4

4 0 0
                                    



بعد يومين ذهبت جين تتمشى في الحديقة مع وقت الغروب فوجدته يتمشى بعيدا و يترنح قليلا كانت قد اتخذت قرارا أنها بعد أن لحقت بروبيرت ذلك الزقاق لن تساعد أي شخص يترنح لكن بعد أن رأته تعب من المشي و جلس على مقعد قررت التطفل و رأت في ذلك حقا لها كما يهبط عليها هو من السماء فجأة و يتطفل عليها لذا ذهبت و بمنتى الجرأة جلست لى طرف المقعد دون كلام لم ينظر لها حتى فسألته هي هذه المرة:
- آلين ما بك؟
لم يرد و أشعل سيجارة كالعادة لكنه بدا شاحبا فسألته مجددا:
-أنت بخير؟
- لا شأن لكي.
- إذا ما الخطب؟
- و هل يهمك الأمر؟
أجابت ببساطة : لا مجرد فضول.
- فضولك معضلة حقيقية ستقعين في المشاكل.
و نهض مبتعدا لكنها رأت خيط قماش صغير ظاهرا من البنطال قرب حذاءه و رغم لون البطال القاتم ميزت لطخات الدماء على كاحله فذعرت و أسرعت نحوه
- مهلا ساقك ما بها؟؟
-لا يوجد بها شيئ أنها ساق بشرية مثلك تماما.
- لا لا هناك دم عليها.
- لا شأن لك بها حتى لو رأيتها مبتورة ..فهمتي؟!
صرخ بها في وجهها فصمتت و أكمل هو سيره بعيدا
ظلت واقفة تراقبه حتى خرج من الحديقة و نظرت للناحية الأخرى فوجدت الشمس قاربت على الغروب فقررت الرحيل بيأس.

أكمل آلين سيره بعيدا دون هدف في المدينة مر بإشارة مرور فسمع صوتا يناديه من خلفه:
- يا فتى انتظر! هل أنت بخير؟
عندما استدار وجده شرطيا عندها تحمل ألم ساقه و انطلق جريا خوفا أن يعرف الشرطي أن الإصابة هي طعنة سكين و عندها سيقع في المشاكل
شعر بالشرطي يجري خلفه فأكمل الجري و دخل حيا سكنيا فأبطأ عندما شعر بالألم و استند على جدار ليلتقط أنفاسه كان على وشك الانطلاق مرة أخرى قبل أن يصل الشرطي عندما توقفت أمامه دراجة هوائية فجأة.
-اصعد بسرعة!
صرخت بها جين التي كانت تقود الدراجة تفاجأ لرؤيتها و بلا تفكير جلس بسرعة على المقعد الخلفي و انطلقت هي مسرعة عبر شارع آخر و دخلت شوارع عديدة و كادت تفقد توازنها أكثر من مرة حتى خرجت على الشارع الرئيسي المطل على البحر عندها قطعت الشارع و خففت سرعتها و قادت على حافة الطريقة.

لم ينطق هو بحرف طوال الوقت و ظل يراقب الغروب و البحر و أشعة الشمس عبر الغيوم و ترك النسيم يضرب وجهه كما لو أنها أول مرة أفاق من شروده و تذكر أنه مازال على الدراجة و سألها:
-هي إلى أين تذهبين؟
لم ترد عليه فسألها مجددا:
-إلى أين..
-إلى الجحيم... إلى اللامكان.... إلى أي مكان!
قاطعته بحدة ثم قالت بهدوء : لا أعرف.
لكنه لم يغضب بل ابتسم و فشل في إخفاء قهقهته التي وصلت إلى مسامعها ثم أكمل بمزاح:
- نسيت أن لديكي دراجة كنت سأستعيرها منك.
- في أحلامك حتى أنا لا أخرجها إلا في الحالة الطارئة.
-و ما هي الحالة الطارئة الآن؟
سكتت قليلا ثم قالت بهدوء:
-صديقي على حافة الجنون.
انفجرت ضحكته هذه المرة بينما أمسكت هي ضحكتها للمحافظة على مظهرها الجاد و لم يسألها بعدها شيئا آخر و تركها تقوده أينما ذهبت.

عندما غربت الشمس كانت قد وصلت أمام البيت البيت الذي يعيش فيه صديقه الطبيب في ذلك الزقاق
و قالت له:
-انزل الظلام سيحل علي العودة إلى المنزل.
بدا متضايقا حين تكلم:
-لماذا جئتي إلى هنا؟
-لتعالج ساقك.. بما أنك لا تستطيع الذهاب للمستشفى.
نزل دون أن يتكلم فسألته حتى تسحب الكلام منه سحبا لتسأله عن نفسه:
-أريد أن أعرف فقط ماذا حدث لساق روبيرت المرة الماضية؟
- سقط من فوق مبنى على كومة خشب.
- واو....... و ماذا عن...ساقك؟
- تشاجرت مع شخص...أي سؤال آخر سيدة صحفية؟
- لا... وداعا الآن.

لم يدخل آلين و ظل يراقب البيت لم تكن لديه رغبة أن يعالج ساقه لكن جبن تكبدت عناء إيصاله إلى هنا لكن زين فتح الباب و كان واضحا أنه كان يراقب من النافذة لكنه تجنب التعليق.
-اسمع يلزمك بعض الراحة جسدك متعب اعفي نفسك من العمل لفترة أو استقل... أمك تتحسن صحيح؟
قال له زين ذلك بعد أن عالج ساقه و لكن آلين ظل جالسا على المقعد دون رد و على غير العادة لم يدخن سيجارة فسأله زين بريبة:
-أنت بخير؟
-هاه؟ نعم...متعب قليلا فقط.
- لم تشعل سيجارة أليس هذا غريبا؟
سكت قليلا و هو يفكر نعم لم يشعر برغبة في التدخين فأرخى رأسه للخلف و أجاب:
-لأنني......سعيد.
و كما لو أنه نطق بسر نووي ظهرت الصدمة على زين و اقترب منه يتحسس جبهته.
- ماذا تفعل؟
- أرى إن كانت حرارتك مرتفعة أم لا.
ضحك بسعادة فزاد رعب زين و ظنه أصيب بالجنون فقال آلين عندما قرأ هذا:
-كلا..كنت على حافة الجنون....لكني لم أجن.
ثم نهض بصعوبة لكن جسده خذله و سقط على الأرض مغشيا عليه.

بعد يومين ذهبت جين إلى الحديقة بسعادة و أخذت أدوات الرسم لكن حبطت سعادتها عندما انتظرت طوال اليوم و لم يأتي آلين عادت في الغد مجددا و لم يأتي و استمرت في الذهاب كل يومين أو ثلاث لمدة أسبوعين و لم تعد تأخذ حتى أدوات الرسم لكنه لم يأتي و في ليلة و هي تفكر لما قد اختفى هل أصابه مكروه أو أن أمه أصابها مكروه تذكرت ذلك الهاتف القديم فأسرعت و فتحت الدرج و فتحت الرسائل
كانت رسالة تهديده تلك لا تزال موجودة فكرت في إرسال رسالة

لكن هل هذا رقمه؟ هل هو غبي ليرسل لها رسالة برقمه؟ و حتى إن كان رقمه بأي حق ترسل رسالة؟ و ماذا قد تكتب فيها؟ هل هو صديق حقا لدرجة أن تسأله لماذا تغيب أسبوعين؟ كل ذلك خطر في بالها و بدا الوضع غبيا لذا حسمت أمرها ألا ترسل شيئا و أن تذهب غدا لمنزل الطبيب علها تجده هناك.

و بالفعل ركبت دراجتها وقت العصر لبيت الطبيب في ذلك الزقاق و ظلت تراقب البيت من بعيد و لم تجرؤ على الطرق انتظرت طويلا أملا أن يخرج أحد ليوفر عليها العناء لكنها فقدت أعصابها في أقل من ربع ساعة و ذهبت و طرقت الباب لكن لا مجيب حتى بعد عدة طرقات
-أنت؟! ماذا تفعلين هنا؟
استدارت برعب عندما سمعت ذلك و كادت تقع و تكلمت بسرعة و مباشرة:
- أتيت بنية حسنة! أنظر لقد كنت أطرق الباب!
وقف زين يراقبها و الذي عاد للتو و معه حاجيات للبيت ثم سألها بريبة؛
- لماذا جئتي إلي؟
ابتعلت ريقها و سألت بتلعثم:
-لأسألك....عن...عن... الشاب الهادئ الذي يدخن سيجارة دائما.
ظهر عبوس غير مطمئن على وجه زين و قال:
- لا أعرف أين هو لقد اختفى.
-ماذا؟ جاء إلى هنا آخر مرة.
- قلت لا أعرف.
قالها و أزاحها جانبا و أدخل مفتاح الباب ليدخل فقالت بإلحاح:
- حسنا إذا فقط أخبرني هل هو بخير؟ هل أمه بخير؟
توقف زين عن إدارة المفتاح و زفر بضيق واضعا جبهته على الباب و قال بهدوء:
- إنه.... يمر بوقت عصيب.
- ماذا؟ أمه؟
-لا....أمه بخير لقد تعافت و خرجت... بل هو...العلاج الكيميائي لم يفلح معه لذا الورم قد...
- قطع كلامه عندما رأى الصدمة على وجهها و قال بريبة:
- أنت لا تعرفين؟

لم تنتظر جين لحظة واحدة و ركبت دراجتها بعد أن أخبرها زين عن مكان المستشفى و انطلقت هناك لم ترى شيئا و لم تشعر بطول الطريق حتى وصلت وقفت بعدم صبر عند الاستعلامات و قالت دون تفكير :
- أريد غرفة آلين.
و جرت بعد أن أخبرتها بمكانها لكنها بدت تمشي و قد تذكرت شيئا لحظة اسمه الحقيقي ليس آلين مالذي قلته؟ و هي تسير تفاجأت برؤية روبيرت جالسا في الانتظار كما تفاجأ برؤيتها عندها تأكدت أنها غرفته و عرفت أنه اسمه الحقيقي و دون كلام ذهبت نحو زجاج الغرفة و وجدته لقد كان هو كان نائما و أنابيب السوائل متصلة به و أمه بجانه لذا انسحبت بهدوء و وقفت في الانتظار مع روبيرت سألته بعد أن التقطت أنفاسها:
-هل هو بخير.
فرد روبيرت بضيق و أسى:
- لا ليس بخير.
شعرت أنه لا رغبة في وجودها في الجوار لذا انسحبت بهدوء و عند عبورها الممر بدأت أصوات بكاء حاد تصل إلى مسامعها لم تجرؤ على العودة و ظلت واقفة إلى أن سمعت طبيبا يأمر الممرضات بأن يتجهوا لغرفة المريض آلين حالا.
ظلت واقفة تسمع لكن بكاء أمه لم يتوقف حتى مر روبيرت بجانبها واضعا يديه في جيوبه دون أن يتكلم
و اختفى عند ممر آخر.

ظلت واقفة ثم نزلت بهدوء و ابتعد صوت البكاء رويدا رويدا ركبت الدراجة و عادت إلى البيت دخلت و لم تكلم أحدا و استلقت في غرفتها لم تشعر برغبة في البكاء ليست حزينة لم تشعر بأي شيئ لكن الأكيد أنها تشعر بأنها فقدت شيئا.

وقعت عينها على الهاتف القديم أخذته من على الطاولة و استلقت تتفقده و تذكرت ذلك اليوم عندما أوقعته هناك و شعرت برغبة في قراءة رسالته تلك فوجدت رسالة جديدة منه أرسلت في الصباح هبت جالسة و قلبها يخفق بقوة و هي تقرأ:

"لست جيدا أبدا في التعبير لكن آمل أن تكفي كلماتي
و تمنيت أن أقول لك هذا لكن الوقت لم يسعفني

تلك المرة على الدراجة عندما كنا معا كان يوما رائعا حقا كانت أول مرة أرى الغروب هكذا و كنت سعيدا حقا أنك جعلتني أعود للرسم و رسمت الكثير من اللوحات و شكرا لك على بقائك في المستشفى ذلك اليوم و آسف لتوريطك

رسمك رائع لا تتوقفي عن الرسم و أيضا ربما كان وقتنا قصيرا لكن أنت أروع صديقة حظيت بها على الإطلاق.

شكرا لك
آلين."

انطلقت و نزلت الدرج بسرعة و لم تأبه بنداء أمها التي تسألها أين هي ذاهبة و ركبت دراجتها و انطلقت إلى الحديقة كان وقت الغروب حيث بدأ الناس يغادرون حين وصلت تجولت في الحديقة دون وجهة محددة حتى وصلت للبقعة التي كانت تجلس و ترسم فيها و آلين كان يجلس يراقبها على بعد خطوات.

عندها نزلت دموعها أخيرا و شعرت بالحزن أخيرا و أدركت أن تلك اللحظات لن تعود تحول بكاءها الصامت إلى شهقات و من شهقات إلى أنين ثم انهارت جالسة و أطلقت العنان لنفسها و بكت بحرقة و بصوت عال كما لم تبكي من قبل.

.................................................

كانت جالسة في قاعة المعرض و أم آلين جالسة بجوارها كان معرض اللوحات في المدينة الذي يقام في الصيف و يأتي إليه الكثير من الرسامين و الفنانين الشبان و يتم اختيار أفضل مجموعة لوحات لأحد الرسامين على ثلاثة مراتب من باب التشجيع
كانت فكرة جين عندما ذهبت إلى والدة آلين و أخذت جميع لوحاته لتشركها مع لوحاتها في المعرض ففحرت والدته بهذه الفكرة و ذهبت للطبيب زين و روبيرت و أخبرتهما بهذا و حضرا من باب أنه صديق قديم على الأقل.
-اللوحات الحائزة على المركز الأول هي للرسام آلين.

و بدأ الجميع بالتصفيق قاومت جين دموعها لقد تفوق عليها حاز هو على المركز الأول و حازت لوحاتها على المركز الثاني رغم ذلك كانت سعيدة حقا رغم أنها كانت صداقة قصيرة إلا أنها أدركت أنها عزيزة عليها و لن تنساها أبدا و أن الصداقة لا تقاس أبدا بطول المدة و أن وراء كل شخص دوافع و حكاية و ألا تحكم بسرعة على الأشياء تماما كما وراء كل لوحة قصة و حكاية.

🎉 لقد انتهيت من قراءة بعد نزهة الحديقة 🎉
بعد نزهة الحديقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن