-زواج أبيض-
خُيم صمت قاسٍ على جميع البيت فقد نزل الخبر كالصاعقة عليهم تحديدًا "حازم" الذي تلقاه بفتورٍ مزق نياط قلب أمه وجعًا على ما يشعره ولدها ويكنه داخل صدره ويرفض مشاركته حتى معها، أسبوع مر وهو على تلك الحالة من الصمت القاتل منزوي في غرفته وكأنه عاد طفل في السابعـة يختبئ خوفًا من خوض الامتحان.
يجلس في بلكونـة غُرفته المطلة على منظر
حضاري راق يناسب سُمعة المكان، يسحب سيجارة واحدة خلف أخرى حتى فقد القُدرة على العد، فقلبه خال تمامًا من أي مشاعر
حتى أنه لا يعلم إن كان حزين على موت أبيه، عفوًا الشخص المُسمى أبيه، الذي لا يعرفه سوى في اقترانه ببطاقته الشخصيـة، مات وعاش وهو أبعد عنه من الجار، لا يعرف ماذا يُحب أو ماذا يكره أو حتى ما هي شيمته والعادات التي تربى عليها شتان كبير بينه وبين زوج أمه (رؤوف) وصدقًا كان يشبه اسمه كان يعامله مثل (فادي) تمامًا ولا يتذكر أنه فرق بينهما يومًا بل أحيانًا كان هُناك إمتيازات توجه له بحكم أنه الأكبر سنًا وقادر على تحمل المسئوليـة، لم يرفض له طلبًا يومًا ولم يرفع يده عليه قط بل كان يوافق على ما ترفضه أمه لدرجة اتهامه بأنه يساعده على الفساد من قبل أمه وهو كان له خير الأبن البار حتى لو لم يكن أبيه الحقيقي لكنه كان يشعر دائمًا أنه أبيه فلم يكسر ثقته أبدًا.أما الشخص الذي كان السبب في تكوينه البيولوجي رآه مرة واحدة في حياته كان حينها في الصف الثالث الثانوي وقد ألح على أمه في رؤية أبيه الحقيقي الذي تتعمد بُعده عنه دائمًا ورغم رفضها ساعده (رؤوف) مُخبرًا إياها أنه وصل إلى سن يؤهله في الثقـة في ما يرغبه فلم يعد ذلك الصغير الذي تنهره صاعدًا لغرفته بل هو رجل أصبحت لحيته تعلو ذقنه وحقًا وصل إلى رقم هاتفه وعنوان بيته لأجله، بينما هو رفض بشكل قاطع أن يكون اللقاء بينهما عبر الهاتف بل صمم على رؤيته وجهًا لوجه لرغبته في جعلها مفاجأة ولكن كانت المفاجأة من نصيبه هو!.
طرق على الباب المُتهالك في تلك البنايـة الواقعة بأحدى المساكن الشعبيـة بشكل حماسي، اشعل الشوق في قلبه فأخيرًا بعد غياب السنوات سيرى والده الحقيقي فهو برغم من عدم رؤيته لهُ مسبقًا كون شخصية من نسيج خياله عنه وبالفعل فُتح الباب من قبل رجل يشبهه نسبيًا لكن باختلاف قسمات الوجه فعلامات السن تظهر عليه بشكل واضح بينما هو في بداية الشباب يتنعم بملامح جذابة وكما التقط هو الشبه الملحوظ التقته أبيه فسأله بشكٍ:-
-أنتَ؟!بلع (حازم) لعابه بترددٍ فهو عندما رآه تدمر في رأسه أي سيناريو جمعهما سويًا ولكنه على الرغم من ذلك رد عليه بخفوتٍ:-
-أنا حازم جاسم شرف الدين.قست قسمات وجهه بشكل ملحوظ وببسمة ملتويـة قال:-
-أبن مُنيرة؟وكم كانت مؤلمة الجملة على قلبه، بالأخير أصبح ينسبه لطليقته؟! هو لم ينزع ثوب أمه عنه يومًا بل العكس فهي خُلقت لتكون أحب الخلق إليه لكن جملته مزقت شيء بداخله فهو كان منتظر على الأقل حينما يعلمه أن يلتقطه بين ذراعيه يبثه عناق يشع حنانًا لكن تلك المقلتين جمدت أوصاله حتى عندما دعاه للداخل من باب الواجب تخشب:-
-اتفضل، مش جاي تقف على الباب!.
![](https://img.wattpad.com/cover/314503354-288-k108326.jpg)