الفصل الأول.

7 2 0
                                    


💜

"لقد مرّ وقتٌ طويل ، أكانت ثلاث سنواتٍ فقط؟
إذاً لما أشعرُ و كأنّ دهراً بأكمله قد مضى!"
تمتمت و الحزن لم يشأ مفارقتها.

"نعم أمي لقد وصلت ، لا تقلقي أذكر الموقع جيّداً ، وداعاً"
طمأنت والدتها القلقة و أخذت تسير بين أحياء دايغو المفضلة لها ، كل بُقعة من هذه المدينة تحمل شريطاً حافلاً بالذّكريات اللّامتنهاية ، ابتسمت بفتور فورما زارتها تلك الذكرى القديمة لذا هزّت رأسها محاولةً إبعاد الأفكار و شجعت نفسها فورما وصلت أمام منزل صديقها.

"من هذا المزعج"
سمعت صوت صراخ من الداخل ممّا جعل من ابتسامتها أكثر اتّساعاً.
"تشونغ ، لا أصدق ما أرى"
حضنتها بكل ما تملك من قوّة فهي تراها للمرّة الأولى بعد ثلاث سنوات.
"سول كيف حالك؟ لقد اشتقت لكِ و للجميع هنا"
دخلت و أخذت مكاناً لها على إحدى الأرائك لتتبعها الآخرى و مازالت معالم السعادة على وجهها.

"صغيرتي لقد كبرتِ حقاً ، لقد مرّت ثلاث سنوات و شوقنا لكِ يزداد مع مرور الأيّام"
لم تستطع كبح دموعها كحال الأخرى فصداقتهم كانت عميقة و جميعهم قد واجهوا صعوبة في تقبّل ابتعاد تشونغ عنهم.

"الأهم أنّني عدت صحيح؟"
ضحكت تمسح دموعها فأومأت الأخرى لها ، و قبل أن تُكمل حديثها قاطعهم مجيئ من تعتبره أكثر من صديق ، لذا لم تنتظر ثانية واحدة قبل أن ترتمي داخل أحضانه و كأنّه المأوى الوحيد بالنسبةِ لها.

"عزيزتي ما كلّ هذا الغياب القاتل؟ ألم تشفقِ علينا طوال هذا الوقت؟"
سوكجين المرح و المضحك لم يتواجد هذه اللحظة ، و إنّما الصديق الحنون الذي لطالما عامل تشونغ على أنّها أخته الصغيرة.

"أعتذر بشدّة ، أنا لا أملك مبرّراً و أعلم أنّني تصرفت بأنانيّة"
انفجرت بالبكاء كما لم تفعل من قبل ، هي حضّرت نفسها جيّداً لهذا اللّقاء و وعدت نفسها أن تكون قويّة لكن كل تلك القوّة تلاشت فور رؤيتها لهم.

"لا بأس ، أجزم أنّ لديك عذر مقنع لغيابك الطويل فهذه الأفعال لا تصدر منك دون سبب و لدينا متّسع من الوقت للتحدّث بهذا الشأن"
أنهى كلامه بقبلة على جبينها و الابتعاد بهدوء.
.
.
تشونغ لم تتواصل مع أيٍّ منهم في السنة الأولى لرحيلها و كأنها لم تعرفهم يوماً ، لكن فعلتها تلك لم تكن إلاّ كي لا تنهار فور سماعها لأصواتهم المحبّبة لقلبها ، حاولت إلهاء نفسها قدر الإمكان بالدراسة و غيرها ، حتّى والدتها لاحظت شحوب ابنتها المتواصل و كأن الحياة سُرقت منها.
لكن و بعد سنة من رحيلها أدركت أنها تؤذي نفسها و أصدقائها بأفعالها هذه لذا سارعت بمحادثتهم بشكل متواصل كي تُشبع شوقها قليلاً ، لكن قلبها الممتلئ بالحزن لم و لن يُشفى إلا بمفضّلها و الذي كان سبباً أساسيّاً لابتعادها.
و بعد ثلاث سنوات هي قرّرت العودة لموطنها ، و بموطنها ليس فقط مكان ولادتها و إنما حيث يتواجد أُناسها و أحبائها.
عندما علم سوكجين بالأمر اقترح عليها العيش معهم فهو بعد رحيلها قرّر دعوة بعض الأشخاص للعيش في منزله كي يمتلئ المكان بالدفئ لعلّ هذا الفراغ الذي تركته تشونغ بينهم يُرمّم مجدداً ، و بالفعل سول كانت قد انتقلت للعيش معه.
.
.
"آه جين ، لقد افتقدتُ طعامكَ أكثر منكَ حتّى"
أصدرت أصوات تلذّذ فور إنهاء الطّبق الذي أعدّه جين ترحيباً بها ليقهقه الآخر .
"إذاً كم شخصاً يعيشُ هنا؟"
توتّر الآخر من سؤالها لكن سرعان ما أجابت سول بدلاً منه.
"هناك شابان آخرين ، أحدهما بعمركِ و الآخر يزيدكِ سنتين"
"أخيراً سيكون هناك أحدٌ بعمري ، هذا رائع فأنا دائما أجلس بين العجائز"
ضربها جين على جبينها بعد كلماتها تلك.
"من تدعيهم بالعجائز أيتها الطفلة؟:"
كادت تدخل بنقاشٍ حادّ لا نهاية له مع جين فهي ضربتْ وتره الحساس لكن سرعان ما استدارت فور سماعها لصوت الباب يُغلق ، تصنمّت مكانها و أصابها ضيق تنفّس فور رؤيته ، و كأن ذكريات ذلك اليوم أبت مفارقتها لدقيقة واحدة ، كل كلماته و أفعاله القاسية التي رغبت بنسيانها تتدفّق لعقلها المتعب.
هو الآخر لم يكن أفضل حالٍ منها ، فهو يرى أمامه من كانت ملاذه الوحيد ، من احتوته في أسوأ أيّامه و من اعتبرها نجمته التّي تضيئ عالمه المعتِم.
"لقد خدعتماني!"
تكلمّت بقهر تناظرهما بينما الآخر لا يفهم ما يجري حوله ، و مازال تحت تأثير الصدمة ، صدمة عودتها المفاجئة له.
"أرجوكِ تشونغ ، لا تفعلي"
تمسّكت الأخرى بها فورما رأتها تجرّ حقائبها التي لم تحرّكها من مكانها بعد وصولها ، لم تكن تعلم أنها ستخرج من هذا المنزل محطّمة القلب ، هذا المنزل الذي لطالما كان مكاناً تفرّغ به أحزانها.
.
.
"قلت لك أن تخبرها لم يكن عليكَ اخفاء الأمر عنها!"
صاحت به تمسح دموعها بخشونة ، ليُجيبها بصوت مهزوز فحاله ليس أفضل ، و كأن صغيرته فقدت ثقتها به برحيلها هذا.

"لو أخبرتها لم تكن ستأتِ ، لم نكن سنراها يوماً ، أتدركين هذا! لقد غابت عنّا بما فيه الكفاية"
حولت نظرها لمن يشرب الماء ببرود و كأنه ليس سبباً بتوتر الأجواء حولهم .

"تايهيونغ أيّها اللّعين أنتَ السبّب بكلّ هذا ، لو لم تنفصل عنها لسببٍ لا نعلمه لما رحلت عنّا ، إلهي إنّ المطر شديدٌ اليوم"
جلست تكفكف دموعها ، تفكر بصغيرتها التي خرجت بهذا البرد القارس ، تشونغ ليس لها أحد غيرهم إلى أين ستذهب!

"اللّعنة عليكم و على قلبي الأحمق"
خرج مسرعا آخذاً مظلة ، ليس و كأنه يكترث لنفسه ، و إنّما أخذها لصغيرته التي يعمل جاهداً على إخراجها من عقله و قلبه.
بحث كثيرا عنها و قد مرّت ساعة بالفعل ، ضرب جبينه فور تذكّره مكانها المفضل ، أو مكانهما !
حيث اعتاد كلاهما على الذهاب له عندما يحزنان.
.
.
"هل تظنّ أن تشونغ ستعود مع ذلك الأحمق؟ ماذا لو لم تقبل البقاء معنا بسببه؟"
سألته متأملةً الشارع عبر النافذة ليتنهد الآخر بتعب.
"لا تقلقي سأقنعها ، لن تعود لمنزلها بالطبع فتشونغ تكره الوحدة ، و قالت أنها أرسلت أوراقها لجامعة الفنون لذا لن تسافر مرة أخرى ، وجود تايهيونغ هنا سيكون لصالحهما ، هما سيعودان في النهاية"
أومأت الآخرى موافقةً إياه.
"ذلك الأخرق ، فقط لو يبوح لنا أحدهما بشيء لكن كلاهما غامضان للغاية"
تنهّدت تحاول الاتّصال مجدّداً بصغيرتها لعلّ قلبها يهدأ قليلاً.
.
.
"علمتُ أننّي سأجدكِ هنا"
ابتسم بحزن متمتماً بكلماته فورما وصل لتلك الحديقة القريبة من منزل عائلتها ، حيث كان مكان لقائهما أغلب الوقت...اقترب من تلك التي تتأرجح دون اهتمامٍ بالمطر الذي يكاد يخترق جسدها.
رفعت رأسها حيث هو ، أدرك تواً كم بكت ، فعيناها لم تخفِ عنه الأمر رغم اختلاط دموعها بالمطر ، اقترب منها يضع المظلّة فوقها لتضحك بسخرية.

"و ما فائدتها ؟ ، لقد ابتلّت ثيابي و شعري و كلّ مابي ، لم يعد لها فائدة"
هو فهم ما ترمي له ، هي لم تكن تتكلّم عن المظلة فحسب ، كانت تقصده...فما فائدة اهتمامه الزائف بعد أن قتل مشاعرها و قلبها ببروده و أفعاله ، لكن ماذا عساه أن يفعل ، هو مُجبر على ذلك"
"لنذهب ، ليس لديّ وقت لطفوليتكِ هذه فغداً لدي جامعة"
بنبرةٍ قاسية أخبرها ، هي أقسمت أن الذي أمامها ليس تايهيونغ خاصتها ، تايهيونغ الحنون المحبّ الذي قد يمرض فقط إن بكت.

"يا لكَ من قاسي القلب ، طفوليّة؟ سابقاً كنت تعشق طفوليّتي هذه ، أصبحت لا أعرفك"
أخذ يجرّ كلا حقيبتيها تاركاً المظلّة بجانبها دون ردّ لكلامها ، مشت خلفه تاركةً المظلة كذلك ، لم يعد لها فائدة عل كلّ حال.
وصلا بعد نصف ساعة و قبل أن يدخل كلاهما وقف فجأة يستدير لها .

"سابقاً حينما كنتُ أحمق ، ظننت أنني أحبك لكن اكتشفت العكس"
كانت تبحث عن دليل يخبرها أنه كاذب ، أنه يحبها ، أنه آسف على ما فعله ، لكن صوته و نبرته الواثقة كسرت ثقتها به و بحبّه لها من جديد.





.

What's your opinion? 💜

غير قابل للنسيان || كيم تايهيونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن