استراحة ــ المسافر

2.8K 55 4
                                    

القصة الثانيه

خرجت  من عملي  بعد نهاية  أسبوع شاق يكتظ بالاجتماعات المرهقة ، ممنيا  نفسى  بقسط من الراحة قبل موعدي الليلي مع صديقتي في أحد الملاهي الليلة التي اعتدنا قضاء وقت ممتع فيها ، قبل التوجه سويا  إلى بيتي وقد تلاعبت الخمر برأسينا ، حتى أن أحدنا لا يدري كيف وصلنا إلى البيت ولا كيف كانت الليلة .
      بمجرد أن جلست في سيارتي، تلقيت اتصالا هاتفيا من أخي على غير العادة ،يخبرني أن أبى في حالة سيئة وأن الأطباء أوصوا بخروجه إلى المنزل لتردي حالته الصحية، ومن الأفضل له أن يموت في بيته إذ أنها مسألة وقت ، وأنه يطلب رؤيتي على وجه السرعة .
     أغلقت الخط  وأنا افكر في أبي الذى لم أره منذ أكثر من شهر على الرغم من اشتداد مرضه ، ربما لأنى أعمل بالإسكندرية بينما يعيش أبواي  في أسوان ، أو ربما لهذا الخلاف الذي حدث بيننا في المرة الأخيرة عندما  أصر هو أن يزوجني ابنة خالتي، لما علم عنى من مجون وإسراف في الشهوات ، وهو ما لاقي رفضا منى واشتعل الموقف عندما قلت له  "لو كانت اخر النساء فلن اتزوجها" وخرجت من البيت غاضبا.
    اتصلت بصديقتي لأخبرها بإلغاء موعدنا اليوم نظرا لمرض والدى ،واضطراري للسفر إلى مدينتي وبعد ثلاث ساعات كنت في مدخل الطريق السريع إلى أسوان، أخذت أنهب  بسيارتي  الطريق وأنا أخشى أن يسبقني ملك الموت إلى روح أبي ، أحسست للمرة الأولى منذ فارقت عمر الطفولة انني أحب هذا الرجل، على الرغم من الخلافات المستمرة  بيننا ، والتي بدأت مع أول مرة ضبطني فيها أدخن السجائر ، تذكرت كيف كان عقابه لي، ووجدت نفسي أبتسم رغما عنى ، ظللت هائما في ذكرياتي مع أبي ، حتى قطعها ذلك الصوت من السيارة والذى يعلن اقتراب نفاد الوقود، فتذكرت أنني نسيت أن أتزود بالوقود قبل بداية الطريق السريع ، نظرت حولي لأجد انني أسير بين مجموعه جبال تحجب عنى قادم الطريق فدعوت ربى سرا ألا ينفد الوقود في هذا المكان المقفر .
    بعد أول انعطاف  للطريق رأيت لافتة خط عليها عبارة " مدخل أسيوط بعد 30 كيلو " شعرت بخيبة أمل لخوفي أن ينفد الوقود قبل الوصول إلى أسيوط ، ولكنها تبخرت عندما رأيت لافته تعلن عن وجود محطة وقود بعد 500 متر ، فأبطأت السير حتى لاحت لي محطه الوقود ،  ولكنني لاحظت أنها على مسافة لا تزيد عن مائتي متر فتعجبت معتقدا أنني اخطأت تقدير المسافة.  توقفت بالسيارة داخل المحطة ، وإذا بالعامل يهرع نحوى ، رجل في اواخر الأربعينيات قصير القامة ، ويرتدي  نظارة طبية شرخت عدساتها.
- مرحبا يا أستاذ،  حمدا لله على سلامتك.
- أشكرك... من فضلك إملأ خزان الوقود. 
-  بالتأكيد يا أستاذ ، ولكن ألا تحتاج لبعض الراحة؟
      قالها وهو يشير خلفه إلى مبنى لم أره عند دخول المحطة مكتوب عليه " استراحة المسافر "،  شعرت مع رؤيته أنني بالفعل في حاجة إلى الراحة وتناول الطعام، وربما قدحا من القهوة يساعدني على مواصلة الطريق الذى لم أبلغ نصفه بعد ، دخلت إلى المكان لأجده عباره عن مطعم يتكون من طابقين بينهما سلم خشبي مهترئ ، وعلى الأرض كان هناك صواني طعام ذات طابع صعيدي ، جلست إلى إحداها مستندا إلى الحائط الذى ثبت عليه قطعه اسفنجيه بحجم ظهر الجالس ، بعد قليل جاءني ومعه امرأة شاحبه يبدو أنها زوجته وقال لي:
-هذه زوجتي "أم طه" ، ستقوم بخدمتك ، لحين انتهائي من تزويد سيارتك بالوقود ، وتنظيفها.
     أعطتني زوجته ورقه تقوم بعمل قائمه الطلبات على نحو ما ، فتخيرت طعاما خفيفا - معدتي أثناء  السفر لا تكون مستقرة بأى حال-  ورغيفا من الخبز الشمسي الذي اشتقت له كثيرا وكوبا من الشاي، وأخبرتها أنني بعد الشاي سأحتاج إلى قدح من القهوة بدون سكر تماما، ليعينني على اليقظة أثناء السفر ، فهزت رأسها وانصرفت .
     لحظات وأحضرت الطعام والشاي فأكلت ولكنى لم أستطع إكمال رغيف الخبز ، فشربت الشاي بينما ذهبت هي لإعداد القهوة .
    خلعت بعدها حذائي وفردت قدمي  ويبدو أني رحت في غفوة ، انتبهت منها على حركه طفل صغير في الرابعة أو الخامسة من عمره ،يحمل بيده قطعتين من الحديد يدقهما ببعض كل لحظات ، ابتسمت وأشرت له بالاقتراب، فاقترب وجلس بجواري دون أن ينظر لي وإنما ظل ناظرا إلى يديه اللتان ما زالتا تعبثان بقطعتي الحديد، للوهلة الاولى شعرت أنه غير سوى إذ ربما يكون مصابا بالتوحد أو أنه من ذوى الاحتياجات الخاصة
- ما اسمك يا صغيري
نظر لي ولم يجب ، ثم عاد ببصره ليتابع التقاء القطعتين
- انت طه...  صحيح؟
      نظر لي مره اخرى وهز رأسه بنعم ثم نظر إلى يدى التي بها الساعة وابتسم متابعا حركه عقاربها، ثم فعل اخر شيء توقعته ، فقد اقترب برأسه بغتة  من ذراعي وقضم جسم الساعة منتزعا إياها ،و مخلفا جرحا في  ذراعي اتخذ شكل اسنانه، ولكن العجيب انه قضم قطعه من اللحم خلفت على شفتيه خيطا من الدماء فبدا كأنه مصاص دماء خرج من تابوته للتو.
     على صرختي هرع أبواه  ، وانتزعا الساعة من فمه ، جرته أمه جرا من يده ، وهو ينظر لها بحقد لا يليق بطفل حتى ولو كان مريضا نفسيا ، بينما ظل الرجل يعتذر لي معللا لي ما حدث بحالة ابنه النفسية وأنهم قد ارهقوا من التردد على الأطباء ومراكز رعاية الأطفال ، استمعت له غير مبال بما يقول بينما أعدل ثيابي وارتدى حذائي ثم صرخت فيه قائلا
- هل  انتهيت من السيارة اللعينة ؟
-انتهيت منها، ولكنى وجدتك مرهقا، وغلبك النوم، فتركتك تستريح قليلا
- لو سمحت، أخبرني كم تريد حتي أنصرف من هذا المكان اللعين.
- ولكنك لم تحتسى قهوتك بعد!!
- أضف ثمنها إلى الحساب ودعني أنصرف.
     كان ما طلب مبالغا فيه، ولكنى كنت في حاله لا تسمح لي بالمناقشة في تفاصيل الحساب، فانصرفت من المكان والغضب يعصف بي، خاصة عندما أحسست بألم في ذراعي الذى بدأ جرحه يميل ‘اى الاصفرار بطريقة عجيبة ، انطلقت بالسيارة وبعد حوالى مائتي متر سمعت ذلك الصوت الذي ينذر باقتراب نفاذ الوقود ، فلعنت حظى العاثر الذي أوقعني في هذا النصاب الذى أوهمني بأنه ملأ الخزان ، وزوجته وابنه غريب الأطوار ، فقررت العودة إليه مستديرا في أول نقطة رجوع، لحظات ورأيت محطة وقود أخرى أكبر حجما، ففهمت حينها أنها المقصودة باللافتة ، دخلت وقررت أن أتزود  بالوقود منها ثم أعود لذلك النصاب ، وأثناء التزود قصصت على الرجل العجوز الذي كان  يملأ لي الخزان ما حدث معي بينما يتابعنا باهتمام شاب جالس بالقرب ، فلم يعلق الرجل إلا بجمله مقتضبه مفادها أنه لا توجد محطات أخرى بالقرب ، ثم طلب منى الحساب وحاسبني وانصرف، ركبت سيارتي وقد زاد حديثه إصراري على العودة لهذه المحطة ، وبينما أغادر لمحت في مرآتي ذلك الشب يجرى نحوى ، فقررت ألا أتوقف إذ أنني شعرت أنه غريب الأطوار أيضا ، وقد اكتفيت منهم في هذه الليلة .
    اقتربت من المحطة  لأجد أنها موجودة ،  إذن فذاك الرجل في المحطة الأخرى يكذب ، الأضواء قد انطفأت فاعتقدت أنهم خلدوا للنوم كعادة أهل الصعيد في النوم مبكرا، ولكنى عندما نزلت من السيارة وجدت أن كل شيء تغير ، فماكينات التزود بالوقود سوداء كأنها تعرضت لحريق او انفجار. دخلت الى المبنى المعنون بـ  "  استراحة المسافر" لأجد أن كل شيء محترق ، أخرجت هاتفي لأضيء المكان ، وهالني أن رأيت تلك "الصينية " التي كنت اجلس اليها كما هي، سليمه لم تحترق، بل إن بقايا الخبز الذى كنت أتناوله لازالت موجوده كما هي فضلا عن بعض القطع الصغيرة التي قضمها هذان الفئران العابثان بجوارها ، شعرت بقشعريرة صاحبت ريحا باردة عطنة  هبت على المكان فجأ’ ، فخرجت إلى سيارتي مسرعا ، وقررت التوجه إلى المحطة الاخرى ، وبمجرد أن  رآني الشاب غريب الأطوار اقترب منى قائلا:
- ركضت خلفك كثيرا  دون علم أبي، حتى  أروى لك ولكنك تجاهلتني
نظرت اليه متفحصا هيئته وثيابه ثم قلت
-وماذا تريد أن تروي  لي ؟
- الاستراحة المحترقة.
هززت رأسي مستفسرا فأكمل:
- منذ خمسه أعوام ، كان هناك رجل يعيش بصحبة ابنه وزوجته في محطه الوقود التي على الطريق قبل محطتنا ، ولكن يقال أن   ابنه "طه" ، كان به مس او لبس من الجن ، لا أدري تحديدا ، يقال انه  كان يأكل اللحم البشرى، ومع مرور الزمن شك أهل القرية ، في الرجل وابنه وزوجته، حيث تعددت حالات الاختفاء لأشخاص كان أخر ظهور لهم في تلك المحطة ،  تجمع أهل القرية وقرروا تفتيش الاستراحة ، وكان عجبا ما وجدوا ، اذ أن هناك سردابا أسفل المحطة ، ينتهى بغرفه ذات باب حديدي شديد الصلابة ، وعندما كسر أهل القرية الباب وجدوا خلفه عشرات البشر الذين يعوون كالذئاب ، وكل منهم يحمل في جسده أصابه في مكان ما ،  استطاع أحدهم أن يعض أحد شباب  القرية، الذين أمسكوا بصاحب المحطة وابنه وزوجته ، وحبسوهم في الغرفة ، مع من كانوا فيها لحين النظر في أمرهم جميعا .
    ولكن بعد يومين أصبح  هذا  الشاب -الذى اصيب أثناء مهاجمه المحطة- يعوي  هو الأخر، بل وجرى في القرية يعض  كل من ألقاه  حظه التعس في طريقه ، عاد أهل القرية على إثر ذلك إلى المحطة ، وأحرقوها بكل من فيها وما فيها ، بل  وقامت كل عائله بقتل من أصيب  من أبنائها .
    ألقى بكلامه على رأسي كالصاعقة ووقف يمسح كفه في صدره منتظرا أن أمنحه بعض المال نظير معلوماته التي أخبرني بها فمنحته عشرون جنيها ، وأدرت المحرك مغادرا المحطة وأنا ألعن ذلك اليوم الذى قررت فيه السفر بسيارتي لأرى هذا الكابوس اللعين  ، سمعت أذان الفجر فنظرت إلى ساعتي نظرة  ضغطت معها فرملة الخطر ووقفت أنظر إلى ذلك الجرح الاصفر بذراعي أسفل مكان الساعة الذى بمجرد أن لمسته حتى أخذت الدماء تسيل منه بغرابه ، رفعت رأسي لأرى أمامي وعلى بعد عشره أمتار من سيارتي ، ذلك الطفل يبتسم وهو يدق قطعتي الحديد مصدرا صوتا أسمعه على الرغم من بعد المسافة ، وخلفه يقف أبوه وأمه  يشيران لي بالاقتراب ، فتذكرت جمله الشاب
" ولكن بعد يومان  أصبح  هذا  الشاب الذى اصيب أثناء مهاجمه المحطة ، يعوي  كما كان يفعل من عضه، بل وجرى في القرية يعض  كل من ألقاه  حظه التعس في طريقه"
فنظرت مره أخرى إلى جرحى" وأنا أقول "سامحني يا رب " ثم ضغطت مكابح زياده السرعة و دهستهم  ، ثم أدرت المقود نحو جرف  بين جبلين  وهويت بها،  ثم حدث الانفجار بعد يومين في إحدى الصحف نشر الخبر التالي:
"مصرع شاب على طريق الصعيد إثر  سقوطه في جرف  بين جبلين وقد أفادت التحريات أن الشاب كان مخمورا على حسب قول أحد  العاملين بمحطة وقود تزود منها الشاب قبل لحظات من الحادث  ، علما بأنها ليست الحادثة الأولي من نوعها  لشباب مخمور  فقد  السيطرة على سيارته  عند هذا الجرف  "
لم أفهم وقتها لما أخبرهم ذلك الشاب بأنني كنت مخمورا ، على كلٍ فقد نال جزاءه بعد أن عدت ، والآن أستميحكم عذرا ، فأم طه تشير لي بأنه لدينا ضيوف جدد على وشك الوصول  لينالون قسطا من الراحة، يجب أن  استقبلهم  وأرحب بهم .. هنا  .. في "استراحة المسافر"
           
اذا كنتو عوزين قصه تانى ابقو قلولى فى الكومنت وما تنسوش تدوسو على النجمه باى  باى

وقلولى اى رايكو فى القصه ❤

الجن العاشق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن