منزل صغير ينتصب وسط مساحة مكسوّة بالحصى ، تناثرت عليها نباتات الهندباء. بقع مقشرة رمادية تظهر على جدرانه البيضاء كاشفة عن طبقات طلاء قديمة ، وتحت الميازيب تلوح خطوط قائمة.
كان ثمّة صهريجا ماء يمسكهما سلك حديد صدىء ، وباب خشبي مقفل ، واربع نوافذ قذرة بلا ستائر.
يجاور المنزل كوخان آيلان للسقوط ، تسدّ بابَيْ اكبرهما نباتات العلّيق والقرّاص المتشابكة. أمّا باب الكوخ. الثاني فكانت مشرعة ، تَلُوح منها صحف قديمة مصفرّة معلّقة إلى حبل ، ومقعد مرحاض خشبي مهترئ. يقود إلى الكوخين طريق مكسو بألواح الخشب طغى عليها العلّيق والنباتات الطفيلية ، وأمامهما أرضية من الخشب تآكلت من الرطوبة.
كنت أعلم أنّ أمّي كانت ترى في مخيّلتها أكواخ «كينت» الجذّابة ، وتنظر إلى زوجها الوسيم ، فيزيدها ذلك تعلقاً بصورة ترسخت في ذهنها : صورة رجل جذّاب راقصته على مرأى من صديقاتها الغيورات اللواتي يصغرنها سنّاً.
شرعت تتحدّث عن مشاريعها وفكرها ما زال تحت تأثير هذه الذكرى ، وتفاؤلها ما زال متّقداً . سيصير الكوخ الكبير خمّ دجاج ، وستزرع الخضروات خلف المنزل ، و تغرس زهوراً تحت النوافذ. ثمّ أمسكت بيدي وقادتني إلى الداخل.ما إن فتحت الباب حتى هبّ تيار هواء حرّك الغبار المتراكم في أركان الغرفة . كان ثمّة عدد كبير من الذباب العالق في بيوت العناكب المترامية المغبرّة ، المنسوجة حول العوارض الخشبية والنوافذ. وعلى الأرض بدت فضلات الجرذان على شكل خطوط مستقيمة تقود إلى الخزانة الوحيدة . وكان الجزء السفلي من الجدران المطلية بالأبيض قائماً بسبب الرطوبة.
وفي اقصى الغرفة يوجد موقد فحم حجري أسود ، وأسفل النافذة وضعت قطعة أثاث ثانية : رفّ خشبي فوقه إناء معدني بجوار طست من القصدير.
ثمّ هناك بابان متقابلان يفضيان إلى الغرفتين ، وأمام الباب الأمامي أدراجّ أشبه بسلم يقود إلى عِليّة . لمّا صعدنا الأدراج اكتشفنا غرفة واسعة معتمة مسقوفة بالقش ، تفوح منها رائحة عطونة زكمت أنفي.
ما كاد الرجال يشرعون في تفريغ الشاحنة الصغيرة حتّى انهمكت أمّي في العمل لتحقيق مشاريعها. كنست الأرض بهمّة. وجلبت الفحم لأشعال النار في الموقد ، وأحضرت الماء من البئر. الموجود أسفل الحديقة. وكانت أوّل مهمة أسندتها إليّ هي إخراج الضفادع من الدلو. فمضيت أضعها بلطف على العشب قرب البئر.
علّقت أمّي : « هكذا ستكون مخيّّّرة بين العودة إلى أهلها أو النوم في الشمس ».بدأ الموقد ينشر الدفء في الغرفة التي نُظّفت من بيوت العناكب ، وجُهّزت بالأثاث الذي جلبناه معنا . وسمعت أمّي تدندن بأغنية منبعثة من المذياع. هكذا غمر البيت المهجور جوّ من المرح.
هيىء الشاي والساندويشات ، واخترتُ أن أجلس في الخارج على العشب بجوار جودي التي اقتسمت معها حصتي من الطعام. كانت جودي تتشمّم روائح جديدة ، فتصيب خطمَها تشنّجات خفيفة. التفتت إليّ وراحت تنظر إلي نظرة مفعمة بالأمل.
أنت تقرأ
لا تخبري ماما
General Fictionقصة طفلة صغيرة عانت من غدر مَن يُفتَرض أن يحميها : والديها. كتاب على قدر كبير من الأهمية ، يشهد على ما تتحلى به الكاتبة توني ماغواير من شجاعة وإيمان قوي بالحياة ، على الرغم من الظلم الكبير الذي تعرضت له.