خيّمت على منزل القش سحابة سوداء جعلت تحوم حول رؤوسنا وتخترق أذهاننا . سمّمت الجو ، وتحوّلت إلى كلمات ؛ كلمات مرارة وعتاب وغضب . ظلّت أمّي تردّد الاتهامات نفسها : إنّ أبي مقامر ومدمن كحول ، بدّد تعويضات الإقالة من العمل . دفعته اتهاماتها هذه إلى قضاء معظم وقته خارج البيت ، لكن صبره نفد ، فغضب غضبة ستُلقي بظلالها على كل ركن من اركان البيت لفترة طويلة .وانتصبت علب الشاي من جديد في الصالون ، واختبأت الكلبتان تحت المائدة ، كما لو استشعرتا خطراً محدقاً .
أخبرتني أمي بأننا سنغير المسكن . كنت أسحب عليّ الغطاء في السرير حتى أحتمي من القلق الذي كانت تزرعه في نفسي شجاراتهما الدائمة .
وممّا كان يضاعف من غيظ أمّي موقع بيتنا النائي ، وحاجتنا الدائمة إلى المال رغم ما تبذله من جهد ، لكنّ ابتسامة منه كانت كافية لإطفاء غيظها .
لطالما حلمتْ بامتلاك منزل على غرار والدتها ، لكنّ أملها في العثور على عمل يدرّ عليها دخلاً وفيراً تبدّد : كان عليها أن تكافح من أجل أداء كلفة الإيجار ، ولم يكن يفضُلُ لها شيء تدّخره .
قالت لي ذات صباح : " سنذهب لزيارة سيّدة يا أنطوانيت . إنّ نلتِ إعجابها ، لربّما انتقلنا للعيش معها . أريدك أن تتصرفي ببالغ الأدب . لو قيِّض لنا العيش معها ، ستعودين إلى مدرستك القديمة . إلا يروقك هذا ؟".
تحرّكت مشاعري ، لكنني حرصت على إخفائها ، واكتفيت بأن أجبت : " أجل يا ماما ، هذا يروقني كثيراً ".
آويت إلى فراشي تلك الليلة وقد تعلّقت بهذا البصيص من الأمل . هل سأترك حقاً مدرسة القرية التي لا يحبّني فيها أحد ، وأعود إلى مدرستي القديمة إلى جانب أصدقائي ؟ ثمّ توالت الأسئلة : من تكون هذه السيدة العجوز ؟ ولماذا لا يرافقنا أبي ؟ شغلت بالي هذه الأسئلة التي لم أعثر لها على جواب إلى أن غالبني نوم مضطرب .
استيقظت باكراً ، وكان أوّل ما تبادر إلى ذهني الحديث الذي دار بيني وبين أمّي في اليوم السابق. عبرَت جسدي رعشة من الإثارة ، لكنّني حاولتُ قمعها مخافة أن يخيب أملي .
أأعود حقاً إلى مدرستي القديمة ؟ وساورني الأمل في هذه العودة وأنا أنزل السلم.
وضعت أمّي أوعية ماء كثيرة على الموقد ، وقالت لي أنّني سأستحم ، وهو ما عزّز آمالي. وبينما كنت أتناول فطوري ، جهّزتْ حوض الأستحمام . نزعتُ ملابسي بسرعة وانغمرت في الماء الساخن الممزوج بالصابون. تناولت أمّي قطعة ثوب وفركتني من رأسي إلى أخمص قدمي ، ثم مشطت شعري بعناية كبيرة. استطبتُ تلك الحركات المنوّمة وحرارة الموقد ، فالتصقتُ بركبتيها . وغمرني شعور عجيب بالأمان. تمنيتُ لو كانت تعتني بي بهذا النحو كلّ يوم كما كانت تفعل في السابق .
أنت تقرأ
لا تخبري ماما
General Fictionقصة طفلة صغيرة عانت من غدر مَن يُفتَرض أن يحميها : والديها. كتاب على قدر كبير من الأهمية ، يشهد على ما تتحلى به الكاتبة توني ماغواير من شجاعة وإيمان قوي بالحياة ، على الرغم من الظلم الكبير الذي تعرضت له.