الفصل الثاني

365 12 3
                                    


ابنة الظلام _ ميدوسا

الفصل الثاني

مِنْ أينَ جئتِ
وأي أرضٍ أنجبتك
وكلُّ ما في الأفق أشلاءٌ ونارْ
من قالَ إن شجيرةَ الياسْمينِ
تنبتُ في حقول الدَّم
تنثرُ عطرَها وسطَ المذابح والدمارْ
ومتى ظهرت
وقد توارى الصبح في عيني
من زمن و ودعَنَا النهارْ
صَغُرتْ عيونُ الكونِ في أحداقنا
حتى تلاشىَ الضوءُ. وافترق المسارْ
وأنا وأنت
كنجمتين وراء هذا الغيمِ
رغم البعدِ يجمعنا المدارْ
"فاروق جويدة"

"بعد مرور سنتين"

يقف بسيارته يتأمل ذلك المنزل الصغير وقد تغير ساكنيه لشيخ بلحية بيضاء يخدم أصحاب القبور ويحرسهم، يأتي يوميا مثل عادته عله يلمح تلك الطفلة التي يظل كيسها مرميا على المقعد بجانبه ليكون بالنهاية من نصيب أحد الفتية الذين ينظفون زجاج السيارات يعطيه له في طريقه لعمله..

اختفت ليال منذ سنتين وظن في البداية أنهم يزورون أحد أقرباء موسى ولكن مرت الأيام تليها الأشهر والسنوات ولم يعد لتلك الطفلة وجود وكأنها ما كانت يوما، شعور غريب يتملكه ويعتصر قلبه.. إنه الخوف من مصير مجهول له تعيشه هي الآن وحيدة...
انطلق بسيارته متجها لعمله يقنع نفسه أن الذي يشعر به مجرد شفقة لطفلة شهد على مأساتها منذ لحظة ولادتها، وشعور بالمسؤولية نحو صلة دم قام كبار العائلة بقطعها، فهو صار متأكد أن تلك الطفلة هي ابنة عمته التي سجنت في غرفتها قرابة السنة لتختفي في نفس الليلة التي ولدت فيها ابنتها، لا يرغب حقا في معرفة الأكثر فهو متأكد أن ما خفي كان أعظم هو رجل القانون الذي لا يرحم أي مذنب هل سيصمت على جريمة أبطالها جده المرحوم والده وعمه! ولكن ساري النقيب لم يطاوعه عقله على تجاهل الأمر والحرب داخله قائمة بين ابن زعيم القبيلة و رجل القانون الذي أقسم على عدم خيانة مهنته التي لم يخنها فعليا منذ أخذ ذلك المنصب وحتى قبله وما حصل كان وهو طفلا فلا أحد يستطيع لومه..
صوت رنين هاتفه أخرجه من دوامة أفكاره اسمها الذي أنار شاشته جعله يبتسم بحنان على تلك الطفلة التي لا تتركه لساعتين من دون أن تتحفه بآخر أحداث يومها ضغط على العلامة الخضراء ثم رد بصوت حنون يخصه بها هي صغيرته و شقيقته التي يحب :
-ما بال قطعة السكر هذه المرة؟
لا أظن أن أحداث يومك بدأت في هذه الساعة المبكرة ؟!
فأجابته سارة بصوت مبحوح من آثار النوم:
-صباح الخير سيادة النقيب اتصلت لكي اذكرك بعيد ميلاد صديقتي وأني استأذنتك ولكنك أنهيت الاتصال لكثرة أشغالك ولم أرك عند عودتك للمنزل في وقت متأخر و أنا متأكدة رغم أني لم أغادر فراشي الدفيء انك غادرت البيت في وقت باكر كحالك كل يوم حقا أكاد أجن لأتحصل على قليلا من وقتك و ...
-قاطعها منهيا ثرثرتها التي يعلم انها لن تنتهي:
--مهلا مهلا، ما كل هذه الثرثرة صباحا؟ متى موعد عيد ميلاد صديقتك هذه؟!
ردت بصوت هامس به نبرة ترجي :
-يبدأ الساعة التاسعة وينتهي عند الساعة الواحدة ..
لم تكمل ما ستقوله إلا و قاطعها صوته مرة أخرى ينهي النقاش بطريقة حاسمة :
-اعتذري منها وأرسلي لها هديتها مع السائق
حاولت مناقشته ولكنه قطع الاتصال معها بكل هدوء وكأنها ليس لديها الحق في إهدار وقته أكثر من هذا.
فتأففت بغضب منه وتملكتها الحسرة على حياتها التي لا يمر فيها يوم دون تلك التعليمات الصارمة من أب لا يفقه من الأبوة شيئا إلا إصدار الأوامر وكأنه يخاف حتى من التعلق بها فهي لا تذكر يوما أن والدها قد عانقها أو عبر لها عن حبه أما ساري فلا تنكر أنه يحيطها بدلاله رغم انشغاله الدائم حتى أنها تشعر أن حبه داخلها يجتاز شعور الأخت بشقيقها فهي تراه الأب الذي حرمت قربه  ولكنه أيضا يتحول إلى صخر قاسي عند أول تجاوز للممنوعات.. نهضت من فراشها تزم شفتيها بغيظ تشعر بخيبة أمل من عدم حضورها ذلك الحفل ، اتجهت لحمامها لتغتسل ككل صباح ثم وقفت أمام مرآتها تتطلع بملامحها الجميلة التي صارت تراها نقمة و ليست نعمة من خالقها فجمالها جعل منها حبيسة هذا القصر مراقبة حتى عند ذهابها للدراسة تعلم هي أنه لو لا وجود ساري لكان اكتفى والدها بتدريسها بالبيت و لكن شقيقها و رغم حرصه و مراقبته لها إلا أنه منحها حق الذهاب للمعهد و التعرف على فتيات من نفس سنها تقضي معهن وقتها ،
تذكر ذلك اليوم الذي تحدى فيه والدها يدافع عن حقها بالعيش كما بقية الفتيات ...
صوت اباها يومها ارتفع غاضبا يهدده إن حدث أي خطأ منها فسيتحمل هو كامل المسؤولية
رده يومها أخافها عندما سأله :
-مما تخاف يا زعيم ؟ هل أنت خائف من أن يبتليك الله فيها فتدفع ثمن ذنبك ؟
صفعة والدها كرد على شقيقها يومها جعلتها ترغب باللا تخرج من سجنها
ركضت تقف بينهما و ظهرها إلى ساري تترجى والدها و دموعها تتراكم داخل عينيها:
-لا أرغب بالدارسة أبي و لكن أرجوك لا تغضب من أخي ..
فلم يكن من والدها الذي أشاح ببصره عنها الا الانصراف من دون أن يرد عليها و كأنها لم ترتقي بعد لمنزلة تجعله يتنازل و يناقشها التفتت لشقيقها الذي كانت زاوية فمه ترتفع بابتسامة ساخرة من تصرف أبيه فهو الوحيد هنا الذي يعلم ما لا يعلمه البقية
أكملت ما قالته بحسرة و قد سمحت لدموع قهرها و خزيها من السيلان بينما تخفض رأسها : أخي حقا لم أعد راغبة بالذهاب للمعهد
وضع إصبعيه أسفل ذقنها ليرفعه فتعلقت عيناه تخاطب عينيها مانحة إياها وعدا علمت أنه لن يتراجع عنه :
-ستدرسين سارة و ستذهبين للمعهد هذا وعدي لك أختي لا أحد و أنا أتنفس قادرا على سلبك حقك حتى و إن كان والدك ..
و لم تعلم بعدها كيف سمح لها الزعيم بذلك و لكنها تعلم إن وعد ساري فلن يخلف .
جففت خصلات شعرها الشقراء ثم جمعتهم بربطة إلى الخلف تاركة إياه منسدلا فهذا شرطا من شروط والدها لا يريد رؤية شعرها مفرودا ارتدت زيها الموحد بالمعهد الذي يتكون من تنورة سوداء و قميصا أبيضا مع ربطة عنق سوداء ثم رفعت حقيبتها البيضاء فهي لم تكن تعلم ما ينتظرها بالأسفل.. 
نزلت مرغمة لمشاركتهم وجبة الإفطار التي لا ترى لها أي داعي كم ترغب أن يعفوها منها فتستغلها كساعة إضافية لنومها صباحا و لكنها تعلم استحالة ما تتمنى رغم تفاهته ، اقتربت من عائلتها متمتمه بصوت خافت :
-صباح الخير
قبلت يد والدتها ثم والدها
وجلست على مقعدها بكل هدوء تمسك الملعقة وتقوم بتحريكها في كوب قهوتها ولا نية لديها بأن تتناول أي شيء تراقبها في الجانب المقابل عيون أمها تدرس ملامح ابنتها وتشعر بأنها ليست على ما يرام
سألتها قائلة بحنانها الذي لا ينقطع نبعه :
-سارة حبيبتي لم تأكلي شيء، ولديك مدرسة اليوم هل تنوين الخروج دون إفطار؟ "
رفعت عيناها اللتان كسرتا قاعدة أن يمتلك كل العائلة عيون سوداء فقد منحتها السيدة دلال لون عيناها الزرقاء و الكثير من خصالها
-لا أشعر بالجوع أمي أرجوك لا تضغطي علي
ردها كان بنبرة خافته مترجية كي لا تلفت انتباه والدها
و لكن صوت كفه الذي ضرب به على الطاولة جعلها تنتفض بخوف :
-أكملي إفطارك نحن لم نسألك إن كنت جائعة أم لا
ليكمل بذلك القطرة التي أفاضت الكأس، فتسمح لدموعها بالنزول من دون حتى أن تملأ تلك المقلتين، رفعت الشوكة إلى فمها تحاول بلع اللقمة مرغمة وكأن هناك حاجز في حنجرتها يمنع مرور الطعام، تأملتها أمها بملامح حزينة من هذه الحالة التي تتملك ابنتها كل فترة، تعلم أنها ترفض هذه الحياة وهذه القوانين ولكن ليس بيدها شيء فهي التي تعلم ماضي هذه العائلة وتعلم ما مصير أي أنثى تتمرد على عاداتهم وتقاليدهم، تتذكر جيدا كم بكت يوم رزقت بسارة ففي لحظتها عرفت معنى الخوف والرعب على قطعة من روحها، ابنتان لهذه العائلة هلكوا..
الأم موتا والابنة مصيرها مجهول لتأتي الثالثة وهي ابنتها، فكيف لا تبكي وهي التي رأت عذاب "حور" لمدة تسعة أشهر منتهيا بموتها.. ابتلعت ما بفمها بألم وهي تتذكر ابنة خالها وصديقتها المقربة كم تفتقدها وتفتقد طيبتها ورقتها، أبدا لن تصدق أن حور أميرة العائلة ومدللتها قد أخطأت مهما قالوا، تأملت وجه زوجها الذي لم تره يوما مبتسما منذ تلك الليلة فكأن حارث حبيبها قد مات ليولد حارث آخر لا تكاد تعرفه ولم يختلف الأمر كثيرا عند أخاه "صقر" فهذا قد قرر العزوف عن الزواج وأمضى عمره وحيدا، نظرت إليه بألم فهي تعلم خوفه و تتفهمه تجزم أن نفس ذلك الخوف ملأ قلب زوجها فحوله لصخر قاسي كي يحمي نفسه من مصير قد يفرض عليه وهو زعيم قبيلة الهاشمية بعد أبيه تعلم هي أن خوفه الأكبر أن يكون بلائه في ابنتهما فخير الابتعاد عنها و كأنه يحميها و يحمي قلبه
انتبهت من وسط شرودها على صوت زوجها الآمر :
-أريدكم جميعا اليوم بعد الإفطار لدي خبر مهم
أكمل موجها أمره لابنته:
-لا داعي اليوم من ذاهبك للدراسة
فأومأت برأسها من دون أي رد أو مقاومة 
انصرف بعدها هاتفا بصوته الخشن الصارم : -دلال إلحقيني بالقهوة سأنتظركم بقاعة الجلوس  نهضوا جميعهم  يتبعونه مترقبين ما سيقوله فالكل يعلم أن الزعيم لا يطلب اجتماعهم دون سبب قوي ، أحضرت دلال القهوة وقدمتها للجميع لحظة دخول "ساري" وهنا تأكد الكل أن ساري لا يتواجد هذا الوقت في القصر الا إن كان الأمر مهما، فانصبت عيون الجميع على زعيمهم الذي تكلم أخيرا و هو يضع فنجان قهوته السادة أمامه بعد أن ارتشف منه:
-اليوم سيعود راشد رفقة ابنه ماهر لعائلتنا أرجو تجهيز جناحهم"
-هل قرر راشد العودة ؟!
سؤال خرج من صقر و دلال بنبرة مصدومة و كأنهم لم يتوقعوا أن يأتي هذا اليوم
و سؤال لم يستطع الخروج :
-هل يوجد راشد بهذا القصر إن لم تكن حور؟!
تلاقت نظرات الأب بابنه ساري الذي يتأمله ببرود وترقب وكأنه فهم أن للخبر بقية ولم يخيب الأب ظنون ابنه وهو يفجر ذلك المجلس بقوله: -وهذا الأسبوع إن شاء الله ستكون دخلة سارة على ماهر ابن راشد نطقها متفاخرا وكأنه بقوله ذاك يلغي أن ماهر هو ابن أخته أن ماهر هو ابن الحور
نهضت سارة من هول الصدمة و حاولت أن تقترب منه تترجاه و كأنها ستغير ما لم يستطع رجال العائلة تغييره:
-أبي أرجوك أنا لا زلت طفلة لم أكمل الخامسة عشر عن أي زواج تتكلم؟
تطلع بابنته بتلك الطفلة الغريبة عنه رغم قربها  المصدومة من قراره، يتأمل تلك العيون الزرقاء المتوسعة من هول الخبر والبشرة التي سادتها حمرة يكاد الناظر إليها يجزم أن الدماء ستتفجر منها جسدها يرتجف خوفا ودموعها تبلل وجنتيها..
رفع كفه يوقفها عن الاقتراب منه ثم أجابها بهدوء و لكن بنبرة حاسمة :
-الطفلة ستكبر يوما ما يا سارة وهذا أفضل لك ولنا
تحولت شهقاتها المكتومة الى نشيجا و قد علمت أن والدها لن يتراجع و أنه بهذا وضع حدا لحريتها..
أبعدت دلال نظراتها عن ابنتها و تطلعت بزوجها بوجع و عتب فهي تعلم أنه لن يغير قراره و لكنها لم تستطع الا أن تطالبه بأن يتنازل و لو قليلا رغم معرفتها بأن لا أمل لها بأن يقبل رجائها:
فلتجعله كتب كتاب الى أن تكبر قليلا
تطلع بها بصرامة بأن تصمت ثم رد منهيا النقاش مخبرا إياهم بما هو أقسى :
-عقد قرانها تم وسارة لا زالت رضيعة
شهقت دلال من هول الصدمة ليرافق تلك الشهقة صوت تصفيق من كفين قويتين و صوت صاحبهما يهتف بنبرة ساخرة سوداء:
-أهنئك أبي، لم تأخذ لقب الزعيم من فراغ
ناظره الزعيم  بنظرة لو كانت وجهت لي غير ساري لارتجف رعبا ولكن هذا الشبل من ذاك الاسد، فلثاني مرة ينهي ذاك البرود الذي ساد علاقتهما منذ سنوات ولثاني مرة يصرخ في وجه أباه و يده تمتد لتحتضن أخته تحت جناحه و كأن سارة هي الجسر الوحيد الذي يربط ساري بوالده فأحدهما تخلى و الآخر تولى :
-لا أحد سيفرض عليها أمرا هي ترفضه أو قسما بالله العظيم أن آخذها من هنا ولن ترونها بحياتكم، قسمه ذلك جعل والده يفقد أعصابه و يتخلى عن بروده
تقدمت خطوات الأب بغضب يحاول الهجوم على ابنه فتدخل صقر يمسكه يحاول تهدئة الوضع الذي يبدو أنه سيخرج عن السيطرة، فالجميع يعرف من هو حارث وما مدى جبروته وما مدى نفوذ وقوة ساري التي تجاوزت والده...
نظرات تشتعل غضبا وشهقات بكاء تملأ المكان فاليوم و لثاني مرة تنتهك الطفولة بكل قسوة و جبروت لينتهي ذاك المشهد بإغماء سارة و ساري يتلقفها بين ذراعيه
حملها و صعد بها الدرج قاصدا غرفتها، و قد علا صوته بغضب :
- إن حصل لأختي مكروها ستدفع ثمن ما اقترفته لغاية اليوم يا زعيم
لحقت به دلال تحاول الإسراع رغم ألم ركبتيها وضعها على فراشها وأخرج هاتفه يتصل بطبيب العائلة ليأتي وفي الأسفل لم يكن الوضع أحسن فقد نكست الرؤوس من الأخوين و عم الصمت.
بعد دقائق انتهى الطبيب من فحصها وأعطاها إبرة مهدئة ثم وضح لساري بأن الذي أصابها انهيارا نتيجة ضغط عصبي حاد و أوصاه بأن لا يزعجوها وأن تبتعد عن كل الضغوط إن أمكن، رافقه بعدها للباب مودعا إياه ثم عاد لمجلس زعيمهم ليجدهما جالسين و الصمت يخيم و بقوة  فالألسن عجزت عن النطق من شدة قسوة القلوب التي ستعبر عنها
جلس بهدوء مزيف يتأملهما مسد بكفيه على وجهه يحاول تمالك أعصابه ثم كسر ذلك الصمت قائلا ببرود رغم محاولته لأن يكون بارا به : 
-أعتذر أبي إن علا صوتي بوجودك أنت وعمي
ثم أكمل مشددا :
-ولكن الذي قلته لن يحدث إلا بموافقة سارة أتّفهم أنك أباها
أشار لنفسه بإصبعه معلنا: ولكنني أنا من ربيت أختي، أنا من احتضنتها لحظة ولادتها وأنت ترفض حتى رؤيتها..
أنا يا أبي من أذنت في أذنها وأنا يا أبي من اسميتها لاكتشف اليوم أن أختي متزوجة وهي رضيعة، أتعلم أن هذه جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن ؟!
أكمل يتأمله بخيبة و لمحة اشمئزاز لم يستطع السيطرة عليها كانت واضحة لوالده  ثم تابع ذاكرا تلك الليلة لأول مرة :
-أنا يا أبي كنت شاهدا على ذاك الماضي وتلك الليلة التزمت الصمت عن تلك الجريمة التي ذهبت ضحيتها طفلة صغيرة فلا تطلبوا مني أن أكون شاهد على جريمة أخرى تذهب ضحيتها هذه المرة صغيرتي أنا أعتذر منكم لأن هذا لن يحصل ولو على جثتي
هذه المرة لم يصفعه و لم يغضب منه بل كان الصمت هذه المرة رد أبيه وهو ينهض متجها لغرفته فعلم أنه لن يغير قراره
أما عمه فقد قرأ في نظراته ندم وأسف على ما حصل وما سيحصل.. نهض تاركا صقر كعادته يحاول أن يقنع نفسه أن ما يحصل بمصلحة الجميع و أن أخاه على صواب مثلما فعل يوم وأدو الحور أخته و توأمه لا أحد يعلم لليوم أنه بتلك الليلة لم يضعوا التراب عليها هي فقط بل هو كان لجانبها قتلوا روحه و لم يتركوا إلا مجرد جسد يتنفس ليس بقادر هو لا على الحب ولا على العطاء أو ربما هو قادر و لكنه خائف أجل هو جبان عاجز على الاستمرار بالحياة يرى نفسه ظل لأخيه ربما لأنه الوحيد الذي يعلم ما خلف ذلك القناع القاسي الذي يضعه كلاهما نهشهما وحش الخوف و ان اختلفت ردة فعلهما
عاد ساري لغرفة أخته فوجد أمه تمسك يدها دموعها تنهمر من شدة لوعتها يعلم أن دلاله انطفأت خطوط صغيرة ارتسمت على جبينها وجنتيها لم يعد بهما أي امتلاء لدرجة أن عظام فكيها قد برزا و تلك الظلال التي تحت عينيها تحكي أرق الليالي الذي تعيشه
أمه الجميلة صاحبة القلب الحنون يراها تعيسة و هذا سببا آخر لذلك البرود الذي ساد علاقته بوالده  ، جلس جانبها يحتضنها بين ذراعيه يهمس لها بعبارات تطمئن قلب الأم ولو قليلا..
رن هاتفه فرد و ذراعه لا يزال يحتضن ولدته
تغيرت تقاسيم وجهه عندما علم أن أمرا مهم حدث و عليه الحضور فورا
قبل رأس دلال واعتذر منها لضرورة مغادرته الآن وطلب منها أن تطمئنه عن أخته وانصرف خارجا يركب سيارته يقودها بسرعة و غضب باتجاه عمله الذي تأخر عليه اليوم بأمر من أبيه أعاده من منتصف الطريق..
وصل قسم الشرطة بعد ساعة تقريبا ودخل بكامل هيبته يدق الأرض بأقدامه لتمنح له التحية من الضباط الذين يمر بجانبهم هيبته و وقاره إلى جانب اسم عائلته جعل الكبير قبل الصغير يهابه و يحترمه قبل أن يخافه لا يظلم و لا يتجبر قسوته تخرج فقط لمحاربة الظلم كابوس أسود هو لكل خارج عن القانون و ابن بارا لكل مظلوم
دخل مكتبه يلحق به صديقه أغلق قاسم الباب خلفهما بينما يضع ساري مسدسه على طاولة مكتبه ثم التفت إليه يسأله:
-ما الأمر المهم ؟
فأجابه مباشرة فهو يعلم أن ساري لا يحب التمهيد  :
-افتح هاتفك وأنظر إلى آخر الأخبار

ميدوسا ابنة الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن