( عشرة اصابع )
في هذا اليوم المميز خرجت من متجر الهدايا وانا احمل باقة الزهور وعلبة مغلفة ... ركبت في سيارة اجرة في الطريق استمعت للمذياع لأغنية ( ست الحبايب ) .. في هذا اليوم نسير حولنا ونستمع للاغاني التي تتحدث عن دور الام وعظمتها .. نستمع لتهاني البعض وبكاء البعض وسعادة البعض الاخر .. توقفت سيارة الاجرة ترجلت منها ولكن السيارة بقيت متوقفة في مكانها كان السائق يتحدث عبر الهاتف قال : حسنا يا امي انني قادم الان لا تقلقي .
ابتسمت رغم ان الرجل في عقده الاربعين الا ان والدته مازالت تقلق عليه وهو مازال يشعر بنفسه طفلا مادامت هي على قيد الحياة .. كنت اشعر بلهفة للوصول اليها .. وضعت الباقة امامها والعلبة .. انحنيت وقبلت ذاك اللوح الحجري .. مددت يدي لتتلمس الكلام المنقوش على هذا الحجر اسم اعظم امرأة في حياتي .. امي .. مر عام يا امي وانتي هنا بمفردك تحت التراب .. مددت يداي الاثناء ورفعتهما في الهواء نظرت لأصابعي العشر .. كما يقولون في حالات الندم ارغب ان اعض اصابعي .. نعم اعض اصابعي العشر .. قربت يدي اليمنى من وجهي تحديدا اصبعي الاول وضعته في فمي وعضضته بقوة .. لأنني نادمة على رفع صوتي عليها هه على من لقتني مرارا وتكرار حتى تعلمت الكلام ولكن كانت النتيجة هي ان اجرحها بهذا الكلام .. عضضت اصبعي الثاني على المرات العديدة التي نادتني بها وانا تجاهلتها وتصنعت عدم سماعها لأنني كنت اتحدث مع صديقاتي ... الاصبع الثالث عضضت لأنني كنت باردة في اوقات قلقت هي علي كثيرا .. اما الاصبع الرابع فذلك لأنني لم اقدر قيمتها ... الاصبع الخامس ذلك لأنني لم اعبر لها عن حبي بالافعال ليس بالكلام فقط ... اما الخمس اصابع فهي كفيلة للندم على عدد المرات التي خذلتها بها ... عندما وثقت بي وخنت الثقة ... عندما علمتني الصدق وكذبت عليها .. عندما استأمتني وخنت الامانة ..
اكبر خسارة ممكن ان تحدث لأي انسان هو فقدان امه .. لاخسارة بعدها لاحبيب ولا صديق .. لأن الام هي انقى حب واوفى الاصدقاء .. هي التي تحبك رغم كل عيوبك تتقبلك بكل سيئاتك لديها قدرة عجيبة على المسامحة .. عذرا لجميع الشعراء والكتاب الذي يعظمون الحب والعشاق .. فحب الام اعظم رواية تكتب .. لايوجد حزن مادامت والدتك على قيد الحياة .. لايوجد خسران ان كنت ترى وجهها في كل صباح .. السعادة ليست مرتبطة بذاك الحبيب ولا ذاك الصديق .. السعادة هو ان ترى والدتك تدعو الله لك .. فأن رحلت فلن تجد احد يدعو لك بصدق مثلها .. كل مايمكن قوله لمن والدتهم مازالت على قيد الحياة هو انك تملك في بيتك باب من ابواب الجنة ان توفت اغلق ذاك الباب وضللت الطريق ... عندما تقبل قدميها فأنت تقبل عتبة باب الجنة ..
اما في مايخصني انا التي ضللت الطريق بعدها .. فيوجد فرصة في هذا اليوم ان احتفل معها واجعلها سعيدة بالهدية التي ساهديها لها .. هديتي لها ستكون عبارة عن دعاء ( اللهم اجعل امي سيدة من سيدات اهل الجنة ) .. في تخصيص وقت لأفتح كتاب الله وانوي ان اهدي سورة من القران لها .. في ان احتفظ بالمال الذي نويت ان اشتري به هدية لها بأعطائه لأحد المساكين فتأخذ هي الاجر ... نعم انها تحت التراب ولكنني استطيع ان ادخلها الجنة بدعائي وعلمي والصدقة التي يمكن ان تصلها مني .. ويمكنني ايضا ان اجعلها سعيدة بأفعالي الحسنة بأخلاقي .. عندما تبلغها الملائكة في قبرها ان ابنتك تحسن التصرف وانها ملتزمة بكل ماربيته عليها ... لأن الميت يبلغ وهو في قبره عن احوال من يحبهم ..
بقدر تعبك معي .. بقدر قلقك علي .. بقدر دعائك لي .. احبك .. بقدر الشئ الذي لا يمكن ان يقاس ..
احبك ..
بقلم فرح صبري