الفصل السادس

3.8K 209 24
                                    

الفصل السادس


كانت تجلس أرضاً أمام غرفة العمليات ملابسها ملطخه بالدماء عيونها شديدة الحمره تنظر إلى يديها التى تحمل أغراضه الملطخه بدمائه محفظة نقوده و خاتمه و ساعته
كانت دموعها لا تتوقف تغرق وجهها قلبها يؤلمها و المشهد يعاد أمامها مرات و مرات
حين وقفوا ينظرون إلى زينب التى تركض فى إتجاهه ليترك يدها و ركض فى إتجاه الصغيرة حين لمح تلك السيارة المسرعة فى إتجاهها و دفعها للخلف بقوة لتسقط أرضاً حين صدمته السيارة بقوة كبيرة ليرتفع جسده فى الهواء مسافة كبيرة حين شهقت هدير بصدمه ثم صرخت بصوت عالي حين  سقط جسده فوق مقدمة السيارة التى صدمته للمره الثانية ليسقط أرضاً و تمر من فوق جسده بلا رحمه لتصرخ من جديد بأسمه
ليخرج الجيران و باقي أخواتها على صوت صريخها و صراخ زينب الهستيري
ركضت إليه و هى تنادي عليه بصوت مختنق بالبكاء و الرؤية مشوشه من كثرة الدموع قلبها يؤلمها روحها تغادر جسدها ... تشعر ببرد شديد يختل جسدها بالكامل و هى تجلس على ركبتيها بجانبه وهى تقول بصوت مبحوح من كثرة الصراخ
- جعفر ... جعفر ... لالالالا أفتح عينك رد عليا جعفر يا جعفر فتح عينيك أبوس أيدك ماتسبنيش أنا مصدقت لقيتك لالا جعفر لأ يا جعفر لأ
أتصل أحد الجيران بالإسعاف و التى لم تتأخر كثيراً  لتصعد معه إلى سيارة الإسعاف حتى دون أن تنظر إلى أخواتها أو تطمئن على زينب و ما حدث فيها بعد تلك السقطة القوية ... لكن الأهم الأن هو جعفر الأمان الذى أصبح على وشك الضياع ... السند الذي حلمت به طوال حياتها و الأن يود أن يتركها و يرحل
الحب ... الحب الذي حلمت به و لم تتجرىء يوماً على البوح حتى لنفسها به . الحب التي تمنته يوماً يربت على قلبها المتألم و لم تصدق يوماً أنه موجود
و حين أصبح بين يديها ها هى تخسره من جديد
كانت تجلس أسفل قدميه منزويه فى باب عربة الإسعاف حتى تترك المجال للأطباء يهتمون به ... و من كثرة دموعها كان يخيل إليها أنه ينظر إليها و يبتسم حتى يطمئنها كعادته فتبتسم ... و أحياناً يخيل إليها أنه غاضب بشده بسبب تلك الدموع فتحاول أن تمسحها بظهر يديها لكنها مستمرة فى الهطول
و كأن القدر يرى أنها لا تستحق أن تعيش آمنه سعيدة
فقرر حرمانها من كل ذلك النعيم و الراحة و يحرم أخواتها من أب حاني و صديق و أخ داعم لهم طوال حياتهم
عادت من أفكارها  تنظر إلى باب العمليات تناجى ربها أن ينقذه و يعيده لها سالماً 
- يارب ... يارب رجعوا ليا يارب  .. يارب يارب
مر الوقت بطىء للغاية لم يخرج أحد من الغرفة حتى يطمئنها
~~~~~~~~~~~~~~~~~
يجلس الأربعة فوق الأريكة بالترتيب فاطمة تحتضن زينب و يضم زينب من الجهه الأخرى حسام الذي يجلس خلفه علي .... يضمون بعضهم بحزن و خوف ... فاطمة لا تتوقف عن البكاء و زينب صامته تماماً و كأنها فى عالم آخر لا تستوعب ما يحدث و لكن ما شاهدته لا يتحمله الكبار كيف لها أن تتحمل أن ترى إطارات السيارة و هى تمر من فوق جسد والدها كيف تتحمل
كانت بدريه الجالسة على كرسيها المدولب لا تفهم ماحدث غير أن جعفر صدمته سيارة باقى التفاصيل لا تعلمها ... لكن الخوف الواضح على ملامح أبنائها تنبئها أن هناك خسارة كبيرة قد وقعت على رؤسهم رفعت عيونها و هى تدعوا بقلبها لذلك الرجل الذى شعرت به إبن لها ... إبن تتمناه كل الأمهات رجل حقيقي ندر وجوده خاصة مع كل ذلك الحق الكبير الذى يعطيه لها و لأولادها و الحب الكبير التى تراه داخل عينيه لهدير
دموعها تغرق وجهها بصمت غير قادرة على طمئنة أبنائها و غير قادرة على طمئنة قلبها ماذا تفعل سوى الدعاء بقلب موقن بالإجابة 
~~~~~~~~~~~~~~~
لا تعلم كم مر من الوقت و هى على نفس الجلسة عيونها معلقة بالباب تتمني أن يفتح الباب ليخرج منه جعفر يبتسم إليها بابتسامته التى أصبحت غذاء لروحها و سر سعادتها 
لكن يمر الوقت دقيقة خلف الأخرى لا يخرج أحد من تلك الغرفة و كأنها فجوة كبيرة من دخلها فُقِدَ إلى الأبد 
مر أكثر من نصف ساعة أخرى لينتفض جسدها و هى تقف سريعاً أمام الطبيب الذى يكتب بعض الأشياء فى ذلك الملف الذى بين يديه
لتقول بلهفة و صوت متقطع يخرج من حنجرتها بصعوبة
- جعفر
نظر إليها الطبيب ببعض الشفقه و خلع نظارته الطبيه و قال موضحاً
- فى الحقيقة الحالة إللى جات فى حادثة العربية حالتها خطيره و لازم تفضل تحت الملاحظة خلال ال ٤٨ ساعة إللى جاية
الصدمة و عيونها المفتوحة على إتساعها و تلك الدموع التى تسيل على وجنتها بغزاره جعلته يكمل ببعض التوضيح
- شوفى أنا هوضحلك الحالة بس لازم تفهمى أن بعد ما نطمن عليه ان شاء الله و تعدى مرحلة الخطر المسؤلية الكبيرة فى شفاء المريض هتقع على كتافك أنتِ
حركت رأسها يميناً و يساراً و هى تقول
- المهم هو يبقى كويس 
- الحادثة عملت ضرر كبير فى الكلى و للأسف أضطرينا نستأصلها كمان مرور العربية فوق جسمه سببت كسر فى الساقين من فوق الفخذ و من تحت الركبة بشوية
لتشهق بصوت عالى بصدمة ليكمل كلماته
- كمان فى جروح فى وشه و فى كل جسمه و ضلعين فى القفص الصدري
لتضع يديها على وجهها تبكى بصوت عالي الشفق على حالها ربت على كتفها و هو يقول
- ان شاء الله هيبقى كويس خلى أملك فى ربنا كبير
رفعت يديها عن وجهها و قالت برجاء و توسل
- ممكن أشوفه ؟ أرجوك محتاجة أشوفه و أكلمه أرجوك .
ظل الطبيب ينظر إليها بشفقه ثم أومىء بنعم و نظر إلى الممرضة الواقفه خلفه
- خليها تشوفه خمس دقايق بس
- حاضر يا دكتور
و أشارت لها لتسير جوارها جسدها ينتفض بخوف و قدميها ثقيلة كأنها تثير وسط كثبان رمليه تقيد حركتها
بحر رمال يقيد قدميها لكنها تعافر مع نفسها و خوفها عليه
وصلت أمام غرفة الرعاية لتشير لها الممرضة إلى إحدى الغرف و حين دخلتها بدأت الممرضة تعطيها الملابس الخاصة و تقوم بتعقيمها جيداً
ثم أشارت إلى باب غرفة جعفر التى ظلت واقفه أمامه لعدة ثوانى ثم فتحته و دلفت إلى الغرفة و أغلقت الباب خلفها ليصل إلى أُذنها صوت الجهاز الموصل بقلبه نظرت إلى كل تلك الأسلاك الموضوعة فوق صدره وجهه الشاحب المليء بالجروح صدره الملفوف بالكامل بضمادة بيضاء مقبضه للقلب ... قدميه المعلقتان و كل منهم حولها كتله كبيرة من الضمادات
وضعت يدها على  فمها تمنع شهقاتها من الخروج من داخلها
أقتربت بهدوء تنظر إلى ساقيه المُجبره بالكامل صعوداً إلى ذلك الجرح الكبير بخصره ثم صدره و وجهه المجروح جلست أرضاً على ركبتيها و رفعت يديها تلمس وجهه بأطراف أصابعها و هى تقول بهمس
- جعفر
صمتت لثواني غير منتبهه لذلك الصوت الذى تغير فى جهاز القلب لتقول
- أنا آسفه يا جعفر ... آسفه أن كل ده حصل و مسمعتش مني  أنى بحبك ... أنا آسفه أنى مكنتش الزوجة إللى أنت تستحقها الزوجة إللى ترضيك و تسعدك
أنحنت تقبل يديه و هى تقول
- حصل إللى حصل و أنا لسه مش مراتك بجد و لا أديتك حقك و لا قدرت أوفى حقك و حقك كل إللى أنت عملته لاخواتي و أمى
أقتربت تقبل أسفل عينيه بعمق و قالت
- و لا قدرت أوفى حق قلبك فى قلبي ... جعفر أصحى و فوق عايزة أقولك الكلمة إللى قلبي حاسسها و روحى بتتمناها ... أصحى أنا مستنياك
و أنحنت تقبل يديه عدة مرات ثم أقتربت من أُذنه و قالت بهمس
- أنا عارفة و حاسة بقلبي أن أنت سامعنى ... أنا واقفه بره على باب أوضتك و مستنياك تفوق و كل شوية هترجاهم أنى أدخلك ... أنا مش هسيبك أبداً أبداً ... بس أنت أرجعلى بسرعة
كل ذلك كانت هى تبكى تستمع لصوت دقات قلبها التي تصم أُذنها عن صوت ذلك الجهاز الذي ينبهها و ينبه الجميع مما جعل الممرضة تركض لتنادي الطبيب الذي وقف عند الباب يتابع ما يحدث بأندهاش يشوبه بعض القلق لكنه ظل يتابع الأمر من بعيد
~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان يقطع تلك الغرفة ذهاباً و إياباً فى قلق ينظر إلى مفتاح الجالس أرضاً بهدوء غير عابئ بشىء
لم يعد يحتمل جلس أرضاً أمامه و قال بغضب
- أنت متأكد أنه مات ؟
رفع مفتاح عينيه إلى فتحى و قال ببرود
- ضربته بسرعة ١٦٠ و أترفع فى الهوا و وقع على العربية و دوست عليه تفتكر  ممكن يكون عايش
ظل فتحي ينظر فى كل الأتجاهات ثم قال
- طيب البت زينب كانت قريبة منه لايكون حصلها حاجة 
أخذ مفتاح نفس عميق من سيجارته و نفخها فى الهواء و قال ببعض السخرية
- لا متخافش هو عمل بطل قبل الحادثة و زق البت بعيد
جلس حنفي و أسند ظهره إلى الحائط الأسمنتي و هو يفكر فى كل ما حدث و ما هى خطوته القادمة متى عليه أن يتحرك و يأخد ما يريد
~~~~~~~~~~~~~~~~
حين غادرت الغرفة جلست على أقرب كرسي تبكى بصوت عالى ... أخرج كل ذلك الخوف الذي أستوطن قلبها و روحها حين وجدت جسده ملقى أرضاً غارق بالدماء
ظلت تبكى و تبكى تُخرج كل ما بداخلها عليها أن تكون قوية فالقادم كما قال الطبيب ليس سهلاً و هى رأت بعيونها كيف أن جسده كله قد تأذى
أخذت نفس عميق عدة مرات متتاليه حتى تهدئ شهقاتها و أخرجت هاتفها من حقيبتها المعلقة بكتفها منذ خروجها من المنزل و أتصلت بأخواتها
حين أجابت فاطمة قالت لها هدير
- أيوه يا فاطمة أنا هدير
صمتت لثواني ثم قالت بمهادنه
- أيوه يا فاطمة أحنا فى المستشفي حبيت أطمنكم علينا أنا هبات هنا خلوا بالكم من بعض على ما أشوف هعمل أيه
صمتت مره أخرى تستمع لكلمات فاطمة ثم قالت
- فاطمة أنتِ مكاني دلوقتي خلى بالك من ماما و أخواتك ... يلا سلام
أغلقت الهاتف و كادت تغمض عينيها لثواني حتى تريحها من ذلك الألم الشديد التى تشعر به لكنها وجدت الأطباء يركضون إلى غرفة جعفر و يبدوا على ملامحهم القلق لتقف سريعاً تنظر من تلك النافذة الزجاجية و لكن قبل أن ترى أى شىء أغلقت الممرضة النافذة ليسقط قلبها أرضاً و رائحة الموت تفوح فى المكان حولها


يتبع

حين التقيتك (( جعفر قلبي )) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن