2

5 1 0
                                    


نزلت بخطى متثاقلة و فتحت الباب كان مازال واقفا
و مد لها يده بالهاتف أخذته منه بهدوء و تراجع هو بهدوء أكبر قطع الشارع متجاوزا السيارات و ركب سيارة نظرت إلى الراكب فعرفته كان الطبيب الشاب الذي رأته في المنزل و ابتسم و لوح لها بمرح صديق يعرفها من سنين ثم غادرت السيارة بعدها على الفور وصلتها رسالة تفاجأت من أن الهاتف يعمل و قرأت الرسالة:
"هاتف جميل و غالي الثمن كان يجب أن أبيعه و أستأجر بثمنه شخص لإسكاتك لكنك بقيتي هادئة و حافظت على حياتك....أحسنت ابقي حكيمة هكذا"

فتحت الهاتف و وجدته فارغا لقد مسح كل شيئ أرقامها و صورها و كل شيئ تملكتها الحسرة على الكثير من الصور كما تملكها الرعب و لم تكن أبدا لتحتفظ بالهاتف لديه هذا الرقم لكن مالفائدة الآن إنه يعرف البيت لذا لا فرق.

سأل الطبيب صديقه:
-آلين هل من الآمن ألا نتخلص منها؟ قد تشي بنا.

رد عليه آلين و أغلق هاتفه بعد أن أرسل الرسالة:
-كلا يا زين لن تفعل...ثم اتفقنا على عدم إراقة دماء خارج نطاق العمل خلال فترة تعاوننا لنلتزم بهذا حتى لا نغرق في الوحل أكثر.

مرت عليها الليلة عصيبة و بقيت طوال الليل تنظر للهاتف و قررت أن تغلق فمها كما ستغلق الموضوع

بعد بضع أسابيع عادت إلى نسق حياتها تدريجيا إلا أنها لم تعد ترغب الذهاب إلى الحديقة كثيرا كما لو كانت تلقي باللوم على الحديقة بسبب ما حدث نحن البشر دائما ما نحاول إلقاء اللوم و لو على حديقة لتخفيف شعورنا بالندم.

ذات يوم ذهبت إلى الحديقة و حملت حقيبة أغراض الرسم لم تشعر برغبة في الرسم فذهبت إلى مدرج صغير حيث يلعب بعض الأولاد كرة القدم و جلست هناك تشاهدهم إلى أن سقط نظرها عليه فأخفت وجهها بحقيبتها بسرعة كان جالسا بعيدا في المدرج المقابل يدخن سيجارة كالعادة كما لو أن حياته تتوقف على تلك السجارة و هدوء القبور الذي يغلفه بدا في العشرين ذو شعر بني التقطت تفاصيله هذه المرة و ظلت تراقبه حتى وقف و ذهب مبتعدا

بطبيعة الحال نحن البشر لا نتعلم من أخطائنا و إلا ما كانت لتحدث مصائب أخرى و نقع في أخرى و أخرى و لا نتعلم لذلك متاجهلة مجددا أن الفضول كاد أن يقتل القط في المرة السابقة تبعته حتى الشارع صعد إلى حافلة أجرة فصعدت بسرعة خلفه تخلص من السيجارة أخيرا داخل الحافلة ثم نزل عند شارع مزدحم آخر فنزلت خلفه و تبتعه سيرا حتى وصل إلى مستشفى كبير لم تدخل خلفه و بقيت تراقب
لماذا يأتي إلى هنا؟ جلست على مقعد في الحديقة أمامية و انتظرت مرت نصف ساعة و لم يخرج مر وقت أطول و لم تستطع الذهاب دون أن تعرف ما يجري نظرت أسفل قدميها و قطفت زهرة صغيرة و قامت بتلك الحركة الغبية التي تفعلها أي فتاة
و بدأت بقطف البتلات و هي تقول:
-أنتظر لا أنتظر أنتظر لا أنتظر أنتظر لا أنتظر....
-تنتظرين ماذا؟
هبت واقفة و رمت بالزهرة عندما رأته كادت تقسم أنها ابتعلت لسانها من الفزع إلى أن سألها مجددا :
-تنتظرينني؟
-لا لا شيئ.
أجابت بسرعة و لم يزد كلمة أخرى و انسحب و هو يشعل سيجارة راقبته حتى أخذ سيارة أجرة و رحل.

في اليوم التالي و هذه المرة رغبت في الذهاب إلى الحديقة و فرشت أدوات رسمها على العشب و أمسكت بورقة كبيرة على لوح و بدأت تخط إبداعها بحماس و بدت ملامح منظر طبيعي جميل في الظهور
ببطء على عكس ظهوره المفاجئ من خلفها عندما سألها:
-ماذا ترسمين؟
فزعت و انحرفت الفرشاة من يدها و ظهر خط أفسد اللوحة فرمتها على الأرض بعصبية و هتفت:
-من أين تهبط هكذا فجأة؟! تنحنح على الأقل سيد صامت.
لم يهتم و جلس على العشب على بعد خطوات بينما انهمكت هي إصلاح اللوحة و تجاهلته فقال:
-لابد أن لوحاتك عزيزة عليك لتغضبي علي هكذا على غرار المرات السابقة.
-ما شأنك دعني أرسم.
اقتربت من انتهاء اللوحة و هو يراقب ثم سألها باستفزاز :
-هل ألتقط لها صورة؟
-هذا ممنوع ثم لماذا تهتم لقد مسحت كل صوري من الهاتف.
-كان ذلك عقابا.
-هذا انتهاك للخصوصية.
- و مراقبتنا من نافذة البيت مباشرة ليس انتهاكا للخصوصية؟
سكتت عند هذا بينما أكمل:
-تستحقين هذا المصائب التي تأتي من الفتيات أسوأ من المصائب التي قد تأتي من أعدائي.
لم تتحمل فجمعت أغراضها بعصبية و نهضت لكنه سحب من يدها اللوحة.
-هاتها!
صرخت و حاولت أخذ الورقة لكنه تخطاها بسهولة و كادت أن تقع ظل يراقب اللوحة و هو يتراجع ثم قال:
-بنقصها بعض التفاصيل...أضيفي المزيد من الظل تحت الأشجار الانعكاس على الماء و استخدمي فرشاة رقم واحد لإضافة التفاصيل على أوراق الشجر.
أخفت تفاجؤها بنصائحه و سحبت منه الورقة و قالت قبل أن ترحل :
-ما شأنك بها هاتها!

قبل أن تنام في الليل وقعت عينها على اللوحة على مكتبها ظلت تراقبها فترة ثم قررت أنها لن تنام جلست على المكتب و أخرجت أدوات الرسم و أضافت التفاصيل التي أخبرها بها كانت النتيجة مبهرة و ظلت تحدق في لوحتها طويلا قبل أن تنام.

بعد يومين ذهبت مجددا إلى الحديقة بنية كاللبن الشائب رغم أنها غيرت مكانها خلف شجرة متوقعة أنه قد يأتي و لم ترد أن يجدها لكنها أرادت ذلك في نفس الوقت و ما أثبت هذا عدم رغبتها في الرسم و ظلت ممسكة الورقة البيضاء و هي تراقب الناس و مر الوقت و لم يأتي و عادت إلى البيت دون أن ترسم شيئا.

بعد بضعة أيام عادت إلى الحديقة و جلست ترسم على العشب و نسيت أمره لكن دائما ما تظهر الأشياء أو نحصل عليها بعد أن ننسى أمرها لذا أتى هذه المرة
و وقف خلفها يراقب ما ترسم أحست بوجود شخص خلفها نظرت و لم تتفاجأ بحضوره و لم يقل أي منهما شيئا فجلس هو بعيدا يدخن سيجارة كالعادة بعد أن انتهت من الرسم نظرت نحوه فوجدته يحمل كتابا فأخرج منه هو ورقة و مدها لها أخذتها و حاولت إخفاء انبهارها لكنها فشلت كانت صورة لها مرسومة بقلم الرصاص و هي جالسة تحت شجرة تراقب الناس
كانت التفاصيل خرافية و طريقة التظليل مذهلة لم ينسى شيئا لقد تفوق عليها بالفعل تحسست الورقة بأناملها و قالت دون وعي:

-إن هذا رائع حقا و فائق الدقة....هل أنت رسام؟
-ربما.
ثم تنبهت لشيئ و سألت بضيق:
-مهلا ...هل كنت تراقبني يومها؟
-نعم.
-ياللوقاحة و تقولها بصراحة هكذا؟
- حسنا إذا لا لم أكن أراقب.... أيعجبك هذا الآن؟
صمتت ثم سألته:
-هل لديك المزيد من اللوحات؟
-لا.
-لماذا؟ ألا ترسم؟
-توقفت عن الرسم منذ وقت طويل ليس لدي وقت له.
-لكن موهبتك تستحق أن تخط إبداعها على ورق... لديك الخبرة نصائحك يومها جعلت لوحتي أروع.
-تعترفين بهذا؟ تريدين المزيد؟
اغتاظت منه فردت:
-لا لست بحاجة لنصائح من شخص مثلك.
ثم سألته بعد صمت:
-ما اسمك؟
-هل أنت بهذا الغباء لتسألي هذا؟ تعرفين أني لن أجيب صحيح؟
-حسنا أي شيئ أناديك به.
و بما أنه أخبرها أنه لن يخبرها شيئا حقيقيا بثقة زائدة نطق باسمه الحقيقي:
-آلين.
-و أنا جين.
-نعم أعرف هذا.
-أعرف أيضا لكن فقط كتعارف نموذجي... "تشرفنا آلين" و لا أعني ذلك حقا.

و استدارت تكمل رسمها إلى أن رن هاتفه فنهض مبتعدا كي يرد حاولت استراق السمع لكنه ابتعد كثيرا
بعد دقائق عاد و سألها:
-هل أنت متفرغة بعد يومين؟
-لا أعرف ماشأنك؟
و كمن ألقى الطعم و كان واثقا من أنها التقطته ابتعد بثقة و لم يرد.

بطبيعة الحال بعد يومين لم يقتل الفضول القط في المرات السابقة لذا ازدادت ثقته بنفسه كما ازداد فضوله فذهبت جين إلى الحديقة بعد يومين بنية كاملة في أن تراه و تعرف ما يريد.
و كان في انتظارها فقال لها مباشرة:
- دون مقدمات أحتاج مساعدتك.
- مساعدتي أنا؟
-لا بل الذي يقف خلفك...من غيرك هنا؟
فكرت للحظات:
-لا يمكنني.
-تعلمين أنه لا يمكنك الرفض يجب عليك الموافقة
لن تقومي بشيئ فقط المراقبة لا أكثر.
-ليس لديك الحق في ابتزازي هكذا.
-حسنا ليس لدي حق لكني سأبتزك...أين ستشتكين؟
-هذا ظلم.
-أنت لم تري من ظلم الحياة شيئا لذا لا تتحدثي كأنك الشخص الوحيد المظلوم هنا لو كان بيدي أنا أيضا لما غرقت في كل هذا.
-أهذا أسلوبك في إقناعي؟
- لا أحاول إقناعك بل ستأتين... لا تقلقي لن يحدث شيئ.
لم ترد و ظلت تفكر لكنه يعرف أنه ليس أمامها إلى أن توافق فقال :
-هذا يذكرني بموقفي في بداية الأمر..أنا وافقت أيضا
فقط لأن خياراتي ليست كثيرة تمام كما لم يتبقى لي الكثير.

كانت جين تفكر في كلماته و هي ترتدي معطفها في غرفتها استعدادا للذهاب معه و بما أنها ليست فتاة مشاكل قبل أن تقع في هذه الورطة صدق والداها كذبتها أنها ستذهب مع صديقتها.

ركبت دراجتها عند الظهيرة و ذهبت إلى المستشفى و دخلت فوجدته ينتظر فأخذها إلى ممر و قال لها مشيرا لغرفة:
-إبقي بجانب هذه الغرفة...و لا تسمحي لأحد بالدخول
على كل حال لا تقلقي حين يراك لن يدخل أحد فقط ابقي هنا.
بدا متوترا حين تكلم و تركها بسرعة و ذهب:
-مهلا انتظر!
لكنه غادر و هو يقول :
-أعتمد عليكي!
ذهبت إلى زجاج الغرفة و رأت من خلفه امرأة كبيرة في السن بدت في الخمسينات مستلقية نائمة فكرت أنها قد تكون أمه لا شيئ غير ذلك و جلست كما طلب منها.

بعد نزهة الحديقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن