مِن جاسبر إلى ويليام العزيز.
_أتذكرُ الأمر ، اتذكرهُ جيداً كأنه قد حَدث لي الأمسَ ، كم كنتُ احمقاً ، جاهلاً ، جباناً ، ليس هذا وحسب بل غريبْ اطوار ومعتلّ أيضاً ، لأنني فكرتُ في تلك الفكرةِ التي تركت جرحاً قوي في حياتي لسنواتٍ طويلة ، تلك الرحلة ، الرحلة الباردة تلكَ التي يستحيل أن انسى مدى بشاعتِها لي ولِنفسيتيّ مهما طال بي العمر ._
لو أنني لم افعلها ، لو أنني رضيتُ بوحدْتيّ ، ياليتني لم أُولد في هذا الحياة مطلقاً لأن وجودي وعدمهُ واحد ، ذلك الانفجار كان البداية والنهاية في نفس الوقتِ ، هل هذا الندم المرير الذي وصفته الآن قادراً على أن يجعلَ قلبك يحنُ عليّ يا أخي ؟!
... حدثَ الأمر منذُ سنوات طويلة ، عندما كنت ابلغ من العمر «الثامنة عشر» ، أنا كنتُ مثل أي شاب مراهق يتيم يتجول في المدينة ، أعمل ، انام في ازقةِ البيوت ، أكل الخبز اليابس احياناً ، لم أكن اعي أنني مريض نفسي أو حتى أفكر بذلك ، مع أنني عشت طفولة قاسية جداً ، بعد أن مات أخي الوحيد في *غزو جاوة وبعد أن تعرضت للضرب والاعتداء والسرقه كل هذا في سن البلوغ ، ترك هذا اثر أول وعميق لحياتي .
__
عام ١٨١٨ م
في حيٍ بقرب الميناء ، كان متوسط الكُبر ، في الفترة التي كانت لندن مزدهرة ومزدحمه وترسم طريقها لتصبح مدينة عالمية ، عرباتٌ تجرها الخيول وتحمل معها دفعهً من الناس ويغادرون فيها دفعهً أخرى من الناس أيضاً ، السيدات الجميلات وملابسهنَ الخلابة ، الرجال المحترمون وغيرهم من الناس ، شوارعها لا تهدأ ، صوت البواخر العالي والناس الذين يبيعون الحاجيات ، على الرغم من أنه حي بسيط ألا أن اعداد الناس هناك مهولة ..
كنت أنا هناك انام في زقاقٍ ما واستيقظ على صوت الناس والعربات ، ليبدأ يومي الحافل بالعمل والذي لا اكسب فيه شيء غير شراء وجبه فقط ، لا أريد أن امتدح نفسي لكنني اقسم أنني كنت أجمل من أن احظى بتلك الحياة ، بشعري الاسود كسواد الفحم وعيناي ذات لون العسل وبشرتي الفاتحة التي عندما اتعب يصبح اللون الوردي يغلب عليها أكثر في منطقة الخدين .
كنت أجمل من أن أعيش هكذا ، هذا ما اخبره لنفسي بينما اسحب بسيجارتي وأشرد للحظات وابحث في عقلي عن ذكريات أخرى اتذكرها بلا شعور مني ، اوهم نفسي أنه تذكر لاشعوري خارج عن سيطرتي وليس أنا من انغمس به ... الآن وبعد مرور خمسة وعشرين سنة عن الذي حدث ، اكتب لك يا أخي العزيز ، لازلت اعتبرك اخي مهما حدث ، اكتب لك هذهِ الاسطر لكي يتسنى لك معرفه السبب ، لطالما كان هذا مطلبك ، السبب ، الحقيقة ، الصدق ..
_ يُتبع _
*غزو جاوة* : هو عملية برمائية بريطانية ناجحة ضد جزيرة جاوة شرق الهند الهولندية عام 1811 خلال الحروب النابليونية ، مات فيه اخيه الكبير وكان هو لايزال في الثانية عشر من العمر .
____
مرحباً معكم زوي ، هذهِ ستكون روايتي الرابعة هنا بأذن الله ، رواية قصيرة من عشرة فصول ، اعتبرها مثل الطفرة في اسلوبي الروائي لأنني اعتمدت اسلوب جديد عن رواياتي السابقة .
أتمنى أن تنال اعجابكم 3>♡︎♡︎.
-زُوِيّ .
أنت تقرأ
رحلة ديسمبر || 𝐃𝐞𝐜 𝐓𝐫𝐢𝐩 [مكتملة]
Adventure_ فَكرتُ كثيراً بتركِ هذا العالم لِمن يستطيع ، لكننّي اعلم أن ذكرَياتنا ستُمحى بعد ذلك ، وأنا لا أريدُ لهذا أن يحدث ، الذكريات السعيدة التي اجمعُ اجزائُها في ذاكرتيّ هي الدافعُ الاقوى لأِستمراري في هذا الكونِ الموحشِ يا أخي . _قصة مكونه من عشر رسائ...