#الدهاشنة2..(#صراع_السلطة_والكبرياء..)
#الفصل_الثاني_عشر..(إهداء الفصل للقارئة الجميلة "ميادة مطاوع" كل سنة وأنتي طيبة يا جميلة ويارب سنين كتيرة أنتي قريبة فيهم للرحمن ♥..)..
عادت لمنزلها هائمة بهذا الآسر الذي استولى على عصابةٍ تفكيرها، وتربع بداخل قلبها، فتارة ترتسم على شفتيها ابتسامة تداعبها بخلسةٍ وتارة أخرى تنفض تفكيرها وتحاول الهاء عينيها بتأمل الخضرة مبدعة الجمال المنثورة على الجانبين أثناء تحرك العربة بين الحقول والمزارع بطريق عودتها للمنزل، وليتها تمكنت من السيطرة فمازالت كلماته المرحة تضحكها بين الحين والآخر، حتى أصبحت تتساءل عن كناية شخصيته الغامضة بالنسبة إليها؟!.
هل هو هذا الشخص الحازم المتفاني في عمله؟... أم هو ذاك الشخص الذي يمتلك قلبٍ أبيض وروح من ذهب تتبع تلك الإبتسامة التي لا تفارقه أينما كان؟.. بالطبع هو مختلف كلياً عما قد تظن به أنها تعلمه..
أفاقت "تسنيم" من غفلتها الشاردة بالآسر الوسيم على صوت توقف العربة، فإنخفضت عنها ثم عاونت والدها على اخلاء العربة من الحشائش ومن ثم صعدت للأعلى لتغتسل ومن ثم تذهب لثرايا "فزاع الدهشان" لتنجز عملها، توقفت قدميها عن متابعة الصعود، حينما نادتها والدتها التي تقطن بالدور الأسفل الخاص بالطهي وإستقبال الضيوف عوضاً عن الأعلى الخاص بغرف النوم، وتابعت بندائها وهي تضيف بحنقٍ:
_كده يا بت تطلعي من غير ما تسلمي على خالك!
ارتعشت اطرافها وهي تواجه ما هو أسوء من الموت، بالاستدارة للخلف لرؤية ملامحه التي قد تسوء حالتها الغير مستقرة، ومع ذلك ضغطت على شفتيها السفلية واستدارت وهي تردد بابتسامةٍ مصطنعة:
_أهلاً يا خالو... نورت.
لوى فمه الغليظ وهو يعدل أطراف شاربه الكبير، مشيراً بإصبعيه لشقيقته بحزنٍ مصطنع:
_شايفة بنتك مش مستعنية تيجي تسلم على خالها، لا بصراحة عرفتي تربي..
التهبت عين وولدتها بغضبٍ لا وصف له، فصاحت بها بعصبية شديدة:
_ما تنزلي يا بت هنا وتسلمي على خالك، أيه المياعة دي..
انقبض قلبها وهي تستمع لكلمات والدتها القاسية، فإن كانت لا تعلم ما الذي تواجهه ابنتها او ربما لم يستعب عقلها الطبيعي ما أخبرتها به سابقاً فهي بنهايةٍ الامر تمتلك الف عذر، ومع كل خطوة خطتها "تسنيم" تجاهه وكأنها تجني الشوك بين يدها فتدلى ليلامس بطن قدميها حتى انتهى بها الحال امامه، فمدت يدها المرتجفة من امامه وهي تبتسم بوجعٍ:
_ازيك يا خالي..
احتضنها بصورةٍ مفاجئة ومن ثم مرر يدها على ظهرها وكأنه يحتضنها بشوقٍ، وبأنفاسٍ كريهة ردد:
_وحشتيني يا بنت الغالية..
ابتعدت عنه "تسنيم" وهي ترتجف دون توقف، فمنحها نظرة دانيئة جابت كل أنحاء جسدها وهو يردد بشهوانيةٍ مريضة:
_كبرتي وبقيتي عروسة وعايزة الجواز اهو.
تعالت ضحكات والدتها وهي تجيبه بحنان:
_أيوه امال ايه وهنلاقي مين أحسن من خالها اللي يسلمها لجوزها وبيت عدالها..
انتقلت نظرات "تسنيم" الغاضبة تجاهها ومن ثم قالت بصوتٍ يحبس الدموع:
_ويسلمني هو ليه وأبويا عايش.. ربنا يديه طولة العمر ويباركلنا فيه.
ولم تترك المجال لسماع اللازع منهما، فصعدت للأعلى سريعاً وما أن ولجت لغرفتها حتى أغلقتها بالمفتاح لتسقط من خلفه باكية، منكسرة، محطمة الفؤاد... عادت تلك الحالة الشنيعة تهاجمها من جديد، فينخر البرد عظامها وكأنها في فصل الشتاء وليس الخريف، دقائق مضت عليها قاسية وهي تحاول بها استجماع شجعاتها للسيطرة عما يحاربها ولكن ماذا بيدها وهو أقوى منها ومن طاقتها الضيئلة بالمحاربة؟!.
********
توقفت سيارة "يحيى" أمام العمارة، فهبط ومن ثم فتح باب السيارة، ليجذبها برفقٍ، حملت "ماسة" الألعاب بفرحةٍ ثم لحقت به فما أن ولج بها للداخل، حتى وجد "إلهام" بانتظاره كما أخبرها هاتفياً، أشار لها "يحيى" قائلاً:
_خدي "ماسة" وخليها ترتاح وأنا هطمن على "حور" وهجي وراكم.
أومأت الأخيرة برأسها ثم جذبتها للأعلى، فقصد "يحيى" الشقة الخاصة بالفتيات، طرق عدة مرات، ففتح "عبد الرحمن" الباب، ثم قال:
_لحقت... ادخل.
ولج وهو يتمتم بغيظٍ:
_يعني هعرف اللي حصل ومش هرجع!
اتبعه، ثم أشار له على غرفة الضيافة، فوجد "أحمد" بالداخل هو الأخير، فقال:
_طمنوني "حور" عاملة أيه دلوقتي؟
رد عليه "أحمد" بحزنٍ:
_أحسن... بترتاح جوا في أوضتها فسبناها على راحتها وخصوصاً لأن الجرح في رجليها.
تفهم "يحيى" الوضع، فتغاضى عن فكرته بالدخول للإطمئنان عليها، فتساءل باهتمامٍ:
_هي جوه لوحدها، مفيش حد معاها؟
أجابه "عبد الرحمن" بهيام مع نطق حروف إسمها:
_"تالين" جوه معاها.
أومأ "يحيى" برأسه ثم عاد الصمت ليختزل معالمه من جديدٍ، والأخير يراقبه بتمعنٍ ولدقائق طالت لتكسر بسؤاله:
_أنت كويس؟ ، حصل حاجه ولا أيه؟
اتجهت نظرات "أحمد" تجاهه ليستكشف الأمر فور سماع عبد الرحمن، ابتلع "يحيى" ريقه بارتباكٍ من أن تسوء العلاقة بينه وبين أحمد مجدداً بعد سماع الشكوك التي تراوده وبالأخير يظل مجرد شك، فمن الممكن أن يكون أصابها دور برد عادي لذا كان حريصاً حينما أجابه:
_مفيش، الواحد حزين بس على "حور" طول عمرها جدعة وبتخدمنا من غير ما نطلب منها ده.
أجابه "عبد الرحمن" بتأييدٍ:
_ومن سمعك كلنا زعلانين عشانها بس الحمد لله الدكتور طمنا وقالنا الجرح مش عميق يعني أسبوع أو إتنين وهتبقى زي الفل.
هز رأسه وهو يردد:
_ إن شاء الله.
********"
الخروج من هذا المنزل الذي أصبح يسكنه هذا البغيض بات من أسمى أمنياتها، ولحسن حظها بأنها لم تخفي عن والدتها أمر عملها بمصنع عائلة "الدهاشنة" فبات أمر خروجها من المنزل أمراً عادياً، وأخيراً بعد طريقها الطويل وصلت أمام البوابة الضخمة التي تحمل لقبهم باعتزاز وكأنه شيئاً ثمين، لعقت شفتيها بلعابها بارتباكٍ، ومن ثم فتحت البوابة لتدلف للداخل، غمرها الاسترخاء وهي تتأمل المساحات الخضراء التي تحد هذا المنزل الضخم، الذي على الرغم من ثراء أهله الا أنه مازال من الطراز القديم، وكأن أهله يسعدون بقدم طرازه كتذكار بأعمدة عائلة "الدهاشنة" وأصولها التي تمتد للجد الأكبر ليليه الابن ومن ثم "فزاع الدهشان" وصولاً لفهد ولاحقاً بالآسر..
راق لها تمسكهم بالطراز القديم كثيراً، فقد رسمت صورة معاكسة لما ستجده بالداخل، ظنت بأنها ستجد فلة أو قصراً يميل لطراز البندر، انتبهت "تسنيم" لذاتها الشاردة، فاستكملت طريقها للأعلى، حتى طرقت الجرس العالق على الحائط الجانبي وانتظرت قليلاً حتى فتحت أحدى الخادمات حيث كانت كبيرة بالعمر ويبدو عليها الوقار، فتساءلت باستغرابٍ لرؤية تلك الفتاة للمرة الأولى، فعلى الرغم من الصداقة القوية التي تجمعها بحور الا أنها لم تفكر بزيارتها يوماً بمنزلها:
_أجدر أساعدك في حاجه يابتي؟
أجلت صوتها قائلة بارتباكٍ:
_أنا من قسم المحاسبة الخاص بالمصانع وعندي معاد مع بشمهندس "آسر"..
أومأت الخادمة برأسها عدة مرات، وهي تجيب بتذكرٍ لما قاله:
_آيوه ايوه يا الف مرحب بيكي يا حبيتي، اتفضلي عما أدي البشمهندس خبر.
اتبعتها على استحياء فأشارت لها على غرفة بالأسفل، ففطنت بأنها غرفة المكتب، لم تتردد كثيراً وفتحت بابها ثم ولجت للداخل، لتختار الجلوس على المقعد المقابل للباب الذي تركته مفتوحاً على مصراعيه، انتبهت"تسنيم" لامرأة فاتنة الجمال، على ما يبدو بالعقد الرابع من عمرها، تدلف من الباب الخارجي من المنزل وعلى ما يبدو عليها الإرهاق الشديد مما تحمله من أكياس ثقيلة، فرفعت صوتها تنادي:
_"نعمة" أنتي فين، تعالي خدي مني..
لم تجيبها الخادمة فكانت بالأعلى تنادي "آسر" لم تتردد "تسنيم" في مساعدة أحداً عاجز يحتاج لها، فأسرعت تجاهها لتحمل الأكياس التي كادت بالتساقط أرضاً، رفعت "رواية" رأسها لتشكر من عاونها فانكمشت معالمها بذهولٍ من تلك الفتاة الجميلة، ابتسمت "تسنيم" من تعجبها الشديد ثم قالت:
_أنا "تسنيم" بنت عم "فضل" وبشتغل في قسم المحاسبة اللي تبع بشمهندس "آسر".
ارتسمت بسمة رقيقة على وجه"راوية" فقالت بترحابٍ:
_يا أهلاً وسهلاً بيكِ يا حبيبتي..
ثم وضعت الأكياس التي تحملها على الأريكة، لتجذب الأغراض من يدها قائلة بحرجٍ:
_طب والله فيكِ الخير، عنك دول تقال أنا خلاص شلت الأكياس من إيدي.
تراجعت بجسدها للخلف وهي تجيبها بتصميمٍ:
_لا مش تقيلة خالص، قوليلي بس أحطهم فين وأنا مع حضرتك.
اتسعت ابتسامتها، فأشارت بيدها على الرواق البعيد عنهما:
_طيب مدام مصممة المطبخ من هنا وأنا وراكي أهو.
منحتها ابتسامة صغيرة ثم اتجهت بالاتجاه الذي أشارت لها عليه، فحملت "رواية" باقي الأغراض ثم لحقت بها بالطرقة الطويلة، حتى وصلوا سوياً للمطبخ، فوضعت الأغراض من يدها على الطاولة لتصيح بضيقٍ شديد لمن تقفن أمامها:
_أيه يا جماعة بنادي من الصبح أنتوا نايمين على ودانكم ولا أيه؟
نهضت "ريم" عن الأرض، لتجفف يدها من بقايا صلصة الأرز المحشي الذي تعده بذاتها، ثم أسرعت لتحمل الاغراض من يدهما وهي تبرر لها بلهفةٍ:
_والله يا حبيبتي ما سمعتك، معلشي.
استدارت "نادين" تجاهها بيدها المتسخة بالصابون، لتخبرها بسخريةٍ:
_ورحمة الرغوة الطاهرة دي مسمعناكي يا غالية..
تعالت الضحكات فيما بينهما، حتى "تسنيم" ابتسمت هي الاخرى وهي تتايع حوارهما بمحبةٍ، سُلطت انظار "نادين" تجاهها، فتساءلت بدهشةٍ:
_مين المزة الجامدة دي؟
وضعت "تسنيم" الأكياس من يدها بحرجٍ من تعريفها عن كناياتها لأكثر من مرتين، فعرفتهم بها "رواية" بالنيابة عنها، تبادلت "نادين" السلام الحارق معها، أما "ريم" فقالت بابتسامةٍ هادئة:
_كان ودي أسلم عليكي يا حببتي بس زي مانتي شايفة اكده ملبوخة بالمحشي والوكل لازمن يبقى جاهز قبل المغرب..
بتذكر أضافت "رواية":
_يا خبر هو انتوا لسه مخلصتوش؟
أجابتها"نواره" وهي تدنو من المطبخ:
_أنا أهو خلصت المعمر والفراخ شويتها برة بالفرن..
قالت "ريم":
_لا انا لسالي شوية، بس في أمل الحلتين اللي على النار قربوا يستوا..
اضافت" نواره":
_طب اني هجهز العصاير قبل ما الضيوف يوصلوا..
اقتربت "تسنيم" من ريم ومن ثم انحنت لتجلس مقابلها ثم شرعت بمساعدتها، فقالت الاخيرة باعتراضٍ:
_بتعملي ايه يا بتي ميصحش.
ردت عليها بابتسامة لطيفة:
_حضرتك زي والدتي ولو اتحطت بالموقف ده اكيد هساعدها وبعدين انا بستنى البشمهندس لما بنزل هسيبك تكملي وهخرج.
ابتسمت ريم باعجابٍ شديد:
_شكلك بنت أصول يا بنتي والله.
قالت "رواية" بثناء:
_ومش هتبقى بنت اصول ليه وهي بنت عم "فضل" الراجل الطيب اللي العيبة مبطلعش منه.
ثم أضافت قائلة وهي تهم بالخروج:
_ هطلع أغير هدومي وأجي أساعدكم.
وبالفعل اتجهت للأعلى، فرددت"نادين" بتعبٍ:
_ربنا هيتوب علينا أمته بقا من الاكل اللي يكفي 100فرد ده، كل يوم ناس داخلة وناس طالعة..
اجابتها "نواره" بعتاب:
_ربنا يجعل بيت الكبير عامر بالخير دايماً، تعب الوقفة والطبيخ بيروح لما الناس تاكل وتنبسط.
تابعت "تسنيم" الحوار المتبادل فيما بينهما باعجابٍ شديد، فشعرت بألفة عجيبة وهي تستمع لحديثهما، شعرت بالدفء والحنان والحب الذي ينتقل فيما بينهما، شعرت لوهلة وإنها تجلس بين أفراد عائلتها، الابتسامة لم تفارق وجهها..
أنت تقرأ
الدهاشنة (لملكة الإبداع ايه محمد )
Romanceصعيدي _ رومانسية_ مكتمله قوي بطبعي وحاد يتزلزل لي الأبدان من يخالفني بعدد الأموات وجئتي تحطمي الكبرياء لا تعلمي بحال قلب نحت من الصخر ليصبح أشد قسوة وصلابة . رأيت كثيرا من النساء ولكنهم كالدمى بالنسبة لي لم يحرك أحدا قلب المحجور . نظرات بيننا...