1- رياح الواقع
" أريد أن أوضح أمرا واحدا منذ البداية , لا يمكنها البقاء هنا".
جاء صوت الليدي كيرسلاك قويا واضحا من خلال الباب المغلق لغرفة الجلوس , مسمرا موروينا في مكانها ويدها ممتدة لتدق الباب , تدافعت الأفكار الى رأسها وهي تستعيد كلمات أبنة العم باتريسيا ورأت أن من الأفضل لها أن تستدير وتبتعد متظاهرة بأنها لم تسمع شيئا ومعللة نفسها بأن مسترقي السمع عادة , لا يسمعون شيئا حسنا عن أنفسهم , لكنها عرفت في الوقت نفسه , أنه ليس في مقدور شيء أزاحتها عن مكانها خطوة واحدة , وسيكون مبعث راحة لها أن تكتشف حقيقة مشاعر أبنة عمها نحوها على عكس معاملتها اللطيفة لها حتى الآن , قالت فانيسا بصوت خفيض ولكن نافذ الصبر :
" أوه , أماه , ليس من السهل أن تلقي بها الى الشارع , أنها لا تملك أي تدريب أو مؤهلات , وتعرفين مثلي أنها ضيّعت وقتها في المدرسة , ما الذي ستستطيع فعله على ةجه الآرض؟".
أجابت الليدي كير سلاك ببرود:
" ليس ذلك خطأنا , هي التي أضاعت الفرص التي أتيحت لها , فليس من حقها الشكوى الآن أذا لم يتحملها أحد بعد , كان على أبيها وهو يدرك مدى تعقد قضية الميراث , أن يترك لها أحتياطا من المال وهو ما يزال حيا".
" ربما أنت على حق , لكن كان من المستحيل أن يتنبأ بأنه ومارتين سيقتلان معا في الحادثة نفسها , كان مارتين هو الوريث , لذا كان هو الوريث , لذا كان هو من سيعتني بأمر موروينا".
أحست موروينا وهي تقف في الصالة جامدة , بطعنة ألم من هذه الكلمات , لكن فانيسا كانت على حق , لم يكن بأمكان أحد التنبؤ حتى قبل أسابيع قليلة فقط , بأنها ستبقى وحيدة تماما في هذا العالم قبل أن يحل الظلام في ذلك اليوم الخريفي المشرق , لقد قتل والدها وشقيقها معا في حادث أصطدام مع شاحنة , تعطلت فراملها فجأة على سفح تل شديد الأنحدار خارج القرية.
كانت تعرف بالطبع أنها لا تستحق الأرث , وطالما أسفت هي ومارتين من الأصرار في هذا العصر على أن تكون السيادة للذكور , وأن تنحدر رتبة الوراثة والملكية من خلالهم فقط , لكنها لم تشغل بالها بأمر المستقبل وهي في الثامنة عشرة من عمرها , كانت تجد في ظل أبيها وشقيقها مارتين الطمأنينة دائما , الى أن حل ذلك اليوم , حين أرتها ريح الواقع كم كان هشا ملجأها , كان المحامون عطوفين جدا , شرحوا لها كل شيء بدقة وتفصيل , ومنه , أن ما ورثه أبن العم جيوفري , زوج أبنة العم باتريسيا , لم يكن بالمبلغ الكبير , وعلمت ولأول مرة في حياتها أن والدها كان مضاربا في البورصة , وعانى من خسائر كبيرة , غير أن السيد فرنشارد كان يأمل في تعويض هذه الخسائر لاحقا , أذ كان يثق بفطنته في مجال عمله , لكن القدر لم يمهله طويلا , خلال الأسابيع التي تلت حادثة أبيها وأخيها , شعرت موروينا بأنها تعيش في وسط غريب عنها , وتضاعف أحساسها هذا مع وصول أبن العم جيوفري وزوجته المستبدة باتريسيا.
عرفت أن باتريسيا توقعت أن تجد نفسها بين عشية وضحاها أمرأة ثرية , ورغم أنها أصبحت ( الليدي كير سلاك) وأحتلت المنزل , ألا أن ذلك كان أقل مما كانت تأمل فيه , لكن موروينا خمّنت بذكاء , أن حصولها على المنزل , وهو بيت ثمين من عهد الملكة آن , سيمنحها بعض السلوى , غمرت الليدي كير سلاك , موروينا بحنانها في الأيام الأولى , لكن مع الوقت أخذ سلوكها يتغير , وهذا لا يعني أنهاما كانتا على مودة في السابق , فموروينا لم تكن على وفاق حتى مع فانيسا , مع أن والدها كان قد أصر على أن تدخلا المدرسة نفسها معا , وأنفق مبلغا كبيرا على دراستهما , ولقد أستغربت منذ ذلك الوقت كون فانيسا قد حقدت عليها لهذا السبب , أولا لأنها كانت متفوقة عليها في الدروس , ومهما يكن السبب فعدوانية فانيسا أضحت واضحة مع الزمن , ولم تبد ألا القليل من اللين نحوها منذ وصولها الى كاريو بريوري , بل على العكس , شعرت أن فانيسا تتأمل بفرح التحول الذي حدث في حياتهم , أما هي فقد أصبحت أكثر حذرا في حديثها وسلوكها , متأكدة دائما من أن السيدة أبرشو , مدبرة المنزل قد ذهبت الى الليدي كير سلاك يتتلقى تعليماتها , ومتذكرة أيضا أن تدق الباب قبل أن تدخل الغرف حيث تكون العائلة مجتمعة , فجأة تحولت الى غريبة في بيتها , كانت الليدي كير سلاك تكرر القول بحدة:
" لا أدري لم أصبحت شديدة الأهتمام يا فانيسا , أنت لم تهتمي بها في يوم من الأيام , بشكل خاص".
" أنا لست مهتمة بها حتى الآن , لكن علينا أن نهتم بما سيقوله الناس , خاصة أن أباها ومارتين كانا محبوبين بين أهالي المنطقة , علينا أن لا نبدأ السير بخطوة خاطئة".
قالت الليدي كير سلاك متنهدة:
" بالطبع لا , يا لها من مشكلة , لم أكن أعرف أن هذه الطفلة الحقيرة ستبقى تتسكع هنا بدون هدف , ألم يكن هناك حديث عن مدرسة للرسم؟".
" هناك دائما حديث عن شيء ما يشغل موروينا , لكن أنت على صواب , أظن أن من المفروض أن تلتحق هذا الشهر بمدرسة لينوكس كريستي في كاركاسون , أذا ما قبلها هذا , خاصة بعد أن أصبحت مسألة الأور صعبة بالنسبة اليها".
أطبقت أصابع موروينا المرتعشة , على الرسالة التي دسّتها في جيب سترتها قبل أقل من نصف ساعة , فقد لمحت من نافذة غرفتها ساعي البريد مقبلا , وأنتابها هاجس بما كان يحمله لها , ونزلت مسرعة اليه , فالرسائل تؤخذ جميعها الى باتريسيا قبل توزيعها على أصحابها , ومورينا عرفت أن الرسالة تحمل طابعا فرنسيا ستثير فضول أبنة عمها بدون شك.
ها قد تحقق هاجسها بالشر , حدّثت نفسها بيأس , يبدو أن لفانيسا القدرة على قراءة الغيب , كانت رسالة لينوكس كريستي قاسية الوقع عليها رغم رقّتها , جاء فيها أن الأعمال التي عرضتها عليه في مقابلتهما في لندن , كانت غير كافية لمنحها مقعدا مجانيا في مدرسته , لكنه في أي حال , سيعود الى لندن الربيع المقبل وبمقدورها أن تتصل به وتطلعه على أي عمل جديد تكون قد أنجزته , وربما سيقرر موقفه منها من جديد.
كانت خيبة أخرى لها , وأدركت أن عرضه هذا ليس سوى مرهم وضع على كبريائها الجريح , ورغم أنها ورثت بعضا من موهبة أمها المتوفاة , وأنها تلميذة مجتهدة في المدرسة , ألا أنها تشك في قدرتها على المواصلة في عالم الفن الذي يعج بالمنافسة الشرسة , واليأس هو الذي دفعها الى مناشدة لينوكس كريستي للحصول على مقعد مجاني في مدرسته , ولم تذكر أسم أمها له , أذ بدا ذلك عديم الفائدة, لقد ماتت لاورا كير سلاك منذ أكثر من عشرة أعوام , وهي لم ترسم ألا القليل بعد أن أنجبت أطفالها , بالأضافة الى أن أعمالها كانت تنتمي الى الطراز القديم.
قالت باتريسيا بما فيه الكفاية عن تلك الأعمال حالما وصلت الى كاريو بريوري , وتكاد موروينا تكون على يقين , من أن رسومات أمها المعلقة في أرجاء البيت , سترمي قريبا في أحد الأقبية لتحل محلها لوحات من غاليري في لندن ترتاده باتريسيا , تمنت موروينا أن تكون قد تركت بريوري قبل أن يحدث ذلك , لم يعد بقاؤها مرغوبا فيه بأي حال , وهذا ما جعل ألمها مضاعفا حين سمعت الآخرين يتناقشون في أمرها وكأنها عالة عليهم , أدركت دائما أن عليها العثور على عمل ما , لهذا كانت في طريقها لتسأل بذل , أبنة العم باتريسيا فيما أذا كانت هناك أية أمكانية للعمل في ذلك الغاليري , لكنها وفرت على نفسها موقف الأستجداء هذا , كانت فانيسا التي تتكلم ثانية:
" وهل أنت متأكدة أنها تتسكع هنا بدون هدف؟ كانت لا تفارق غاي قبل أن يحدث ما حدث , ربما أنها تأمل في أحياء علاقتها به ثانية".
أطلقت أم غاي ضحكة عالية وهي تقول:
" لا أظن أنها ساذجة الى هذا الحد , ربما أهتم بها غاي حين كان روبرت ومارتين أحياء , لكن الظروف تبدلت الآن كثيرا , غاي ليس غبيا , أنها فتاة جميلة , أنا أقر بذلك , أما أذا كانت تأمل منه في شيء أكثر من متعة عابرة فأخشى أن تصاب بخيبة أمل , يستطيع غاي أن يجد لنفسه من هي أفضل من أبنة عم معدمة الحال".
قالت فانيسا بنبرة ساخرة:
" أماه......".
لكن موروينا لم تنتظر لتسمع المزيد , أستدارت وأسرعت الى غرفتها عبر الصالة المفروشة بسجاد ثمين.
منذ الأسابيع القليلة الماضية , أضحت هذه الغرفة مأواها , أنها غرفة الجلوس الصغيرة التي كانت تخص أمها , وهي من الأماكن القليلة في البيت التي لم تمتد يد باتريسيا اليها بالتغيير بعد , أغلقت موروينا الباب وراءها وألقت بنفسها على المقعد الطويل , ثم أطلقت دموعها الغزيرة.
ها هي الآن تعاني الأسى والذل والغيظ معا , وهالها التفكير أنه ما كان هناك ألا القليل حتى تنجرف في حب غاي , لم يكونا مهتمين ببعضهما حين كانا صغيرين , وبعد أعوام ألتقيا في أحدى الحفلات في الصيف الماضي , وتعرفا على بعضهما بصعوبة , لكن سرعان ما أخذتهما العاطفة , أو هذا ما ظنته هي , وعليها الآن أن تعترف بأنها هي التي أفتتنت بغاي , أما هو فكان يأمل في شيء آخر , عضّت أطراف أصابعها , ها هي الأمور أخذت تنكشف , أنها لم تر غاي منذ وفاة أبيها وأخيها ألا مرات قليلة , أنه منهمك في أشغاله ولا يأتي الى بريوري ألا في نهايات الأسبوع , لكنه حتى في هذه المرات لم يبد أهتماما كبيرا بها , كانت تعلل عدم أندفاعه نحوها بأنه أحترام منه لحزنها , لكن الحقيقة ظهرت الآن , وهي أنه لم يعد هناك أي شيء يأمل في كسبه منها.
كانت تستغرب أحيانا , لماذا كان غاي يسحب نفسه منها وهما في ذروة العاطفة , ألقدرته على كبح جماح نفسه أم لنفوره منها؟ ومهما كان السبب فقد كان كافيا لأن يقيم حاجزا بينهما طيلة الصيف , وغاي موضوع خلافها مع أخيها , فمارتين لا يميل الى غاي ولا يحبذ سلوكه في السخرية من كل ما هو خارج حلقته الجذابة , والآن عليها الأعتراف بأن مارتين لم يكن مجرد أخ صارم , بل كان أكثر ذكاء مما تصورته , أن ما دفعه لأبعادها عن طريق غاي هو قلقه عليها.
أنها على يقين بمدى جمالها وجاذبيتها بدون غرور , وأن هناك قلة ممن يستطيعون مقاومة أغراء شعرها الحريري الأصفر الذي يتوج رأسها في عقدة رخوة , وعيونها الرمادية الواسعة بأهدابها السوداء , وظنت أن هذا ما أوقع غاي في هواها , ولم يخطر في بالها أنه كان لأبن عمها هدف خفي آخر.
( يا لي من غبية) همست بصوت مسموع وهي تضغط بيديها المضمومتين على عينيها الدامعتين , ثم أردفت ( يا لي من حمقاء) .
أخيرا تمددت هادئة , تتنهد بين حين وآخر , شعرت بأنها أنهكت جسديا ونفسيا , وجرحت في أعماقها أيضا.
ستترك بريوري وبسرعة , هذا ما قررته , لكن الى أين؟ حتى مدرسة الرسم التي كانت تبدو ملاذا محتملا , قد سلبت منها , والبقية الباقية من كبريائها تمنعها من سؤال باتريسيا عن أي عون , جلست في مكانها ضجرة , وأبعدت عن وجهها خصلات شعرها المتهدلة, بينما تجولت نظراتها الحزينة في أنحاء الغرفة حتى أستقرت مع وخزة ألم على بعض قطع الأثريات التي أختارتها أمها لهذه الغرفة حين جاءت الى بريوري لأول مرة عروسا , وعلى الموقد المرمري الأبيض علقت محاولة لأرورا كير سلاك الوحيدة في رسم صورة شخصية لنفسها قبل وفاتها بسنوات قليلة , توقفت نظراتها عندها , الوجه الصافي , العينان المرحتان , الفم المدور والمنحرف قليلا بظرف , ثم أنتقلت الى مجموعة المناظر الطبيعية على الجدار الآخر , هنا تبدو روح لاورا كير سلاك حاضرة تماما , كانت تطلق على هذه الرسوم مجموعة تريفينون , وهي مشاهد رسمتها أمها عن المكان الذي قضت فيه صباها , وبالرغم من أنها ولدت وعاشت سنواتها الأولى في لندن , لكن أندلاع الحرب العالمية الثانية دفع والديها الى البحث عن مكان آمن لها , وهكذا سافرت لاورا في أول شبابها الى كورنوول لتمكث عند بعض الأقرباء , وعندما علمت أن والديها قد قتلا في غارة جوية أصابت بيتهم , ظلت هي هناك ولم تعد ال لندن بعد ذلك أبدا.
نهضت موروينا وسارت لكي تتأمل الصور عن قرب , تبدو هذه المجموعة من بين جميع رسومات أمها , مشبعة بعنصر شؤم غامض , كانت موروينا وهي صغيرة , تحدّق في البيت الكبير الداكن اللون , القائم على المنحدر الصخري , بأبراجه ومداخنه الطويلة , وتستحضر في خيالها اليافع شخصية كاميلوت في قصة تريستان وأيزولت من خلال تلك الصخور الكئيبة , وكانت أمها تضحك من خيالاتها تلك وتقول أن تريفينون هي موطن عمال المناجم وليست موطنا للفرسان والسيدات الأسطوريات , عرفت موروينا أن الشاطىء هناك قد تحول الى مرمى لنفايات المناجم , وأن الأبنية والمداخن ما تزال باقية كشواهد على عصر مزدهر غابر , قالت أمها أن تريفينون قامت في مرحلة الأزدهار تلك.
سكتت مترددة للحظة ثم أضافت:
" أتصل غاي بالهاتف قبل قليل وقال أنه سيجلب معه صديقة, وفكرنا.......".
توقفت وأخذت تحدق بوجه موروينا بترقب.
عضت موروينا شفتها , أذن سيجلب غاي معه آخر حبيباته للغداء , وأمه تريد أن تعرف ماذا سيكون رد فعلها , هل ستقبل الأمر بدون أهتمام , أم سنغضب وتثور , أنتابها الغيظ , لكنها قالت متظاهرة باللامبالاة:
" لطيف جدا .... لكن أذا كان وجودي يسبب أي أرباك فأنني سأتناول وجبة خفيفة في الخارج".
أبتسمت الليدي كير سلاك برياء وهي تقول:
" آوه يا عزيزتي , هذا أمر غير متوقع منك أبدا , كم أنت حمقاء أحيانا , بالطبع لا نريد أن نتدخل في شؤونك , فأنت أمرأة ناضجة الآن , وطبيعي جدا أن ترغبي في أن تكوني مستقلة , ولا نريد أن نجعلك تشعرين بأننا نكبح رغباتك بأي شكل من الأشكال".
توقفت عن الكلام ثانية وفي صوتها شيء من أهتمام وقلق أمومي , وكأنها تريد أن تكسب ثقة موروينا , لكن موروينا قررت أن لا تنخدع بها ولا للحظة , وحتى ولو لم تكن قد سمعت ذلك النقاش القصير في غرفة الجلوس , فأنها أدركت أن نبرات باتريسيا ومواقفها كلها تكشف أنهم تحملوها ما فيه الكفاية , وينتظرون رحيلها بفارغ الصبر.
فجأة أحست أن أعترافها بالعجز وموت آمالها في أن تكون فنانة هو أكثر مما تستطيع تحمله.
قفزت الى ذهنها فكرة غريبة , وقبل أن تناقش مدى الحكمة فيما قررته , تكلمت قائلة:
" لا تقلقي بشأني بعد الآن , يا أبنة العم باتريسيا , قررت أن أخبرك بعد الغداء أنني ذاهبة من هنا ".
" الى أين؟".
هتفت الليدي كير سلاك.
" الحقيقة أنني أستلمت رسالة هذا الصباح فيها دعوة للبقاء مع أقرباء أمي في تريفينون حتى يحل موعد ذهابي الى كاركاسون في الربيع ,أنها فرصة جيدة لي , كورنوول مكان رائع للفنانين , سمعت أمي تكرر دائما أنها أنجزت أفضا رسومها هناك".
أنهت كلامها بحنق وهي تفكر أن باتريسيا كانت متلهفة لسماع هذا الخبر , أستقرت نظرات الليدي كير سلاك على مجموعة الصور البادية خلف موروينا , ثم عادت لتحدّق في وجهها بأستغراب قائلة:
" هل لأمك أقرباء في كورنوول ؟ لم أكن أعرف ذلك......".
قاطعتها موروينا قائلة :
" أقرباء بعيدون جدا .... الله وحده يعرف كم عددهم ".
ثم بحثت في ذاكرتها عن أسماء لتسند روايتها:
أنه الخال دومنيك الذي بعث ارسالة".
كان هذا هو الأسم الذي تكرره أمها دائما : دومنيك من علّم أبنة المدينة تسلّق الصخور حافية القدمين , تجذيف القارب , أصطياد السمك , وهو من قصّ عليها تلك الأساطير التي تذكرتها موروينا , كقصص ما قبل النوم , قصص عن الأشباح الصغيرة التي تقطن منجم القصدير , والتي تتنبأ ضربات معاولها بحدوث الكوارث , قصص عن السفينة التي غرقت في المضيق خلال العواصف التي لاحقت الأسطول الأسباني المنحوس , والذهب الذي غرق فيها.
" أنها مفاجأة ......".
قالت الليدي كيرسلاك , ثم أضافت بعد لحظة :
" أظن أنك تعرفين ما تفعلينه , لكن هل سبق أن ألتقيت بأحد من هؤلاء الأقارب؟".
" كلا , لكنني أحس بأنني أعرفهم جيدا , لقد حدثتني أمي كثيرا عنهم".
دست موروينا يديها في جيوب سترتها وهي تشعر بأثم كبير لهذا الكذب , قالت الليدي كير سلاك بخشونة :
" حسنا , أنه لعطف كبير منهم أن يعرضوا عليك بيتا , آمل ألا تستغلي كرمهم يا موروينا , أنت لا ترضين أن تكوني عالة على الآخرين طوال حياتك , لكن أذا كان الأمر مجرد أسابيع فأظن أنه لن يكون ثقيلا".
توقفت للحظة ثم أضافت متسائلة:
" والآن , ماذا بشأن الغداء؟".
" أرجو ألا تقلقي بشأني , أظن أنني سأذهب لأحزم أمتعتي".
" مثلما تشائين".
قالت الليدي كير سلاك بدون أن تهتم بأخفاء غبطتها من جريان الأمور بهذا الشكل , أستدارت نحو الباب ثم ترددت وكأنها تذكرت شيئا ما, وقالت :
" أذا كنت ترغبين في أخذ أي من هذه الرسوم , فلا تتردي في ذلك يا موروينا , لقد أتفقنا أنا وجيوفري الليلة الماضية أنه من الأنصاف أن تحتفظي ببعض التذكارات من والدتك , رغم أنه ليس هناك من نص قانوني يخوّلك ذلك".
" شكرا لك.....".
" لا أقترح بالطبع أن تأخذي أيا من الصور التي في الطابق الأسفل , أما التي في هذه الغرفة فخذي منها ما تشائين , لا أعتقد أن الغرض من الأحتفاظ بالرسوم هو جودتها بأي شكل من الأشكال , وأنما بالطبع قيمتها العاطفية بالنسبة اليك".
كان وجه موروينا جامد التعابير , وكلمات الشكر التي قالتها كانت مؤدبة , ويبدو أن أمل الليدي كير سلاك في رؤية أية علامة أبتهاج على وجهها , قد خاب.