الفصل السادس ( إعتراف)
بدأ البرد يدب بداخلها بنسق متسارع فمدت يدها نحو وجهها لتنفخ على أصابعها متأملة أن تبعث بداخلها القليل من الدفء ثم قربت جسدها من الباب وجعلت تحاول سحبه بقوة حتى أدمت أناملها الرقيقة لتتراجع بجسدها على الجدار وتهوي بقوة وهي ترتعد ... تذكرت كيف توالت الخيبات على قلبها الصغير واحدة تلو الأخرى ... لتحدث نفسها بصوت مرتعش وأسنانها تصطك من البرد ...
-ماذا لو لم تتركيني يا أمي؟ ربما ما كنت لأتلقى كل هذه الضربات ... ربما أكون الآن نائمة بجانبك ... لا يقلق تفكيري سوى شكل تسريحة شعري أو لون فستاني الذي سألبسه في الغد...
-ماذا لو أنك أحببتني يا "قرش" ؟ كنت لأنسى قسوة العالم كله و أنا أغوص داخل حضنك الكبير ... كنت لأسامح الجميع... كان قلبي ليعفو عن كل الأخطاء التي ارتكبت في حقي لأن حصولي على قلبك أكبر هدية قد تحصل عليها أي امرأة ...
أغمضت عينيها بعد أن عجزت عن إبقائهما مفتوحتين ...صوت الرصاص حفز عقلا قليلا لتعي بأن هناك اشتباك مسلح من حولها ولكن صوتها قد غص داخلها وأصبح عاجزا عن تجاوز شفتيها ... جفنيها أصبحا ثقيلين حتى هيء لها بأن طبقة من الجليد أصبحت تغطيهما تماما ...
ثم بدأت الأصوات تتلاشى وعقلها يضيع في عالم الصمت الرهيب حتى فقدت القدرة على تحريك جسدها كأنما شلت تماما... غابت عن الوعي بعد محاولات جاهدة لإبقاء عقلها نشطا فالغرفة لم تكن غرفة تبريد عادية... كانت مصممة لإنتاج الثلوج مما يعني أن لحظات قليلة كانت كافية لتحويل جسدها إلى قطعة جليد...
توقف دوي الرصاص معلنا عن قتل وأسر جميع رجال الإيطالي ... تمكن رجال القرش من محاصرتهم والإيقاع بهم بعد حرب ضارية لم تكن تختلف بشيء عن الحروب الحقيقية ...
تسارعت خطوات "آدم" نحو المكان يجوبه متفحصا أدق تفاصيله لكنه لم يعثر عليها ... يكاد يفقد صبره وهو يفكر بالخوف الذي تشعر به عندما تسمع دوي الرصاص الذي ملئ الأجواء ... يتذكر ارتجافها الغريب وحالتها الصعبة بذلك اليوم الذي أنقذها من رجال عمها ليتزايد شعوره بالغضب والقهر ...
كانت غرفة الثلج تلك آخر أمل له ليجدها ... اندفع مسرعا ليركل الباب بقوة حتى يتمكن من فتحه لكنه ارتد إلى الخلف حتى هوى على الأرض، ليدرك على الفور بأنها لم تكن غرفة عادية ...
اشتغل عقله بسرعة ليفهم أن هناك خطب ما ... وجه مسدسه نحو القفل وهو يصرخ بقوة:
ـ إبتعدي عن الباب ...
انطلقت الرصاصة الأولى لترتد وتستقر بذراعه بعد أن كادت تخترق قلبه ... ألم رهيب ألم به ولكنه لم يمنعه من وضع المسدس مباشرة على القفل وإطلاق رصاصة ثانية ... لكن هذه المرة نجح الأمر ... دفع الباب بقوة ودلف إلى الغرفة لتنطلق من أعماقه صرخة مدوية عندما لمحها على الأرض وخيوط الثلج قد بدأت تتشكل حول جسدها المتجمد ...
أنت تقرأ
قرش البحار و الحورية
General Fictionقد إستبدل ثقل قدميه على الارض بخفة جناحي القلب وشغفه ، وبين أرضهِ وسمائهِ تجلت له الحياة وما بعدها كَمورد ظمآن على سفر