- وأنطلقت الدموع
لم تتحسن حالة موروينا النفسية ,حتى حين وصلت الى بنزاس , وظلت كآبتها كما هي , كانت السماء الرمادية ما تزال تمطر , مما زاد من شعورها بالوحدة والضعف , تمنت لو أن قدرتها المالية تسمح لها لكي تستقل سيارة تاكسي الى تريفينون , لكن ذلك سيكون مجازفة , خاصة وهي لا تعرف كم يبعد المنزل من بنزاس , للحظات راودتها فكرة العثور على مكان في بنزاس لقضاء الليل فيه , ولكن سرعان ما أبعدت تلك الفكرة عن رأسها , وأيقنت أن ما هو مهم الآن هو الوصول الى تريفينون وأيداع الرسوم هناك.
سارت تحت النطر حاملة حقيبة الظهر على كتفها , بينما الحقيبة الثانية في يدها الأخرى , وكان شعرها مبتلا وقد تهدّل حول وجهها المبتل هو الآخر , من مكتبة صغيرة أقتنت خارطة للمنطقة , ودخلت الى مقهى كان من حسن حظها أنه مت زال مفتوحا , حيث في مقدورها الأحتماء فيه من المطر وتأمل الخريطة براحة , لم تعثر على تريفينون في الخارطة , لكنها عثرت على بورت فينور بينما هي تشرب قهوتها وتتناول سندويشا من الجبن , وعثرت على المضيق الأسباني أيضا , فعرفت الأتجاه الذي يجب أن تسلكه.
حين تركت المقهى واجهتها ريح قوية كادت أن تفلت الباب من يدها وتفقدها توازنها للحظة , سيطرت على نفسها وهي تئن من الألم والضعف , لقد حدثتها أمها كثيرا عن الرياح الجنوبية الغربية العاصفة في هذه المنطقة , لكنها لم تكن تتوقع أن عاصفة كتلك ستصادفها حالما تصل الى هنا , وما يقلقها هذا المصير المجهول الذي ينتظرها , لكنها لم تجد بدا من الأستمرار , فغيّرت وضع حقيبة السفر لتريح كتفها , ثم أحنت رأسها عكس أتجاه الريح الشديدة وواصلت سيرها , فكرت في شيء واحد : ترى هل أحسنت عملا بمجيئها الى هنا , أم أن ذلك مجرد جنون أرتكبته بدون وعي , وكانت في أعماقها تتوسل الى الله أن يكون العجوز دومنيك رج طيبا وشفوقا , وأن لا يستجوبها بالكثير من الأسئلة وهي على عتبة داره.
حين أصبحت في موقف الباص ,أكتشف أنها ليست وحدها , كانت هنالك فتاة أخرى تنتظر وقد أحتمت بمدخل أحد الأبواب من المطر والريح , وهي فتاة قصيرة وممتلئة , ترتدي رداء طويلا أسود . وكان وجهها مدورا ودودا , أبتسمت الفتاة لموروينا , بينما هذه تضع حقيبتها على الأرض وتنزل حقيبة اظهر عن كتفها , قالت الفتاة:
" أنه يوم بائس حقا.......".
نعم , والظلام يحل بسرعة في مثل هذا الوقت من السنة ".
أجابتها موروينا وهي تنظر فيما حولها:
" هل تقصدين مكانا بعيدا ؟".
" لست متأكدة في الحقيقة , أحاول الوصول الى بيت يدعى تريفينون ".
" تريفينون.....".
قالت الفتاة بدهشة ثم أضافت:
" أنه على مسافة بعيدة , عليك أن تنزلي في مكان يدعى تريفينون كروس.....".
وصمتت للحظة ثم قالت وهي تحدق في وجه موروينا :
" لا أريد أن أكون فضولية , لكن هل أنت متأكدة من أن ذلك هو المكان الذي تقصدينه؟".
لم تكن موروينا في الواقع واثقة من أي شيء , لكنها رفعت وجهها بثقة لم تكن تملكها في الحقيقة , وقالت:
" بالطبع أنا واثقة , أنني أبحث عن السيد تريفينون , دومينيك تريفينون , هل تعرفينه؟".
تلعثمت الفتاة ثم تمتمت:
" لا أعرفه شخصيا , أنه في الحقيقة لا ييستقبل أحدا في مملكته الخاصة ".
همست موروينا لنفسها : ( أذن هذا هو السيد الذي عقدت عليه آمالي ) , وقالت:
" أظن أنك تبالغين في حقه".
" بل أنه أسوأ من هذا , متكبر وفظ الخلق , متمسك بمنزله وأراضيه على الشاطىء وكأنه يدافع عن آخر قلاع كورنوول , أنه يكره السياح ولا يمد يد العون لأحد , ولكن أذا كان يتوقع وصولك فسيكون الأمر على ما يرام".
أشتدت دقات قلب موروينا وفكرت : أذا كان هذا هو ما عليه العجوز الكريم , فكيف سيكون أستقباله لي؟
" يبدو أنك نعرفين الكثير عنه ".
سألتها موروينا .
" ليس كثيرا في الواقع , لكنني أملك صالة لصنع التحف الفخارية مع أخي , وأردنا توسيعه ببناء مجزن ملحق به , لكننا فشلنا في الحصول على أجازة البناء , وكان السيد دومنيك تريفينون وراء حجب الأجازة عنا , أنه يخشى أن يجلب ذلك المخزن , السياح الى منطقته , فهو يتز بوحدته جدا".
( شكرا على هذا التحذير ) قالت موروينا لنفسها , ونظرت الى ساعتها , سيصل الباص في أية لحظة , وما يزال هناك متسع من الوقت لتغير رأيها , أحقا هذا هو الرجل الذي تحدثت عنه أمها بكل ذلك الحنين أم أن الزمن قد غير من طباعه الى هذا الحد؟