العزيز المؤذي

38 5 3
                                    

كانت بنات سُدُم السماء قد أعلنت أن الليل قد أطل منذ مدة ليست بالقصيرة، وبينما أنا أتجول كعادتي بين تطبيقات التواصل الاجتماعي أقفز من واحدٍ لآخر بملل، لمحت عيني منشورًا لفتاة أعرفها تشكو من عائلتها التي تحرص عليها، وقد كان منشورًا طويلًا للغاية مليئًا بالتذمر والأخطاء الإملائية.

الكلمات التي كتبتها راحت تدور وتدور في خلايا عقلي وكأنه مدينة ملاهٍ كبيرة، يا ترى لماذا تكره اهتمام عائلتها بها؟

ولأنني أعرف لافا -والتي هي أنا- أعرف أنني لن أجد إجابات على سؤالي بمفردي؛ لذلك سأستقل أقصر قطارٍ للحلول واتجه إلى صندوق معلوماتي والذي هو رفيف.

سارعت باقتحام تطبيق التيلجرام وراحت عينيّ تبحث عن اسمها بين أكوام المحادثات الغير منتهية، وبعد رحلة ذهاب وإياب راحتها نظراتي التقطت اسمها -والذي هو رفرف المرفرف والعديد من القلوب الحمراء والصفراء- ودخلت المحادثة على الفور.

«رفرف، هل أنت هنا؟» بدأتُ المحادثة بطريقتي المعتادة.

«أجل أنا هنا لافا!» أجابت في أقل من دقيقة مما دفع ابتسامةً حمقاء على أن تتشكل على شفتيّ.

«أي مصيبة افتعلتِ هذه المرة؟» انطلقت قهقهةٌ مني ترن في الغرفة ما أن قرأت رسالتها، ما لا تعلمونه أنني ملكة المصائب.

«في الحقيقة هي ليست مصيبة هذه المرة، ولكنه مجرد سؤال يأبى الخروج من ذهني» أجبت بسرعة دفاعًا عن نفسي، مضيفة إلى جوابي رمزًا تعبيريًّا بريئًا.

«تفضلي واسأليني» وما إن ردّت حتى تسابق إبهاميّ على كتابة السؤال الذي لا يزال يلهو في عقلي.

«لماذا هناك بعض الأبناء يتذمرون من حرص عائلاتهم عليهم؟» سألت بسرعة والفضول كان يشعل نيرانه فيَّ، وانتظرت إجابتها على أحر من الجمر بينما أراقب كلمة -يكتب...- في أعلى المحادثة.

«ألا يعكس حرص الأهل محبتهم؟» أرسلت سؤالا آخر قبل أن تصلني إجابتها لعلها تفهم سؤالي بشكل صحيح.

«ولكن حرص الأهل يقيد حرية الابن! ويفقده ثقته بنفسه!» ردّتْ بعد دقيقتين كاملتين من الكتابة، ثم ظهرت علامة -يكتب...- مرة ثانية، أريد معرفة ما الذي تكتبه في كل هذا الوقت!

«بهذا الحرص يعتقد الآباء أن خوفهم وتشديدهم على أبنائهم سيوفر الحماية المطلوبة لهم، كما قام بتوفيرها آباؤهم قبل نصف قرن من الآن، متجاهلين حقيقة أن الأمس يختلف كليًّا عن اليوم» إجابة رفيف حركت المزيد من الأسئلة ودفعتهم للخروج.

«وحتى إن كان الزمان مختلفًا يبقى خوف الآباء على أبنائهم وحرصهم عليهم كما هو، حتى لو اختلفت الأزمنة فحب الأهل لأولادهم وخوفهم عليهم هو نفسه» المحرك الموجود في رأسي راح يدور ويدور.

أخذ وعطاء.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن