بطرف عين و عندما نظرت نحوه دفعت بنفسها إلى الخلف برعب لقد رآني! لم ترى ماذا فعل فقد وقعت للخلف و سبب البرميل ضجة و أطلقت هي ساقيهل للريح و انطلقت من خلف البيت لكنهم سبقوها و خرجوا من البيت و عادت خلف البيت عندما سمعت أصواتهم قادمين كان هناك سياج خشبي تسلقته بصعوبة و أصيبت بخدوش في قدميها


ركضت في زقاق وجدت فيه درج معدني فصعدت كانت السطوح قريبة من بعضها فانتقلت عليها و لم تنظر خلفها كانت فقط تريد أن تضيع منهم نزلت من درج آخر و ركضت خلف حاوية نفايات أخرى و جلست خلفها تلتقط أنفاسها التي توقفت مجددا مع اقتراب أصواتهم ظلت جامدة مكانها حتى اختفت و خرجت من ذلك المكان ركضا و عادت إلى البيت و دخلت غرفتها جلست على السرير تلهث من الخوف بعد أن هدأت مدت يدها لجيبها فلم تجد هاتفها زحف الرعب لها مجددا و تذكرت لقد أوقعته تحت نافذة البيت

لم يمر عليها اليوم بسلام و أخبرت والداها أنها أوقعت الهاتف في الحديقة و كأي والدان انهالا عليها بالتوبيخ فكان يومها ذاك نموذجا ممتازل لمعنى اليوم المنحوس.
قررت أن تغلق فمها و لا تتفوه بشيئ و لم تستطع النوم ليلا و ظلت الهلاوس تزورها هل سيجدون الهاتف؟ هل سيعرفون هويتها؟ سيعرفون أين تعيش!

بعد مدة أسبوعين حصلت على هاتف جديد و بدأ خوفها يقل مع تلك الأيام و صدقت أنهم لم يجدوا هاتفها أو هذا ما أرادت تصديقه.
هدأت الأمور و ذات يوم دخلت أمها بسعادة لغرفتها و قالت لها دون مقدمات:
-تعالي خارج البيت لديك زائر.
فسألت: من؟
- لا أعرف شاب لطيف رفض الدخول لقد أحضر معه هاتفك القديم قال إنه وجده ضائعا و عرف البيت من رقم والدك.

قد يكون قلبها توقف من الرعب بالمعنى المزاجي لكن تمنت لو أنه توقف فعلا تلك اللحظة لوهلة خلت الغرفة من الهواء بالنسبة لها و قالت بهدوء:
-حسنا سآتي.

نظرت من خلف ستارتها إلى الأسفل كان الشارع مزدحما اليوم و هو واقف على الرصيف و يديه في جيبه و يدخن سيجارة كما رأته يومها تماما.
نظرت مرة أخرى ثم ضربت على وجهها حتى تتأكد أنها لا تحلم لكنه بقي موجودا.

بعد نزهة الحديقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن