مدينةٌ لا يُسمَعُ حفيف شجرها الميّت،وسماءٌ ذات لون أحمر يميل للبهت،كحبة الأرز الضائعة بين الكثبان الرملية بدأ ذلك الشابُّ المترنح يجوبُ تلك المنازل ويتساءل ما إن كانَ مخمورًا ليرى هذا،بينَ حينٍ وآخرَ يرى هياكلًا عظمية مرمية في البيوت يعلوها غبار الزمان،فلم تفلت تلك المدينةُ من ويلاتِ السنين،ينهشُ الرُعب قلب ذلك الفتى ليجلس القرفصاء وسط جُنِّ الليلِ المُدمي عليه والصُلبان محيطةٌ به،صلبانٌ ربط عليها هياكل عظمية أخرى ولكن متفحِّمة،كأنَّ تلك الأرواح الهائمة تحوم حول ذلك الفتى الضائع.
تارةً وأخرى داهمته حالات الغثيان والصداع المفاجئَين،جفَّت دموعه وخارت قواه إلى أن استجمع الشيء الوحيد الذي امتلكه آنذاك،قبسُ الشجاعة الطفيف الذي كان ينيرُ عينيه الهائمتين،فاتجه نحوَ أسوارِ تلكَ المدينة الشاهقة تعثَّرَ أحيانًا بسبب انعدام الضوء في تلك الأزِقّة المظلمة ولكن استمرَّ بالتقدم،إلى أن وصل بوابةً خشبية أطرافها مصنوعة من المعدن،شعرَ الفتى كأنه يقفُ أمام ردمِ يأجوج ومأجوج حيث كانت نهاية تلك الأسوار لا تُرى،كل ماكان يُرى امتدادها إلى تلك السماء الحمراء الداكنة ولكن ياتُرى أينَ القمر؟ ..
لم تكن البوابة ذات مقبضٍ او ما شابه،وكانت موصدةً من الخارج على مايبدو،مشى الفتى بمحاذاة السور إلى أن وجد بابً يُفضي إلى سلالم حلزونية توصل للأعلى فجلَس يصعد ويتوقف للراحة،لم يعرف إلى متى استمرَّ هذا ولكنه بقي يصعد والأملُ يخفت في عينيه وسط الظلمة.
في القِمّة حيثُ يلفح وجهه الهواء وتتطاير خصلات شعره الممتدة لرقبته،لم يستطع قولَ أي شيء،ولم يستطع أن يتظاهر بالهلع فقد مات آخِرُ إحساس بالخوف لديه في تلك اللحظة حين رأى جُرفًا هائلا يتوسط المسافة بين الأسوار وبين أرضٍ سهلية في العالم الخارجي،كان سجينًا في ظلمات تلك المدينة وكان يفكر بأمر ما .. هل خسف الله الأرض بهؤلاء الخلق؟. ادارَ وجهه للخلف فرأى المدينة كاملة،توسطها كنيسةٌ كان يتخيلها مليئة بالشياطين للوهلة الأولى وحولها مبانٍ يبدو أنها كانت مترفةً في الماضي وعلى امتداد تلك الأراضي مبانٍ مهترئة قروية،حيث كانت تتجلى مظاهر الطبقية في العصور الوسطى في هذه الأطلالِ الواسعة.
نزلَ المسافة الطويلة وراحَ يبحثُ عن طعام،ربما ما اتى به إلى هنا لم يكن قاسي القلب بالكامل ليعدمه جائعًا هائمًا مع أرواح الموتى،اثناء سيره كانَ يسمعُ همسًا ظن أنه الرياح،ربما قد بدا له همسًا لكن كان يحاول إقناع نفسه بأنه صوت الرياح إتقاء الهلع،ضلَّ يسير للامام بعيدا عن الأسوار وصولًا للمباني المترفة فنسبة وجود طعامٍ بها أعلى،لم يكن هنا واقعيا او منطقيا لكنه واصل الكذب على نفسه وتأمل الجدران المرصعة بالاحجار الكريمة والذهب،وتذكر المباني المهترئة التي في الخلف فاتضح له سوء المنقلب الذي لَحِق بهؤلاء القوم. وصلَ قاعةً واسعة حيث كانت هياكل البشر فيها على شكلٍ غريب جالسةً على مقاعد مترفة وتشُبِّكُ يديها كمن يشكر الرب قبل الطعامِ من النصارى محيطةً بطاولة واحدة على هيئة صفٍّ طويل،كأنهم كانوا على وليمةٍ واحدة،وما جعل هذا بديهيًّا أنه كان هنالك طعامٌ على تلك الطاولة!.
أنت تقرأ
أطلالٌ قِرمزية
Terrorنستيقظُ كلَّ يومٍ في هذا العالم ما إن شاء الله لنا .. لكن ماذا لو استيقظنا في عالمٍ آخر مصبوغٍ بحُمرةِ الجحيم؟