قدح ومعلقتين وطنجرة

13 1 0
                                    


في ذلك اليوم، وقبل أن نذهب إلى دار السلام، تحدّثنا في البيت ما يقرب من ساعة. تكلّمنا كثيرًا. وقد سألته:
" ما نوع المرأة التي تحبّ أن تكون شريكتك في الحياة؟".

أجاب: "كنت دائمًا أسال الله أن يجعل نصيبي امرأةً، تستطيع أن تعيش معي حياة متواضعة جدًّا".
سألته: "وكيف ترى الحياة المتواضعة؟".

أجاب: "تكون متواضعة بالاكتفاء بأدنى وسائل العيش, قدح وملعقتين وطنجرة ".
ابتسمتُ. استقرّ في مكانه وسألني: "لماذا ابتسمتِ؟".

قلت: "لأنّه لديّ نفس الرؤية التي لديك".
سأل: "كيف ذلك؟".

أجبته: "قليلًا ما كنت أفكّر بالزواج، لكن في الحين التي كنت أفكر فيه، كنت أطلب من الله تعالى أن يرزقني إنسانًا لديه الأخلاق والإيمان, وكنت أحدّث نفسي أنّه إذا ما حصل ذلك، فسأكون منسجمة معه مهما كانت ظروف حياتنا، حتّى لو لم يكن لدينا سوى بضعة أوانٍ, ملعقتين وقدح وطنجرة".

وعلمت حينها، أنّه ذلك الشخص الذي تمنيتُ أن يكون من نصيبي. وكانت كلماته تلك لافتة جدًّا بالنسبة إليّ:
"ملعقتان وقدح وطنجرة", لأنّي كنت فيما سبق أحدّث نفسي بهذه

الكلمات نفسها، حيث كانت لديّ هذه العقيدة ذاتها.

اليوم الأوّل من حياتنا الزوجيّة، لم يكن أكثر من نصف نهار، فقد ذهب إلى طهران قرابة الظهر، ورجع إلى البيت بعد أسبوع، بقي يومًا واحدًا، ثمّ عاد وذهب أسبوعين، ثمّ ذهب ثلاثة أسابيع, وهكذا.

واستمرّ على هذه الحال حتّى شهر آذار. وكان يطول غيابه أحيانًا شهر أو أكثر. ولكنّ بقاءه معي لم يكن ليصل إلى أكثر من يومين.

في كثير من الأوقات التي كان ينوي فيها البقاء ليوم، كانت تتحوّل إلى نصف نهار. حتمًا كان لديه عمل في مثل تلك الأوقات. وحتّى لو لم يكن لديه عمل، لم يكن يبقى أكثر من يوم.

كان دومًا يخبرنا بقدومه. لم يكن في بيتنا هاتف، فكان يتّصل بوالدته، وكانت هي من تخبرني بقدومه. عندما كان يأتي، كان يذهب لرؤية أمّه، ومن ثمّ يأتي لرؤيتي.

لم أكن أعرف طبيعة المهمّة التي كان مضطلعًا بها، ولكن الذي كنت أعلمه أنّها كانت خطيرة وكبيرة.

عندما كان يأتي إلى كاشان لرؤيتي, كلّما سنحت له الفرصة، كنت أشعر أنّني مدينة له كثيرًا. وقد كانت أخلاقه أيضًا بنحوٍ زاد من إحساسي بهذه المديونيّة.

عندما ذهب في المرّة الثانية، استمرّ غيابه أسبوعين أو ثلاثة. ولمّا عاد طأطأ رأسه قائلًا:
"المعذرة".

كان يبدو من مظهره أنّه كان يقولها من صميم قلبه. أصابني الهلع وسألت:
"مِمَّ تعتذر؟".

قال: "لأنّني تركتك وحيدةً طوال هذه المدّة".

كان هذا دأبه مع والديّ. وكان يعتذر منهما, لأنّه لا يستطيع زيارة ابنتهما كثيرًا، وهما أيضًا أصبحا مولَعين بعبّاس بقدر ما كنت مولعةً به. وقد ازداد حبّهما وتعلّقهما به جرّاء هذا السلوك الذي كانا يشاهدانه منه.

وكأنّ هذا الأدب والتواضع أصبح جزءًا من شخصيّته. ذات مرّة وبينما كنّا خارجين معًا، كنّا نفتّش في أحد الشوارع عن عنوان أحدهم. قلت له:
"اسأل أولئك الصبيَة".

فقال فورًا: "ماذا؟".

تعجّبت، فقد كانت عبارتي واضحةً، لا لبس فيها. قلت:
"ألا تريد أن تهتدي إلى العنوان؟".

قال: "نعم".
قلت: "حسنًا، اسأل أولئك الصبية".

قال: "هؤلاء ليسوا صبية، هم يعتبرون أنفسهم رجالًا, لو تعلمين ماذا يفعل في الجبهة من هم في مثل سنّ هؤلاء".

بعدها، وباحترامٍ فائق، نادى تلك المجموعة نفسها التي وصفتها بالصبية، وسألهم عن العنوان.

كثير من أقربائنا لم يحضروا عقد قراننا. ولم يكن عبّاس قد رآهم قبلًا أو تعرّف إليهم. في بعض الأوقات، حين كنّا نخرج بالسيّارة، وأرى بعض الأقرباء في الطريق، كنت أقول لعبّاس:
"هذا صهر عمّي" كان يوقف السيّارة فورًا، يترجّل منها، يتقدّم ويسلّم عليه باحترام، ويسأله عن أحواله.

على أيّ حال، شكّلت قلّة إجازات عبّاس بالنسبة إليّ معضلةً رئيسة. كنت أودّ حلّ هذه المعضلة بأيّ طريقةٍ كانت.

لا أذكر تمامًا كم كان مضى على زواجنا حينما طرحت أمام العائلة، موضوع ذهابي مع عبّاس إلى المناطق الحدوديّة  والعيش هناك، وأذكر جيّدًا أنّ أبي كان يعارض هذا الموضوع بشدّة. كان يقول:
"الحياة في المناطق الحدوديّة صعبة جدًّا، خاصّةً بالنسبة إلى الغرباء. وأنا لا احتمل أن تعيش ابنتي مثل هذه الصعاب".

ولكنّي حيث كنت أودّ من كلّ قلبي أن أقضي مع عبّاس أوقاتٍ أكثر، لم أعد أفكّر بالصعاب وأمثالها. وعلى الرغم من معارضة والدي لذهابي، صمّمت على الذهاب, إلّا أنّني كنت أعلم أنّ الأمر في النهاية يعود إلى عبّاس. كان عبّاس أيضًا، يودّ أخذي معه إلى هناك. كنت أظنّ أنّه ما من مشكلة أمامنا، لكن عندما علم عبّاس بعدم موافقة

والدي، قال: "فلننتظر ريثما يوافق".

صبرنا إلى شهر بهمن من تلك السنة. وكنت أطرح موضوع ذهابي، من وقت لآخر. ذات مرّة، ولعلّه من أجل أن يحلّ هذه المسألة نهائيًّا، قال أخي:
"تعلمين يا زهراء أنّ أبي يتحسّس جدًّا من أمر ذهابك ، فلماذا تصرّين كلّ هذا الإصرار؟".

بعدها طلب منّي بنحوٍ حاسم أن أبقى في كاشان، وأن أتابع حياتي كما في الأشهر الماضية.
قلت: "أبقى يا أخي، ولكن بشرط".

قال: "ما هو؟".

قلت: "إذا ضمنت وأبي أنّ عبّاسًا سوف يعود حيًّا بعد كلّ ذهاب له إلى الجبهة، فسوف أبقى في كاشان عشر سنوات بالنحو الذي تقولون".

كان هذا الدليل وهذا الشرط كالماء الذي أخمد النار، فلم يعد أمامهما من شيء ليقولاه.

في أوّل مكالمة هاتفيّة، أخبرت عبّاسًا بالأمر. شكر الله, وقال:
"إذن, سأهيّئ بيتًا في هذه الناحية، واستعدّي أنت للمجيء ما أمكن لك ذلك".

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Dec 29, 2021 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

هاجر تنتظر Where stories live. Discover now