#الدهاشنة3....(#وخفق_القلب_عشقًا..)
#الفصل_الثالث_والثلاثون...
إهداء الفصل للقارئة الجميلة/ ملك محمود، شكرًا جزيلًا على دعمك المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنك يا جميلة...قراءة ممتعة 💙)عقلها كان مشتت بين تلك الذكريات التي تهاجمها، والأغرب بأنها لا تعود لأحدًا أخر، بل خاصة بها هي، فكيف وهي لا تتذكر ذلك، فلم يسبق لها أن قادت سيارة بنفسها، كانت "ماسة" في تلك الحالة مشوشة للغاية، فلم يكن الطبيب مخصص لحالتها فبرع بمجاله حينما أخبرهم بما يخص جنينها الذي أتم عهده الخامس، ولكنه لم يستطيع أن يفيدهما حينما أخبروه عن حالتها، ونصحهم بزيارة طبيبها المتخصص، فاتبعه "بدر" للخارج وهو يشكره بإمتنانٍ ، أما "يحيى" فالقى بثقل جسده على الخزانة من خلفه، ليكتفي بتأمل "ريم" وهي تناولها الدواء، ثم جذبت الغطاء عليها ورحلت من الغرفة بعدما شيعته بنظرةٍ حزينة، دنا منها "يحيى"، ثم جلس لجوارها على الفراش، فوجدها تتطلع إليه بصمتٍ على غير عادتها، فبدأ هو بمناغشتها حينما قال:
_في حد بيتعب بيبقى زي القمر كده يا ماستي!
وجدها لا تعايره أي انتباهًا لما يقول، بعد تطلعت إليه نظرة ساكنة، صافية، تتبعتها سؤال جعله في حالةٍ من الصدمة:
_هو أنا بعرف أسوق عربية يا يحيى!
السيطرة على صدمته كان أمرًا لا يستهان به، فاستحضر هدوئه وهو يسألها باهتمامٍ:
_ليه بتساليني السؤال ده؟
كان هناك شيئًا لا يستطيع فهمه، طريقتها بطرح سؤالها والحديث معه كانت أكثر اتزانًا من حوارها الطفولي، وكأنها كبرت عدة أعوام، حتى وإن لم تهيأها للعودة لطبيعتها، ولكنها اشارة جيدة بأن ما تتذكره من طيف ماضيها يدفعها لاستعادة ذاتها، اتكأت"ماسة" على الوسادة لتجلس بشكلٍ مريح ثم قالت بحزنٍ:
_أنا بقيت بخاف من اللي بشوفه يا يحيى، بشوف حاجات غريبة ووحشة، بشوف ماسة قدامي وشكلها غريب وبتعمل حاجات غريبة.
خاب ظنها في سماع اجابته السريعة التي ترضي فضولها على الدوام، ولكنه كان متخبطًا لا يملك ارشادات تمنحه تصرف مفروض بما يفعله معها مثلما يتلقى من طيبيها، لذا كان حائرًا للغاية، وبعد فترة من صمته، أجلى صوته المنقطع قائلًا:
_يمكن يا حبيبتي ده حلم!
قوست حاجبيها وهي تجيبه بشكٍ:
_بس أنت قولتلي أننا بنحلم وإحنا نايمين بس!
ابتسامة زرعت على معالمه المرتبكة، فضمها لصدره وهو يطبع سيل من القبلات على جبينها، ليهمس بحنان:
_صح يا روحي، كلامك صح.
رفعت ذراعيها لتتشبث به، فبات مندهشًا من تلقائية فعلها الذي يعود لسابق ما تفعله، فابتسم بفرحةٍ وهو يشدد من ضمها وبداخله الف رجاء وتوسل بأن تكون مؤشرات عودتها، فقد طال انتظاره ولم يمل بعد، مازال يترقب عودتها في شوقٍ ولهفة.
*******
بعدما اطمئن الجميع لاستقرار حالة "ماسة" صعدوا لغرفهما، كذلك صعدت "تسنيم" لتستريح قليلًا بغرفتها، فما أن ولجت للداخل حتى وجدت هاتفها يعاود الاتصال، فاتجهت لترى من المتصل، فابتسمت بسعادة حينما وجدتها والدتها، فرفعت الهاتف قائلة بفرحة:
_ماما، عاملة أيه وحشاني أوي..
أتاها صوتها الذي لمح طيف من الحزن:
_الحمد لله يا حببتي، طمنيني انتي اللي أخبارك ايه؟
استطاعت لمس القابض بصوتها فقالت بخوف:
_انا الحمد لله، مالك كده صوتك متغير في أيه؟
_مفيش والله يا بتي، خالك عباس مرجعش البيت من امبارح، ومرته هتتجنن كل دقيقة تتصل بيا مفكراه اهنه.
تقوست معالمها في دهشةٍ، قلبت لشكٍ حينما وجدت آسر يدلف من باب الغرفة، سلطت نظراتها عليه وكأنها لمست وجود شيئًا ما من اختفائه الغريب، وخاصة بأنها أخبرته بالأمس، انتبه "آسر" لشرودها المتعلق به، فخلع قميصه ثم جلس على الاريكة يخلع حذائه وهو يحاول أن يستعلم سر شرودها هذا، أفاقت"تسنيم" على صوت والدتها فقالت بتوترٍ:
_ها... لا معاكي يا ماما.... طيب خالي يعني هيروح فين ده أول مرة يعملها.
تعمدت أن تلمح بالموضوع المتبادل بينهما وبين والدتها أمامه، حتى تستكشف بذلك ما هناك، ولكنه كان يتحرك أمامها ببرودٍ، فسحب الملابس من الخزانة، ثم ارتدائها دون أن يتطلع تجاهها، ومن ثم اتجه لمكتبه الصغير، ليجذب حاسوبه ويتابع تصفحه، فما أن أغلقت الهاتف معاها حتى اتجهت إليه، فظلت تراقبه بلحظاتٍ صمت حائرة، الى أن تجرأت باستجماع ما ستقول:
_ماما بتقولي إن خالي مرجعش بيته من إمبارح، غريبة أول مرة يعملها!
بدى مسترخًا بجلسته وكأنه لم يستمع لشيئًا، حاولت خلق أي حجة لاستدراجه بالحديث، ولكن هدوئه جعلها تخوض حربًا باردة زرعت بداخلها الغيظ والارتباك من تفكيرها الخطير، لذا عادت لتردد بهلعٍ:
_أنت قتلته يا آسر؟
رفع عينيه عن حاسوبه، ليتطلع لها بنظرةٍ زادت من حيرتها، إلى إن قرر قطع ربكتها تلك حينما قال ساخرًا:
_ليه متجوزة سفاح!
شعرت بإنجازها العظيم حينما استدرجته للحديث، فقالت بشكٍ:
_يعني أنت مالكش علاقة بإختفائه؟
تأرجح بمقعده حتى بات مقابلها، فنهض ليقف أمامها بنظرةٍ صلبة، تشمل سخطًا عظيمًا، فقال بنبرة خشنة:
_لا ليا، وهيفضل كده في حضن رجالتي كام يوم يتربى وبعدها نرجعه لأمه.
صعقت "تسنيم" مما استمعت اليه، فكادت بالحديث، ولكنه كان أسرع منها حينما قال بصرامةٍ وحزم تعهدهما لأول مرة:
_مش عايز كلام كتير في الموضوع ده يا تسنيم، انتي سألتيني وأنا جاوبتك انتهينا.
وتركها واتجه للفراش، فألقى بثقل جسده عليه، فاتبعته حتى باتت قريبة منه، وخشيت أن تخطو خطوات أخرى منه، ترقرقت الدموع بعينيها وهي تراقبه عن ذاك البعد، فشلت في تحديد ما يلزم خوضه في تلك اللحظة، هل تتحلى بالسعادة لما سيناله هذا الحقير من عقاب يستحقه، أم عليها بالخوف من أن تزداد الامور سوءًا وحينها سيكن زوجها في وجه المدفع، شهقاتها الباكية وصلت إليه، فانقلب بجسديه تجاهها، ففتح ذراعيه وهو يردد بصوته الحنون:
_تعالي يا تسنيم.
كانت بحاجة لقربه في ذلك الوقت، فلم تتردد في ذلك، فأسرعت لتتمدد جواره بين دفء ذراعيه، فشعر بانتفاض جسدها الذي تكبت من خلفه حزن ودموعًا ليس بحاجة لرؤياها حتى يعلم بأنها تبكي، مرر "آسر" يديه على جسدها برفقٍ، ثم همس لها بحبٍ:
_متفكريش في حاجة ونامي، طول ما أنا جنبك مفيش مخلوق هيمسك بالسوء، لا هو ولا غيره.
ابتسمت رغم بكائها، فتشبثت به وهي تنصاع لنصيحته، وسرعان ما غفت هي الأخرى، تاركة من خلفها صفحة الماضي الذي يعبئ أسطره الآلآم، ومرارة وجع الذكريات.
*******
الأيام تمضي والعمر يمضي والهموم لا يزيحها لا وقتًا يمر ولا عهد يتبعه، فهناك أوجاعًا تلازمنا حتى ولو عشنا قرنًا، أوجاعًا تعاستها كانت بيدنا، لذا يكن وجعها قاتل، فربما إن كان غيرك من تسبب لك بذاك الألم ستمضي وأنت تلقي باللوم عليه، ففكرة العيش كمظلوم تناجي أفضل ألف مرة من تعيس يلوم نفسه التي أوقعته في ذلك الفخ، هكذا كان حال "روجينا" التي جعلت من غرفتها حبس منفرد لها، فطوال تلك الأيام كانت حبيسة لأوجاعها، ولكن لا مفر اليوم من الهروب، فاليوم هو المحدد لسفرهما باكرًا قبل حفل الحنة، جلست أمام المرآة تنظر لإنعكاس وجهها الباهت، فأفاقت على دخول "حور" لغرفتها فدنت منها قائلة بدهشةٍ:
_أنتي لسه ملبستيش يا روجينا، ده أحمد واقف تحت من زمان هنتأخر كده لازم نتحرك عشان نكون هناك على الصبح ان شاء الله.
هزت رأسها وهي تحاول عقد حجابها:
_خلصت أهو..
أصابعها الممسكة بطرف حجابها كانت ترتجف للغاية، فانحنت حور تجاهها لتعقده لها بحزنٍ على ما حدث لها، انطفأت كالمصباح الذي فقد حقه بالأنارة مجددًا بعدما أصبح تالف، جسدها فقد تقريبًا أكثر من نصف وزنها، فالحزن يزيد العمر عمرًا، وينهش بالجسد كالسرطان الخبيث، تحركت معها للأسفل وقلبها يخفق خوفًا وترقب، بداخلها شعورًا قوي بأن أيان من المستحيل أن يدعها وشأنها، ورغم ذلك تشعر بالشفقة تجاه أحمد الذي لم يستحق منها ذلك الفعل الشنيع الذي ارتكبته بحقه، هبطت "روجينا" بصحبتها حتى وصلت للسيارة، فجذب أحمد منهما الحقائب ليضعها بشنطة السيارة، ثم صعد للمقعد الأمامي، فصعدت كلًا منهن بالخلف، تحرك عائدًا للصعيد في تمام الساعة الثالثة فجرًا، فاليوم سيكون مخصص لحفل الحنة وغدًا الزفاف، رفع عينيه تجاه المرآة فرأى دمعات "روجينا" مازالت تنتحب بصمتٍ، يشعر بما ستلاقاه خلال تلك الرحلة، تخشى من الف شيء يخشاه هو أيضًا، وبعد ما يقرب الساعتين من القيادة انتباها دوار مفاجئ فشعرت بأنها ستتقيء بأي لحظة، مالت روجينا برأسها تجاه حور فوجدتها قد غفت على مقعدها من فرط الاجهاد، فكزت بأسنانها على شفتيها السفيلة من فرط الألم، فلم تجد. مفر منا يهاجمها، خرج صوتها الشاحب ليهمس بتعبٍ شديد:
_أحمد!
استدار برأسه للخلف فوجدها في حالةٍ لا يرثى لها، فعادت لتهمس بصوتٍ متقطع:
_وقف العربية.
انصاع لها على الفور، ثم هبط ليسرع بفتح بابها، فحاولت الهبوط ولكنها كادت بالتعثر، فساندها "أحمد" وعاونها على الجلوس بالاستراحة القريبة من السيارة، وجلس جوارها ثم سألها باهتمامٍ:
_انتي كويسة؟
مالت برأسها على حافة الأريكة الخشبية وهي تشير له بالنفي، فعاد ليتساءل مجددًا:
_فين ادويتك؟
رددت بصوتٍ يكاد يكون مسموع:
_بالعربية.
تركها "أحمد" وأسرع للسيارة، ففتح الباب الخلفي ليبحث بحقيبة يدها، فوجدها بكيس صغير، حمله وأعاد غلق الحقيبة ثم عاد إليها، ففتح محتوياته ووضعه بيدها ثم قدم له زجاجة مياة، تناولت "روجينا" الدواء ثم مالت برأسها مجددًا، فجلس جوارها يترقب ما سيحدث، انهمرت دمعاتها لتصاحب نبرتها المذبذبة:
_مش هقدر يا أحمد، هيكشفوني.
رق لحالتها، فكانت تبعد كل البعد عن تلك الفتاة العنيدة، صعبة المنال، من يرأها مجرد فتاة منكسرة، هزمها قدرها ليجردها من كل طاقة قوة امتلكتها يومًا، فرفع يديه ليربت على يدها الممدودة ليخبرها بهدوء صوته العذب:
_متخافيش، حتى لو ده حصل فأنا اللي هتحمل المسؤولية، مش عايزك تفكري في حاجة عشان متوتريش.
خذلتها تلك الدمعة البائسة، فقالت بخذلان:
_أنا مش عارفة أقولك أيه يا أحمد بجد، اللي أنا عملته معاك صعب أي حد يتقبله.
لم يرغب في سماع المزيد، أو بالمعنى الصريح يرفض تذكر الأمر، فالحرب الذي سيخوضها كل مرة يستعيد بها تنشيط ذكرياته تدمره نفسيًا، لذا نهض من جوارها وهو يشير بيديه على السوبر ماركت القريب منهما:
_هجيب عصير وهرجع.
أومأت برأسها بهدوءٍ، فتركها واتجه ليشتري بعض الأغراض، أما هي فتحكمت بدوارها العنيف حينما أغلقت عينيها لفترةٍ مطولة علها تستطيع محاربة اعيائها الشديد.
******
أصابعه تضغط بقوةٍ على شاشة الهاتف، وهو يرأها مغلقة العينين، مازالت مكالمة الفيديو مستمرة بينه وبين أحد رجاله المسؤولين عن مراقبتها، تمنى لو كانت قريبة منه فيتمكن من صفعها لقربها من أحمد بالرغم من تحذيراته لها سابقًا، ألقى "أيان" هاتفه أرضًا وهو يصيح بانفعالٍ:
_ماشي يا روجينا، هانت وهتشوفي عواقب اللي بتعمليه ده.
ثم نهض عن مقعده وبسمة خبيثة تزور وجهه ذو المعالم المبهمة:
_مش أنتي وبس، أنتي وكل عيلتك وأولهم أبوكي... خلاص يا فهد وقت الحساب مبقاش بعيد!
*******
بمنزل الكبير..
ازدحم المطبخ بالنساء والأقارب، ليتعاونا على طهي عدة أصنف من الطعام الفاخر احتفالًا بابنة كبيرهم، حتى "رواية" فقد حرصت أن تعد كل شيئًا بيدها وعاونتها "تسنيم" و"نادين" وباقي الفتيات، وبمجرد وصول "روجينا" و"حور"، شرعت "تالين" و"رؤى" بتجهيزها، فلم يكن متبقي على الحفل سوى القليل، شعرت "روجينا" في تلك اللحظة بأنها تسابق الوقت الذي ستصمد به بصحبة النساء في قاعة المنزل، كانت ترى الجميع من حولها في حالة من السعادة الا هي تغمرها تعاسة لا نهاية لها، لم يعنيها وجود اسرتها من حولها فأي منهما لن يستطيع تخفيف ما تشعر به في تلك اللحظة، جذبتها "تالين" وهي تهمس لها بمكرٍ:
_تعالي نطلع نتفرج من فوق السطوح مع البنات.
كادت بالتعثر من خلفها من شدة ركضها، فساندتها حور في محاولة لتغطية الامر، لتعنف تالين بمرحٍ:
_يا بنتي مش كده فستانها طويل وهيوقعها.
لم ينتبه أحدًا لما حدث، فكانت "حور" تنتبه لأصغر تفاصيلها حتى لا ينكشف أمرها، اتبعتهن للأعلى، فوقفن جميعًا جوار بعضهن البعض، فاختلسن النظرات لما يحدث بالأسفل.
******
جاهد لرسم ابتسامة زائفة، تخفي من خلفها خيبة أماله بشريكته الذي استقر به القدر بمخضعها، ولكنه كان يقنع ذاته بأنه يفعل شيئًا عظيمًا تجاه العائلة، انسجم "أحمد" مع الشباب على إيقاع المزمار البلدي، فكان "آسر" يمسك بأحد ذراعيه، ويديه الاخرى تلوح بعصا والده العتيقة، وكأن "فهد" يتعمد بكل لحظة أن تعود إليها، ليثبت لكبار عائلته بمن أحق بها من بعده، كان يبدو وسيمًا للغاية حتى رقصه الهادئ سلب عقل من تراقبه من الأعلى بابتسامةٍ رقيقة، لا تعلم لما شعرت بالضيق لوقوف الفتيات من جوارها تراقبه أعينهن مثلما تراقبه هي، بداخلها خلق شعور بالتملك، تود أن لا يراه أحدًا سواها هي، قلبها ولهان بعشقه وماضيها التعيس يرفض قربه الرحيم برغباتها، باتت كجمرة مشتعلة من النيرانٍ تكاد تضرم ما يلامسها ومع ذلك تحرص أن لا ينطفئ شعلتها..
على عكس "روجينا" التي تراقب "أحمد" بحزنٍ، فيقال أن الظروف القاسية التي تحيطك تجعلك تلمس معدن من ستجاوره، ليت ما تعرضت له كان أمرًا هين ربما كانت ستفق باكرًا وستتمكن من منحه قلبها، نعم هي الآن تعلم مغزى حديث والدها عن أحمد، فهمت لما كان ينتباها الجنون حينما تطلب بالانفصال عنه، ترقرقت الدموع من عينيها وهي ترى ذاتها متسخة بعدما اختارت من كسر غرورها وحطم كبرياء الأنثى العاشقة بداخلها، بينما أزاح عنها هذا اللطخ من سمي رجلًا بكل ما عهدته الكلمة من حروف مقدسة، تمنت لو عاد بها الزمان للخلف علها ستمنحه حبًا وإحترامًا يستحقه منها.
انتهت ساعات الحفل الأولى، وانتقل أفراد العائلة للداخل، لاقتباس لحظات خاصة تخصهما سويًا بعدما رحل المدعون على موعد لقاء الغد، فجلس "فهد"، و" سليم"، و"عمر"، والشباب بالأسفل يراقبن ما يحدث بسعادة، فكان "آسر" يمسك يد روجينا ويتحرك بها وقدميه تدب الأرض على الايقاع، ولجواره أحمد ويحيى، حتى بدر أمسك بيد زوجته وحور ورقص بصحبتهم، شقت الابتسامة الوجوه وكلًا منهما يرى حصاد ما زرع، الوحدة تظل صامدة أمام كل ظرف مرت به العائلة، بالفرح والحزن كلًا جوار الأخر، أدمعت عين روجينا حينما قبل آسر جبهتها وهو يهمس لها بفرحةٍ:
_الف مبروك يا حبيبتي، ربنا يهنيكِ يا رب.
تشبثت بأحضانه لدقائقٍ مطولة وكأنها تود أن تفرغ ما يضيق به صدرها إليه، ولكن ماذا ستخبره؟ ، ما حدث قد وقع بالفعل، اخباره الآن لا يصب بمصلحتها ولا بمصلحة أحدًا، أبعدها آسر عنه ثم أزاح الدمعات العالقة بأهدابها بحنانٍ، ثم قال بخشونة نبرته المتعمدة وهو يطبطب على ظهرها:
_أهو ده الهبل بقى.
ثم أشار لها بيديه:
_يا عبيطة هو انتي هتسبينا وهتخلعي، انتي هتفضلي معانا في نفس البيت، يعني في وشنا لزق.
ثم لف يديه حول رقبة "أحمد" الذي أسرع تجاههما بشكٍ زرع بداخله فور رؤية الدموع تنساب من عينيها فخشى أن تفضحهما، ليجد ذراع "آسر" الأقرب اليه:
_شوفتي بقى ميزة الجواز من العيلة!
رسمت بسمة باهتة تخفي من خلفها وجعًا عظيم، بينما احتضن "آسر"، "أحمد" قائلًا بجدية:
_الف مبروك يا عريس.
منحه ابتسامة هادئة، وتحرك معه بعدما أمسك يد "روجينا"، فجذبت" تسنيم" التي تقف جانبًا وتصفق بيدها تشجيعًا للجميع، ارتبكت للغاية حينما أصبحت عالقة بينه وبينها، فمد لها "آسر" يديه بعدما أمسكت "روجينا" بالأخرى، قدمتها له ليجبرها على التحرك معهما، فابتسمت بتسليةٍ وهي تتبع خطاه، انسجمت نظراتهما وكأن لا أحدًا يشاركهم الرقص، فاستغل "أحمد" انشغال "آسر"، ثم أسرع بجذب روجينا حينما شعر بأنها ستسقط بين ذراعيه من فرط الدوار الذي تتعرض إليه، ليسرع بها تجاه أقرب أريكة، ثم جلس جوارها ليفصل بينها وبين الأَرَائِك التي تضم أفراد العائلة، ظل لجوارها لعدة دقائق حتى تغلبت عما يهاجمها، فسألها بلهفةٍ:
_لسه تعبانه؟
هزت رأسها بالنفي، ثم تطلعت لعينيه وهي تتعمد التعمق بنظرتها تجاهه، ومن ثم قالت بامتنانٍ:
_شكرًا..
باتت كلمتها حائرة عن تقديم الف مبرر لشكره، فما فعله لا يقدر بكلماتٍ ستجتهد لتقديمها إليه، استقام بجلسته وهو يجيبها بحرصٍ بالا يسمعه أحدًا:
_لازم نكون حذرين لحد ما على الأقل بكره يعدي، فبلاش تعملي مجهود كبير خليكي قاعدة مكانك على قد ما تقدري.
هزت رأسها وهي تتابع المنصة التي اشتعلت بالرقص الشعبي، فحانت منه نظرة خائنة تجاه "حور" التي تتحرك برفقة أخيها وزوجته، سكن الحزن الطابق الأول من عينيه بينما خيم الخذلان والوجع بالطوابق الأخرى، فمازال يجابه ذاك القلب الذي يحتفظ بحبها الغير معترف به، فكيف سيلفظه وهو لا يقوي على الاعتراف به لنفسه حتى، حبًا محرم وغير مقبل له بالمرةٍ، خاصة بهذا اليوم الذي يعد خطوة مسبقة لحياته التي ستجمعه بأخرى، لذا سحب نظراته عنها بهدوءٍ لن يشعر به أحدًا مثلما إعتاد، أن يخفي ما يدور بداخله عن الأعين..
*******
لم تحظى بفرصة كهذة حتى بزفافها، فمازالت ترقص بصحبته لدقائق طالت ويديه مازالت متشبثة بيدها، حتى نظراته لم ترأف بها فكانت مسلطة عليها لتحاوطها من كل اتجاه، وكأنه يخبرها بأنها مرغمة على عشقها له، مرغمة على تقبله لجوارها وبداخلها، كلًا منهما يلخص عشقه للأخر بكلماتٍ موجزة، ولكن تلخيصها يشمل بالأمان الذي يتعمق بداخلها يومًا تلو الأخر، لا تعلم لما شعرت بتلك اللحظة بأنها قادرة على تخطي حواجز الماضي بأكمله، كيف لا وهو بذاته خلصها منه وصدق ما أخبرته به بصدرٍ رحب، رجلًا غيره كان ليقيم قيامتها في تلك اللحظة، وربما كان سيشك بعفتها، ولكنها لم تجد منه الا ما هو نبيل، وجدت ما يجعلها تعشقه حتى أخر أنفاسها، توقفت "تسنيم" عن تتبع حركاته، فانعقد حاجبيه حينما وجدها توقفت، ومن ثم أشارت له بأن يقترب، فما بجسده تجاهها ليستمع لهمسها بوضوحٍ:
_خلينا نخرج برة شوية، حاسة إني تعبت من الصوت.
أومأ برأسه وأمسك بيدها ليحيط بها حتى لا يرطم بها أحدًا من الشباب دون قصدًا منه، فمنحها مساحة شكلت بجسده الذي بات حائلًا بينها وبينهم، حتى مرت من جوارهما ليخرج بها للخارج، فقادتهما قدميهم للاسطبل، تركته تسنيم واتجهت تجاه الغرفة الصغيرة التي تضم "برق"، فاخذت تمسد بيدها على ظهره برفقٍ، فاحنى رأسه أرضًا براحةٍ لوجودها الذي بات يعتاد عليه، بينما استند" آسر" بجسده على الباب الخشبي الذي يفصل غرفته عن الاسطبل بأكمله، فرفعت رأسها تجاهه وهي تخبره بحماسٍ:
_كبر عن أخر مرة شوفته فيها.
منحها ابتسامة مهلكة وهو يجيبها بصوته الرخيم:
_مفيش حاجة بتفضل على حالها.
ثم ولج للداخل ليتجه للدرج الخشبي الموضوع جانبًا فتسلقه للأعلى، حملت "تسنيم" طرف فستانها الوردي ثم نهض لتتأمله ومن ثم تساءلت باستغرابٍ:
_انت رايح فين؟
أجابها "آسر" وهو يلقي بثقل جسده على الفراش المصنوع من القش:
_اليوم كان طويل وحقيقي مش قادر، تقدري تكملي قعدتك مع عم برق براحتك وأنا هرتاح هنا شوية.
غلبها الفضول لرؤية ما وضعه بالأعلى، فرفعت طرف فستانها ثم صعدت الدرج الخشبي وهي تحني رأسها حرصًا بالا تصطدم بسقف الغرفة، فما أن وصلت اليه حتى دعست بقدميها طرف فستانها فشلت حركتها وكادت بالتعثر، أمسك بها آسر ليجذبها إليه فضحك وهو يخبرها بمشاكسة:
_مش أي حد يعرف يطلع هنا يا حبيبتي.
رفعت وجهها عن صدره وهي تتأمل المكان الذي يستقر به، فوجدته بسيطًا للغاية، كومة من القش مصنوعة على شكل فراش، ولجوارها كشاف صغير يمنح المكان ضوءًا خافتًا، اتجهت نظراته تجاهه ثم قالت بضجرٍ:
_ده مكانك السري اللي بتختفي فيه!
ابتسم وهو يجيبها بمرحٍ:
_في الحقيقة مش مكاني لوحدي، ده مكان عم صالح المفضل وقت الراحة..
تعالت ضحكاتها فابتسم وهو يخبرها:
_مكان مش سري يعني تقدري تقولي استراحة لطيفة ليه وقت شغله في الاسطبل، وانا بنوب عنه بليل.
ابتعدت بنظراتها عنه، فشملت المكان مرة أخرى بنظرة متفحصة ثم ردت عليه قائلة:
_مكان جميل.
أومأ برأسه وهو يتأملها بنظرةٍ خبيثة:
_فعلًا.
انتبهت لوضعها الذي طالت هي به فحاولت النهوض عنه ولكن ثقل فستانها منعها، جذبها لجواره وهو يتساءل بخوف مصطنع:
_مرتاحة كده ولا أيه؟
ثم أشار بيديه للاسفل على السيف وبعض الادوات الخاصة بالاراضي الزراعية ليسترسل بمزحٍ:
_في هنا اسلحة خطيرة وأنا لازم أضمن نفسي، فالله يكرمك خلي بينا مساحة أمنة يا بنت الحلال.
على الرغم من أن غرضه أن يمازحها، ولكن عينيها امتلأت بالدموع، فاستدار "آسر" بجسده تجاهها، ليرفع وجهها تجاهه ثم تساءل بلهفةٍ:
_أنتي زعلتي من كلامي! ، أنا بهزر معاكي.
تهربت من التطلع اليه، فقالت بصوتٍ مهتز:
_أنا آسفة والله مكنتش أقصد.
وضع يديه أمام شفتيها وهو يمنعها عن استكمال ما ستقول:
_مش عايز أسمع أي مبرر عن اللي حصل، وأنا اوعدك مش هفتح سيرة الموضوع ده تاني حتى لو هزار.
رفعت عينيها ببطءٍ تجاهه، لتمنحه نظرة عاشقة لسماله التي تذيب حواجزه، حاجز تلو الأخر، فشعر برعشة شفتيها أسفل يديه، فظن بأنها ستواجه هواجس خالها الأرعن لذا سحب يديه عنها ثم استقام بنومته بتوترٍ من قربها الذي أهلك جوارجه، ابتسمت تسنيم وهي تراه يبذل أقصى ما يمتلك حتى يمنحها الراحة والأمان، فتحركت بجسدها تجاهه، ثم وضعت رأسها على صدره، ابتسم وهو يحاوطها بذراعيه ثم أغلق عينيه في محاولةٍ للاستسلام للنوم، فوجدها تتشبث بجاكيت بذلته السوداء وصوتها الناعم يخبره بخجلٍ:
_بأحبك.
أغلق عينيه في محاولةٍ بائسة لمحاربة تأثير تلك الكلمة التي تستهدف مشاعره المكبوتة، فمرر يديه على خصرها ثم نطق بحروفٍ ثقيلة:
_وأنا معرفتش الحب الا في جنتك يا تسنيم.
ضغطت باصابعها الممسكة به، ثم رفعت عينيها الباكية تجاهه، ظلت تتأمله لدقائقٍ، ونظراته تمنحها حنان يطوفها كرداء صنع من صوف فمنحها دفء في ليلة قارصة البرودة، فعجزت عن الانسحاب من ذاك الدفء فأجبرت لسانها على نطق ما يتردد بداخلها:
_ساعدني أنسى كل اللي اتعرضت ليه يا آسر، أنا عايزة أبدأ حياتي معاك وأرمي كل ده ورا ضهري.
نقلت بصوتها المتقطع أوجاعها إليه، فتركته يمتص ما بداخلها من ألمٍ، اقترب بوجهه منها ليطبع قبلة رقيقة على عينيها الباكية، ثم ابتعد ليستند بجبهته على جبهتها هامسًا بصوته العذب:
_لو باختياري كنت اختارت أكون موجود معاكي وأواجه ماضيكِ بنفسي، مكنتش هخلي مخلوق يمس شعرة منك.
منحته ابتسامة هادئة، وردت عليه قائلة:
_بس المهم إنك معايا دلوقتي ومش هتسبني.
قربها اليه وهو يؤكد لها:
_معاكي ومش هتخلى عنك أبدًا.
وقطع المسافة التي تجمعهما حتى بات لا يفصلهما شيء، فلم يجد منها اعتراض بقربه لذا سمح لرغباته بأن تحتضنها، فتعمقت المشاعر فيما بينهما، وتلك المرة حرص بالا يتركها لغيمات الماضي المؤلمة، كلما شعر بأنها ستلتهمها أسرع بايفاقتها على طرب غرامه العتيق، فسقط أخر حاجز بينهما لتصبح ملكه مثلما رغبت ورغب بذلك، حطم ذاك الخوف بداخلها وهواجسها تجاه الرجال، أخبرتها أفعاله بأنه مختلف عن معشرهم، وليس فريدًا من نوعه بل هناك رجال تستحق ألقابهم، لا ذنب لهما بما فعل السفهاء منهم، ربما حالتها كانت تستدعي لطبيب نفسي يعالجها ولكن بوجود زوجًا يضمها إليه ويحتويها ليست بحاجة لأي علاج نفسيًا بعد ذلك، فكثير من النساء تحتمل مشقة وصعاب لا وصف لاوجاعهما ولكن بمجرد كلمة معسولة أو كف يد حنون يطبطب جرحها تنسى كل شيء، بل تحارب عالم بأكمله لأجله، فالمرأة تمتلك قلبٍ رقيق، تحواطه المشاعر من كل اتجاه، وهاشة كلوح الزجاج تكسرها أي كلمة.
اليوم غفت بين أحضانه، بعدما صارت زوجته، فشعر "آسر" بأنه انتصر بمعركة أرهقته ذهنيًا، فكم ظل بائسًا لتوتر علاقتهما وازدادت الامور سوءًا بمعرفة الحقيقة، وها هو اليوم يحقق انتصارات عظيمة حينما قتل شبح ماضيها بيديه، وحينما اتاحت له الفرصة حق الانتقام مما فعله ذاك اللعين بها، اليوم سينال قسطًا من الراحة لم ينالها من قبل، هنا في المكان الذي جمعهما جوار الفرس الذي احبته ومنحته اسمًا عشقه من عشق تفاصيلها..
*********
استندت "روجينا" بجسدها على الفراش بإرهاقٍ شديد، فما أن أصبحت بمفردها حتى سمحت لنفسها بالانهيار، تعلم بأن البكاء في تلك اللحظة لن ينفعها، ولكنها بحاجة له علها تفرغ ما بداخلها، اعتدلت بجلستها ومن ثم أزاحت دمعاتها سريعًا حينما شعرت بمقبض باب غرفتها يفتح، لتظهر "رواية" من أمامها، فاقتربت منها لتضع صينية الطعام من أمامها وهي تخبرها بنبرة هادئة رغم تلألأ الدمعات بعينيها:
_انتي من الصبح مأكلتيش حاجة.
ابتسمت روجينا ثم جذبت الملعقة لتتناول ملعقة صغيرة من الأرز، ثم قالت:
_أنا هموت من الجوع.
ابتسامتها اوحت لها بأنها ستمنحها فرصة الحديث المفقود فيما بينهما، لذا جلست "رواية" لجوارها ثم قالت:
_الف هنا على قلبك يا روحي.
رفعت عينيها تجاهها ثم نهضت عن محلها واتجهت لتجلس أسفل قدميها، وأدلت برأسها على قدميها ثم سحبت نفسًا عميق قبل أن تقول:
_أنا عمري ما كنت قادرة أفهمك غير النهاردة يا ماما، كل اللي انتي كنتي دايمًا بتنصحيني بيه كان صح، أنا اللي كنت غلط واتغريت أشوف غلطاتي دي..
ثم رفعت عينيها الباكية تجاهها وهي تسترسل حديثها:
_كنت عنيدة ومش عايزة أدي لنفسي فرصة أفهمك بيها، سامحيني يا ماما أنا غلطت في حق نفسي قبل ما أغلط في حقك.
فاض صدر رواية ألمًا، فجذبتها لتنهض عن الأرض وتجلس جوارها، ثم ضمتها اليها لتخبرها بلهفةٍ:
_مالوش لزمة الكلام ده يا نور عيني، بكره فرحك بلاش تفكري في اي حاجة ممكن تزعلك في يوم زي ده، عيشيه بالطول وبالعرض يا روجينا، وصدقيني أحمد شاريكي وبيحبك وعمرك ما هتندمي أبدًا انه كان اختيارك..
ابتسمت وهي تجيبها:
_مش محتاجة أني أشوف ده بعد الجواز يا ماما لاني شوفته بنفسي،أحمد راجل بجد ويعتمد عليه.
ربتت رواية بيدها بفرح على ظهرها، فكانت تشعر بالذنب تجاهها، ولكنها الآن تشعر بأن حملًا ثقيل ازاح عنها، فحملت الصينية لتضعها على الكومود ثم عاونتها على التمدد وهي تشير لها:
_سيبك بقى من كل ده ونامي عشان تصحي فايقة كده، ورانا يوم طويل بكره.
ووضعت الغطاء عليها فتمسكت روجينا بيدها ثم قالت بصوتٍ مختنق يحبس الدموع من خلفه:
_ممكن تنامي معايا النهاردة.
تعجبت "رواية" من طلبها ولكنها لم تمانع أبدًا، فخلعت حجابها ثم جذبت الغطاء وتمددت لجوارها،فاندثت روجينا باحضانها، تخشبت حركة يد رواية، فلاول مرة تحتضنها ابنتها منذ وقتًا طويل، كسى الفرحة لمعة من الحزن بعينيها، فضمتها وغفت هي الاخرى....
ظل المصباح مضيئًا إلى أن أطفئه الذي أتى خلفها حينما تأخرت بعودتها، ليجدها تغفو جوار ابنته المتعلقة بها، ابتسم "فهد" وهو يراقبهما، فجذب الغطاء عليهن ثم انحنى ليطبع قبلة صغيرة على جبين كلًا منهن، وأطفئ الضوء ثم عاد لغرفته التي سيبت بأحضانها بمفرده تلك المرة، بدون شريكة العمر والقلب والروح..
********
كسرت ضوء الشمس عتمة الليل الكحيل، فتسللت لتداعب عينيه، ففتحهما بانزعاجٍ لتجحظ عينيه في صدمةٍ حينما وجد زوجته مازالت تغفو لجواره بالاسطبل، فحانت منه نظرة للاسفل سريعًا خشية من أن يكون أحدًا من عمال الاسطبل قد أتى، فحمد الله كثيرًا بأن المكان مازال أمنًا إلى حد ما، لذا هزها برفقٍ وهو يناديها:
_تسنيم..
عبثت بعينيها بنومٍ:
_ها.
هزها وهو يجذب الملابس من جواره:
_قومي بسرعة قبل ما حد يجي.
فتحت عينيها بتكاسلٍ، ففزعت حينما تذكرت ما حدث بالأمس وخاصة حينما استعاب عقلها مكان وجودهما، فصرخت به وهي تجذب ما امسكت يديه:
_يا نهار أسود هنتفضح.
جذب القميص عن يدها ثم قال بمرحٍ:
_بتاعي ده.
وألقى لها فستانها فحاولت ارتدائه ولكنها لم تستطيع لضيق المكان فلكزته بغضب:
_انت قاعد جنبي!!
سألها بعنجهيةٍ:
_والمفروض اروح فين!
صاحت بانفعال:
_اطلع أمن المكان بره.
رفع حاجبيه بسخطٍ:
_نعم!...
منحته نظرة متعصبة، فجذب قميصه ثم قفز من الاعلى ليرتديه باهمال ليتمتم وهو يتجه للخارج:
_هخرج حاضر.. أنا بقيت بخاف على حياتي منك أحيانًا.
ابتسمت وهي تتأمل طيفه الذي يبتعد عنها ثم هبطت لتستكمل ارتداء حجابها، وفور أن انتهت حتى خرجت اليه فجذبها وابتعدوا عن الاسطبل، فجلسوا على اقرب طاولة ثم جذبوا المياه ليرتشفوها بعد ركض مسافة طويلة، فحانت منهما نظرة مطولة لبعضهما البعض ثم انفجر كلا منهما من الضحك، فقال اسر بصعوبة بالحديث:
_لو عمي صالح كان بدر شوية كان زمانا بنتزف في الارياف دلوقتي، وحلني بقى عما يتعرف علينا أو يبنلنا صحاب.
سالته باهتمام:
_ليه هو ميعرفكش!
ضحك وهو يخبرها:
_لحد امبارح أيوه لكن النهاردة معرفش حسب حالة الذهايمر اللي عنده وغالبًا بتخليه ينسى عياله هيقوم يفتكرني!
ضحكت حتى احمر وجهها، فاستطرد بنظرةٍ خبيثة:
_سيبك انتي منه، أنا بقول نبني أوضة لينا جنب برق، أنا بقيت بستبارك بيه.
احتل الخجل قسماتها، فابتلعت ريقها بتوترٍ وهي تجاهد باستجماع كلماتها:
_أنا هطلع أغير هدومي عشان أساعد ماما زمانها محتاجاني.
وتركته وهرولت للأعلى ونظراته مازالت تلاحقها، فالقى بجسده على المقعد ليستند على يديه وهو يهمس بعشقٍ:
_هتعملي فيا أيه تاني!
*******
أستغرق الأمر ساعات طويلة من العمل حتى باتت السرايا بذلك البهاء، فقد أحاطتها الزينة من جميع الاتجاهات استقبال ليومٍ هام هكذا، فقد اهتم كلا من الشباب بمهمة محددة لينجز الوقت، وقد كانت المهام الاخيرة من حق عبد الرحمن الذي أتى بالمأذون الذي سيعقد قرانهما وسط كبار عائلة الدهاشنة، فاجتمع الرجال خارج المنزل وبالداخل النساء تحيط بروجينا التي تجلس بفستانها الابيض تنتظر لحظة منادتها لتوقيع عقد الزفاف وحينها ستدق الدفوف وستنطلق الزغاريد تبارك تلك الزيجة، وبالفعل ولج رجال العائلة لصالون المنزل، فأنهى المأذون الأوراق ثم أشار لها قائلًا:
_امضتك يا عروسة..
وأشار لها على مكان التوقيع، جذبت منه القلم ثم حانت منها نظرة لأحمد الجالس لجوارها فمنحها ابتسامة صغيرة، حتى أن فهد أشار لها قائلًا:
_يالا يا بنتي امضي.
هزت رأسها بابتسامةٍ رقيقة ثم كادت بأن تضع اسمها على العقد، ولكن انطلق صوت جلبة قوي قادم من الخارج ليزعزع جمعهم، فنهض "سليم" وهو يردد بذهول:
_أيه الدوشة دي!
وقف لجواره "عمر" ثم قال:
_مش عارف.
ثم أشار لاحد الشباب:
_شوف كده يا يحيى في أيه؟
كاد بالخروج ولكن سبقه الخادم الذي هرول للداخل وأسرع ليخبر فهد بقلقٍ:
_الحق يا كبير، الحكومة برة وعايزين يقابلولك.
عقد "فهد" حاجبيه بدهشةٍ:
_يقابلوني دلوقت!
أشار له بتأكيد فخرج ليرى ماذا هناك، ولحق به الرجال بأكملهما وعلى رأسهم "آسر" ، انتاب الجميع حالة من الذهول حينما رأوا عدد من الشرطة يحاصران المنزل ولجوارهم كان يقف أخر من يتوقع قدومه، جن جنون "آسر" لوجوده فكاد بتخطي أبيه الذي أسرع بمسك يديه ليقف جواره ثم قال للشرطي بثبات لا يليق سوى به:
_خير يا حضرت الظابط.
أجابه الشرطي بصوت صمم آذان الرجال من حوله:
_الباشا أيان المغازي مقدم بلاغ بيتهمك فيه انك بتجبر مراته تتجوز واحد تاني وهي على عصمته.
أجابه "بدر" بسخطٍ:
_وايه اللي هيجيب مراته عندنا أيه الهبل ده!
رد عليه الشرطي بعدما فتح الورقة التي بحوزته:
_حرمه تبقى السيدة روجينا فهد الدهشان.
جحظت عين الجميع في صدمات لا حصر لها،وأولهم فهد فكان في صدمةٍ لا يحسد أحدًا عليها، حتى أن جسده اهتز بقوة كادت بأن تسقطه أرضًا لولا استناده على آسر الذي صاح باندفاع:
_الكلام ده مش صح، أكيد الحيوان ده عامل الحركة دي علشان يعمل قلق في يوم مهم زي ده.
أجابه الشرطي باحترام لمكانته ومكانة عائلته:
_العقد اللي معاه سليم يا باشا.
ردد بانفعال:
_يعني أيـــــــــه!
في تلك اللحظة صعد "أيان" الدرج حتى صار مقابل فهد وآسر، فابتسم وهو يجيبه بغرورٍ ونظرة انتصار:
_مكنتش متوقع إني أجي في يوم مهم زي ده، طب ازاي والنهاردة فرح بنت كبير الدهاشنة..
لزم فهد الصمت بينما تمرد صوت آسر فقال من خلف ابيه الذي يقف أمامه كالسد المنيع:
_كدب، ولا فارق معايا ورق ولا كلامك، واللي بتعمله ده مالوش غفران وساختك دي هتتسبب في موتك وعلى أيدي يا كلب.
رد عليه بنفس تلك الابتسامة المستفزة:
_نادي العروسة وأسالها أنا أبقى أيه بالنسبالها ويمكن اللي في بطنها يكون وسيلة سريعة تعرفك أبوه مين يا "فهد" بيه!
اختص بكلامه فهد لعله يشفي غليله، فتلقي صدمة أخرى مثل تلك علها ستزيد من حساسية موقفه، فانتقلت نظراته على حشد الرجال الذي بات الحديث والاقاويل الجانبية تكتسح جلستهما، ترك آسر يد أبيه ثم أسرع ليقف مقابله فلف يديه حول عنق أيان ليرفعه عن أرضه وهو يصيح به بجنون:
_هدفنك هنا مكانك ووريني هتعمل أيه؟
تدخلت قوات الشرطة لتفصل بينهما،حتى أحمد حاول بكل جهده تحريره فلم ينجح أحدًا في عتقه الا حينما صاح فهد بابنه قائلا:
_همله يا آسر.
انصاع لابيه بالرغم من استيائه من طلبه، فوقف فهد مقابله ثم انتقلت نظراته الى أيان، وقال بثبات مازال يتمسك به لاخر لحظة:
__كبير الدهاشنة مبينحنيش لحد، ولو كنت فاكر إنك عملت كده في بتي عشان تكسراني تبقى لسه معرفتش مين هو "فهد الدهشان" ..
انحنى "أيان" بجسده تجاهه، فبترت ابتسامته الباردة بفحيح صوته المخيف:
_اللي بينا مش بنتك بس يا كبير الدهاشنة!، اللي بينا أكبر من كده بكتير، ماضي بالنسبالك وحاضر ومستقبل بالنسبالي!
باتزانٍ أجابه:
_لساك عيل وتفكيرك محدود، لما تتعلم تبقى راجل صوح تعالى نتحدت.
ثم استدار برأسه تجاه بدر ليأمره بصلابة:
_هاتله اللي يخصه..
وزع نظراته بينهما بعدم فهم، فصاح به فهد بحزم:
_سمعت اللي قولته!
هز رأسه عدة مرات قبل أن يغيب للداخل ليخرج بها، فما أن رأها آسر حتى جذبها من شعرها ليهوي على وجهها بصفعة قوية وهو يصيح بها بغضب كالجمر:
_ليــــــه، حطيتي رقبتنا تحت رجل كلب زي ده يا فاجرة.
وكاد بأن يلقيها صفعة أخرى، ولكن أمسك أبيه بيديه للمرة الثانية ثم قال بصرامة:
_ايدك مش هتتوسخ بدم ميستحقوش..
واستدار تجاه روجينا ذات الوجه الشاحب، فكانت تختبر صدمة يطفوها عدم تصديق لما يحدث حولها، وكأنها بحلم غريب السياق، لف فهد يديه حول معصمها ثم دفعها عن الدرج لتستقر أسفل اقدام أيان ليشير بيديه:
_اللي ليك خدته، متفكرش ترجع اهنه تاني، البيت ده غالي وميدخلوش الرخاص.
منحه أيان نظرة شملت معنى صريح لشماتة عابرة، ثم انحنى ليجذبها تجاه سيارته ليغادر بعدما ترك علامة لن يناسها أي فرد من الدهاشنة، غادر وبصحبته الشرطة ومازال الرجال يتهمسون على ما حدث، وبالأخص "مهران" كان اليوم هو اعظم انتصارته، وارضاء لحقده الدافين تجاه فهد وعائلته، كان يريد ان يراه مزلول، منكسرًا، ولكن عزيمته حطمت حينما وقف "فهد" بكل كبرياء ليرفع صوته للحشد الذي نهض من مقعده ليستمع لكبيرهما:
_لو فكريني هقولكم انسوا اللي حصل تبقوا غلطنين، أني مغلطتش عشان أطلب ده أني ماليش عندكم غير اللي عملته وبس واديني واقف قداكم أهو ورأسي هتفضل مرفوعة، أني مخلفتش غير ابني آسر، كبيركم كلكم من بعدي وزي ما حكمت بينكم بالعدل وبشرع الله هيحكم، ربنا ما رزقنيش بالبنات بنتي الوحيدة ماتت...
واسترسل بثبات:
_خدوا واجبكم واقعدوا السهرة لسه طويلة، والفرح هيكمل.
ثم استدار تجاه "سليم" ليناديه بصرامة:
_سليم.
اسرع تجاهه وهو يجيبه:
_تحت امرك يا كبير..
قال وعينيه تتنقل بين الوجوه بعظمة:
_جهز بتك، هنكب كتابها على أحمد دلوقتي والسبوع الجاي الدخلة.
قرار حاسم اتخذه فهد حتى ينهي تلك المعضلة، فلم يناقشه أحدًا أو يعارضه، فكان قرار يصب في مصلحة الجميع، وبالنهاية لن يجد سليم أفضل من أحمد زوجًا لابنته حور، لذا ولج للداخل ليحضرها على الفور ومن ثم خرج بها أمام الرجال بعد أن قرر فهد أن يعقد القران بالخارج أمام الجميع، وصمم ان يشهد آسر عليه بنفسه، وفور أن انتهى الحفل غادر الجميع وولجوا جميعًا للداخل ليجد رواية تقف مقابله مستندة على ذراع تسنيم وتالين، لتسأله بصوت شاحب كحالها:
_فين بنتي يا فهد!
منحها نظرة قاسية قبل أن يرد عليها بهدوءٍ مخيف:
_بتك ماتت يا رواية، ومش عايز اسمع اسمها تاني..
وتركها وكاد بالصعود، فاعترضت طريقه لتصرخ بوجهه أمام ابنها وامام الجميع:
_يعني أيـــــــه!! ، انت هتسيبه كده ياخد بنتي وانت واثق انه هيأذيها!
رد عليها بصرامة وقسوة:
_هي اللي اختارت تتحمل نتيجة اختيارها ده.
وصعد للاعلى فاعترضت طريقه مجددًا وهي تسأله بانفعال:
_تتحمله ازاي! ، دي بنتك يا فهد هتسبها تدفع تمن العداوة اللي بينكم حتى لو هي غلطت. لا يا فهد عيالي مش هيدفعوا تمن اللي بين العيلتين أنت سامع، ولو أنت مش هترجعلي بنتي يبقى أنا اللي هعملها.
وكادت بالتوجه للخارج ولكنها توقفت حينما انطلق صوته يهز ارجاء السرايا:
_لو خرجتي من اهنه مش هتعتبيها تاني.
توقفت عن المضي قدمًا ثم استدارت تجاهه فوجدته صعد للاعلى، سقطت ارضا تبكي بحرقة وانهيار، يصعب عليها تحمل كل ذلك، أسرع آسر تجاهها فحملها وصعد بها لغرفتها ومن حولها اجتمعت نساء المنزل، يمنحوها صبرًا لما تجتازه.
أما بالاسفل.
فمازالت حور تجلس جوار أحمد بصدمة وعدم استيعاب لما حدث، لا تصدق بأنها الآن زوجته على سنة الله ورسوله، ما حدث كان شبيه بالدراما التي تقلب أحداث المسلسل بأخر دقيقة، فرفعت عينيها المرتبكة تجاهه لتجده يمنحها نظرة ساكنة، انقلبت لتعجب حينما وجدآسر يدنو منه ليجذبه من تلباب قميصه وهو يصيح به بشكٍ:
_أنت كنت عارف!
تطلع له بصمتٍ استنزفه، فحال بينهما يحيى وبدر الذي اشار لحور بالصعود للاعلى ثم صرخ به:
_هيعرف منين يا "آسر"!
تجاهل ما قاله وعاد ليسأله:
_رد عليا انت كنت عارف!
هز رأسه وهو يجيبه:
_أيوه عرفت باللي حصل من كام يوم ومكنش ينفع أتكلم ولا أنفذ للحيوان ده اللي هو عايزه.
تحررت يديه عنه، وجلس على أقرب مقعد وهو يحتضن رأسه الذي يفتل من فرط الصداع الذي يهاجمه، فجلس احمد لجواره وهو يستطرد بحزن:
_كنت مستعد اعمل أي حاجة عشان عمي ميتعرضش للي شافه بس مكنتش اعرف ان الكلب ده بيلعب عليها وعليا والعقد مطلعش مزور.
كز آسر على أسنانه وهو يردد بوعيد:
_ناري مش هتبرد غير لما أقتله.
أسرع اليه يحيى وهو يعنفه قائلا:
_هتودي نفسك في داهية يا آسر، وهتكسر كلام ابوك!
قال عبد الرحمن هو الأخر:
_الواد ده عقابه انه يتربى مش يتقتل، النار لو كلت فيه أهون من لما يتقتل.
هز بدر رأسه وهو يحيه:
_كلام عبد الرحمن صح وموزون والضربة الجاية ليه هتبقى على ايديا أنا ويوريني هيعمل أيه!
امتلأت نظراتهم بالوعيد القاتل له، لبستخدم كلا منهما عقله لاختيار وسيلة للمحاربة ستجعله يعض على أصابعه ندمًا عما فعله.
*******
عقلها كان مشتت لا يستوعب أي حدث مما يحدث حولها، فوجدت ذاتها بسيارة غريبة جواره، ومن ثم وجدته يجذبها بقوة لخارجها لتجد نفسها أمام سرايا غريبة عليها، وأصابعه تنهش بمعصها الذي يجره من خلفه جرًا على درج السرايا الخارجي لتجد نفسها بباحتها الداخلية، لم ترى عينيها جمال السرايا ولا أي شيء حولها سوى أعين تلك المرأة التي تلتهمها وكأنها ستبتلعها حية، ليقترب بها أيان منها ثم قال بنبرةٍ حملت فرحة وتباهي بانتصاره:
_وعدتك بأني هجبلك بنت فهد خدامة تحت رجليكي والنهاردة وفيت بوعدي.
وألقاها بكل قوته أسفل قدميها، فتأوهت روجينا بألمٍ شديد، فقبضت على خصلات شعرها بيدها لتجبرها على التطلع اليها،وبكل حقد قالت:
_والله والزمن دار بيك يا فهد وشرفك بقى في الوحل..
ثم استكملت بكره:
_انتي اللي هتسددي تمن اللي عمله جدك وابوكي، هتنهري بالنار اللي هما كانوا السبب فيها، مصيرك هتنامي جنب أختي في نفس القبر وساعتها بس جلبي هيرتاح وهدوق طعم النوم.
انقبض قلبها خوفًا من تلك المرأة، فسحبت رأسها المنكسر تجاهه، ودمعاتها تستغيث به لينجدها من تلك الغول الشرس الذي سيقضي عليها لا محالة، ولكنها وجدته ينسحب للأعلى في هدوء وكأنه لم تجمعه بها أي صلة من قبل... ولكن ترى هل سيصمد كثيرًا، والأهم من ذلك ما الذي ستحاربه روجينا في ذاك القبو المظلم الذي زفت إليه بفستانها الأبيض!
وترى ما المجهول الذي سيواجهه آسر بمفرده!
........... يتبع............
#الدهاشنة2..... #بقلمي_ملكة_الإبداع_آية_محمد_رفعت..
رواية الاربعيني_الاعزب. الورقية. متوفرة مع دار إبداع ❤ معرض بور سعيد بجراج ديليسبس باي أمام المركز الثقافي..
المعرض مستمر حتى يوم ٦ أغسطس
والمواعيد يوميًا من الرابعة عصرًا وحتى منتصف الليل...
وكمان تقدروا تطلوبها اون لاين من اي مكان 01001631173****_____******
أنت تقرأ
الدهاشنة 3 .. وخفق القلب عشقاً .. آية محمد رفعت
Romanceالجزء الأول ... الدهاشنة الجزء الثاني ... صراع السلطة و الكبرياء الجزء الثالث ... وخفق القلب عشقاً