أخذت الحياة مجراها في منزل القش : قطع المسافة الطويلة بين البيت والمدرسة ، إنجاز الواجبات المدرسية ، و " نزهات السيارة " في عطلة نهاية الاسبوع. وفي بعض الاحيان ، كنت أنزاح عن هذه الرتابة بزيارة بيت جدّي وجدّتي ، لكن منذ أعياد الميلاد ، فترت همّتي .وذات يوم سبت ، بينما ذهبت إلى الضيعة المجاورة لجلب الحليب ، بادرت زوجة صاحب الضيعة بدعوتنا إلى شرب الشاي في اليوم الموالي ، وحمّلتني رسالة قصيرة أسلّمها لأمي . وكم كانت سعادتي كبيرة لمّا قبل والداي الدعوة .
يقدّم الشاي في الريف عند الساعة السادسة مساءاً لأنّ المزارعين يستيقظون عند الفجر وينامون مبكراً . واستُؤنِفت لعبة الأسرة السعيدة فور خروجي من الحمام ، وارتدائي أجمل ثيابي بعد تصفيف شعري . وبما أنّني كنت آمل أن يسمحوا لي باكتشاف الضيعة ، أبديتُ عدم رغبتي في هذا اللباس ، لأنّ أمّي لم تكن تسمح بأن ألعب بلباسي الجميل مخافة تلطيخه.
قالت زوجة صاحب الضيعة لولديها فور وصولنا كما لو أنّها قرأت ما يجول بخاطري : " رافقا أنطوانيت لزيارة الضيعة ، فهي تعشق الحيوانات ".
واندفعت إلى الخارج بصحبة الولدين قبل أن تجد أمي الوقت لكي توصيني خيراً بملابسي . لطالما بدا لي الولدان اللذان يكبرانني سنّاً بقليل ، خجولين ، لكن ما إن اختفينا عن أنظار الكبار حتى أكتشفتُ أنّهما في غاية اللطف . رافقاني في البداية إلى زريبة الخنازير ، حيث ترقد خنزيرة ضخمة على جانبها وقد تعلّق بأثدائها حشد من الخنانيص . كانت تبدو غير عابئة بوجودهم . وحين سمعَتْ أصواتنا ، فتحت عيناً محفوفة بأهداب بيضاء ثمّ أغلقتها وغطّت في النوم من جديد . لعلّها قدّرت أنّنا لا نهدّد صغارها . ثم أخذني الولدان إلى الحلابة الكهربائية حيث كانت تقف بقرات هائلة تنتظر انتهاء الآلات العالقة بضروعها من الحلب . ورافقاني إلى كوخ صغير قريب كانت تُحضّر فيه الزبدة يدوياً . وفي الأخير زرنا مخزناً كدّست فيه رزم التبن حتّى السقف . كان المكان مناسباً تماماً للعبة الغميضة ، فلعبنا إلى أن نادت علينا زوجة صاحب الضيعة .
أمرت الولدين بأن يغتسلا لأنّهما ساعدا والدهما في أعمال الفلاحة قبل مجيئنا . وعاد زوجها أيضاً لكي يتهيأ لشرب الشاي. وقامت أمّي بمساعدتها في إعداد المائدة .
سألتني المرأة : " هل رأيت صغار القطط يا أنطوانيت ؟".
فأجبت : " كلا ".
أمسك أبي ، وقد لبس قناع الأب الطيب ذاك اليوم ، بيدي وهو يقول : " تعالي سنبحث عنها معاً بينما يحُضَّر الشاي ".
أنت تقرأ
لا تخبري ماما
General Fictionقصة طفلة صغيرة عانت من غدر مَن يُفتَرض أن يحميها : والديها. كتاب على قدر كبير من الأهمية ، يشهد على ما تتحلى به الكاتبة توني ماغواير من شجاعة وإيمان قوي بالحياة ، على الرغم من الظلم الكبير الذي تعرضت له.