الفصل الثاني

5.6K 226 3
                                    

الفصل الثاني

-باشا إنتَ سامع نفسك بتقول إية!؟

قالتها "نغم" بعدما فغرت فمها لترمقه بعدم تصديق، فرد هو عليها بإبتسامة واثقة أصابتها بالقلق و التوجس:

-هخليهم مليون جنية يا "نغم"، ها قولتي إية؟

إلتمعت عيناها بتلهفٍ و هي ترمقه بذهولٍ فهي لم تستطع إستيعاب ما قاله حتي الآن، إزدردت ريقها قبل أن تهمس بتوترٍ ظهر علي تعابير وجهها التي إرتسم عليها بعض من السخرية المريرة:

-بس يعني يا باشا ما هو كلامك مش مظبوط و غريب، واحد زيك لما يجي يخلي واحدة تمثل إنها بتحبه و إنها خطيبته عشان يخلص من بنت عمه لية يختار واحدة زيي!؟

رد بمنتهي البساطة ليجيب عن تساؤلاتها بهدوء شديدٍ:

-أولًا أنا مقدرش أتفق مع واحدة من اللي بتقولي عليهم لإني مثقش فيهم، ثانيًا متفتكريش إني واثق فيكي كل الموضوع إني واثق إن محدش يعرفك ولا إنتِ تعرفي حد يعني بمنتهي البساطة مش هتعرفي تأذيني.

ثم تابع بثقة و هو يرمقها بثباتٍ:

-ها موافقة؟

ليكمل وقتها بدهاء و هو ينظر في زرقوتيها مباشرةً:

-ولا ترجعي الشارع تاني؟

تنهدت بقلة حيلة لتهمس بطاعة و هي تومئ له عدة مرات:

-حاضر هعملك اللي إنتَ عايزه.

و فجأة وجدته يصيح بنبرة عالية بإسم فتاة ما:

-يا "دنيا".

دلفت تلك الخادمة للغرفة بعد عدة دقائق لتهمس بتساؤلٍ و هي تطرق رأسها بإحترامٍ:

-خير يا "أمير" بيه.

صوب نظراته تجاه ملابس "نغم" الخاصة بالخادمات و لوجهها المتسخ و الملطخ بالتراب و لخصلاتها التي مازالت مشعثة بصورة تصيب المرء بالفزع ليهتف بصرامة و هو يوجه حديثه لتلك الخادمة:

-خُديها يا "دنيا" و خلي حد يجيبلها لبس من أوضة "بسنت" أختي.

ثم تابع بإشمئزازٍ لترمقه هي بإنفعالٍ لم تستطع السيطرة عليه ليظهر علي وجهها بعلامات الإهتياج الملحوظة:

-و خليها تستحمي عشان منظرها دة و تسرح شعرها.

لوت شفتيها بإحتقارٍ لتصرخ بلا وعي و هي تحاول الوصول له لتلكمه مجددًا و لكن تلك الخادمة تدخلت لتحاول منعها:

-ماله منظري يا اخويا، مش أحسن من شعرك العجيب دة.

مرر كفه علي خصلاته المجعدة ليهتف وقتها بإستهجان:

-عجيب!..دة كيرلي!

عقدت حاجبيها لتسأل تلك الخادمة التي كانت تقف أمامها و هي تحاول منع ضحكاتها بصعوبة شديدة:

-يطلع إية البيرلي دة!؟

رفع حاجبيه بصدمة ليشعر و كأنه علي وشك التعرض لذبحة صدرية من فرط الغيظ الذي يشعر به، فصاح علي عجالة و هو يهز رأسه عدة مرات من فرط التعجب:

-بيرلك!...خُديها يا "دنيا" أنا ممكن يجرالي حاجة بسببها.

أومأت له "دنيا" بطاعة و هي تأخذ "نغم" معها لخارج الغرفة، بينما هو يضرب كفًا علي كفٍ ليصيح بدهشة:

-إية المصيبة اللي وقعت فيها!؟...إية اللي خلاني أعمل كدة في نفسي!؟

و فجأة إنتفض جسده بخوفٍ عندما وجدها تصرخ من خارج الغرفة بفظاظتها المعهودة و بنبرتها الأنثوية الغاضبة:

-سمعتك يالا.
************************
-"رهف" يا حبيبتي زي ما فهمتك، كفاية الفرص اللي ضيعناها قبل كدة.
قالتها "حلا" و هي توجه حديثها لإبنتها التي كانت تتفحص هيئتها المهندمة بتلك المرآة الصغيرة لتجيب والدتها بإهتمامٍ و هي تنظر بتمعن بشفتيها حتي تري أحمر الشفاة لتطمأن إن كان موضوع بصورة جيدة أم لا:

-يا مامي قولتلك إطمني، "أمير" دة بتاعي أنا و بس.

و وضعت تلك المرآة بحقيبتها عندما وجدته يهبط الدرج بخطواته المتئدة فتأملت إبتسامته المجاملة و هي تظنه يبتسم لها بهيامٍ لتلتمع عينيها بوميضٍ قوي و هي تهب واقفة لتكن في إنتظاره، بينما والدتها ترمقها بثقة و هي تجلس بمكانها بهدوئها المعهود الذي يخفي خبثها و مكرها، و بعد عدة لحظات وصل هو ليصافحها بجفاء فإقتربت هي منه بجرائة و هي تحتضنه بشوقٍ و لهفة لتهمس بنبرتها الناعمة:

-وحشتني أوي يا "ميرو".

عقد حاجبيه بإنزعاجٍ فهو يكره ذلك اللقب الذي تناديه به دائمًا و لكنه لا يحب إحراجها، إبتعد عنها ليتجه لذلك الكرسي الخشبي ليجلس عليه و علي وجهه تلك الإبتسامة السخيفة فسألته بتلك اللحظة "حلا" بفضولٍ أخفته بنبرتها الغير مكترثة:

-عملت إية مع البت دي؟

عقد حاجبيه ليتسائل بعدم فهم مصطنع:

-بت!....بت مين؟

ردت عليه ببعض من العجرفة التي جعلت تعابير وجهه تمتعض بوضوحٍ:

-البت اللي ضربتك.

جز علي أسنانه بنزقٍ ثم أجابها ببعض من الحدة لتلاحظ هي غطرستها الخاطئة معه:

-سيبتها.

و فجأة تدخلت "رهف" لتهب واقفة من علي الأريكة و هي تقترب منه لتجلس علي ذراع كرسيه قائلة بصدمة و هي تميل بجذعها ناحيته:

-و إزاي بس يا "ميرو" تسيب البنت اللي عملت فيك كدة!؟

زفر بضيقٍ و هو يحاول الإبتعاد عنها بصعوبة ليجيبها بحنقٍ ظهر علي تعابير وجهه المنزعجة، فأشارت وقتها "حلا" بعينيها لإبنتها حتي تبتعد عنه:

-هعملها إية يعني هقتلها عشان كلتلها تفاحتين تلاتة!

تحركت "رهف" لتتجه ناحية الأريكة مجددًا لتجلس عليها قائلة بغنجٍ:

-طب "ميرو" مش حابب نخرج سوا إنهاردة؟

هب واقفًا من علي كرسيه بعدما وجد شقيقته " بسنت" تلج لداخل البيت ليهتف وقتها بهدوء قبل أن يفر هاربًا من تلك الحمقاء:

-"بسنت" خليكي مع طنط "حلا" لغاية ما أطلع أعمل تليفون مهم و أرجع تاني.

عضت "رهف" علي شفتيها بغضبٍ لتنظر لوالدتها التي تصافح "بسنت" بصورة هادئة و لكن مصطنعة لتخفي بها إهتياجها مما حدث منذ قليل، بينما "رهف" تنهض من علي الأريكة بعدما صافحت "بسنت" لتتجه ناحية الدرج حتي تصعده و هي تنظر ناحية غرفته و علي وجهها تلك الإبتسامة الماكرة، لتهمس وقتها بنبرتها الخبيثة و هي تقترب من غرفته:

-مهما تحاول و مهما تعمل هتفضل بتاعي أنا و بس.
***************************
-ياختي مافيش فستان مقفول عن دة، دة شكله مفتوح أوي.

قالتها "نغم" و هي تتفحص ذلك الفستان الذي إرتدته بعدما أخذت حمام دافئ، و قد كان ذا لون أصفر و بفتحة صدر كبيرة و بدون أكمام بالإضافة إلي كونه قصير حد الركبة فلم تنتبه لها الخادمة التي كانت تحاول تمشيط خصلاتها بكل صعوبة فصرخت وقتها بعصبية لم تستطع السيطرة عليها:

-إية دة مابتسرحيهوش بقالك قد إية دة!؟

لوت شفتيها بتأففٍ و هي ترد عليها بنبرتها الفظة:

-سرحي و إنتِ ساكتة بدل ما أقوم أعمل فيكي زي ما عملت في اللي مشغلك إنهاردة الصبح.

إمتقع وجه "دنيا" لتصمت و هي تمشط خصلاتها ببعض من العنف الغير مقصود و قد كان وجهها شاحب من فرط الإرتباك، و بتلك اللحظة إنفجرت "نغم" صارخة بنبرة مهتاجة و هي تقبض علي ذراع "دنيا" حتي تتوقف عن تمشيط خصلاتها:

-بس كفاية قطعتي شعري.

سحبت ذراعها من بين يديها لتدلكه ببطئ، نعم فقد ألمها من كثرة محاولاتها في تمشيط خصلات تلك  المتعجرفة، ثم و بعد عدة لحظات هتفت هي بعبوسٍ:

-مالوش حل، لازم يتقص.

و بعدما أكملت جملتها إلتقطت المقص من علي طاولة الزينة فهبت "نغم" واقفة من علي كرسيها لتهتف بتهديدٍ صريحٍ و هي تضع كلا كفيها علي خصلاتها لتحميها:

-لو قربتي من شعري يا ولية إنتِ مش هعمل فيكي زي ما عملت في اللي مشغلك بس لا دة أنا هرميكي من الشباك.

لوت الخادمة شفتيها للجانبين لتمتم بنبرة خافتة غير مسموعة:

-علي إية ياختي كان شعر روبانزل!

رأت شفتيها تتحرك فصاحت بفضولٍ:

-قولتي إية!؟

ردت عليها "دنيا" بإمتعاضٍ و هي تجلس علي الفراش بلا مبالاة:

-قولت سرحيه إنتِ طالما مش عايزة تقصيه.

عضت علي شفتيها بتوترٍ و بعد عدة لحظات نظرت لها بتحدٍ و هي تتجه ناحية طاولة الزينة لتحاول تمشيطه، بينما "دنيا" كانت مشغولة بهاتفها لما يقارب الساعة و فجأة وجدت "نغم" تربت علي ظهرها فإنتبهت لها و هي تهز رأسها مستفهمة لتتفحص بنظراتها السريعة خصلاتها التي مازالت كما هي، إبتسمت "نغم" بحرجٍ و هي تهتف بنبرة خافتة:

-ممكن تقومي تقصيه.

تنهدت "دنيا" لتنهض معها و هي تلتقط المقص لتقصه بالفعل في عدة لحظات ليصبح طوله لما فوق رقبتها، ثم أخذت تمشط خصلاتها الصفراء ببعض من السهولة ليصبح مظهرها لطيف و فجأة دلف هو للغرفة و..
بقلم/رولا هاني
..........................................................................

متسولة إحتلت قلب الأمير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن