أفقتُ مِن نَومي على صوت جَرَس الباب، لأفرِد جِذعي وأنهض حتّى لا أُزعِج سومين، فَقد تأخرنا البَارِحة في حفلِ الزفاف.
"أجل، قَادِم"
قُلتُ بصوتٍ باذِخ حتى يَصِل لِمن نَفذ صبره وراء البَاب
أدرتُ المِقبَض ليظهر لي وجه أُمي."صباحُ الخَير، عَزيزي"
ألقت عليّ التَحيّة لأردها بصوتٍ مُتعجِب، ليسَ مِن عادتها أن تزورني في الصباحِ البَاكِر."تَفضّل أيُّها الطَبيب"
أفسَحَت المَجال لشخصٍ غلبَ الشيب على شعره، مُرتديًا نظارة طبية دائرية
عقدتُ حاجباي مُتعجبًا، أتُراها تِواعِد أحدًا بَعدَ أبي؟!
تقدّم مادًا يدهُ، صافحته ودعيتهم للداخل."سأذهَب لأوقظ زوّجَتي، أستميحُكَ عُذرًا"
"لا ليسَ هُناك داعٍ بُنيّ"
قالت أُمي بإندفاع موقفةً إيّاي لألتفت وأُطالعها بإستغراب."أعني لِما لا تَترُكها نائمة، الوقتُ ما زَالَ مُبكرًا، كما أننا سنرحلُ بَعدَ قَليل"
أصغيتُ لكلامها و جلستُ أمامهما، مُتجاهِلًا شعوري بعدم الإرتياح لذاك الطَبيب."عزيزي، أتذكرُ يوم إحتجاز سومين بالمشفى؟!"
حدّقَت بعيناي قائلة، جعلتني أتذكرُ يومًا مِن أشقى الأيام التي مرّت على روحي
لأومئ بـ"بَلى"، تشوّش ذِهني مُحاوِلًا الوصول إلى مُبتغى أُمي مِن ذِكر ذلكَ اليّوم البَشِع."في الوَاقِع....."
إستئنفت كَلامها، ولكنّها تَوَقَفَت في بِداية الحَديث
إهتَزَت شَفَتيها ليَستقبِل وجهها الدُموع بصدرٍ رَحِب
وضعت يَدِها على شفتيها مانِعة إيّاها مِن طَرح الشَهَقات، إلّا لَم تُفلِح فقد وَصَلَ صوّتُها إلى مَسَامعي بالفِعل
مما جَعلني أقطُبُ حاجِباي، ما الذي جَرى ليَصل بِها الحالُ لهذه الدَرَجَة مِنَ الإغتمام؟!."أُمي، ما الذي حَدَث، قلبي يفيضُ قلقلًا"
إندفعتُ لأجثو على قَدماي قائلًا، عسى أن تُجيبني وتُريحَ قَلبي المُوجوع برؤيتها هكذا
لا أذكرُ أنها قَد بَكَت بِهذه الطَريقة بَعدَ وَفاةِ أبي.
"زوجَتَك قَد ماتت مُنذُ أُسبوع"
إلتفتُ إلى القَائِل ولَم يَكُن سوى ذَلِك الطَبيب
أجهلُ كيّفية وَصْف مَشاعِري حيّنها
فقد جَحَظَت عيناي وفغرتُ فاهي مُندَهِشا مِن جُملَته التي تُنافي العَقلَ والمَنطِق
جُلَّ ما يُبصرهُ عَقلي هو تَسطُحُ سُومين نائمة في غُرفتنا."أيُّها الطَبيب"
صاحَت أُمي مُندفِعة، كَما لو قال شيئًا لا يَنْبغي قَوله الآن."ما الذي تَتَفوّه به يا هَذا"
تَطقتُ كَلِماتي بِتَقَطُع مع إنهِمار كَثيْف للدُموع
رُغمَ أني لستُ أدري لِما بكيتُ حيّنها، كان كِلا قَلبي وعَقلي يؤمِنان بِوجود سومين في الدَاخِل."إن كانَت زوّجَتك موجودة بالفِعل، دَعني أراها"
وقف قائِلا، وَاجهني بنظراتِه مُتحديًا إيّاي."ليسَ هَذا ما إتفقنا عليه"
إقتربت أُمي مِن ذلك الشَخص هامِسة، ولسوء حَظها كنتُ قَد فَهمتُ هَمسها جيّدًا."أتصدقين هَذا الهُراء، أُمي ؟"
تَحرْكَت مُقلتيها مُحدِقة في اللامَكان، تُشاوِر عَقلها في إخباري بشيءٍ ما."عِندَ قُدومي إلى هُنا الإسبوعَ الفَائِت، كنتُ عائِدة مِن جَنازتِها"
قَالَت ثُمَّ نَكَسَت رأسها أرضًا، تعسَّر عَقلي عَن فِهم ما عانتهُ بِكلامِها."هَذا غيرُ مُمكنٍ أُمي، فهي قَد عادَت مِن المَشفى صَباح ذَلِكَ اليَوم"
"حَسَنٌ، سُومين، سومين"
قُمتُ أُناديّ عَليّها، فقدتُ هدوئي بَعدَ تأخُرِها في تَلبْيّة النِداء، أضحيتُ أصرُخ كما الهائِج، أجوبُ في الأنحاء باحثًا عن مُرادي إلا أنني لَم أُفلِح في إيجادِه."رُبَما تكونُ في السُوق، هيّ تُحِب التَسُوق، كَما تَعلمين"
توقفتُ في المَطبخ أينما كانَ مَكانها المُفضَّل مُلتقِطًا أنفاسي ومُخاطِبًا لأُمي، حرّكتُ رأسي باحِثًا عن أيّ دَليل لوجودِها حتى أحجُبَ تفكيرهم عن رأسي
أبصرتُ الهاتِف يَتَموضَع عَلى الأريكة بِقُربهم، لأتَذَكَر الصور التي إلتَقطناها سويًا البارِحة، هَرَعتُ إليه ثُمَّ ذهبتُ إليهُما."هُنا صورًا لي ولها، قُمنا بإلتقاطِها البَارِحة"
رفعتُ الهَاتِف أمامهم لعلَّ ذَلِك يُغيّر مِن نَظراتِهم التي تتلبسُها الشَفَقَة
جَحَظَت عيْناي ما إن مررتُ الصور ولَم أرى سوى نفسي، سُومين قد زالت، وكَذَلِك رَجائي."كيفَ، كيفَ، ذَلِك"
تلفظتُ ضاحِكًا بِجنون، إجتَنَب عَقلي اليَقيْن بعدم وجودِها، أخذَ يُكرر شيئًا واحِدًا فَقَط، سُومين ما زالت مَعيّ."هيّ، هيّ ليست هُنا"
أحسستُ بِفجوة داخليًا، كَما لو أن هُناكَ مَن إقتلعُ قَلبي وهشَّمهُ إلى أجزاءٍ صغيرة
أخَذتني أُمي في عِناق، دُموعِها إنجَرَفت تَبتَغي مُواساتي
سُدَّت الرؤية عن عيّناي؛ ليَكونَ عُقبى ما أسمعه هو هِتافُها باسمي، لتَستقبل رأسي الأرض مُغشيًا عليّ، مُتمنيًا رؤيتها مُجدَدًاولَكِن أليسَت الأماني مَوجودَة لِتَندَثِر ؟.
أنت تقرأ
أراكِ | K.SJ *مُكتملة*
Fanfictionمَن عَشِق وتعلّق بأحدهم، سيُبصِره في دُنياه قاطِبة، في زهرةٍ فاتِنة، في قمرٍ خلّاب إذَا حَدَث وفارَقه سيضحى جُثمان مُجوّف لا تَكمنُ روحًا بِداخله، ولا حياةً تُناديه ودّ لو أنهُ هَلَكَ قَبلَما الفِراق مُهداة إلى نَغَم وحَنين