لن افكر فيك

25 2 0
                                    


8 - لن أفكر بك

علّقت موروينا آخر كرة زجاجية ملونة في مكانها , ثم نزلت السلم الصغير , وتأملت شجرة عيد الميلاد طويلا , وكانت قد بذلت جهدا كبيرا حتى أقنعتهم لجلب هذه الشجرة , ووضعها في هذه الزاوية.
" شجر عيد الميلاد ؟ وفي بيت جميع من فيه غير متزوجين؟".
قال مارك مندهشا .
" ولماذا لا ؟ ربما ستجلب الحب والخير الى البيت ".
أجابته موروينا التي أنفقت في خلال الأسابيع القليلة الماضية , الكثير من الوقت مع مارك , حتى أن دومنيك سألها مرة غاضبا فيما أذا كانت متأكدة مما تفعل , فضحكت وأحست بسعادة كبيرة من غيرته عليها , وفي مناسبة أخرى قال لها أيضا:
" يبدو أن مارك مصمم على أن يجرب حظه معك".
فضحكت , وطمأنته بأن لا أحد يقدر أن يفوز بقلبها غيره .
ولم ترغب أن تخبره بأن العلاقة بين مارك وبيدي قد عادت الى مجراها الطبيعي , منذ تلك الأمسية التي ذهبت معه الى سانت أينا لتناول العشاء في بيتها.
ألقت نظرة أخيرة على شجرتها , وتهيأت لترك قاعة الجلوس , بعد أن تضيء أضواء القاعة كلها , ربما ستجلب نجمة الأمل التي علقتها على الشجرة , الحظ لمارك وبيدي على الأقل , أما نيكولا وباربارة فيبدو أنه ليس هناك من أمل كبير في تحقق سعادتهما معا , أذ لم تقترب باربارة من تريفينون منذ تلك الليلة التي أقيمت فيها حفلة العشاء , وأستنتجت موروينا من ملاحظات أبداها نيكولا أن باربارة لم تعد تعمل في حوض الزوارق , متعللة بالمرض.
أما كارين فلم تنقطع عن الظهور , بالرغم مما حدث , وبدا واضحا أنها قررت التغاضي عن حقيقة أنها هي التي كانت السبب في كل ما حدث , وتصرفت بروحية توحي بأنها قد سامحت الجميع على سلوكهم في تلك الليلة , وكأن ما حدث كان بسبب الآخرين لا يسببها , وهذا ما جعل نيكولا ينسحب اى غرفته ويغلقالباب عليه كلّما ظهرت كارين في تريفينون.
حين أمسكت بقبضة الباب حتى تفتحه , خفق قلبها بعنف , لقد سمعت صوت كارين في الصالة الخارجية , ترددت للحظة , هل تخرج أم تمكث حيث هي , أذ ربما ستذهب كارين بدون أن يطول بقاؤها , لكنها في الأخير دفعت الباب وخرجت .
كانتكارين هناك مع دومنيك , يقفان معا , وندمت موروينا على خروجها من القاعة في هذه اللحظة غير المناسبة.
ألتفت دومنيك اليها , فألتقت نظراتهما في لمحة خاطفة , وقال :
" أهلا موروينا , سأطلب من أنيز أن تحضر لنا شيئا من القهوة , هل تشاركيننا؟".
" كلا , شكرا , أنني أرتب قاعة الجلوس , وحالما أنتهي منها , سأبتعد عن طريقكما".
" لم أكن أعرف أنك تقفين في طريقي".
قال دومنيك وذهب أتجاه المطبخ.
" ماذا كنت تفعلين هناك؟".
سألت كارين وهي تنظر الى علب الكرات الملونة والأشرطة التي في يد موروينا .
" زينات عيد الميلاد , تعرفين , بعد غد هو العيد".
" أعرف ذلك بالطبع".
قالت كارين وهي تبتسم , ثم سارت الى قاعة الجلوس وهتفت :
" أوه , يا ألهي , فكرة من كانت هذه الزينة الجميلة؟".
" فكرتي , ألا تحبين أشجار العيد؟".
" أحب أشجار العيد في أماكنها , في الساحات العامة , في الفنادق مثلا , أما هنا , في هذا البيت , وفي هذه الغرفة , فأظن أنها ليست مناسبة , وأعتقد أن أنيز لن تشكرك على هذا ".
" أنيز سعيدة جدا بهذه الزينة".
" هكذا أذن".
قالت كارين مبتسمة , ثم أضافت :
" لا يغرنك رضا أنيز , فهي ليست أكثر من خادمة في هذا البيت, مجرد عاملة مثلك".
" لو كنت في محلك , لكنت أكثر حذرا , ولما سمحت لأحد أن يسمعني وأنا أتحدث بهذه اللهجة ".
" لا تنسي أن وضعينا مختلفان تماما , فهذا البيت لن يكون بيتك النهائي , ولن تكوني هنا سيدة في يوم من الأيام".
" وهل ستكونين أنت كذلك؟".
" بالطبع".
قالت كارين بنبرة سعيدة وواثقة , ثم أردفت بعد لحظة سكوت :
" ودومنيك أقتنع بأنني سأقوم ببعض التغييرات في البيت , وبالطبع فأن زوجين في بداية زواجهما لا يرغبان في أن يشاركهما عدد كبير من الناس حياتهما , وأنيز بالطبع مخلصة لنيكولا , فلا أظن أنها ستبقى هنا حين يذهب هو".
قالت موروينا وهي تهز رأسها غير مصدقة :
" ستطردين نيكولا من بيته؟ لن تقدري على أرتكاب مثل هذا الفعل , أنه رجل عاجز ومريض".
أجابتها كارين ببرود وهي تلوي شفتيها :
" لقد تحسنت صحته تماما , ربما سيعيش سنوات طويلة بعد , لا أريد أن أبدأ حياتي الزوجية في ظله , أنه يتصرف وكأنه ما يزال هو السيد هنا , وهذا وضع لست مستعدة لقبوله ".
" وهل يوافقك دومنيك على هذا؟".
" دومنيك يحبني , ولا يبخل عليّ بأي شيء أريده".
أجابت وعلى وجهها أبتسامة رضا , ثم أضافت وهي تنظر اليها بكبرياء وغرور:
" أنصحك أن تجدي لنفسك مأوى آخر , يا آنسة كيرسلاك , فأخشى أن تكون أيامك معدودة في هذا البيت , صدقني".
" أعرف ذلك جيدا , وقد رتبت أموري أن أترك هذا البيت في بداية العام الجديد".
" والى أين تذهبين ؟ تبقين تدورين حول نيكولا , حتى يعطف عليك ويأخذك الى بيته الجديد , أليس كذلك؟".
" كلا , سأذهب الى لندن وأجد لي عملا حتى الربيع , وبعده آمل أن أذهب الى كاركاسون لأخذ دروسا خاصة في الرسم".
" دروس خاصة؟".
" نعم , مع لينو كريستي".
" يا ألهي أنك تحلّقين عاليا مع أحلامك , ترى من أين ستجدين النقود التي تكفي مصاريف لهذه الدراسة ؟ من رصيدك في البنك , وأنت مجرد فتاة عاملة ؟ أم أنك تتوقعين أن يمدك نيكولا بالمصاريف ؟ ألا تعرفين أنهوضع كل ما عنده في مشروع حوض الزوارق , ولم يعد يملك قرشا واحدا ؟ أخشى ألا تجدي أحدا في هذه العائلة يشتريك بقرش واحد".
أرادت موروينا أن تضربها على وجهها بالعلب التي في يدها , لكنها ضبطت نفسها وقالت لها بهدوء وبرود أعصاب:
" من فضلك لا تقلقي بشأني يا آنسة كارين , ألم تسمعي بالمثل القائل , لا تفكر لها مدبر ! أعرف كيف سأرتب أموري".
ثم تركتها موروينا واقفة , وعبرت الصالة وصعدت السلالم بدون أن تلتفت الى الوراء , كان قلبها يخفق بشدة , وشعرت بالألم يسري في جسدها , تساءلت ترى هل يعرف دومنيك ما تخططه خطيبته , وزوجة المستقبل ؟ أم أنه مغرم بها لدرجة أنه لا يعير أهتماما لأي شيء سواها ؟ كان باب غرفة نيكولا مفتوحا حين عبرت من أمامه , فرفع رأسه ع مكتبه وناداها قائلا:
" أهي كارين التي جاءت؟".
" نعم , وهي باقية لتشرب القهوة مع دومنيك".
" أذن أنا باق هنا , هيا أغلقي الباب وتعالي , أريد أن أريك شيئا".
ثم أخرج ورقة قائلا برضا وهو يبتسم :
" هذه الرسالة وصلت صباح هذا اليوم , بينما كنت أنت خارج البيت خذيها وأقرأيها".
كانت رسالة من أحدى الشركات تعلن موافقتها على تصاميم الزورق ( ليدي موروينا ) وأن المسؤولين فيها يرحبون بفكرة أنتاج الزورق , ويعلنون أنهم يستدعونه للأجتماع بهم في أول العام الجديد لوضع المشروع موضع التنفيذ , هتفت موروينا فرحة بعد الأنتهاء من قراءتها:
" أوه , هذه أنباء عظيمة حقا".
فأجابها بهدوء:
" نعم , لكن ما يزال الأمر يحتاج الى عمل شاق يا صغيرتي , وهذه هي البداية فقط".
" لو كنت مكانك يا نيكولا لوقّعت العقد منذ الآن".
هزّ نيكولا رأسه , ثم أسند ظهره الى الكرسي مسترخيا , وقال:
" سأترك هذا الأمر لدومنيك , هو الذي سيقوم بالمفاوضات مع الشركة , أما أنا فسأتفرغ للتصاميم وبناء المشروع".
أخذ الرسالة منها ووضعها في درج مكتبه , ثم أضاف قائلا:
" أشعر أنني منحت عمرا جديدا".
كانت موروينا ساهمة تماما , وكان واضحا على وجهها أنها في عالم آخر , وليست مع نيكولا , فحدّق فيها طويلا ثم سألها:
" ما الذي حدث يا موروينا ؟".
" لا شيء , أنني سعيدة لهذا النبأ ".
" " كلا , لا بدّ أن هناك شيئا ما يقلقك , أهو مارك ؟".
" أبدا ..... لا شيء".
" أنني واثق أن هناك ما يقلقك , قولي ما هو".
موروينا أحنت رأسها , وأخذت تحدّق في يديها , وقالت:
" لقد حان الوقت لأذهب من هنا يا نيكولا , مشروعك قد تحقق الآن , وأظن أنك لن تستمر في كتابة تاريخ العائلة بعد , لقد وافقت على البقاء هنا حتى أعاونك , ولم تعد تحتاج الى ذلك بعد الآن , أريد أن أبتعد من هنا وأن أعثر على حياتي الخاصة".
ظل نيكولا صامتا لعدة دقائق , ثم قال:
" ظننت أنك سعيدة هنا يا عزيزتي ".
حمدت موروينا الله , لأن نيكولا كان يظن ذلك , وأنه لم يفطن الى حقيقة العذاب الذي تتحمله في هذا البيت , وقالت :
" أنني سعيدة بدون شك , ولكنني لا أقدر على البقاء هنا ال الأبد".
" كنت أظن أنك ستبقين معي ما دمت أنا في حاجة اليك , أو على الأقل لتري الزورق , ( ليدي موروينا ) وقد أكتمل بناؤه".
" أرجوك يا نيكولا لا أقدر...
سادت فترة صمت أخرى , كان كل منهما خلالها غارقا في أفكاره , تكلم بعدها نيكولا.
" لقد هجرتنا باربارة أيضا........".
" أظن أنها ستعود حين أبتعد أنا من هنا , وتأخذ الأمور مجراها الطبيعي".
" كلا , لن تعود الأمور الى مجراها ثاتية , ولا أريدها أن تعود".
أبتسمت موروينا قائلة:
" يبدو أنك تفتقدها يا نيكولا ".
قال بصوت ضعيف وبتردد:
" ليس الأمر هكذا يا صغيرتي , ولكن لنر هل ستحضر الى عشاء العيد".
" عشاء العيد؟".
" لقد أصبح هذا تقليدا لدينا , أنها تحضر معنا العشاء في مساء كل عيد , منذ عشرين عاما , وكارين معها".
" ربما لن تحضر هذه المرة , بسببي".
" لا أعرف في الحقيقة".
كان صوته ضعيفا ومتعبا , وقد خفّت منه الحيوية التي كانت فيه حين تحدث عن مشروع الزوارق , فأدركت موروينا أنه يشعر بثقل الوحدة , فقد كان وحيدا قبل أن تأتي هي الى هنا , وسيبقى كذلك حين تذهب , وفكرت أنه يجب تحذيره مما تخططه كارين بشأنه قبل فوات الأوان.
في طريقها الى غرفتها , ألتقت بمارك , فحياها قائلا:
" " أنا ذاهب الى العشاء مع بيدي , هل ترغبين في مصاحبتي؟".
" أرغب في الواقع , لكن لدي الكثير من الأشغال لأنجزها قبل اعيد , أذهب أنت , لكن كن حذرا حتى لا يعرف دومنيك".
ارتسمت على وجهه أمارات الحزن والضجر , وقال منفعلا:
" أوه , لقد سئمت من مراقبته الدائمة لي , وكأنني صبي صغير , بينما هو غارق في غرامياته".
" وكيف عرفت؟".
" من سلوكه في الفترة الأخيرة , ومن الخاتم بالطبع".
" خاتم؟".
" نعم , خاتم الزواج الذي يعود لوالدتي , أنه واحد من الأشياء العزيزة التي بقيت منها , لقد أخذه الى صائغ في بنزاس لتنظيفه وتصغير حجمه , لذا يبدو أن هناك خبرا سيعلن عنه مساء العيد , وربما سيقنعون باربارة بالمجيء أيضا , ما دام هناك أعلان خطوبة".
" نعم , يبدو أنه سيكون أحتفالا عائليا".
قالت موروينا بصوت أقرب الى الهمس, وبنبرة حزينة :
" ربما لن يكون ذلك هو الشيء الوحيد".
قال مارك مبتسما , ثم غمزها وذهب.
منتديات ليلاس
لم يمر العشاء في ذلك المساء سعيدا , بالرغم من أن كارين تظاهرت بأنها لطيفة وطبيعية , حتى أنها وافقت نيكولا على رأيه حين أبدى اعجابه لترتيب مورينا لشجرة العيد , أما دومنيك فقد تأمل الشجرة بنظرة ساخرة بدون أن يقول شيئا , كما أنه لم يعلّق بشيء حين أعلن مارك في نهاية
العشاء , أنه سيأخذ موروينا بسيارته في جولة فقال له نيكولا:
" كن حذرا في قيادتك , فالطرق مغطاة بالجليد".
" بالطبع سأكون كذلك , ولماذا المجازفة , خاصة ولدي الأن ما أعيش من أجله".
خيّم صمت عميق على الجالسين , وأصطبغ وجه موروينا بلون أحمر , وهي تنهض من مكانها , لقد أعتقد الجميع أن مارك يعنيها بكلامه هذا , أما تعابير وجه كارين فكانت مزيجا من الدهشة والعداء , وبالرغم من أن وجه دومنيك لم يفصح عن شيء , ألا أنها لمحت غضبا باردا فيه حين أختطفت منه نظرة سريعة.
وقالت لمارك غاضبة في السيارة:
" ما الذي دفعكأن تتفوه بهذا الكلام أمامهم ؟ سيظنون أنك تقصدني".
" وسيكتشوف خطأ ظنونهم قريبا".
" لكنك تعقد الأمر علي هنا , سيفكر دومنيك أنني......".
" سيفكر ماذا يا عزيزتي ؟ أنتم جميعا تعيرون أهمية كبيرة لرأي دومنيك , لست أدري لماذا ؟ خذي الأمور ببساطة حتى مساء العيد".
" وما الذي سيحدث حينئذ ؟".
قال مارك وعلى وجهه أبتسامة عريضة:
" أنتظري وسترين".
ولم ترغب أن تلح عليه في معرفة الأمر , فغيّرت الموضوع حتى وصلا الى سانت أينا.
قال مارك لبيدي في بيتها , وهو ماسك كفها بين راحتيه:
" حبيبتي بيدي , أريد أن تحضري أنت وشقيقك , حفلة العشاء في تريفينون مساء العيد".
" لا أظن أنها فكرة صائبة...".
" بالعكس , أنه أنسب وقت لأعلن فيه , رغبتنا في الزواج , خاصة من المحتمل أن يعلن دومنيك خطبته في الوقت نفسه".
" لن أذهب الى تريفينون من تلقاء نفسي , أما أذا وافق أخوك على فكرة زواجنا ودعاني بنفسه الى الحضور , فذاك أمر مختلف".
في طريق العودة الى البيت , قال مارك متألما:
" الحقيقة أنني لا أفهمها , ظننت أنها ستفرح بالأمر".
" من حقها الأعتراض , فهي لا تريد أن تكون متطفلة عليهم , ولا تنس أنني أول من جربت معاملة أخيك للضيوف غير المرغوب فيهم , وكانت تجربة غير سعيدة".
" هذا صحيح , لكنه لم يعامل بيدي مثل معاملته لك , لا أتذكر أنه عامل أحدا , كما عاملك يه من عداء وقسوة".
" شكرا".
قالت موروينا , ثم سكتت بعض الوقت , وأضافت ثانية :
" عوملت هكذا لأنني شاذة عن القاعدة؟".
 لا أعني ذلك لكنني أتعجب أحيانا....".
قال ثم سكت بدون أن يكمل حديثه .
" تتعجب من ماذا ".
سألته موروينا , لكنه تهرّب من الجواب , قائلا:
" لا شيء , أنسي هذا الموضوع , أتظنين أنه سيكون ثلج في العيد؟".
" الجو بارد جدا".
تحدثا كثيرا في أمور عادية وهما في طريق العودة , حتى وصلا الى البيت........
قال مارك لها في الصالة , بعد أن أغلق الباب الخارجي :
" أذا أصرّت بيدي على عدم حضور حفلة العيد , فسأحترم قرارها , سأتحدث الى دومنيك غدا وأخبره بعزمي على الزواج منها , فأذا اعترض بكلمة واحدة , فسأجمع حاجياتي وأترك البيت الى سانت أينا , حتى أجد مكانا لي ولبيدي في بورت فينور , بعد الزواج".
" هذا هو القرار الصائب , لا تؤخر حفلة زواجك كثيرا , لأنني سأترك تريفينون بعد العيد مباشرة , ربما في الأسبوع القادم , أريد أن أكون أحد الحاضرين في حفل زواجك".
" ستكونين حاضرة بدون شك , بل ستكونين أحد الشهود مع شقيقها".
قالت موروينا مبتسمة :
" سأكون سعيدة بذلك".
أنحنى وطبع قبلة على جبينها قائلا:
" أنا وبيدي نشكرك جدا , لقد ساعدتنا كثيرا".
أرادت أن تقول له بأنها لم تفعل شيئا , سوى أنها أزالت سوء التفاهم بينهما , لكنها سمعت حركة من خلفها , فأستدارت لترى ما هي , فلمحت باب دومنيك مفتوحا , وهو واقف هناك يحدث فيهما بوجه عابس.
ترك مارك ذراع موروينا , وقال لدومنيك ضاحكا:
" مرحبا دومنيك , لم أعرف أنك ما زلت مستيقظا ".
" هذا واضح , آسف أذا ما أفسدت عليكما لحظة حب جميلة".
أجابه بصوت بارد وغاضب , ثم أستدار ودخل مكتبه بعد أن صفق الباب وراءه بعنف.
" يا للجحيم !".
قال مارك بسخط , ثم سار خطوة قائلا:
" سأذهب لكي أوضح......".
لكن موروينا أمسكت ذراعه قائلة بنبرة متوسلة:
" كلا , إنه غاضب الآن , دع هذا الأمر للصباح".
" لماذا يتصرف بهذا الشكل ؟ أنني لا أفهمه بالحقيقة , في أية حال , لنترك الأمر للصباح , ربما سيهدأ ونستطيع أن نفهم منه ما يريد".
ظلت موروينا تتقلب في فراشها بدون أن تقدر على النوم , ثم أضاءت المصباح الذي بجانب الفراش , ونظرت الى الساعة , كانت تشير الى الثانية صباحا , وهي لم تغمض عينيها بعد , ودفنت وجهها في الوسادة وهي تتمنى لو أن لديها الآن حبة منومة , رغم أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنه ربما سيساعدها قدح من الحليب الساخن في ترخية أعصابها ويعينها على النوم , فنهضت من فراشها وإرتدت قميصها , ثم فتحت الباب بهدوء وخرجت , كان الجميع مستغرقين في النوم , فنزلت السلالم ببطء , وألقت نظرة على غرفة دومنيك , فوجدتها مغلقة ولا أثر لحركة
فيها , أتجهت الى المطبخ ودفعت بابه فأنفتح محدثا صريرا خفيفا , وضعت مقدارا من الحليب في إناء , ثم تركته على النار , وحين أصبح ساخنا , ملأت قدمها منه , وإستدارت لترك المطبخ , حين لمحت دومنيك واقفا في الباب, أرتجفت من المفاجأة , وكادت تفلح قدح الحليب من يدها.
لكنها تماسكت وقالت مبتسمة:
" أوه , أني آسفة أذا كنت أيقظتك من نومك , لم أستطع النوم , أتريد قليلا من الحليب؟".
" كلا , شكرا ".
" الأضواء جميعها مطفأة , فظننت أن الجميع نائمون".
" كنت جالسا في مكتبي , ما زالت هنالك نار في المدفأة , تعالي وأجلسي معي".
أستنتجت موروينا من طريقة حديثه , أنه غاضب , فأجابته وهي تترك المطبخ:
" شكرا , سأعود الى غرفتي ربما سأنام قليلا".
لكنه أمسكها من ذراعها قائلا:
" قلت أنك لا تستطيعين النوم , أذن تعالي وأجلسي معي".
رفعت موروينا وجهها إليه وقالت بحدة:
" ألا يمكن أن تختار لحظة أكثر مناسبة من هذه , لتتحدث أليّ؟".
أطلق ضحكة قصيرة وقال:
" بدون شك أنه ليس بالوقت المناسب للحديث , ولكن يبدو لي أنك ستختفين قريبا فجأة , كما جئت فجأة , لذلك أفضل أن أقول لك كل ما عندي قبل أن تختفي".
ثم قادها من ذراعها الى مكتبه وأجلسها على المقعد المواجه للمدفأة , قائلا بحدة:
" أجلسي".
وجلس هو في مقعد آخر , وظلا صامتين بعض الوقت حتى قالت:
" قلت أنك تريد أن تتحدث معي..".
" نعم , لم أنس ما قلت".
قال ونهض من مكانه , وجلس إلى جانبها على المقعد وأردف بعد لحظات من الصمت :
" أنت ما زلت طفلة يا موروينا , أجل , خاصة الآن بثوب النوم هذا , وشعرك المحلول , طفلة حقيقية , لا تدركين مدى الأذى الذي تسببينه لبعض الناس بتصرفاتك".
" لا أفهم ما تقصده".
" لقد أخبرتنا كارين , إن عمتها لن تحضر حفلة العشاء مساء العيد , وإعتذرت لأن صحتها لا تسمح لها بالمجيء , الحقيقة إنها كانت على علاقة حب مع نيكولا لسنوات , ولكن أنتما الأثنين – أثرتما فجأة كل تلك الذكريات الحزينة في ذلك المساء وسببتما لها كل ذلك الألم , لماذا بحق السماء؟".
" ليس الأمر كما تفهمه أنت , لم يفعل نيكولا غير أنه كشف بعض الحقائق".
" هل أنت واثقة من أنك تعرفين ما هي الحقيقة؟".
أعتقد ذلك".
" إن هدفك ليس السعي وراء الحقيقة , بقدر ما هو أستغلال الآخرين".
" أذا كنت تحسب بقائي هنا إستغلالا فأنني راحلة قريبا".
" إلى كاركاسون , لدراسة الرسم أليس كذلك؟".
" كارين أخبرتك بالأمر , حسنا أنه كذلك ألديك إعتراض؟".
" بالعكس".
قال دومنيك , ثم تأملها طويلا , وأضاف مبتسما :
" أذا كنت قد فشلت في تحقيق هدفك الأول , فأنني لا أتردد في مساعدتك لتحقيق هدفك الآخر".
نظرت إليه مستغربة وسألته:
" ماذا تعني؟".
" أنك تجيدين التمثيل حقا , رغم صغر سنك , أتعرفين فانيسا ؟".
" أجل , إنها إبنة عمي".
" وصلت منها بطاقة العيد لك , وقد فتحتها خطأ , وأنا أعتذر عن ذلك , لم أتوقع أن يرسل أحد لك خطابا إلى هنا , أنها تسألك في بطاقتها فيما إذا كنت قد نجحت في إقناع ماك تريفينون الوسيم , بالزواج منك , أو لتمويل دراستك على الأقل في كاركاسون , وبما أنك في نصف عمري , وآخر من أفكر بالزواج منها , لذا فأنا على أستعداد لأن أعطيك ما تحتاجينه لدراستك هذه , ولكن على شرط".
أحست موروينا أنها لا يمكن أن تذل أكثر من هذا , وإن الموت أهون بكثير مما تلاقيه هنا من إذلال , إبتعدت قليلا عنه وتطلعت إلى وجهه بيأس شديد , وقالت:
" أوه يا دومنيك , أهذا هو ثمن حبي لك؟".
" حب؟ عماذا تتحدثين؟ لا تنسي أنني في ضعف عمرك".
أدركت موروينا أنه لا فائدة من التحدث معه بعد , وأن الأمور قد وصلت إلى نهايتها , عليها أن تغادر هذا المكان في أقرب وقت ممكن , إن دومنيك يعود لأمرأة أخرى , أنه ملك كارين , وهي التي ستفوز به في النهاية , فلماذا تذل نفسها هذا الأذلال ؟ ماذا تريد منه , وقد كشف عن مشاعره نحوها منذ أول يوم وصلت؟
نهضت من مكانها لتغادر الغرفة , لكنه أمسكها من ذراعها وأجلسها ثانية:
" إجلسي , لم أنته من حديثي بعد".
" دعني وشأني , ماذا تريد مني؟".
" سأعطيك مصاريف دراستك , بشرط أن تبتعدي من هنا فورا , وتتركي نيكولا وشأنه , أريد أن يعيش بسلام بقية حياته , ولا يمكن أن يتحقق ذلك بوجودك معه ,دعيه وشأنه , هل تعدينني بذلك؟".
" لا أقدر أن أعدك, أتمنى لو أستطيع , صدقني........".
" أصدقك؟".
قال ساخرا ثم أضاف في أية حال , لقد أنذرتك , وقد أعذر من أنذر".
هرعت إلى غرفتها وكأن الشيطان يلاحقها , وأغلقت الباب من الداخل خشية أن يتبعها دومنيك .
أخفت وجهها بين راحتيها وهي على فراشها وهمست : ( عليّ أن أنقذ البقية الباقية من كبريائي قبل فوات الأوان...............

المنبوذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن