2

3 1 0
                                    

لكن أظنه كان يصبو إلى أمر غير الأعتذار. كانت والدتي تحاول أن تبقى قوية أمامي لم تذرف الدموع في وجودي سوى في  يوم وفاة والدي ، لكن كنت على يقين أنها حين أخلد للنوم ستبكي حتى تتورم أجفانها ، أو هذا ما إعتقدته.  حاولت إخبارها أني قوي و يمكنها الأعتماد علي كما كانت تخبرني ، لكنها دوما  تطمئنني و تخبرني أنها بخير حتى تدهورت حالتها، و مرضت جدا ، و كانت بحاجة إلى رعاية خاصة في مستشفى بإمكانيات جيدة ،و لا أملُك المال لذلك، و لا عمل لأجني منه المال الكافي لأدخالها في مشفى جيد ،و حتى إذا وجدت عملا بدوام لن يوفر المبلغ المطلوب.  فأنا لم أتخرج بعد بل للتو كن سأبدأ سنتي الأولى ،و معاش والدي لن يكفي سوى مصاريفنا اليومية .  كنت بائسا، أقاتل بإستماتة لحماية والدتي ، و ذلك الرجل إستمر بالمجئ قائلا أنه يريد أن يكفلني ،و أدرس في إحدى المدارس العريقة على حسابه و أنه يمتلك إبنا في مثل سني يدرس فيها أيضا ، و أن علي الأنتقال  للعيش في منزله لأنه أقرب للمدرسة ،و أنه سيتكفل بعلاج والدتي كنت أرفض في البدء لكن  حين ساءت حالة والدتي، و كانت  بحاجة للبقاء في المشفى و ليس لدينا المال الكافي . أصبحت يائسا ، و أضطررت للرضوخ ؛ لذا وافقت.  نقلت والدتي إلى المشفى و التي ما زالت حالاتها غير مستقرة ،و إنتقلت أنا للعيش معهم في عائلته المتزمتة، المستبدة،  التي تنظر لمن هم مثلي بدونية ، ولم أكن أعلم أنني قد رميت نفسي في الجحيم بموافقتي على ذلك . كبرياء ،أحلام ،أمال ،كلها مجرد هراء حرصت دوما على الحفاظ عليهم و في الأخير أصبحت فقط أتمنى أن أحيا كإنسان . كان الأمر سئ جدا ففي اللحظة التي وطئت بها قدمي ذلك الجحيم أصبحت دمية لأبنه المدلل، و أداة لتنفيس غضب زوجته .دون حساب ما يفعلة إبنه المدلل ،و أصدقائه الوقورين في المدرسة . حين دخلت إلى ذلك المنزل الفخم كنت أبني أمالا كبيرة و أحلاما أنني سأستطيع أن أعقد صداقة وطيدة مع طفله الذي في مثل سني، كنت أعتقد أن كل ما سمعته عن أخلاق الأثرياء و المدارس العريقة هراء لا طائل منه . لكن تلك النظرة التي رمقني بها إبنه المدلل حين إنتقلت كانت كفيلة بتحطيمي كأنه يخبرني أنت  ستكون دميتي . نظراته كانت مزيج من الأحتقار، و الرغبة في التحطيم ،و التسلية و القرف، و الدونية.  لقد  كان كأنه  ينسج في مخليته قصص عن كيفية تعذيبي و قد فعل ذلك . فقد كان أول يوم لي في تلك المدرسة التي من المفترض أن تكون حلم كل فتى في سني  أسوأ يوم في حياتي بعد وفاة والدي  و إنهيار والدتي . هل ظننتم أنهم استقبلوا فتى من طبقة متدنية في أول يوم له بالأبتسامات، و قد ملأ صديقهم عقولهم المريضة بقصص عن كوني الفريسة أو الدمية التي ستسليهم لبقية العام . ما زلت أتذكر الذل الذي تعرضت له في مقصف المدرسة حين ذهبت لشراء بعض الطعام وقف أمامي أربعة من المدللين المتغطرسين المتباهين بمكانة ابائهم في هذا المجتمع البائس.  قال الأطول بينهم و الذي يبدو زعيمهم و من يسيرهم : أنظروا ماذا لدينا هنا جرذ  قذر صغير يحاول الأكل من طعامنا ، بل و تجرأ أيضا على الجلوس معانا في نفس الصف . وفجأة من مكان ما برز ذلك المدلل بإبتسامة خبيثة قائلا : ما الذي تقوله يا صديقي إنه الدمية التي أخبرتك عنها دعه يأكل قليلا لنستمتع أكثر . كنت أقف مذهولا لم أعلم ماذا علي أن أفعل هل أتشاجر معهم ،أم أصرخ في وجوههم  أني بشرا أيضا مثلهم لست بجرذ أو دمية، كنت أرى شفاههم تتحرك و هم يضحكون بطريقة خبيثة لكن لست قادرا على فهم أو سماع ما يقولونه، حتى شعرت بمادة لزجة تلقى على رأسي و تسيل على وجهي سالكة طريقها إلى داخل قميصي قفزت مذهولا من برودتها ، و التي أدركت أنها عصير ألقى به أحد الواقفين خلف زعيمهم و راح يضحك بصوت عال قائلا بصوت متقطع  من الضحك: هل رأيتم لقد خرجت عيناه من مكانها و قفز من برودته   كالفتيات . قال المدلل  غامزا : أخبرتكم أن الأمر سيكون ممتعا . و راحو يلقون علي الطعام و العصائر و الماء و يضحكون هكذا كان يومي الأول، لكنها  كانت البداية فقط  البداية لجحيمي .

رحيل القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن