يُقال أنّ كلّ قطرةٍ قد سبَقت و إرتطمَت بسطحِ الأرض كي تروي ظمَأها ، تحمِل ذكرى أحد السبعة ملايير بشريٍّ في الكون. فلطالما إرتبطت ألحانُ إنهمار الأمطارِ العذبة بالحنين و ذكرياتِ الماضي ، سعيدةً كانت أم حزينَة ، هذا يعودُ إلى وعيِ الإنسانِ الذي يُراقبها.قصفَ الرّعد بعُنفٍ واحدة مِن قنابِله ، فسبِقه ظهور وهجِ وميضِ البرقِ اللّامع ، الذي كفى سُطوعُه بإنارةِ ملامِحها العابسة ، حتّى لو كانت حبيسة غرفةٍ مِلؤها الظّلام.
كانت انامِلها تتراقص على أوتار النايلون الخاصّة بقيثارتِها التي تحتضِنها حتّى لا تقع ، و كانت تلهو بالكُرسيّ الدوّار بين الفينةِ و الأخرى.
طُرق بابُ غرفتِها ، همهمت كردٍّ على الطّارق ، فإعتبره إذنًا للدّخول ، و قد حمل صينيّةً بين يديه ، و التي إحتوَت مشروبًا دافئًا. فتحدّثت العامِلة في هذا البيتِ الواسِع بحنو: "آنسة ، لقد أحضرتُ شرابًا لك"
لم تشاء حتّى مقابلة وجهها ، بل إستمرّت في التّحديق خارجًا حينما ردّت:"أتركيه في أيّ مكان ، سأتناوله لاحقًا"
عبَست العامِلة بخفّة ، كرأفةٍ على حال هذه الصبيّة ، لكنّها لم تشاء أن تُلحّ عليها ، فرضخت لأمرِها:"حاضرة"
عادت لتُغلق الباب وراءها ، حين إعتمرت ملامحها الظلمة ، و تنهّدت بخفّة.
رطَمت رأسَها بخفّةٍ على زجاج النّافذة الكبيرة التي بجانِبها ، فأوقفت النّقر على آلتها ، حتّى تسمح لأنغام الأمطار أن تُرجعها بذاكرتها إلى الوراء.
إلى زمنِ طفولتِها و براءَتها ، حقبةٌ كانت لا تعي فيها كلّ الأمور بشكلٍ سليم ، و إن لم تخُنها ذاكرتها ، فقد كانت الأجواء مشابِهة.
.
صحَت فتيّةٌ في وقتٍ متأخّرٍ من الليل ، إبتغاء التوجّه إلى الحمّام لقضاءِ حاجتها. و لحظة إنتهاءها ، أيقنت أنّها لن ترجِع إلى غفوتِها مُطلقًا ، لو ما حصَلت على حضنٍ مِن امّها أولا ، خشيةَ أن ترافقها الكوابِيس.
صعدت الدّرجات للطابق الأعلى في هذا البيتِ الواسع ببعضِ العسر نظرًا لضِئل حجمِها ، ثمّ وجّهت خطواتِها الصّغيرة نحو الرّواق الذي يحوي غرفةَ كلا والديها.
كان الرّواق حالك الظّلمة ، فقط نورٌ باهِت قد صدر مِن شقّ نتج عن عدم إغلاق باب الغرفة بإحكام.
قادَها فضولُها إلى التّلصُّص عبر تلك الفُتحة ، فعكَست عيناها الزمرّديّتان مظهر شابّةٍ في مُقتبلِ العُمر ، كان وهجُ البدرِ المتطفّل من النافذة قد جعل خُصلات شعرِها الفحميّة المُتموّجة تبرُق.إفتُرض أن تشعُر إيتا بالسرور ، لتواجُد "والدتها" هناك ، لكنّ أعيُنها كبيرة البُؤبؤ توسّعت بتفاجُؤ ، بل و قُطب حاجبيها بعبوسٍ أيضًا. فلا أثر لملامِح أمّها البشوشة.
أنت تقرأ
𝑨𝒌-𝒌𝒖𝒏♥︎
Dragosteتُشعِل الباطِن بما يكشِف أسرار الظّاهر.. هيَ أبجديّةٌ أخرى لمشاعِر عُجز البوحُ بها بالكلِمات.. في أنغامِها السّاحِرة ما يجعلُ اللّغات قاصِرة.. قد يبدو غريبًا لكنّها الأُنثى الوحيدة التي قد تقبّلها بأُذناك فمَن لا يُحبّ الموسيقى بأنواعِها الصّاخبة و...