الفصل 4-5-6

305 11 3
                                    

ابنة الظلام - ميدوسا
الفصل الرابع
شيء إليك يشدني .. لَم أدرِ ما هُو منتهاه ، يوماً أراه نِهايتي .. ويَوماً أرى فيهِ الحياة.
"فاروق جويدة"
-من ماهر إلى ليال-
أختاه يا جرح الزمان
يا قطعة من أمي
وأدوك بالحياة
جارو عليك و يا ليتهم كانوا غرباء
انتهكوا الطفولة بكل جبروت و اختيال
سرقوك مني كما سرقوها قبلك
حرموك و حرموني نبضها
اه يا ليال كم طال الغياب
فبعد ما جرى هل لك من اياب
لا ثوابت و لا اعراف لأجلك يا صغيرتي أحرق الأشراف
عودي يا قطعة من امي
عودي و داوي الجراح
...................
يمسك الهاتف بيده وعيناه على صورة لفتاة مراهقة تحاول تغطية وجهها ..
قرأ الخبر الذي يعلو الصورة : "الطفلة المجرمة تقتل أباها"
ازدرد ريقه و احساس بالرهبة من القادم تمكن منه ...
التفت على إثره للذي بجانبه حرك رأسه و مط شفتيه بتعجب يتسائل عن مقصده بجعله يرى الخبر
فأجابه ساري بينما يتطلع لأمامه من دون الالتفات اليه و نبرته الواثقة فقدت ثباتها لأول مرة :
-اسمها ليال، كنت شاهد على ليلة ولادتها هنا في هذا القصر
تجمدت ملامحه بصدمة ينتظر من الآخر أن يلقي ما في جعبته والذي يبدو بأنه ليس من السهل الإفصاح عنه..
غصة استحكمت بحلق ساري و قد قال بحشرجة محاولا إخفاء ملامح الألم التي ارتسمت على محياه عند تذكره لتلك الليلة و عينيها الصغيرتين اللتين لم يغادرا مخيلته طوال السنوات الماضية :
-ولدت ليلة موت عمتي
نهض ماهر مذهولا يحاول استيعاب المغزى من وراء كلامه
فلم يمهله ساري الوقت بل تابع يشرح :
-ليلتها لم أفهم لأني كنت طفلا، ولكن بمرور السنوات اتضحت لي الصورة..
رأيتهم بعيني يمنحونها لموسى الأعور
رفع رأسه ليكمل وعينيه بعيني ماهر مقرا أخيرا بعد صمت السنوات :
-هذه الطفلة أختك يا ماهر..
تجمد مكانه شاعرا أن الأرض اهتزت به وتلك النسمات الباردة التي كان يحاول بها إطفاء نار حقده هي نفسها التي جمدته الآن بردا، يفتح شفتيه يحاول التكلم ولكن لا صوت يخرج وكأنه فقد النطق، يده تمسك ذلك الهاتف الذي يضغط عليه لدرجة تشقق شاشته ، نفى برأسه بذهول و هو يحاول رفعه لمستوى عينيه بيد مرتجفة تطلع بنفس الصورة وقد تشوهت بتلك الخطوط الملونة الناتجة عن التشققات مشوهة هي كما ذلك الخبر مشوهة كما شوهوا حوره مشوهة كما شوهوا داخله ..
أهذه حقا اخته ؟!
قطعة من حوره؟!
عاد بعينه يترجى الذي أمامه يسأله بدون الحاجة للنطق من أن يُؤكد أو ينفي ما قال ولم يبخل عليه ساري الذي أردف مؤكدا بشفقة و هو يراه يحاول نكران الحقيقة و ما يراه :
-أجل يا ماهر هذه أختك والمقصود بأبيها هو موسى نفسه ..
سكن بعدها كل شيء ما عدا انفاسه التي بدأت ترتفع و كأنها الأمواج بداخل بحره الثائر يعود للجلوس على المقعد ثم ينهض من جديد و كأن الأرض ضاقت به و كأن الهواء اختفى و كأنهم قتلوا حوره من جديد أضاعوا أمه و لم يكتفوا بل سقوا قطعة منها من نفس الكأس يلقبون بالأشراف هم من فرطوا بشرفهم سحقا لهم و له لأنه لا زال يرحمهم
تحولت صدمته تدريجيا لغضب جامح فانقض على ساري يمسك قميصه يصرخ بغضب بألم و بجنون :
لمَ الآن يا ساري؟ لمَ لمْ تكشف السر قبلا ؟!
فصاح الآخر بقهر:
-لا يوجد سر يا ماهر، لقد قرروا التخلص منها هم يعلمون أنها موجودة ولكنهم لم يرغبوا بها، حتى أني لم أسمع أحدا يذكرها يوما
حقد اسود تغلغل بداخله أكثر عند ذكرهم فسأله مشددا من بين أسنانه ليؤكد لنفسه أكثر:
-من هم يا ساري ؟ من هم أجبني؟
فرفع عندها رأسه للسماء و قد زم شفتيه يضغط عليهما محاولًا إخفاء شعورا بالذنب لم يفارقه و خجل من الواقف امامه:
-أتركنا من هذا يا ماهر، كلانا يعلم من هم وأنا يا أخي لا أستطيع حتى نطقها فارحمني..
نبرته التي كان بها قهر و استجداء ألا يضغط عليه جعلت ماهر يترك قميصه والخيبة ترتسم على محياه ، حقده ينمو أكثر وإن لم يلجمه سيحرق الكل و كم سيكون مسرورا بذلك ، تنفس عدة مرات يحاول تمالك نفسه ثم عاد للجلوس على المقعد غرس أصابيعه في مقدمة شعره متمتما بخفوت و تعب:
-اروي لي ما تعرفه عنها
فعاد ساري للجلوس بجواره يسرد عليه ما جرى منذ ليلة موت والدته لغاية لحظة سجنها..
يستمع إليه بملامح تلين وتظلم لأن الحكاية تمر بالصعب الذي يحكي والأصعب الذي لا يُحكَ، يشعر أنه لا يستطيع التنفس وكأن ثقل العالم حط فوق صدره، ألم يمزقه و خياله يصور له أبشع الصور عن تلك التي تكون ابنة أمه.. ابنة حوره يتساءَل كيف فرطوا بها؟ هل قدت قلوبهم من حجر؟
الثأر أصبح ثأرين و الألم ألمين و الجرح صار أعمق و شفاء له بعد هذه اللحظة غضبه تحول لعاصفة دمرت قيود الصبر بداخله
أعتمت عينيه من قسوة ما سمعه لا يرى امامه الا السواد الذي يرغب بإظلام حياتهم به فنهض ينوي مواجهتهم
و لكنه توقف فجأة و قد كبل ساري حركته هامسا له بترجي :
-ليس الآن يا ماهر، استمع لي أولا وبعدها لك ما تريد ولن أمنعك عن أخذ حقك من الذين أذنبوا كانوا من يكونوا وهذا وعدي لك يا ابن عمتي
فلم يستطع السيطرة على ما يشعره أكثر فعلا صوته بصرخة أخرى تكررت تلحق ما قبلها من صرخات
كانت هذه المرة صرخة ألم ..
صرخة غضب و قهر
انهار بعدها جسده جاثيا على ركبتيه أرضا و قد شعر أن روحه لم تعد تتحمل فقررت الانسحاب من جسده..
تساقطت دموعه باستسلام ماحية كل جبروته وقسوته، يبكي من فرط ما فيه هو الذي أقسم أن لا شيء يبكيه، يشاركه الآخر دموع القهر، دموع الظلم من أقرب البشر من الذين كانوا يجب أن يكونوا السند..
جالسين أرضا، أحدهم بجسد فقد المقاومة وروح ممزقة منهارة، والآخر ساندا له داعما ينتظر أن يلملم شتاته ويسترجع قوته..
مرت الساعات بصمت لم يحاول ساري إخراجه منه فهو يعلم أنه يحتاجه ليتقبل الحقيقة القاسية
صمت و صمت تلاه سؤال خرج من بين شفتيه بنبرة منكسرة منهزمة
-فيما تفكر؟
اجابه ساري بينما يتطلع فيه بقهر:
-علينا أولا إخراجها من هذه الورطة
رفع مقلتيه يسأل من جديد و قد ثقل صوته من شدة الوجع :
-هل لديك حل؟
أومأ ساري برأسه مؤكدا وقد رسم ابتسامة صغيرة حاول بها طمأنته :
-اقترحت عليها أن تقول الحقيقة لكنها تستصعب ذلك لأنها تعتقد أن موسى والدها..
سكت قليلا يتمعن به ثم أردف :
-ليال يجب أن تعلم نصف الحقيقة، أو على الأقل لنقل الجزء الذي يتعلق بموسى وأنه ليس والدها
و لأنه كان مشوشا و أثار الصدمة لم تغادره بعد لم يتمكن الا أن يرد بسؤال في كل مرة :
- كيف ذلك ؟
-التحاليل ستثبت أنها ليست ابنته وأنا طلبت التحقق من هذه المعلومة لأسهل الباقي..
رد ساري الواثق جعل بعض الطمأنينة تتسرب لداخله
و لكن أسئلة ماهر لم تنتهي بل تزداد مع كل رد لساري :
-لماذا لم تحاول إنقاذها من قبل وأنت كنت تعلم مكانها ؟
طأطأ رأسه ثم رد بعد آه أطلقها و هو يمسح بكفيه على وجهه و قد عاد بجذعه يستند الى جذع الشجرة التي عمرت في مكانها لأجيال :
-لن أغفر هذا لنفسي صدقني، ولكن عذري هو انتظاري لها حتى تكبر وتستطيع مواجهة قسوة هذه العائلة، وخفت أن يكملوا ما تركوه من قبل ويتخلصوا منها منعا للأقاويل لأنه وقتها يا ماهر سأكون مجبورا بأن أدمر أقرب الناس لي
أغلق جفنيه بألم ثم أكمل بعد فتحتهما و هو يفرد يديه معترفا :
-قل عني أناني قل ما شئت و لكني اردت حمايتها و حمايتهم ..
عقد ما بين حاجبيه يحاول أن يفهم يحاول أن يجد له عذرا..
تطلع به لثواني مفكرا ثم طلب منه راجيا:
-أريد أن أراها ، ولن يدافع عنها أحد غيري، فإن كان لها محامي فاجمعني به لأعرف ما لديه من معلومات ثم أكمل أنا الباقي..
ابتسم ساري بألم لأنه علم أن ماهر هنا استطاع أن يعود لوعيه و يفكر بتلك التي تحتاجهما
-هذا أحد السببين اللذين جعلاني أبوح لك بالحقيقة
فرد الآخر بحماس أخ مشتاق:
-حسنا إذا سأصعد لأغير ثيابي وخذني لها فالصباح قد حل ..
لم يرد ساري أن يرفض طلبه فهو يعلم أنه لن يستطيع النوم ولا الراحة ما لم يرها فأومأ موافقا بينما يمد له يده كي ينهضه معه أو ربما أراد بإمساك كفه أن يعلن أنهما اتحدا أخيرا ..
ففاجأه بأن نهض مسرعا جاذبا إياه معه
هم بالذهاب ثم توقف فجأة من دون أن يلتفت له و سأله فهو الآخر لا تفوته التلميحات مهما كانت حالته :
-وما هو السبب الثاني ؟
ابتسم ساري براحة أن ما قاله لم يمر مرور الكرام فرد بنبرة واثقة :
سارة يا زوج أختي، لم يكن بيدي حلا سوى إخبارك لتعلم شعور أن تكون لك أختا
فلا تُؤذني فيها يا ابن عمتي..
و رده لم يكن إلا تتمة لما قاله له بجناحه عندما حذره بأن الأدوار ستنقلب ...
أومأ بصمت دون حتى أن يلتفت له ، ثم انصرف مسرعا صعد لجناحه فوجد زوجته نائمة بثوب زفافها والكحل الذي كان يجملها سائلا على خديها مختلطا بدموعها ملطخين بشرتها النقية.. وقف يتأملها بقلب مشفق فهي أيضا لم تسلم من ظلمهم، كانت تبدو كلوحة تم رسمها بإتقان لكي تعبر معالمها عن الوجع بأضعف حالاته بأجمل حالته
ابتسم بألم و سؤالا يلح عليه
لما هذا حال الإناث بعائلته أم أن ما يحصل يتعدى العائلة و هذا حال معظم نساء القبيلة ؟..
هل الاضطهاد هنا هو مصيرهن لما عليهن الرضاء و الطاعة ؟!
فحتى الشرع قد اباح ان
«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»
و «انما الطاعة في المعروف»
أوليس ظلم القوارير التي أوصانا بها الرسول عليه الصلاة و السلام معصية؟!
اقترب منها ماسحا بظهر كفه على وجنتها مستنشقا عبق الياسمين الذي لا يفارق أنثاه الصغيرة انحنى بجذعه ثم اقترب من أذنها و همس ..
-أعدك أن أحميك حتى مني يا زهرتي الحزينة
فتململت على جانبها الأيمن و قد انفرجت شفتيها قليلا تضع كفها تحت وجنتها
أرجع خصلة شعرها التي تمردت و التصقت على خدها المبلل
ثم تركها بعدها مسرعا فهناك أخرى أيضا تحتاج له
غير ملابسه لقميس أسود بنصف كم و بنطالا رياضي يصل لتحت ركبته بنفس اللون ارتدى حذائه الرياضي الأبيض
و لم ينسى الأهم النظارة التي ستخفي انفعالاته أمامها حمل هاتفه و غادر مسرعا للذي ظل ينتظره بالأسفل جالسا بسيارته يجري محادثة مع محاميها، فتح الباب وجلس بجواره فأعطاه الهاتف ليستعلم عن كل شيء بالطريق انطلقت السيارة إلى تلك الجالسة في زنزانتها تفكر في كلامه ، وهل حقا ما اقترحه سيكون حلا لها لتغادر سجنها؟!..
تساءلت بخوف :
لكن لماذا ترغب في الخروج وإلى أين؟!
فهي تعلم أنها صارت وحيدة لا تمتلك شيئا ولن يرضى أحدا بأن يمنحها عملا بعد هذه الجريمة
تنهدت متعبة من نفسها، من الناس، من حظها، ومن روحها التي ما عادت قادرة على الصمود أكثر...
من نبضها الذي لا يريد التوقف، من الخذلان..
متعبة هي من الصبر، من القسوة، من الماضي..
متعبة هي من الغد الذي لا ملامح له، من الانتظار ومن الاختناق.
و كالعادة لا يقطع حبل أفكارها السوداوية إلا صوت باب زنزانتها يفتح فيدخل منه هذه المرة النقيب و لكنه ليس بمفرده
بل بصحبته شاب غريب عنها لم يسبق لها أن رأته يرتدي نظارة سوداء رغم قلة الإنارة في المكان
كان يقف أمامها بذهول يحاول مداراة مشاعره مثل ما أوصاه ساري
ينظر الى تلك التي أخذت من حوره الكثير..
سوداء العيون، نظراتها انتهكت حقوق الطفولة، ناعسة الأجفان تخفي الحزن تحت ظلهما ..
ارتجف فؤاده شوقا ارتجف فقدا و نبض القلب وجعا تحجر الدمع في المآقي و فارت الدماء من فرط الحنين
يدعو الله أن يلهمه الصبر قطعة من روحه أمامه مكسورة منتهكة تجلس وحيدة في زنزانة
قطعة أخرى من روحه وأدت و هي على قيد الحياة و ما أحن التراب عندما يحاكي الظلم الطفولة
التفت لساري يطالعه من وراء نظارته بقهر عاجزا فابتسم له مطمئنا
سعل قليلا بعد أن تشنجت حنجرته من فرط الضغط على نفسه
ثم اقترب منها و قد رسم ابتسامة رسمية على شفتيه و هو يمد كفه ليصافحها:
-صباح الخير آنسة ليال، أعرفك بنفسي أنا المحامي ماهر الهاشم الذي سيترافع عنك في القضية بعد الآن
صافحته ثم سحبت يدها بسرعة و قد تعجبت أن يتغير محاميها نقلت نظراتها منه إلى ذاك المستند على باب الزنزانة مكتفا ذراعيه يبتسم بغموض مستفزا لها ..
فلعنت بداخلها كشفه لسرها ثم واجهته بقوة لا تعلم كيف تحلت بها و هي تتجاهل وجود ماهر:
-لا أحتاج أي محامي ثم أنا فكرت في كلامك سيادة النقيب ولن أستطيع تنفيذه
رفع ساري حاجبه لا يستوعب ردة فعلها متجاهلا تلك النبضة بصدره التي كانت تصرخ اعجابا بقوتها و لكنه تجاهل صداها ،و بسرعة غير أسلوبه المتفهم لآخر يتعامل به مع من هم في مكانها، فالظاهر أنها استغلت لطفه معها لتتمرد وهذا لن يكون جيدا لخطته التي بدأ بتنفيذها اقترب منها مشيرا لأذنه ثم سألها:
-ماذا قلت لم أسمع أعيدي ؟!
تراجعت للخلف برعب منه وكما توقعت لم يكن سؤاله الا تصغيرا لها فقد علا صوته بنبرة صارمة:
-أنا لم أطلب منك التفكير، أنا طلبت منك قول الحقيقة التي تخفينها.. نقر بأصبعه على جبهتها ثم اكمل بغضب منها و عليها:
-وإن كان طلبي قد قوبل بالرفض فأمري سينفذ
اردف مهددا بأصبع سبابته :
-أو قسما بالله عقابي سيكون قاسيا و سأجعلك تعترفين رغما عنك فلا تحاولي استفزازي أو التلاعب بعقلك الصغير ذاك ...
قسوته جعلتها تتراجع أكثر إلى أن ارتطمت بالحائط و قد امتلأت مقلتيها بطبقة شفافة متلألئة أبت أن تجعلها تنزل و لكن ساري الذي لا يرى أمامه إلا نجاتها لم تأخذه بها شفقة بل سألها بنبرة صارمة :
-هل كلامي مفهوم؟
لم تجب من رعبها بل ظلت تنظر له مترقبة ما سيفعل
فشدد أكثر و قد ارتفع صوته و هو يقترب أكثر:
-عندما أسالك تجيبين يا ليال ..
و اه كم كان نطقه لليال هذه المرة يعني به الملكية يعني بكل حرف به أنها طفلته هو حتى اسمها هو من اختاره لها
آه لو تعلم أن الواقف أمامها هو أول من غرق بسواد عينها عندما فتحتهما و هو أول من قبل جبينها لو تعلم أنها طفلة قلبه الذي نبض كل دقاته لأجلها يكاد يقسم أنها خلقت معه و فيه لا يعلم ما يسمى شعوره هذا و لكنه يعلم أنه أكبر من أية مسميات
يقسو أجل و لكن حتى قسوته لأجلها فهو يقسو على قلبه قبلها....
شعر ماهر بالشفقة على تلك الأخت التي لا ترغب حتى في الخروج من السجن، فحاول تهدئة الوضع و أمسك ساري من معصمه ليتوقف
ثم تطلع بها و هو ينزع نظارته و سألها بنبرة دافئة:
-ليال هلا أخبرتني لمَ لا ترغبين بمحامٍ يساعدك في قضيتك؟
و كأنها وجدت به خلاصها من قسوة ساري فتطلعت به ببراءة و قد جذبها ذلك الشجن في مقلتيه و قالت بضعف عكس ما كانت تدعيه قبل قليل:
-أنا لا يوجد لدي مكانا أذهب إليه، لا عمل ولا عائلة..
ارتجفت شفتيها ثم أردفت:
-السجن أفضل لي، على الأقل يوجد فيه أناس تحرسني ولن يؤذني فيه أحد مثل الخارج
و لم تتمكن أكثر فخرجت شهقاتها ترافقها كلمات انتهكت الإنسانية من بشاعتها :
-أنا لا أريد تلك الحرية التي ترغباني في منحي إياها هنا أشعر بالأمان لا أحد يؤذيني يطعمونني دون أن أضطر لسرقة طعامي أرجوكما لا أريد أكثر من هذا ..
عادت للتطلع بساري تحاول إقناعه بعقلها الطفولي :
-السجن هو ما كنت به سيادة النقيب و ليس هنا، صحيح أنني خفت بالبداية و لكن بعدها فكرت كما طلبت مني لا أريد أن يؤذيني أحدهم من جديد ..
ثم دنت منه برعب و أمسكت كفه و انحت تحاول تقبيله بينما تهذي:
-اقبل يدك لا تخرجني من هنا
سحب كفه متراجعا و كأنه لسع و قد اتسعت حدقتيه من الصدمة
لا يصدق ما فعلت و لا ما وصلت له من خوف و ذل
أي بشاعة رأتها لكي تقدم على تقبيل يده
الدهشة و الصدمة ألجمته و أوقعت ذلك القناع الذي يرتديه فابتعد قليلا يعطيها ظهره و امسك بقضبان الزنزانة ينظر للرواق الذي أمامه و قد احمرت عينيه من لسعة تلك المياه المالحة التي هددت بالفيضان
أما ماهر فمنع نفسه بقوة كي لا يعانقها ويمنحها حنان وأمان الأخ الذي هي في أمس الحاجة إليه
منع نفسه من الانهيار أمامها من شدة ألمه منع نفسه من تقبيل كفيها الصغيرتين معتذرا منع نفسه من سجنها بين أضلع صدره عوضا من هذا السجن أعاد نظاراته كي يخفي بها عينيه التي كانت تقطر بدموع الوجع و القهر ..
خيم الصمت على ثلاثتهم يحاولون تجاوز ما حدث
فتراجعت للخلف ثم جلست أرضا تسند نفسها للحائط تنتظر ما سيقولانه
ضمت ساقيها اليها لتضع ذقنها على ركبتيها كعادتها التي اكتسبتها من سهرها لليال تحت درج العمارة تحمي نفسها من البرد و هي تتدثر بلحافها المهترئ
التفت أخيرا لها فوجدها بتلك الوضعية التي اوجعت قلبه أكثر
فاقترب منها محاولا إنهاء نوبة البكاء التي دخلت بها و قد نكست رأسها لتمسح دموعها
بأطراف ثوبها الطويل
انحنى لها ثم رفع ذقنها بأصابعه و هو يطلب منها بنبرة حانية تتخللها بعض الصرامة :
-ليال أنظري إلي واستمعي جيدا لكلامي لأني لن أعيده
تطلعت به من وراء طبقة شفافة تريد الفيضان تترقب ما سيقول
فاكمل يشرح لها كي تنزع تلك الأفكار من رأسها بينما يستقيم من جديد :
-أولا حتى لو اعترفت بالحقيقة فخروجك لن يكون قبل خمسة سنوات لن تقضيهم في مكان قذر كهذا ..
اتكأ على الحائط يضع ساقا أمام الأخرى و هو مسترسلا بحديثه :
-بل سيتم إرسالك لمكان يدعى الإصلاحية.. به بنات في مثل سنك هناك ستتعلمين الاعتماد على نفسك وستحصلين على تعليم مناسب
اشار بأصبعه اليها يؤكد:
-وستغادرينها وأنت شابة قوية، وهذا وعدي لك سأساعدك أنا وماهر ولن نتركك تواجهين أي خطر..
عبس بعدها قليلا و قال بنبرة محذرة و قد تعمد أن يتباطأ بكلماته مشددا عليهم بنبرة تحذير :
-أما إن رفضتِ هذا وحكمت بالسجن فأقل شيء سيكون لثلاثين سنة ستتعذبين بهم ولن تجدِ الراحة أبدا قرب مجرمات حقيقيات سيكن معك بنفس الزنزانة..
رسم على ملامحه تعبيرا مستهزئا :
-صدقيني سترغبين بالموت و ما مضى لن يكون شيئا أمام ما ينتظرك وقتها..
ثم أشار لنفسه مؤكدا :
- ولأكن صادقا معك فأنا سأساهم بعذابك هذا..
كانت تنصت إليه محاوِلةً فهم سبب تصرفه معها بلين تغزوه بعض القسوة أحيانا، وعندما رأت أنه أنهى كلامه قالت بخوف من تحول مزاجه مرة أخرى :
-ولكنني لم أقتله، أنت أوقعتني في الفخ بالأمس وجزء من كلامك صحيح..
فلمَ سأذكر ما جرى إن كنت بريئة ؟
ثم نقلت نظرها لمحاميها تستشيره تترجاه بنظراتها أن يساعدها فقد تلمست فيه اللين بتعامله معها فابتسم لها مطمئنا و لكنه التزم الصمت فهي تحتاج الى شدة النقيب الآن و ليس للينه لأنه ببساطة لا يقدر على التحكم بما بداخله أكثر ..
تنهد ساري مقرا الحقيقة التي صار يعلمها جيدا :
-أنت لم تقتليه يا ليال، ولكنك اتفقتِ مع قاتله
اتسعت مقلتيها برعب تضغط بأسنانها على شفتها تتساءل كيف علم كيف له أن يكشف ما لا تقوله
ترى نفسها كالرواية يتسلى كل يوم بإلقاء فصل منها أمامها..
بداية بكيس السعادة، لاعتداء موسى عليها، والآن معرفته باتفاقها مع أحدهم لقتله، لا هي لم تتفق، هي فقط على علم بخطة القاتل وساعدته في دخول المنزل..
انتبهت انه لم يطلب منها الإدلاء باسم القاتل، فتساءلت بصمت ان تم الإمساك بذلك الرجل الذي لا تعلم حقا لمَ قتل والدها؟
والحقيقة أنها لم تهتم لتعلم، فالمهم لديها كان أن تتخلص من عذابه لها..
تذكرت ما قاله ذلك لوالدها قبل قتله اتهمه بكونه السبب في إنهاء حياة حور، هي لم تهتم حقا لمعرفة من تكون تلك الحور التي ذكر اسمها، فقد كانت هناك رغبة بداخلها في أن ترى والدها مذلول يترجى العفو عن حياته ولكنها صدمت حقا و هي ترى ذلك الرجل يطعنه كالوحش الذي ينقض على فريسته بدون رحمة، صرخت بعدها برعب من قسوة ما كانت شاهدة عليه ، فنظر إليها القاتل لثواني ثم غادر بعدها تاركا إياها تبكي قرب جثة موسى، و لأنها كانت بحالة صدمة حاولت إخراج السكين منه وكأنها ستعيده للحياة إن فعلت ذلك..
حاولت كثيرا إفاقته لكن دون جدوى فشعرت عندها بخطورة ما ارتكبته فهي لم تفكر فقط كانت تريد النجاة منه دموعها تسيل بصمت على خديها و الرجفة قد تمكنت منها تنتظر منه أن ينهض و كأن شيئا لم يكن حتى و ان كان الثمن أن ينهش لحمها كعادته .. لتُفاجَأ بعدها بالشرطة تقتحم المنزل قابضين عليها بعد بلاغ من أحدهم......
صمتها و توهانها و هي تتذكر ما حدث لم يفوتا ساري و لا ماهر
رفعت عينيها اخيرا باستسلام بعد أن علمت و تيقنت أن ما قاله النقيب الغاضب هو الحل لجميع مشاكلها.. ستجد المأوى وستحقق حلمها بالدراسة، هذا غير الحراسة التي ستشعرها بالأمان.. هكذا فكرت بعقل أنثى لم ترى إلا الجانب البشع بالحياة التي قست عليها فأجبرتها على اختيار أي السيئين أفضل أي الحلين أنسب لها!
كانت نظراتها له بها توهان و تعب و هي تقول بهدوء استغرباه :
-حسنا ما دمت لن أغادر للخارج فأنا موافقة..
ابتسم ماهر وغصة تتشكل بحلقه ، فها هي أخته سعيدة بما يحزن غيرها..
سألها راسما ابتسامة علها تمدها ببعض القوة: -إذا ستمنحينني توقيعك لأترافع عنك
التفت اليه ثم أومأت له موافقة فشعر ساري براحة أخيرا، فها هو ماضٍ في خطته بنجاح قاسما بداخله بأن نهاية الخمس سنوات ستكون ليال سيدة بقصر الهاشم...
خرجا معا و الصمت رفيقهما بعد أن استنزفت ليال كامل طاقتهما كان يرافقهما شعورا مر بالقهر و حقد ينمو أكثر على عائلة فرطت بشرفها كي لا يدنس فلا شرفهم ظل شرفا و لا هم ظلوا أشراف
توقف أمام مقهى تعود على التردد عليه لأنه قريب من مكان عمله ثم التف لماهر الذي تطلع به يتساءل:
-انزل لا يزال هناك بقية يجب أن أعلمك بها
قال ما قاله ثم ترجل تاركا ماهر يتطلع فيه مذهول بتساؤل
-هل لا يزال هناك المزيد ؟!
رفع كفيه لفوق بعجز و حنق ثم نزل يلحق به
جلسا معا بجوار النافذة
فطلب ساري فنجانين من القهوة المرة مع إفطار صباحي خفيف، بعد انصراف النادل قال بنبرة واثقة هادئة بينما يكتف ذراعيه كعادة مكتسبة لديه تدل للجالس أمامه على عدم مبالاته :
-ستزوجني أختك يا ماهر
وقع ما قال كان صادما لماهر الذي لم يحرك ساكن للحظات يتطلع به عله يرى لمحة مزاح و عندما رأى جدية الآخر سأله كمن يسأل مجنونا: -ساري هل فقدت عقلك؟ أختي لا تعلم أني أخاها ولا تعلم حتى نسبها فكيف سأزوجك إياها؟!
أجابه مبتسما بثقة:
- بتوكيل منها عندما تمضي لك على تلك الأوراق التي توكلك للدفاع عنها و عند خروجها و معرفتها ان حاولت فعل شيئا فسنثبت نسبها و ستكون وكيلها رسميا ..
ضحك الآخر ساخرا:
-وهل تعتقد أنها ستمضي من دون أن تقرأ المحتوى؟
اختفت هنا ابتسامته الواثقة و علا التجهم تقاسيمه فهو يكره استغلاله لجهلها :
-ليال لم تدرس يا ابن عمتي، لكني سأحرص على تدريسها مدة تواجدها في الإصلاحية وسأجلب لها أحسن المدرسين، فلن يصعب عليّ اقتحام ذلك المكان
رد ماهر كان الصمت على ما سمعه ثم ابتسم بعدها ساخرا فهو يفهم ما يريد ساري الوصول إليه بالنهاية، سيريح ضميره ويعاقب المذنبين، ويمنعه هو من أذية أخته إن فكر في يوم..
اعترف لنفسه أن هذا الذي يجلس أمامه قد أمسك بخيوط اللعبة ولن يفلت أي خيط، سيتحكم بمصير الجميع ولكنه واثق أيضا بأنه سيعدل ولن يظلم أحد..
و لكن دائما للقدر كلمة أخرى و من يكون اليوم الحامي يصبح غدا الجلاد
......................
تقف أمام المرآة تجفف شعرها بعد أن أخذت حمامها تتساءل أين ذهب لا تنكر أنها شعرت براحة بعد تركه لها حتى أنها انهارت تبكي بعد رحيله من فرط رعبها
تركت المجفف ثم فتحت نافذة جناحها تستنشق هواء الصباح المعطر برائحة الزهور التي تزين حديقتهم جلست على طرف النافذة التي لم تكن عالية تتطلع بالعمال الذين يزيلون زينة حفل زفافها المقاعد و الطاولات و هناك تحت شجرة الجميز الشامخة التي علمت أنها أقدم من بيتهم يحتسي والدها قهوته صحبة راشد
حكت لها والدتها أن تحت ظل تلك الشجرة حفرت قصص لأجدادها و علمت منها أن جدها لم يكن تحلو له قهوته صباحا إلا تحتها و ها هو والدها لا يختلف عنه تراها شامخة صامدة تروي لها عندما تطلع فيها قصصا لأناس قد رحلوا تخفي أسرارا و مؤامرات أحكيت تحت ظلالها و لم تعلم أن تلك الشجرة قد كانت شاهدة ليلة البارحة على آخر أسرار هذه العائلة
ابتسمت ساخرة لأن أمنيتها تحققت فهي لم تنزل لتشاركهم افطار الصباح كعادتها بل نامت كما لم تنم يوما تجمدت ابتسامتها و هي ترى سيارة شقيقها تدخل من البوابة و بصحبته زوجها
فنهضت مسرعة ترتدي بلوزة فوق ثوبها الأبيض العاري الكتفين ..
ترجلا من السيارة قاصدين الدرج فهما لم يناما و يشعران بأنهما ركضا لأميال من شدة التعب
رفع ساري يده عندما مر بوالده و راشد قائلا
-السلام عليكم
أما ماهر فلم يلتفت لهما لأنه لم يضمن نفسه و لا رد فعله عند رؤيتهم
أكمل سيره يجر قدميه من شدة التعب، و علامات الإرهاق واضحة على محياه
دلف أخيرا لجناحه فوجدها خارجة من غرفة الملابس
ابتسم بتعب و قال :
- صباح الخير
فردت بصوتها الخجول الخافت تمنحه أجمل ابتسامة رآها ابتسامة رقيقة عذبة كما صاحبتها
-صباح الخير
اقترب منها ببطيء يأسر نظراتها بعينيه ثم أبعد بكفه بعض الخصلات التي تخفي عنقها الطويلة إلى الخلف وابتسامته تأرجحت على زاوية فمه هامسا :
-سآخذ حمامي وأنام لساعتين أرجو أن توقظيني بعدها
فسألته كما تعودت أن تفعل مع والدها و ساري:
-هل تريد أن أجلب لك إفطارك؟
أومأ برأسه نافيا واتجه للحمام، ظلت مكانها متعجبة خروجه ليلة البارحة و عودته مرهقا وبهذه الحالة!.
بعد دقائق خرج من الحمام يلف خصره بمنشفة بيضاء وأخرى بيده يجفف بها شعره جذعه العاري المنحوت جعلها تشعر بالخجل من جرأته فاستدارت بسرعة اتجاه الحائط تسأله بنبرة خافته و قد اشتعلت وجنتيها :
-هل تريد شيئا مني لأنني سأنزل للأسفل
ابتسم بسخرية من تلك الطفلة الخجولة ثم قرر الاستمتاع بإرباكها أكثر عله ينسى ما مر به ليلة البارحة وصباح اليوم فسألها يدعي الجدية:
-هلا أخرجتي لي ملابسي؟
اتسعت حدقتيها ثم ردت بغضب:
-ألا تستطيع إخراجها بنفسك؟
ادعى الصدمة ثم أجاب موضحا بنبرة متلاعبة كصاحبها :
-أنا الآن متزوج ومن واجب زوجتي الاهتمام بهذه التفاصيل في حياتي
فرآها اثر ما قاله تدخل غرفة الملابس بخطوات طفلة غاضبة دون الالتفات له
أخرجت له بنطلونا قطني وقميص، ثم عادت إليه منكسة الرأس تعطيه اياهم واستدارت من جديد تحاول التركيز على ترتيب السرير الذي هو أصلا مرتب شهقة خرجت منها إثر سؤاله: -وأين ملابسي الداخلية؟
كادت أن تبكي من فرط الخجل، فأجابت بصوت هامس:
-لا أعلم، اخدم نفسك وحاول إيجادهم فهذا لن يتعبك!
ارتدى ملابسه بعد أن جلب لنفسه ما يريد
و الابتسامة لا تفارق ثغره على تلك التي تعطيه قفاها تنهد بعدها قائلا و هو يكتم ضحكته: -آه ويقولون تزوج لتجد من يعتني بك، لقد خدعوني ووقعت في الفخ...
تأكدت من هدوء حركته أنه أنتهى فاستدارت له غاضبة ثم ردت بعينين دامعتين وقد نسيت خجلها بينما هو يطالعها بذات الابتسامة المتلاعبة:
-ومن أجبرك على الزواج مني سيد ماهر؟
مط شفتيه و هو يمد ذراعيه بحركة استهجان: -كنت طفلا لم يأخذ أحدا برأيي وهم يزوجونني من رضيعة لا تعرف شيئا غير البكاء
ثم هز كتفيه و أردف:
-والظاهر أن الوضع لم يتغير كثيرا فالرضيعة صارت طفلة كثيرة الشكوى تبكي لأتفه الأسباب
فصرخت في وجهه غاضبة بينما تضع يدها بخصرها :
-أنا لست طفلة تافهة ولكني لا أستطيع التعود على كوني متزوجة بهذه السرعة
انقلبت تعابيره المرحة لأخرى صارمة و هو ينهرها :
-لا يعلو صوتك و انت تتكلمين معي أو أخفضته لك
نكست رأسها و قد زمت شفتيها تمنع دموعها من النزول
فدنى منها بخطوات متمهلة ثم اقترب من أذنها هامسا بتسلية:
-ما رأيك في القليل من التدريب لتتعودي وتقتنعي أنك متزوجة؟
مد يديه كي يمسك بها فركضت بخوف للحمام مغلقة بابه من الداخل، وضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة نبضات قلبها، تستمع
لقهقهته الرجولية التي تسخر منها..
فقطبت حاجبيها بغضب تتمتم بصوت خافت كي لا يسمعها :
-منحرف مغرور!
وضعت أذنها على الباب تستمع لصوت حركته حين علا صوته :
-هل ستظلين مسجونة في الحمام؟ هيا أخرجي فأنا سأنام، لا تخافي يا جبانة
و لكنها لم تطمئن فانتظرت قليلا ثم فتحت الباب بهدوء، وتفقدت مكانه فوجدته ممددا على فراشهما يغط في النوم بأنفاس هادئة..
اقتربت على مهل لتتأكد من أنه فعلا نائم فشدتها ملامحه الوسيمة والنوم يضفي عليها هالة من الدفء والسكينة نبضاتها التي ما عادت تهدأ في حضرة وجوده تتسارع تخبرها أنها تعيش أول تجربة لها تتعامل لأول مرة مع رجلا لا هو أباها و لا شقيقها و لا عمها رجل يشاركها غرفتها خصوصيتها و عليها أن تعتاد ، اغتاضت من منحى أفكارها فتركته و ذهبت لترتدي ملابسها بسرعة ثم فرت من ذلك الجناح قبل أن يستيقظ من نومه ويحاول إكمال ما بدأه..
في الأسفل جلست بجانب أمها تضع رأسها على كتفها، والأخرى تسألها عن أخبارها مع زوجها ، دخل الحارث بوجه غاضب يسأل الخادمة عن صقر..
فأتت راكضة و وقفت أمامه ثم ردت :
-رأيته صاعدا إلى غرفته سيدي!
انصرف يقول بنبرته الصارمة :
-ابلغيه أن يلحق بي إلى المكتب.
فتسرع تلك صاعدة الدرج تنفذ ما أمرت به، بينما تعجبت دلال حال زوجها وشعور سيئ ينتابها بأن هناك كارثة على وشك الحدوث قريبا
............................
دخل صقر مكتب أخاه و جلس على المقعد الذي أمام طاولته ثم سأله:
-ماذا هناك يا زعيم؟
ضيق الحارث عينيه ثم استفهم بملامح متخشبة :
-ألديك علم بما يحدث في الشركة؟
علم صقر أنه لن يستطيع اخفاء الأمر أكثر فأجاب بينما يشعل سيجارته التي لا تفارقه و كأنه يقوم بإحراق نفسه من خلالها:
-أجل لدي، وأحاول حل الأمر ومعرفة من يكون هذا الشخص الذي يتقصد مهاجمتنا حتى على حساب خسارته..
صاح الحارث بغضب:
- كيف لا تعلمني بهذا يا صقر؟ هل عليّ أن أعلم من الغرباء بأمر كهذا؟!
ترك صقر سيجارته بالمنفضة الموجودة على المكتب و رد بنبرة مهادنة:
-انشغالك بأمور القبيلة، زواج ابنتك، ومشاكل العائلة تكفيك يا زعيم..
لم أرغب بأن أثقل عليك أكثر، ثم لا تنسى أن راشد عاد وسيعود لمنصبه بالشركة، فلا تقلق نفسك ، لكل شيء حل وأنا أعدك بأن أنهي هذه المشكلة!
قطب الحارث حاجبيه متمتما بنفاذ صبر :
-آمل ذلك

ميدوسا ابنة الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن