الفصل ال٥١

2.9K 222 4
                                    

الجوكر_والأسطورة5...(#متى_يهتدي_الوصال؟..)..
              #الفصل_الحادي_والخمسون..
صرخة مؤلمة، تحررت لتفيض بما احتبس من وجعٍ صارخ بداخل هذا القلب الذي تسارعت نبضاته دون توقف،  لسانها يردد دون أي وعي أو ادراك:
_"مــــــراد"!..
مجرد تخمين منحه العقل بإقتراح بأن تلك الطلقة إستقرت بجسده جعلتها تصرخ دون توقف، هزت يديه بعنفٍ وهي تبكي بانهيارٍ هامسة بصوتها الشاحب:
_"مــــــــــــــــــــــــراد"!..
احتضنها بقوةٍ ويديه تمسد برفقٍ على ظهرها،  مردداً بخوفٍ على الحالةٍ التي هاجمتها:
_أنا كويس،  متخافيش..
أغلقت عينيها في محاولاتٍ مستميتة للسيطرة على أعصابها، محاولة استغرقت أكثر من خمسة عشر من الدقائقٍ حتى تمكنت من الابتعاد عنه لتتأمله بنظرة شاملة،  تلبس قلبها الطمأنينة حينما وجدت الرصاص لم يمس جسده، أطلقت زفيراً بطيء وكأنه احتبس داخل رئتها لكثيرٍ من الوقت، لتحرر كلماتها المكبوتة بصراخها المتعصب:
_أنت بني آدم مش طبيعي..
أمسك يدها وهو يخبرها بثباتٍ بعدما تجاهل ما قالته لتو:
_حسيتي بأيه وقتها؟..
تطلعت له بحيرةٍ من سؤاله الغريب، فأستكمل كلماته معللاً:
_النار اللي جواكي كانت هتهدى لو أنا كان جرالي حاجة؟.
اشتعلت نظراتها بالغضبٍ،  فقال بحدةٍ:
_والسؤال الأهم يا ترى والدك يستحق كل اللي أنتِ عملاه علشانه ده..
مزقت رداء الصمت المؤقت لتصيح به بانفعالٍ:
_"مراد" أنت بتتكلم عن بابا مهما عمل فهو أبويا!..
صحح مفهومها حينما قال بلهجةٍ ثابتة:
_مهما كان فهو بالنسبالي الشخص اللي حاول يفرقني عن عيلتي،  واللي خلاني أكون بعيد عنك في أكتر وقت احتاجتي لوجودي فيه،  بالنسبالي وبالنسبة لكتير من ضحاياه فهو شيطان ميستحقش الحياة،  الانسان اللي عايش علشان يتأجر بأعراض الستات ميستحقش الا الموت..
جحظت عينيها في صدمةٍ حقيقية،  فبللت شفتيها بلعابها في محاولة بائسة لتجلي صوتها:
_أنت بتقول أيه!..
جذب معصمها ليجبرها بأن تتابعه بخطاها،  ففتح الحاسوب الصغير الموضوع على سطح مكتبه ليعرض لها عدد من الملفات ومقاطع الفيديو لاعترافات بعض من العناصر المشتبه بها،  وأقوال عديدة لعدد من الفتياتٍ،  شعرت بوخزةٍ حادة تهاجم صدرها،  كانت تعلم بأن ابيها يرتكب أخطاء عديدة يخفيها مركزه بالشرطةٍ ولكن لم تتوقع بأنه انحدر لهذا المستوى،  كونها فتاة تعلم كم المعاناة التي عانتها كل فتاة ذاقت الويل والاهانة على يديه،  ارتخى جسدها فجلست على مقعد مكتبه والدموع تنسدل مصاحبة لآهات قاتلة،  جلس "مراد" مقابلها ليخبرها بابتسامةٍ ألم:
_ده اللي عمله ويستحق عليه عقاب  بعيداً عن اللي حصلي بسببه وبسبب الناس اللي وراه..
انتبهت لكلماته الاخيرة،  فانتصبت  بوقفتها لتباغته بسؤالٍ تحتويه الصدمة:
_حصلك أنت!..
ابتسامة وجع تشكلت على وجهه، ليجيبها على مهلٍ:
_مسألتيش نفسك أيه اللي خلاني بعيد عنك كل الفترة دي؟..
تاهت بعينيها وانقطعت الكلمات عن لسانها الناطق بألف كلمة وكلمة بالساعةٍ الواحدة،  رد على سؤاله المطروح:
_أنا عمري ما كنت ضعيف يا "حنين" ولو في يوم إتكتبلي أكون ضعيف هقتل نفسي بأيدي واللي عمله أبوكي واللي وراه خلاوني أشوف نفسي ضعيف وعاجز لاول مرة،  عاجز حتى عن إختيار الموت،  الخلاص الوحيد للعذاب اللي كنت فيه،  بس للأسف مقدرتش أعمل كده علشانك،  وعدي ليكي إني أكون جانبك لأخر لحظة خلاني أصمد لأطول وقت،  كنت بقتل نفسي ألف مرة وأنا شايفهم بيحقنوني بالمخدر اللي ممكن ينهي حياتي،  بحاول استمد طاقة وأمل لما برسم صورتك في خيالي،  تخيلي ظابط من أكفئ الظباط يكون مدمن مخدرات!..
وكأن الصدمة تعاهدت بالاستحواذ عليها في تلك الليلة المظلمة،  تتلاقها تلو الاخرى وعليها تقبل ما تستمع اليه، في بعض الاحيان يسارونا شكوك متعلقة باناسٍ قريبة وحينما تكشف الحقائق تترك أثر عالق بالصدرٍ بجرحٍ عميق يصعب إلتئامه بسهولةٍ،  و"حنين" بحالةٍ لا تحسد عليها،  صدمتها بما خلفه أبيها من وراء موته وصدمة أخرى لما عاشه زوجها وهي لا تعلم عنه شيئاً!.
انصهر الدمع بعينيها فتدفق دون توقف وعقلها المسكين يحاول تقبل كل تلك الحقائق البشعة،  صوتها المكبوت يود الصراخ بأعلى صوت امتلكته يوماً ولكن بكائها صامتاً رغماً عنها،  اقترب منها "مراد" سريعاً وهو يحاول التعامل مع الحالةٍ الغريبة التي تهاجم عصفوره الصغير لأول مرة،  مسد بيديه على يدها وهو يردد بعشقٍ ما أعذب من كلماتٍ تغرم الفؤاد:
_زمان مكنش ليا نقطة ضعف ولا يهمني حد أحارب الحياة علشانه،  بس دلوقتي في أنتِ يا "حنين"، ويمكن ده السبب في اني لسه واقف على رجلي قدامك..
ورفع أصابعه ليمسد على وجهها وهو يسترسل حديثه باصرارٍ:
_حاربته لانه كان عايز يدمرني ويدمر عيلتي،  صدقيني أي حد مكانه حتى لو أبويا نفسه كنت هنسفه من على وش الدنيا..
تحرر صوتها أخيراً فبكت بصوتٍ مسموع،  مؤلم، وكأنه جلاد لروحه المعذبة، ارتمت بداخل أحضانه وكأنها تشتاق لأمانها المفقود،  رددت بهمسٍ خافت وكأنها تخرج ما يكبتها:
_آآآه،  ليه يا ربي مكتوب اني أعيش في كل ده،  ليه كل مرة ببقى متأكدة اني عرفت كل حاجة عن أبويا أكتشف حقايق أبشع،  ليه كل ما بحاول أدي واجبي نحيته ألاقي ألف حاجة تكرهني فيه حتى وهو ميت!!..
ربت على ظهرها بقوةٍ،  فقال بحنانٍ:
_عمري ما كنت هواجهك بالحقيقة دي يا حنين بس للاسف اللي حصل كان أكبر من أنها تفضل مخفية عنك أكتر من كده..
ابتعدت عنه وهي تطالعه بنظراتٍ مطولة تبحث عن ضالتها،  فهمست بصوتٍ ترنح على ترنيم خلقت من الآلآم٠:
_أنا آسفة..
قربها إليه أكثر،  علها تستمع لدقاتٍ قلبه النابض بحبها،  فقال بصوته الرخيم:
_متعتذريش يا" حنين"،أنا اللي من حقي أعتذر لأني هفضل طول العمر بيربطني ذكرى وحشة هتفضل في بالك على طول.
رفعت عينيها الباكيتين وهي تردد بتعاسةٍ:
_هو يستحق ده..
وكبتت شهقة مؤلمة كاد صدرها بالافصاح عنها،  هامسة بانكسارٍ:
_هأخد وقت علشان اتجوز ده بس أكيد هدعيله بالرحمة ومعتقدش انها هتشفعله لانه حسابه عسير قدام ربنا.
ثم استطردت برجاءٍ:
_متتخلاش عني يا "مراد"، أرجــــــوك..
أخرجها من أحضانه لترى عينيه بوضوحٍ،  ليجيبها بلهجته الباعثة في نفسها الراحة:
_لو أخر نفس هيطلع هتكوني بتشاركيني فيه..
ثم احتضنها بقوةٍ مجدداً،  فابتسمت رغم ما يحمله قلبها من آلام عاصفة،  فرفعت يدها تزيح دمعاتها وهي تخبره بلهجتها المشاكسة المعتادة فيما بينهما:
_على فكرة أنت ربنا بيحبك أكتر مني، فحب يعوضك عن اللي ما عشتوش..
تطلع لها في دهشةٍ،  فتساءل بحيرةٍ:
_يعوضني بأيه،  مش فاهم!..
تعمقت بالتطلع لعينيه مطولاً وهي تكسر حاجز الخجل الذي يحجر عنها التمتع برؤية الأمواج الهادئة على شاطئ الشوق،  فقالت بعد صمتٍ طويل:
_أنا حامل..
كانت صدمة لطيفة نوعاً ما بالنسبةٍ اليه،  فرسم بسمة صغيرة اتسعت شيئاً فشيء كلما استوعب ما استمع اليه،  طبع قبلة عميقة على جبينها وهو يردد بعدم تصديق:
_معقول!..
ابتسمت وهي تجيبه على استحياءٍ:
_مفيش حاجة بعيدة على ربنا..
اقترب منها بنظراتٍ هائمة،  يدعوها لريحان يحملها برفقٍ لبر عشقهما الآمن، انسحبت بهدوءٍ وهي ترفض دعوته الصريحة لها بارتباكٍ، حتى عينيه تهربت من التطلع بها،  رفع وجهها اليه وهو يتساءل في استغرابٍ:
_في أيه يا" حنين"؟..
حاولت الصمود فجاهدت بالا يرى دمعاتها،  فقالت بتوترٍ:
_غصب عني،  هحتاج وقت..
يعلم جيداً ما تمر به من ضغوطاتٍ كبيرة،  وخاصة بأنه بالنهايةٍ من قتل أبيها،  لذا لم يشعر بالضجر لما حدث،  بل احتواها بحنانٍ وهو يردد بابتسامته الوسيمة:
_هتاخدي وقتك بس وأنتي جانبي وفي حضني..
غمرتها سعادة حتى ولو كانت مؤقتة ولكنها على يقين بأنها ستخوض حرب عصيبة لتتخطى ذلك..
***************
كاد عقله بالتوقف حتى انه سئم من التفكير، خطاه كان يشق باحة قصره الواسع،  فظل "ريان" يخطو ذهاباً وإياباً حتى تحرر مقبض الباب ليطل من خلفه "مروان" و"فارس"..
أسرع "ريان" إليه وهو يتساءل في لهفةٍ:
_ها وصلتوا لحاجة؟..
أجابه "فارس" بحزنٍ بعدما جلس على أقرب مقعد بانهاكٍ شديد:
_لا،  محدش عارف هو فين،  حتى أصحابه..
رفع عينيه تجاه "مروان" ليتساءل بضيقٍ شديد:
_يعني أيه اخوك فين!..
لوى فمه بسخريةٍ وهو يجيبه باستهزاءٍ:
_معرفش أنت مكبر الموضوع ليه يا "ريان"،  أكيد رجع للزفت اللي بيشربه ومالوش عين يواجهك..
احتقن وجهه بملامحٍ الغضب،  فردد بشراسةٍ:
_اللي بتتكلم عنه ده أخوك الكبير،  تتكلم عنه باحترام سامع!..
بلع" مروان" كلماته حتى لا تتطور الامور فيما بينهما،  فتدخل "فارس" بينهما ليشير اليه بهدوءٍ:
_تعالى معايا يا "مروان"  ، والصبح ان شاء الله ندور تاني..
انصاع اليه واتابعه ليغادر معه للخارج،  بينما استلقى "ريان" على الاريكة من خلفه باسترخاءٍ تام..
**************
رؤية الشمس تتبختر بزيها الذهبي وتاجها المرصع بأشعته الصفراء لتحتل عرشها بالموعد المحدد إليها مشهد ترفرف له النفس وتكتب قصايد من دفاتر الغرام،  فكانت من تراقب هذا المنظر الالهي تقتبس بعض النظرات للمياه الصافية التي تحيط باليخت،  لأول مرة منذ فترة طويلة تتنفس بحريةٍ دون أن ينزع الخوف مرئها،  الهواء الطلق يبعثر خصلات شعرها بشكلٍ فوضوي ورغم ذلك لم تنزعج بل ظلت متمسكة بحافة اليخت رافعة رأسها في شموخ يجابه أشعة الشمس التي تداعب وجنتها الساخنة،  فتحت "شجن" عينيها بلهفةٍ حينما شعرت بملامس ورقيات صغيرة على رقبتها،  استدارت ببطءٍ لتجد. رحيم يقف من خلفها،  يمرر زهرة حمراء اللون على طول رقبتها،  ابتسمت بخجلٍ وهي تردد باستغرابٍ:
_صحيت أمته؟.
وقف قبالتها وهو يتطلع لها بزيتونية عينيه العاشقة ليجيبها بصوتٍ منخفض:
_من وقت ما اتسحبتي من جانبي علشان تيجي هنا..
اهتمامه بأقل تصرف تفعله يجعلها سعيدة للغاية حتى وإن لم تظهر هي ذلك، عينيها اقتبست نظرات مطولة لعينيه وكأنهما بعناقٍ طويل دفئ،  عاد الدوار المعتاد ليهاجمها من جديدٍ،  فاستندت بيدها على صدره وبأصبعها فركت جبينها بألمٍ شديد،  أمسك "رحيم" يدها وهو يتساءل باهتمامٍ:
_دايخة؟..
هزت رأسها تأكد له ما تشعر به،  فحملها بهدوءٍ ثم هبط الدرج الجانبي لليخت الأبيض ليصبح بالطابق السفلي،  وضعها على المقعد المطول القريب من البار المطل على المطبخ الصغير بأحد زوايا الطابق الأرضي،  ثم وقف ليتفحص ما وضعه الخادم بالبرادٍ قائلاً بضجرٍ:
_أكيد لازم تتدوخي لانك مش بتأكلي كويس ولا مهتمة بادويتك..
وجذب بعض من ثمار الفاكهة ليضعها من أمامها ثم جذب الحليب ليسكب منه بكوبٍ كبير ليشير لها بحزمٍ:
_كنت حابب أجهزلك فطار بس للاسف ماليش في أمور الطبخ دي فأجباري انك تشربي اللبن وتأكلي الفاكهة اللي قدامك دي،  سامعة!..
اخشونت نبرته وهو يضيف كلماته الاخيرة،  فاستندت بوجهها على معصمها وهي تجيبه بابتسامةٍ ساحرة:
_معتش بخاف منك على فكرة،  فملوش داعي التشديد ده..
ابتسامة صغيرة داعبت شفتيه،  فاسند ذراعيه أمام صدره وهو يجيبها بثباتٍ:
_ده أحنا قلبنا قوي بقا..
تعالت ضحكاتها وهي تهز برأسها كأجابة صريحة له،  ثم التقطت أحدى ثمار التفاح لتقضمها وهي تقترب منه بمكرٍ،  وقفت جواره وهي تلقي نظرة متفحصة على محتويات المطبخ،  فجذبت من البراد البيض وبعض الاشياء التي تحتاجها لصنع سفرة صغيرة من طعام الافطار الشهي،  استند "رحيم" بجسده على الطاولة من خلفه وهو يراقبها باهتمامٍ،  ارتبكت من نظراته فقالت بتوتر:
_بدل ما أنت واقف تبص كده ساعدني وقطع الخضار،  تحرك بثباتٍ حتى وقف أمام الطبق الموضوع، حك طرف أنفه بحيرةٍ ونظراته تتوزع بين محتوياته،  جذب احدى ثمار الطماطم ثم قرب منها السكين ليقطعها بشكلٍ عشوائي،  تعالت ضحكات "شجن" بتسليةٍ وهي تراقبه،  فترك السكين عن يديه ثم جذب المنشفة ليجفف يديه وبنظراتٍ صارمة قال:
_بتضحكي!  ، عارفة أنا غلطت اني نزلت معاكي المكان ده من الأساس،  أنا طالع فوق خلصي وتعالي.
وتركها وغادر من أمام عينيها،  فحاولت كبت ضحكاتها ولكنها لم تستطيع،  انتهت أخيراً من صنع طبقين فحملتهم وصعدت للطابق الاخير باحثة عنه،  وضعت الأطباق على الطاولة التي تتوسط اليخت ثم بحثت عنه بخوفٍ،  وحينما لم تجده باليخت بأكمله،  رفعت صوتها برعبٍ:
_"رحيم"!  ...
هبطت للطابق الثاني وصوتها يناديه بفزعٍ،  وحينما لم تجده اوشكت على هبوط الدرج لتصل للطابق الأول فكادت قدميها بالتعثر بأحدى الدرجات لتجد من يحيل بينها وبين الأرض،  فرفعت عينيها بصدمةٍ لتراه يقف أمامها،  المياه تتناثر على شعره وصدره بغزارةٍ،  وعلى أحدى كتفيه يحمل المنشفة،  فعلى ما يبدو بأنه كان يسبح بالمياه وحينما استمع لصوتها خرج سريعاً ليراها تتعرض لحادث للمرة التي لا يذكر عددها،  هدأت قليلاً،  فوضعت يدها على صدرها الذي يرتفع بعنفٍ وكأنها تهدأ حالها،  حدجها بنظرةٍ ثابتة ختمها بقول:
_وبعدين،  هتفضلي تخافي كده كتير!..
رفعت عينيها تجاهها وهي تزيح خصلات شعرها المتمردة عليها،  قائلة في ترددٍ:
_طبعاً لازم أخاف لانك مش موجود معايا وأنا هنا لوحدي..
وبارتباكٍ أسترسلت دون ان تعي ما تقاله:
_وبعدين أنا خوفت عليك أكتر،  أنت عداوتك كتيرة وممكن حد يستغل انك هنا لوحدك من غير حرس وكده..
ابتسم وهو يجيبها:
_على أساس اني مش هعرف ادافع عن نفسي من غير الحرس!...
هزت رأسها يساراً ويميناً ثم عادت لتؤمأ بها بارتباكٍ جعل بسمته تتسع،  فلف ذراعيه حول قدميها والاخرى اسفل رأسها ليحملها ويصعد بها الدرج،  صعقت للغاية،  فكادت بالحديث ليقطعها هو قائلاً وقد اوشك على الوصول للطابق الاخير:
_اعداء مين اللي توصلي وسط البحر أنتِ بتتفرجي على مسلسل الخطوط الحمرا كتير ولا أيه،  أنا أي حد حابب يهاجمني وأنا لوحدي بيفكر ألف مرة في مصيره ونهايته اللي مش هتكون على أيد حد غيري..
هزت قدميها بعنفٍ وهي تشير له بحدةٍ:
_نزلني..
ابتسم وهو يجيبها بمكرٍ:
_ليه،  اول مرة اشيلك مثلاً!..
عبثت بشعرها وهي تجيبه بارتباكٍ:
_لأ، بس ده لما بكون تعبانة،  وبعدين انا هدومي كلها اتغرقت مياه!..
بقيت نظراته عليها فالجمتها عن استكمال باقي حديثها،  جذب بقدميه المقعد ليستقيم مقابله والاخرى تتابعه بذهولٍ، وضعها عليه ثم انحنى ليمرر المنشفة على طرف فستانها الأزرق،  وكأنه يزيح البلل،  ثم استقام بوقفته ليجفف صدره جيداً،  جلس على المقعد مقابلها ليجذب الشوكة والسكين ليبدأ بتناول طعامه فصرخت به بدهشةٍ:
_أنت هتأكل كده!..
قال دون النظر اليها:
_عندك اعتراض!،  ولا بتتحرجي..
بللت شفتيها بتوترٍ فقالت بانزعاجٍ مصطنع:
_لا عادي براحتك..
ثم شرعت بتناول طعامها وهي تحاول حجر الكلمات التي تنتابها،  فوضعت السكين عن يدها لتزفر بضيقٍ:
_هتأخد برد على فكرة..
ترك "رحيم" الطبق وجفف فمه بالمنشفة، لينهض ثم غادر باستسلامٍ ليعود بعد قليلٍ مرتدياً سروال قصير بعض الشيء وتيشرت أسود اللون،  فجلس محله مجدداً،  ثم شرع باستكمال طعامه وهو يتساءل:
_كده حلو!..
أومأت برأسها مرات عديدة وابتسامتها تزين وجهها،  فابتسم وهو يتابعها تتناول طعامها براحةٍ بعدما امتثل "رحيم زيدان" لرغباتها ولما تريد،  شرد بوجهها وبحركاتها التلقائية،  حتى حديثها المتلهف عن رؤية ما تحمله باحشائها،  شعر بعد غياب دهر كامل بانه حصل على الحياة الأسرية أخيراً مع من سكنت القلب قبل أن تسكن طرب الفؤاد..
*************
نهض عن الفراش بعصبيةٍ بالغة والعرق يتصبب بغزارة على جبينه،  فجذب علبة السجائر الخاصة به ثم خرج للشرفة سريعاً قبل أن يطيح بها،  ببكاءٍ شديد التقطت "فاطمة" ملابسها لترتديها بدموعٍ كالشلال،  ثم لحقت به بخطواتٍ مترددة،  وقفت على بعدٍ منه وهو يشعر بوجودها،  فاستدار "يامن" مقابلها وهو يحدجها بنظراتٍ قاسية،  كادت بالحديث ولكنه ترك الغرفة بأكملها،  فخانتها قدميها لتجلس أرضاً تبكي دون توقف..
*****************
انتظرت "صباح" عودة زوجها ولكنه لم يعود،  فأصبح الأمر مقلق للغاية،  ارتدت نقابها ثم هبطت للاسفل سريعاً متجاهلة تماماً بكاء صغيرها،  وجدت "ريان" يجلس على المائدة بالاسفل و"سارة" لجواره،  وعلى ما يبدو كان شارد،  ما ان رأتها سارة حتى أشارت لها بابتسامةٍ صافية:.
_صباح الخير يا صبوحة،  تعالي أفطري معانا..
قالت بصوتٍ مبحوح من أثر البكاء:
_الف هنا يا حبيبتي ماليش نفس..
ثم وجهت حديثها لريان:
_طمني عرفتوا حاجة عن "إياد"؟..
هز رأسه بخيبةٍ أمل وهو يجيبها:
_للأسف معرفناش نوصل لحاجة حتى اصحابه مرحش لحد فيهم..
رددت" سارة" بذهولٍ:
_هو "إياد" ماله يا "صباح"؟..
أجابتها ببكاءٍ حارق:
_مرجعش البيت بقاله يومين..
دُهشت مما استمعت اليه،  فقالت بحيرةٍ:
_هيكون راح فين بس!..
وكأن الاجابة زفت اليهم أخيراً حينما قطع الخادم جلستهم قائلاً وعينيه أرضاً:
_مكالمة علشانك يا باشا..
هز رأسه بخفةٍ وهو ينهض عن مقعده،  فاتجاه للهاتف المعلق،  استمع للطرف المتساءل فاجابه في ثقةٍ:
_أيوه أنا"ريان عمران"..
وصمت قليلاً ليستمع لما يود قوله،  فردد" ريان" بصدمةٍ كادت بأن تهزه:
_"إياد" أخويا،  مستشفى أيه؟...
واغلق الهاتف سريعاً ثم اسرع للمائدة ليجذب مفاتيح سيارته،  عارضت "صباح" طريقه وهي تسأله بفزعٍ:.
_اياد ماله، رجلي على رجلك..
أشار لها فأتبعته وهو ترفع صوتها لسارةٍ ببكاءٍ حارق:
_خلي بالك من "جان" يا "سارة".
اجابتها ببكاءٍ:
_متخافيش في عيني يا حبيبتي،  ربنا يطمنك عليه يارب..
وغادروا سريعاً للمشفى اما" سارة" فأسرعت للأعلى لترى الصغير..
************
بمكتب "جان زيدان"  ..
ولجت السكرتيرة للداخل،  لتقف من أمام مكتبه قائلة في احترامٍ:
_في واحد من الأمن عايز يشوف حضرتك يا فندم..
رفع عينيه عن حاسوبه، ليردد في استغرابٍ:
_يشوفني أنا،  غريبة!.
ثم أشار لها بصرامةٍ:
_دخليه..
أومأت برأسها ففتحت باب المكتب لتشير لمن بالخارج بالولوج،  دخل فرداً من الامن،  فجلس على المقعد المقابل اليه باشارة منه،  ليتساءل "جان" بهدوءٍ:
_طلبت تشوفني،  خير!..
أجابه الرجل بعدما انحنى بجسده ليقدم الهاتف اليه قائلاً:
_في حاجة حصلت ولازم حضرتك تشوفها..
التقط الهاتف منه،  ليصدم كلياً حينما رأى مقطع فيديو لأياد وهو يتجه للجراج الخاص بالشركةٍ بعد انتهاء دوامه وما حدث أمام عينيه كارثة بكل ما تحمله الكلمة،  على الفور جذب هاتفه ليطلب "ريان"...
******************
وصل" ريان" للمشفى اخيراً،  فصعد للغرفة المنشودة،  تعجب حينما وجد "مروان"  و"فارس" بخارج الغرفة،  فدنا منهما وهو يتساءل في خوف:
_في أيه،  أخوك ماله؟..
تهاوي الدمع بعين "مروان"،  وكأنه لم يجرأ على اجابته على هذا السؤال،  بكت" صباح" وقلبها يقرع الطبول بخوفٍ لا مثيل إليه،  هزه "ريان" بعنفٍ وهو يسأله مجدداً:
_أخوك ماله انطق!..
وحينما لم يجيبه،  سأل من يقف جواره بقلقٍ:
_في ايه يا "فارس"؟..
فتح" فارس" الباب من أمامه،  ليطل من خلفه أبشع منظر قد يرأه أب قد حاوط على ابنائه طوال العمر،  ولج للداخل بخطواتٍ متثاقلة،  ليجد أخيه مستلقي على فراش يحاوطه عدد من الأسلاك،  رأسه محاطة بشاش أبيض يحجب ملامحه المحببة عن رؤياه،  قدميه مكسورة ويديه معاً، جسده ملتف بأكمله بشاش ابيض وكأن هناك سيارة صعدت على جسده بأكمله،  فرت الدموع من عين "ريان" وهو يراه بهذة الحالة المقبضة،  فتحجر بمحله بجسد يقشعر بألمٍ،  على عكس صباح التي تحركت تجاهه وهي تصرخ بفزعٍ:
_"إيـــــــــــاد"!..
كادت بأن تلامسه فقيد "مروان" حركاتها قائلاً ببكاءٍ:
_الدكتور محذر أن محدش يلامسه..
بكت بقهرٍ حتى لم تعد تحتمل ما تراه فسقطت مغشي عليها بين يديه،  دق هاتف "ريان" في تلك اللحظة فرفعه بثباتٍ ليستمع لصوت "جان" المفزع:
_"ريان" تعاللي فوراً،  "إياد" آآ..
قطعه قائلاً بانكسارٍ:
_"إياد" قدامي بالمستشفى،  أخويا بين الحيا والموت يا "جان"..
استعلم منه عن عنوان المشفى والتقط مفاتيحه ليسرع اليه على الفور.

الجوكر والاسطورة 5 (متى يهتدي الوصال؟...) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن