شعرتُ بالملل فتفقدتُ موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، فانتبهتُ لرسالةٍ من صديقتي لاڤا، كم اشتقتُ لها! فمنذ زمن لم نثرثر معًا.
فتحتُ فوجدتُ رسالتها الرقيقة «اشتقتُ لكِ رفيف!»
ابتسمتُ بسعادة وبدأتُ مراسلتها فأسرعتْ في الإجابة عليّ، مؤكد ينتظرني حديثٌ لطيف من أحاديثها مع استعراض كلانا لآخر طبخاتنا، لكن بعد التحية والسلام سألتني لافا: «لقد قرأتُ منشوركِ الأخير، قصة الفتاة المأساوية.»
- «هل تقصدين مَن حُرِمت من رعاية والديها؟»
- «أجل رفيف! شيءٌ قاسٍ بحق هو الحرمان من الوالدين ورعايتهما، سواء تُوفيَ أحدهما أو كلاهما أو انفصل الوالدان، والأشد ألمًا لو كانا على قيدِ الحياة وليس بمقدورهما منح الحب والعناية لأبنائهما.»
- «هل تدرين لاڤا؟ يحدث ذلك بسبب التقلّب الانفعالي للوالدين وعجزهما عن إقامة علاقات أسرية صحيحة.»
- «ربما قد حُرم الوالدين من الحياة الأسرية السوية.»
- «وربما للظروف الاقتصادية وضِيق المعيشة سببًا في ذلك أو وجود مرض مزمن لأحدهما.»
ظننتُ أن حديثنا قد انتهى فسيكون بذلك أقصر حديث بيننا على الإطلاق، لكن وجدتُ رسالة من لاڤا ففتحتها: «قرأتُ ذات يوم إحدى المقالات التي تتحدث عن حرص الأهل وأن غيابه قد يأخذ صورة العقاب البدني المبالغ فيه دائمًا، التهديد بالطرد من المنزل كنوع من أنواع العقاب أو إذلال الطفل في صورة تنمر، سخرية، لوم دائم، إطلاق ألقاب تهكمية أو كثرة المقارنة بين الابن وغيره من أقرانه.»
- «فعلًا لاڤا! كلّ ما ذكرتيه صورٌ من غياب حرص الأهل وعنايتهم بأبنائهم. فالأسرة لا تنطوي وظيفتها فقط على التناسل بل أيضًا تنشئة الأبناء، رعايتهم، الدفاع عنهم وحمايتهم، وتنظيم حياتهم من النواحي الدينية، الاجتماعية، الاقتصادية والنفسية.»
فأرسلتْ لي لاڤا رسالة أخرى: «أجل! فالأسرة تتمثل فى صورة الحياة في المجتمع الذي تنتمي إليه كل أسرة، لذلك يتوقف طابع الأسرة ونظام حياتها على العوامل التاريخية والجغرافية للمجتمع التي هي جزء منه، فنجد أن الأسرة في البلاد العربية تختلف عن طابع الأسرة ونظامها في البلاد الأجنبية.»
أومأت برأسي وقد بدأت كلُّ المعلومات تتدفق في عقلي على غير العادة فكتبتُ إليها: «وهناك نظريات تفسّر أهمية عناية وحرص الأهل في التنشئة الاجتماعية للأبناء، فوضّح (ميلر) و(دولارد) في تفسير التنشئة الاجتماعية أن الطفل يتعلم سلوكًا معينًا ويكتسبه فيما بعد في حياته مع اهتمام والديه وعنايتهما بأفعاله وتصرفاته وحرصهم على الدعم السويّ منها، وهذه النظرية هى فكرة التدعيم.»
- «هل تقصدين رفيف أن عناية الأهل وحرصهم على أبناءهم له دور في بناء شخصياتهم؟»
- «أجل لاڤا! فحرص الأهل -أي تعهّدهم برعاية أبنائهم والاهتمام بهم- له دور كبير في النمو الشامل للأبناء، وغيابه يعطّل هذا النمو بشكلٍ ملحوظ، فالكثير من الدراسات المقارنة التي أُجريت للمقارنة بين الأبناء الذين تربوا في أُسر مستقرة وبين من تربوا في أُسر غير مستقرة أو في مؤسسات الكفالة اتفقت على أن مستويات النمو تهبط هبوطًا كبيرًا في أبناء المؤسسات ومن حُرموا من عناية الأهل مقارنةً بأبناء الأُسر السوية.
أنت تقرأ
أخذ وعطاء.
Randomتتناثر العناوين على نفس الهيئة، إلا أنها كانت مختلفة في عدسة النَّاقد المميزة؛ تلك التِّي تأخذ كل عنوانٍ مختلف، محللةً جانبيه: المُشرق والمعتم. أخذٌ وعطاء، نبشٌ في الجوانب وتنقيبٌ عن الحقائق، يتردد الصدى عبر النّوافذ الإلكترونية بنقاشاتٍ ظريفةٍ علم...