العولمة والدولة القومية: السياق ومسار التغيرات

9 0 0
                                        


بعد تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، أعيد طرح سؤال العولمة مرة أخرى، فيما يتعلق بالدولة القومية (Nation State) ومفهوم السيادة (Sovereignty)، والهوية القطرية (National Identity) من خلال التساؤل، هل افضت العولمة إلى إذابة الحدود بين الدول، وإسقاط الحواجز والقيود المادية والثقافية التي تعترض التدفق الحر للسلع والخدمات ورؤوس الأموال والمعلومات، وما هي تأثيرات العولمة على مفهوم السيادة ووظيفة الدولة القومية التي لم تعد كما كانت، أم ماتزال الدولة القومية تعلب الدور الأكبر في السياسية الدولية، من خلال التدليل على تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. تسعي هذه الدراسة لبحث العلاقة بين العولمة والدولة القومية، بجانب رصد التأثيرات والتحديات التي تمثلها ظاهرة العولمة على الدولة القومية، وقدرتها على أداء وظائفها التقليدية، وإشكالية هذه العلاقة من ناحية سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية. وتنطلق هذه الدراسة من فرضية رئيسية مفادها أن الدولة ما تزال هي الوحدة الأساسية في التأثير في السياسية الدولية وأن أثر العولمة مازال محدودًا.

أولًا: تعريف العولمة:

العولمة هي ترجمة للكلمة الإنجليزية (Globalisation) وبعضهم يترجمها بالكونية، والبعض الآخر بالكوكبة أو العالمية، إلا أن الترجمة الأكثر شيوعًا وقبولًا عند المفكرين والباحثين هو العولمة، وقد تعدد السجال حول تعريفها ومفهومها ومضمونها بمعنى أنه ليس هناك تعريفًا جامعًا متفق عليه بين الباحثين، سواء كان من الناحية الأيديولوجية أو من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو في الأدبيات الأكاديمية، إلا أن المتفق عليه هو أن العولمة تعني ازدياد درجة التفاعلات الإنسانية العابرة للحدود السياسية للدول، وظاهرة الإنتاج المتوسعة، التجارة البينية وحركة رؤوس الأموال، نتيجة التطور في التقانة والمعلوماتية بجانب سيطرة وانتشار الرأسمالية العالمية
ويرى بعض الكتاب والمفكرين، أن العولمة هي سيرورة تاريخية نتيجة تفاعلات وتطورات في التكنولوجيا والنقل والاتصال كما ناقش توفلز في كتابه "الصدمة المستقبلية"، إذ يرى أن العولمة أدت إلى تقلص المساحات والفضاءات البعيدة، فضلًا عن التداخل في عالم المال والأعمال، فالأزمة التي ضربت اقتصاديات الدول الغربية 2008 أولًا تأثرت بها بقية دول العالم، ما يعني انعدام الفواصل الجغرافية والمالية التي كانت حاكمة فيما مضى، مقابل انتشار اقتصاد السوق والمنافسة والتجارة البينية كما يرى مناصري العولمة .
وعكس هذا الطرح، هنالك تيار يرفض العولمة ويعتبرها نوعًا من استمرارية القيم والأفكار الغربية الإمبريالية، وهي ليست سوى تعبير يخدم مصالح فئات محددة، ممن لهم ارتباطات وشبكة من المصالح المتنوعة مع الحكومات ورجال الأعمال بالإضافة إلى الأغنياء. في هذا السياق، يرى سمير أمين أن العولمة والرأسمالية ما هي إلا مشروع هيمنة أمريكية تسعى إلى تشكيل إطار جيوسياسي عالمي يخدم أهدافها بالمقام الأول وهو يحلل من زاوية العلاقة ما بين دول الجنوب والشمال في النظام العالمى ، في ظل ظاهرة العولمة بشكل عام، والسياسة الاقتصادية الرأسمالية العالمية بشكل خاص.
مهما يكن من أمر، فإن الدولة لم تعد هي الدولة التي تقوم بوظائفها التقليدية مثل توفير الحماية والآمن والسيادة التي صورها كلا من بودان Jean Bodin، هوبز (Thomas Hobbes)، بل أضحت امام تغيرات كبيرة، نتيجة التطور في البيئة الدولية، بدءا من ظاهرة العولمة وتأثيراتها، حيث لم يعد النظام العالمى الذى صاغته معاهدة وستفاليا 1648، الإطار والشكل الثابت الذى يحكم العلاقات الدولية، ولم يعد بالإمكان التسليم بمفهوم السيادة التقليدي في ظل التداخلات في شتى المجالات بين الدول والفاعلين الآخرين غير الدولة، مثل المنظمات الدولية والشركات العابرة للقارات، إذ أن هناك حاجة لفحص العلاقة ما بين الدولة ومواطني الدولة من جهة، سلوك وفعالية الدولة على مستوى النظام الدولي من جهة أخرى، ففوكو ياما يرى أن نمو الاقتصاد العالمى وما رافقه من ازدياد حركة المعلومات وحراك رأس المال أدى إلى تآكل استقلالية سيادة الدولة- الأمة ، بشكل يدعو إلى رسم جغرافيا جديدة وهو ما عبر عنه بنهاية التاريخ.

عالم السياسه world of politicsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن