********
٢٠ فبراير ٢٠٢٠
كان التاريخ مميزاً. كعادة البشر المعتادة، كان الجميع ينشر التعليقات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك الذي تميز بهم هذا العصر. لم يكن اليوم سوى يوماً عادياً ولكن كان الأمل للبعض خاصة الذين يعشقون الأرقام الزوجية. كان عمر في حيرة شديدة منهم ولكن لم يلمهم قط. وجد فيهم شيئا لطالما أراد امتلاكه وهو الأمل حتى وإن كان أمراً يعلم ويعلمون أنه خدعة لا أكثر. ليس من المنطق أن يحدد التاريخ الذي لا هو سوى أرقام أهمية اليوم. فلا راتب سيتضاعف من أجل ذلك اليوم ولا فارس أحلام سينتظر اليوم المميز ليطرق الباب وإذا نفذ منه الوقت يعود في عام آخر أسفا. ليس من المنطق ولم يتحدث عمر قط سوى لغة المنطق ولكن في أوقات يفشل ذلك المنطق.
كانت الغيوم في ذلك اليوم هو كل ما يريد والرياح كانت شديدة الي حد الجنون ولكن لم تكن بجنونه. رأي أن ذلك أنسب وقت للذهاب إلى تلك البحيرة. كان قد عاد من السفر وبعد سنوات عديدة ومنذ عودته، قطع عهداً على نفسه أن يذهب إلى هناك مره او اثنين في الأسبوع. كانت تلك المرة الثانية. ذهب إلى تلك البحيرة وظل واقفاً. صوت الريح كالسوط في حدتها بلا رحمة. وبعد فترة وجيزة بدأت المطار تنهمر. نظر إلى السماء بوجه خال من التعابير برع فيه على مر السنين حتى أصبح ملازماً له ولكن لم تكن الأفكار في رأسه أقل خطورة عليه من الطقس.
كانت أفكاره كالسم تقتل روحه شيئاً فشيئاً وتَسَلَّبَه كل ما هو جميل حتى أصبح هو كالجسد الفارغ. تلاحقه ذكريات مؤلمة لم ينسى منها لحظة. لم يدرك لما حتى درس تلك الحالة في الجامعة. فرط الاستذكار أو الذاكرة الذاتية بالغت القوة، هايبرثيميسيا. حالة نادرة جداً في العالم جعلت منه عقرياً في عمله بأقل جهد ووقت ممكن. لم يعي تلك الحالة حتى درس عنها وذهب إلى الدكتور الجامعي وهو من شخص الحالة بنفسه حتى أنه أعطاه امتحاناً مختلفاً عن باقي زملائه. تلك الحالة تمكنه من تذكر كل شيء، كبيرا كان أو صغير. كان الأمر مفيداً جداً طول سنوات الدراسة ولكن على الجانب الشخصي لم يكن الأمر بتلك الروعة، بعد الأمور من الأفضل نسيانها. كم أراد نسيان احداث تلك الليل! وكم أراد أن تكون ذكرياته المؤلمة من الماضي وتبتعد عن فكره وحاضره!
قطع صوت مريب حبل أفكاره ومن ثم شعر بحركة غير اعتيادية من خلفه. يكاد يقسم أنه لم تكن بفعل الرياح. من قد يكون هناك؟ من لديه الجنون الكافي للخروج في ذلك الوقت متجاهلاً كل الانذارات والتحذيرات؟ لم يبقى ذلك السؤال لغزاً لفكرة طويلة فبعد ثواني معدودة، سمع خطوات أقدام قادمة نحوه. مدت يده إلى جيب سرواله حيث خبأ سلاحه الابيض الصغير. لم بحاجه قط ولكن لك يرى خسارة من وجوده خاصة أنه سعى إلى ترخيصه. بدأت نبات قلبه بالتسارع وبدأت جبهته بالتعرق وكأنه جرى ما لا يقل عن عشر كيلومترات حتى ظهرت فتاة من تلك الجهة. لم يكن ذلك قريباً حتى من توقعاته.
كان الخوف واضحاً على وجه الفتاة التي لاحظ بعد مدة وجود جرح وجنتها اليمنى لم يكن بالعميق في نظره. أراد أن يسألها من تكون وماذا تفعل في ذلك المكان. أول ما ورد إلى مخيلته وبأخذ ذلك الجرح بالاعتبار لم يبدو الأمر طبيعي خاصة وأنه لاحظ أنه لم يكن الجرح الوحيد لكن لم تسنح له الفرصة وبدأت الفتاة بالركض بخطوات بعيدة تمام البعد عن الثبات. لم يستطع أن يحدد ما إذا كان المشكلة في الأرضية الغير مستوية أو أن قدمها مصابة. بدأ يتتبع خطوات الفتاة ببطء لإرضاء ما أراد أن ينعته بالشهامة. ففي نهاية المطاف، هناك فتاة وحيدة خائفة في الغابة. لكن لم تكن الشهامة هي الدافع الحقيقي وراء ذلك الأمر. لو كانت الظروف مختلفة لما تتبع الفتاة وتركها لمصيرها الذي لم يكن ليهتم به إطلاقاً ولا حتى لجزء من الثانية ولكن كان الفضول ما يدفعه للتقدم. أراد معرفة سبب وجودها وسبب تلك الجروح. أراد معرفة حقيقة تلك الفتاة وما إذا كان ماضيها مشابها لماضية.
لم يقترب كثيراً ولكن ظل يراقبها عن بعد لم يرد إخافتها أكثر من ذلك. لم يرد أن يفكر كثيراً فيما قد تظن أن علمت بما يفعله. كثرت الحوادث البشعة في حق الفتيات في الآونة الأخيرة. لم يعد العالم آمنا. بدت الفتاة في أول العقد الثاني من حياتها. ظلت تنظر يميناً ويساراً ثم تابعت التحرك. تركض تارة وتسير أخرى وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة أخبرته الكثير عن حالتها الصحية والرياضية. كانت العاصفة تزداد سوءا في كل لحظة ولكن لم يستطع العودة إلى منزله ولأول مرة منذ مدة ليست بالقليلة لم يستمع إلى الصوت العاقل بداخله.
لم يدم الأمر طويلاً وفي لحظة سقطت الفتاة أرضا. ذهب إليها بحرص شديد وركع قليلا لنحقق من وجود نبض وهو يتساءل عن سبب الوقوع. لم يبدو الأمر وكأنها ارتطمت بجذع شجرة أو ما شابه ذلك. نظر حوله والاحتمالات تدور في عقلة وفي لحظة تهور لم يعودوا قط في حياته قرر أن يأخذها معه. حملها على كتفه ولاحظ خفة وزنها. كانت خفيفة الوزن حتى أن خطواته لم تتغير كثيراً ظلت ثابتة وسريعة. لم يكن هذا طبيعي ابدا وفي كل لحظة أخذ فضوله بالتضاعف بسرعة. وبصورة أو بأخرى كان لماضيه يداً في ذلك. كان بداخله شعور أنها مرت بظروف مقاربة لما مر به. ربما هذا الذي دفعه للمساعدة. ربما أراد مساعدتها كما لم يساعده أحد قط وكأنه كلب شُخِصَ بمرض الجرب.
حملها إلى المستشفى التي تعمل بها سمر لأنها كانت الأقرب والأشهر لكن لم يرد أن يحيط نفسه بعلامات استفهام كثيرة. سمر زميلته على مر كل تلك السنين لم يكن لديه أدنى شك أنها لن تخفي تلك الأسئلة. ستحيطه اسئلتها من كل الجهات وكأنه غزال أمام قطيع من الذئاب. كما أنه رفض عرضها في ذلك الصباح، لم يكن متأكداً ما إذا كانت مستعدة لمساعدته في المقام الأول. كان العرض مغرياً ولكن لا يمتلك هو الخبرة الكافية. لم يرد أن يقتل أرواح لا ذنب لها بسبب قلة خبراته في المجال. كان جيداً جداً على الجانب النظري ولكن لم يختبر الجانب العملي بعد. عندما وصل إلى هناك، ظل واقفاً أمام المستشفى في حيرة. لم يكن لديه اي صلة قرابة أو سابق معرفة مع الفتاه، وإذا سُئِلَ عن أبسط الأمور مثل الاسم والسن سيكون السكوت جوابه الوحيد.
-"كيف أساعدك يا سيدي."
كأن القدر أراد مساعدته... كان شاب علم من زيه أنه يعمل في تلك المشفى. كان الوقت متأخرا ولكن من المتوقع أن يبقى الجميع بسبب العاصفة الذي بدأ تأثيرها بالزوال. علم أنهم سيبحثون عن ضحايا..
-"أسمع جيداً ما سأقوله. وجدت هذه الفتاة في أحدي الطرق. لا ادري ماذا حدث ولكنها سقطت. أريدك أن تأخذها للداخل وقل أنك أنت وجدتها في الأرض في العاصفة. فقط لا تقل أن انا من وجدها."
-"لحظة، ألست انت ذلك الطبيب الذي رفض عرض الآنسة سمر."
لم يكن يعلم أن الخبر سينتشر بتلك السهولة. أخبرته سمر أن عليه إبقاء الأمر سراً بينهم. اوفي هو وعده ولكن يبدو أنها هي من فشل في ذلك.
-"نعم، لذلك لا أريد إدخالها أنا لكي لا تكثر الاسئلة. هل يمكنك إنقاذ هذه الفتاة البريئة بفعل ذلك؟"
-"أجل، سيدي، سأفعل ذلك."
كان القبول قرار وجده عمر غبياً جداً ولكنه كان شاكراً. كل ما كان يتمناه الآن هو قبول المستشفى بها. تمنى من كل قلبه ألا تمنعهم الجروح على جسدها من معالجتها. شاهد ذلك الرجل الذي لم يتذكر سؤاله على اسمه يسير والفتاة في يده. اخذ نفس عميقاً ثم بدأ بالحراك باتجاه منزله. المنزل الذي اشتراه فور وصوله بأموال فاز بها عن طريق المشاركة في إحدى اليانصيب. فاز بمبلغ كبير من المال ولكن مع ذلك حرص على شراء منزل صغير يكفيه وحده أو ربما شخص آخر معه، لم يكن مأوي لعائلة وهذا أكثر ما أعجبه في ذلك المنزل.
أنت تقرأ
تبر
Romanceيا طير، حدثني عما تراه خلف تلك الأسوار الممتدة عالياً إلى السماء. كيف هي الحياة بالخارج؟ هل هي ملونة بألوان زاهية لم تراها عيناي قط؟ أم أنها لا تختلف كثيراً عن الألوان التي عهدتها طوال حياتي باهته ومظلمة؟ هل هي كالكتب التي اقرائها عند الاستطاعة أم أ...