اقتباس ١

4.1K 110 29
                                    

كانت تجلس على جذع النخلة النافر من أرض دارها، متخذاه كمقعد أمام ذاك التجويف الطيني المسمى كانون، تضع بعض أغصان الاعشاب الجافة، توقد فيها النيران، لصنع بعض الطعام، في مثل هذا الجو الذي بدأ يميل للبرودة، وخاصة ودارها متاخم لسفح الجبل، الذي تهب منه ريح باردة، تنخر عظامها الهشة، والتي قضت على صلابتها الأعوام والسنون.
كانت لا تملك شيئا من الأساس لصنع أي طعام يسد الرمق، ويخفف من عضة الجوع التي تمسك بتلابيب أحشائها، لكنها كانت تتصبر بصنع مشروب الشيح، أو الحلفا بر.
تنهدت، وهي تضع كفها بسلة الخوص، التي تحفظ بها بعض كسر من خبز، تدخرهما لوقت الحاجة، لتجد كسرة يابسة، تطلعت لها في سعادة كأنها حازت الدنيا، وبدأت في قضمها في صعوبة، بنواجزها المتبقاة بداخل فم شبه فارغ من أسنانه، تستعين على قساوتها، برشفات من مشروبها المر، عديم السكر.
أرتجفت عندما هبت ريح تسللت من أعقاب باب دارها، ما جعلها تجذب شالها القطيفة الأسود، الذي أصابه الجرب منذ عصور شبابها الغارب، حول جسدها، ليمنحها بعض من دفء وهمي.
ارتفع صوت تلك التمائم العجيبة الشكل، والمعلقة بعشوائية بأركان الدار، عندما اهتزت بفعل الريح، فتعانقت في فرح صاخب، جعلها تتنبه لها، رافعة ناظرها تجاههم في نظرة مترقبة، لتترك ما بيدها، متحاملة لتنهض في اتجاه الباب، تدفعه لينفرج، واقفة على أعتابه، مناطحة الريح البارد، الذي يلطم وجهها اللحظة، متطلعة من جديد نحو الظلام الدامس، المغلف للجبل، في اتجاه تلك التلة البعيدة، ومنها للسماء حيث لمع هناك نجمتان متجاورتان، في تتابع، كأن إحداهن تسأل، والأخرى تجيب، لتقهقه العجوز بصوت مجلجل في عمق الليلة المعتمة، مترددا في صدى، جاعلا من يسمعه يعتقد، أن عرائس الليل تمرح بين السواقي، مداعبة سعف النخيل العالي.
توقفت ضحكات العجوز فجأة، وهمست كأنها تخاطب شخصا وهميا قبالتها: ما في خطوة لجدم إلا بجدره، ويا محلى خطاوي العشاج لما تتواعد وتصدج وعدها، ويا رب سلم ع الجلوب وهون وچعها وغلبها، وعچل من لجاها وسعدها، والأمر لك يا صاحب الأمر.
كررت كلماتها الأخيرة، في نبرة طائعة، لتتقهقر عن أعتاب الباب، مغلقة إياه، بعد أن ألقت نظرة أخيرة على ذاك السفح البعيد، والإبتسامة تملأ محياها المتغضن.
              **************

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 16, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ومسطر ع الچبين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن