1

6 1 0
                                    

  في تلك الغرفة  يرقد جسدا مشبع برائحة الموت معلنا أنه لم يعد موجودا في هذه الحياة ، تاركا  خلفه ورقة  على منضدة الدراسة الصغيرة كتب عليها :   أمي أنا أسف ،لقد استسلمت مبكرا .  لكن هل يمكنك سؤاله من أجلي ؟  هل هو سعيد الآن ؟ هم من  قتلوني يا أمي، قتلوا أمالي، أحلامي ،ذكرياتي ، قتلوا قيمي ، أخلاقي ، طموحاتي، لم يرحمو يفعي و صغر سني ليتهم قطعوني إلى  أشلاء لكن لا هم  قتلوا أجمل أشيائي .         أصوات سيارات الشرطة تملأ المكان . المكان مكتظ  بالكثير من الأشخاص أقف في ذلك المكان المظلم أراقبهم يخرجون جثتي، أما هو  يقف  هناك بلا ملامح  لم أستطيع أن أتبين هل هو سعيد ؟ أم يشعر بالراحة أو بالغضب؛ لأن الأمر سيلفت نظر كثير من الصحافة إليه و قد يكتشف الناس كم هو  منافق.  لكني أظن أنه قد يستطيع أن يقلب الأمر لصالحه. أما إذا كان بالفعل غاضبا  فذلك سيكون لخسارته تلك الدمية التي إعتاد إبنه المدلل اللعب بها ، وإعتادت  زوجته المثيرة للشفقة العبث بها  . من أنا؟  أنا مجرد طالب في الثانوية ، ضاعت أحلامه و قرر أن يستسلم أخيرا، و يترك الحياة للوحوش البشرية لتحيا بسلام أكثر دون وجود الحشرات  أمثالي كما يقولون . كنت مجرد فتى يحظى بالكثير من الحب من والدته ربة المنزل الحنون، ووالده الذي يعمل كمحاسب في إحدى المصانع الصغيرة ،و يبني أمالا كبيرة على إبنه النابغة الذي يجعله دوما فخورا به . كان والدي حنونا، متفهما ، مثقفا ، يدعمني دوما ، و يشجعني ، هو  لم يصرخ يوما في وجهي، ولكن كان يعاقبني بطرقه الخاصة ، كنت أتعلم درسي ولا أجرؤ حتى على تكرار الأمر . أما والدتي ذات القلب الحنون ، دوما قربي تطمئنني أن كل شئ سيكون بخير حتى لو لم يكن كذلك . ما زالت ذكريات ذلك اليوم العاصف في رأسي ،كنت أبكي حينها خائفا خبئتني في أحضانها الدافئة، و أخبرتني : لا تبكي يا صغيري أنا هنا دوما من أجلك . و بعدما هدأت قالت ضاحكة : أين ذاك الذي أخبرني صباحا أن لا أقبل خديه كل صباح لأنه بات رجلا كبيرا . قلت لها بعبوس: أنا رجل كبير،و سأحمي أمي دوما. ضحكت و احتضنتني اكثر كانت تربت على رأسي و النعاس يداعب اجفاني حين سمعتها تتمتم : رجلي اللطيف الصغير سأعتمد عليك في حمايتي فأِعمل بجد . عشنا في منزل صغير متواضع ملئ بالحب، و السعادة حتى ذلك اليوم المشؤوم. اليوم الذي إجتزت به الأمتحان الذي يؤهلني لدخول الثانوية كان والدي سعيدا لذا أراد الأحتفال بذلك ،لذا عرج إلى إحدى المحلات لشراء هدية لي ،و فور خروجه تم دهسه بواسطة سائق متهور ، و إتضح لاحقاً أن تلك السيارة تعود  لأحد اثرياء البلاد . نقل والدي إلى المشفى لكن لم ينجو، و توفي .  قالت أمي أن  الأمر كان مقدر،و لم تتقدم بشكوى ،و حتى إذا تقدمنا بشكوى لن يجدي ذلك، و لن يعود أبي للحياة . لكن  من هنا بدأت مأساتي ذلك الرجل لم يتوقف عن المجئ إلى منزلنا كان يخبرنا أنه يشعر بالذنب و يريد التكفير عن ذنبه كوننا لم نتقدم بشكوى ضده. لم يعلم أن جَل ما نريده هو محاولة تجاوز هذا الفقد ،و أن نلعق جراحنا  بمفردنا  فقد كان فقدنا عظيما .

رحيل القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن