#قرش_البحار_والحورية
الجزء الأول
وقف "القرش " متأملا أمواج البحر من الشرفة الأمامية لقصره الذي يحتجب عن الأنظار من البرّ خلف مرتفع جبلي يحيط بجوانبه الثلاث كحِصْنٍ مشيد ...
ضل للحظات يراقب رفرفة أجنحة طيور النورس المندفعة إلى البحر نحو قوتها، يشنف سمعه بحفيف أوراق الأشجار المتساقطة بعد أن هبت عليها نسائم الخريف، ممتزجا باهتزاز الأشجار التي بدأت تهاجمها رياح الشرق القويّة من حين لآخر ...
لا أحد يعيش بالقصر غيره ... لا أحد يأتي ويذهب من هناك سوى صديقه " نذير " الذي يتولى أمور مجموعة شركاته العملاقة، يمر هناك مرة واحدة كل شهرين أو ثلاث... أو مساعده "جهاد" الذي يذهب للقصر مرة كل شهر ليجلب حاجيات سيده من ثم يذهب للمدينة لقصر العائلة حيث يهتم ب "مجد " ابن أخ "القرش" الأكبر والفرد الوحيد المتبقي من عائلته بعد الهجوم الذي أودى بحياة أخويه وزوجاتهم ...
منذ الحادثة اختفى "آدم الحسيني" أو " قرش البحار " كم يناديه الكثيرون أخذ اسمه هذا بعد ان بنى إمبراطورية للنقل البحري... سيطر من خلالها على أغلب المواني و السفن في الوطن ..."آدم الحسيني" بنى أول قارب بيديه الصغيرتين و هو في التاسعة من العمر من أجل قوته و قوة أخوته ... أطلق عليها اسم" قرش البحار"... القارب اصبح سفن و عبارات و بواخر عملاقة.... حتى أصبحت ثروته مضرب امثال و إسمه على كل لسان...
ترك كل شيء ليبقى بقصر الجبل وحيدا ... حتى الصغير "مجد" أبقاه بعيدا عنه ... كلما سأله " نذير " عن الصغير يردد الكلمات ذاتها " هو هناك بخير ... بعيد عني سيكون بأمان أكثر ... من يقترب مني يحترق "...اعتزل السلاح تماما كما اعتزل كل العالم ... عدى بعض بنادق الصيد التي يستخدمها من حين لآخر ...بعد ثأره لموت عائلته أقسم بأن لا يحمل السلاح مرة أخرى ..... لم يبقى بحياته البائسة ما قد يدافع عنه بالسلاح...
مرت قرابة الخمس سنوات ...يحظر "جهاد" الصغير للقصر ليراه عمه مرة واحدة كل شهر من ثم يأخذه ليبقى "آدم" بمفرده... يمضي أغلب وقته في الصيد أو العناية بحصانه ...
خمس سنوات من الوحدة جعلته يشعر ببرود نحو حياة المدينة ... أصبح وكأنه خلق ليعيش بالجبل بين الغابات والحيوانات...
لمح بالأفق سفينة تمر عبر مضائق الجزر ... مكان لا تمر عبره السفن منذ سنوات طويلة لانعدام العمق الذي يسمح لها بالإبحار ... يعد المرور منه بمثابة مخاطرة قد تنتهي بكارثة مؤلمة...
أسرع نحو غرفته ليجلب منظاره الذي دئب على النظر به كلما أراد تأمل حيوانات الجبل ... سحب المنظار من خزانته وعاد مسرعا لشرفة الغرفة ...
وجه منظاره نحو السفينة يراقب اقترابها من عبور المضائق باتجاه الجزر ... لم يبقى سوى بضع مآت الأمتار على مغادرتها أرض الوطن ...فجأة لمح شيء حبس أنفاسه ...امرأة تقف على حافة مؤخرة السفينة ... دون وعي صرخ وكأنه يخاطبها:
أنت تقرأ
قرش البحار و الحورية
General Fictionقد إستبدل ثقل قدميه على الارض بخفة جناحي القلب وشغفه ، وبين أرضهِ وسمائهِ تجلت له الحياة وما بعدها كَمورد ظمآن على سفر