الفصل ال٣٤

18.1K 1K 115
                                    

#الدهاشنة3....(#وخفق_القلب_عشقًا.)
           #الفصل_الرابع_والثلاثون.
إهداء الفصل للقارئة الجميلة/إلهام سيد ، شكرًا جزيلًا على دعمك المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنك يا جميلة...قراءة ممتعة 💙)

تمنت من كل قلبها لو استدار مرة ليتطلع عليها، عل قلبه القاسي يرق لها، ولكنه استكمل طريق دون أن يعبئ بها وبصراخ قلبها المسكين، تركها تواجه نظرات تلك المرأة الحاقدة، تركها تنازع في مكانٍ لا تعلم به أحدًا سواه هو... سوى من ألقى بها بالجحيم، ذاك الذي وهبته قلبها ونفسها وأغلى ما تمتلكه المرأة من لباس العفة، ليتها كانت تملك بعض القوة لتنهض على قدميها فتلحق به للأعلى، ولكنها عاجزة حتى عن الحركة التي قيدتها، ابتلعت "روجينا" ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة حينما نهضت "فاتن" عن مقعدها لتدنو منها، فتراجعت للخلف بخوفٍ شديد بينما انحنت الاخرى لتمتم بكلماتٍ ناقمة:
_اوعاكي شيطانك يلعب بيكي وتفكري تهربي، ده قبرك الاخير ومفيش ليكي غيره.
ثم ابتسمت وهي تسترسل بسخريةٍ:
_وتبقى هبلة لو فكرتي ان ولدي هيبصلك ولا كان هيحبك.
ولطمت بيدها على صدرها وهي تخبرها بغنجهيةٍ:
_أني اللي ربيته وربيت جواه الكره لعيلتك كلتها، ومن سابع المستحيل انه يحب المرة اللي عيلتها كانت السبب في موت أمه.
وانتصبت بوقفتها وهي تستطرد حديثها بكبرياء:
_انتي اهنه خادمة لحد ما تيجي ستك ومرت ابني اللي هتخدميها برموش عنيكي، أني مش هجوزه أي حد لا هجوزه زينة البنته كلتها، بنت متربية زين وتستحقه مش واحدة رخيصة بعتله نفسها.
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تستمع لتلك الاهانات اللازعة، فالمرأة هي التي تجبر الجميع على احتراماها حينما تكن عفيفة وتصون ذاتها، حينها سيحترمها الجميع، كيف ستحتمل تلك المعاملة المهينة في هذا المنزل، والأهم من ذلك كيف ستتحمل رؤيته وهو يتزوج أخرى، الأمر بأكمله عذاب حتى وان كان مصنف فبالنهاية يتشارك بالوجع، صعدت "فاتن" الدرج وهو تخبرها بحزمٍ قاسٍ:
_اتخمدي في أي حتة لحد بكره الصبح، ويا ويلك لو صحيت من نومي وملقتكيش محضرة الفطار هسلخ جلدك.
انتفض جسدها حينما استمعت لصراخها وأوامرها القاتلة، فضمت جسدها اليها وهي تبكي بانهيارٍ، اشتاقت بتلك اللحظة لعائلتها، ودت لو احتضنتها أمها، تمنت لو كان أخيها لجوارها فمن المؤكد بأنه لن يسمح لأحدًا باهانتها، تذكرت كيف كان يخشاها الجميع كونها ابنة كبيرهما، فلم يجرأ أحدًا على رفع عينيه بها، هي الآن منكسرة وبحاجة لمن يضمد جروحها النازفة..
                     *********
حينما تنجرف خلف جانبك المظلم وتتبع أهواك التي حاربك بها الشيطان، ربما ستجد العالم بأكمله يحاربك الا شخصًا واحد سيذبح فؤاده لأجلك أنت، حتى وإن لم تكن على درب الصواب، ذلك الشخص لطالما تحمل أعباءك وخطاياك، فإن كان تحملك حينما كنت ضعيفًا تتعلم الخطى كيف سيتخلى عنك الآن!
انظر الآن جوارك وأخبرني من التي تتمسك بيدك حينما يقهرك الزمان؟  ، أجل أنت على صواب فهي الأم.. نبع الحنان وطاقة صبر لأخطاءك، كذلك كان حال "رواية" لن يدرى بها أحدًا سوى سيدات منزلها، لذا لم تتخلى عنها "ريم" ولا "نادين" بالرغم من الموقف الحساس الذي تختبره هي وعائلتها بعدما أصبحت ابنتها زوجة لأحمد بين ليلة وضحاها، ساعات ظلوا بها لجوارها إلى أن خرجت عن نطاق صمتها حينما قالت بصوتها الشاحب:
_أنا عايزة أكون لوحدي، سبوني أرجوكم.
ردت عليها "ريم" وهي تمسد على ظهرها:
_ليه يا راوية أحنا عايزين نكون جارك.
أطبقت بجفنيها على تلك الدموع الحارقة التي تبتلعها بينهما ثم قالت:
_أنا محتاجة أكون لوحدي شوية يا ريم، عشان خاطري اطلعوا.
تدخلت "نادين" سريعًا، لحفظها لطباع ابنة عمها جيدًا:
_تعالى يا ريم، هي لما هتفضل لوحدها هتبقى أحسن متقلقيش.
انصاعت إليها وخرجت معها، فتمددت "رواية" على الفراش بانهيارٍ، فقلبها يذبح ألمًا لما ارتكبته ابنتها من جريمة بحقها وبحقهم جميعًا، وإن كانت مخطئة فبالنهاية هي ابنتها الوحيدة ولن ترضى أبدًا بأن تتأذى في تلك السرايا المظلمة التي خيم الظلم بأركانها، ومن المؤكد بأنه سيطول ابنتها الضحية، نهضت "رواية" عن الفراش ثم ارتدت حذائها لتسرع تجاه غرفة "فهد" التي تحمل عدد طائل من الكتب الذي يعشق الانفراد بالساعات، حررت مقبض بابها ولكنها تفاجئت بانغلاقه من الداخل، لذا صاحت به بهدوءٍ عكس تعصب نبرتها:
_افتح الباب ده يا فهد، أنا عايزة أتكلم معاك في حاجة مهمة.
كان يعلم بأنها تلجئ لأي حجة حتى يفتح بابه الموصود، فبالنهاية لن يكون هناك ما تتحدث عنه الا ما حدث اليوم، ومهما هرب ستكون مواجهتها أمرًا أساسي، لذا فتح الباب ثم تحرك ليقف بمنتصف الغرفة وظهره يقابلها، اتبعته رواية للداخل بعدما أغلقت الباب من خلفها، وحينما استدار وجدها تقفت خلفه تفرك أصابعها في توترٍ، وكأنها ذات الفتاة التي ولجت لمنزله حينما كان عمرها لا يتعدى الثالثة والعشرون، لم يتغير بها شيئًا من طباعها ربما تغير شكلها ولكنها مازالت كما هي، فقرر قطع حيرتها بما تبحث عنه لقوله حينما قال بلهجتها:
_لو  جاية تكلميني عن اللي حصل من شوية يبقى الافضل توفري كلامك يا رواية أنا مش هتراجع في كلامي.
دنت منه خطوة وهي تردد ببكاءٍ حارق:
_دي بنتك يا فهد، معقول هتتخلى عنها بالبساطة دي!
ابتسم بسخرية يخفي من خلفها ألمًا عظيم:
_بنتي كسرتني ولطخت شرفي مع كلب ولا يسوى.
دنت خطوة أخرى وهي تذكره ببكاءٍ:
_لعب بيها يا فهد، أنت عارف انها مشتتة وأي كلمة بتوديها وبتجبها.
أظلمت عينيه، وكأنها بيدها أبادت سكنة هدوئه:
_ده عذر أقبح من اللي هي عملته، هي لو كانت متربية كويس مكنش قدر يطول منها نظرة واحدة مش يتجوزها ويخلف منها!
جحظت عينيها في صدمةٍ:
_قصدك أيه، انا معرفتش أربيها!
تطلع لها بحزنٍ قبل أن يرد عليها:
_مش برمي عليكي ذنب اللي حصل يا رواية، لان احنا الاتنين غلطتنا واحدة، لما  بعتناها القاهرة ومكنتيش انتي جنبها على الاقل أغلب الوقت.
انهمرت دمعاتها تباعًا وهي تخبره:
_أخوها وولاد عمها كانوا جنبها طول الوقت، هو اللي لعب عليها ووقعها يا فهد، ودلوقتي لازم تطلعها من اللي هي فيه.
هز رأسه بيأسٍ، ثم قال:
_مبقاش في مبرر هيغفرلها اللي عملته، ثم إنها اللي إختارت يبقى تتحمل نتيجة اختيارها ده..
واستدار بجسده تجاه الشرفة وهو يخبرها بقسوةٍ:
_هي بالنسبالي ميتة والميت مبيرجعاش للحياة تاني، أنا سمحتلك تدخلي عشان تسمعي النهاية بالموضوع ده وتبطلي تفتحيه تاني، إحنا معندناش بنات..
قذفتها الدموع بألسنة من النيران التي حرقت خدها، فاتجهت إليه ثم انحنت وجلست أرضًا وأمسكت بيديه قائلة من وسط بكائها:
_متعملش فيها كده يا فهد، أنت عمرك ما هيجيلك قلب تعيش وأنت عارف ان بنتك بتتهان في البيت ده.
مازال يقف شامخًا أمامها، لا يستجيب لتواسلاتها، فعادت لتسترسل بدموعٍ:
_أنت وعدتني انك هتحمي ولادنا من التار ده، ولازم توفي بوعدك يا فهد.
انحنى بجسده تجاهها، ثم رفع وجهها بيديه معًا، ليزيح عنها دمعاتها ونظراته تتطالعها لدقائقٍ قبل أن يقطعها نبرته الصارمة:
_هي تستحق ده، لازم تتعلم إن القرار اللي هتاخده من غير ما ترجعلنا فيه هتتحمل عواقبه لوحدها زي ما اختارته بارداتها.
أغلق عينيها بألمٍ، ثم فتحتهما على مهلٍ وهي تجاهد وجع صدرها الذي استدرجها:
_أنا مش هقدر أتحمل كل ده،  دي مهما كانت بنتي يا فهد!
شدد من ضغطه على وجهها وهو يخبرها:
_لا هتستحملي وهتنسيها.
بكت بصوتٍ مسموع، فأبعدت يديه عنها فعاد ليحتضن وجهها من جديد، فدفعته تلك المرة بقوةٍ وهي تصيح بشراسةٍ:
_أنت ازاي بالبرود ده!  ، بتقولي انسيها وكأنها واحدة صاحبتي وغلطت فيا!
وبصراخٍ عنيف صاحت بوجهه:
_دي بنتي عارف يعني بنتــــــي!
تمرد عن هدوئه تلك المرة ليفرغ ما كبته خلف قناعه البارد:
_عايزاني أقولك أيه!، بنتك اللي بتدافعي عنها دي كسرتني وحطت رأسي في الأرض قدام البلد كلها، خلتني ولأول مرة عاجز اني أرفع عيني في عينهم، بنتي اللي المفروض تعززني وتعزز شرفي خلتني مهزوم قدام عيل من دور عيالي وفي الأخر منتظرة مني أيــــــــــــه!
انسابت دمعاتها وتلك المرة حزنًا على ما يخوضه زوجها، فدنت بجلستها منه قليلًا، ثم تطلعت ليديه الموضوعة على أرضية الغرفة بتفكيرٍ أستغرق دقيقة قبل أن تمد يدها لتحتضن يديه، فرفع عينيه تجاهها ليجدها تواسيه بنظراتها حتى ان لم تمتلك جرءة الحديث الذي سيعيب ابنتها، وربما سيقسو قلبها أكثر باتخاذ القرار، لذا بعد تفكير منها وجدت بأنها ستكن جوار زوجها لترمم جرحه وحينها ستحظى بفرصة تطيب قلبه ودفعه لانقاذ ابنتها، لذا عليها الان التوقف عن الحديث بما حدث، على الأقل حتى تهدأ عاصفته،  تطلع لها فهد بنظرة عميقة، فوجدها تهمس ببكاءٍ:
_أنا السبب، ياريتني كنت جنبها طول الوقت مكنتش هسمح للكلب ده انه يأذيها كده.
قرب يديه منها ليضمها لصدره، فدفن أوجاعه بينهما، كان بحاجة لها بذلك الوقت قبل أن تكون هي بحاجة له، فما حدث كسر كبريائه حتى وإن ظل متماسكًا أمام الجميع..
                     ********
ظلت محلها لأكثر من ساعة كاملة، لا تعلم إلى أين تذهب، اسندت "روجينا" رأسها على المقعد المجاور لها ودموعها تهبط في صمتٍ، والأصعب من ذلك استسلامها لما يحدث، فباتت تعترف لنفسها بأنها تستحق كل ذلك، هي من جنت على نفسها حينما سمحتله بالاقتراب، حاولت الاسترخاء قليلًا فبطنها تعتصرها ألمًا من فرط أعصابها المشدودة منذ الصباح.
فتحت "روجينا" عينيها بهلعٍ، حينما شعرت بأحدًا يهبط للأسفل، دعت الله بأن لا تكون تلك السمينة الحاقدة، فتفاجئت بفتاة تقترب منها، وعلى ما يبدو بأنها باواخر العقد الثاني من عمرها، شعرها أسود مموج، وتتطلع إليها بعينيها السوداء البريئة، رأت بعينيها شفقة وحنان غريب غير مسبوق لها بالاحساس به داخل هذا المنزل المقبض، اقتربت منها "ناهد" ثم انحنت تجاهها، وقالت بابتسامةٍ رقيقة:
_تعالي أطلعي معايا اوضتي، مش هتعرفي تنامي هنا.
رفعت حاجبيها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_انتي مين؟
أجابتها بهدوءٍ:
_أنا بنت خالة "أيان"، واسمي"ناهد".
رددت بتعجبٍ:
_ناهد!
ابتسمت وهي توضح لها:
_أيوه ماما سمتني على اسم خالتي الله يرحمها.
هزت رأسها ببطءٍ، فلم يعنيها الامر كثيرًا كل ما تحتاج إليه هو بعض الراحة التي ستهون عليها مشقة هذا اليوم الذي لن تنساه أبدًا، اتكأت"روجينا" بيدها على المقعد ثم حاولت النهوض، فهاجمها دوار حاد كاد بأن يطرحها أرضًا، أسرعت ناهد بمسك يدها ثم قالت بلهفة:
_أنتي كويسة؟
تطلعت لها روجينا بتشتتٍ، لا تعلم ان كانت تستحق أن تثق بها فتخشى أن تخدعها مثلما فعل أيان من قبل، صعدت معها للأعلى والاخيرة متشبثة بيدها وتساندها حتى وصلت لغرفتها.
كانت غرفة عصرية للغاية، لا تشبه للسرايا ذات الأساس التقليدي، وكأنها صنعت لنفسها عالم غربي خاص بها، اتبعت خطاها حتى جلست على طرف الفراش، فتركتها واتجهت للخزانة لتجذب بيجامة من الستان الابيض ثم قدمتها لها وهي تشير على الباب الجانبي:
_غيري الفستان ده عشان تعرفي تنامي.
التقطت منها الملابس، ثم تطلعت لها بحيرةٍ انتصرت عليها حينما اخرجت ما تكبته من فضولٍ:
_مش خايفة مامتك تعاقبك على مساعدتك ليا؟
منحتها ابتسامة صافية، ثم جلست جوارها وهي تخبرها بحزنٍ التمسته روجينا:
_ماما زمان هي اللي كانت بتعلمني أساعد أي حد محتاج لمساعدتي.
ردت عليها روجينا ساخرة من قولها:
_أي حد الا أنا وعيلتي طبعًا.
سكن الحزن بحدقتيها، فجاهدت تلك الغصة التي هاجمتها، حتى تحرر صوتها أخيرًا:
_مش عارفة ألوم مين في كل اللي بيحصل ده، أنا عمري ما شوفت ماما تعيسة ولا مقهورة كده غير بعد وفاة خالتي...
والتقطت نفسًا مطولًا قبل أن تخبرها:
_خالتي كانت بالنسبة لماما كل حاجة، اختها وبنتها وصاحبتها وكل حاجة، الفرق بينهم كان كبير لما جدتي توفت ماما كانت لسه متجوزة جديد أخدت خالتي وربتها هنا في السرايا دي، ولما كبرت جوزتها سلفها عشان تكون معاها في بيت واحد ومتفرقهاش.
وابتسمت وهي تستطرد:
_تخيلي ناس كتيرة عيرت ماما بالخلف لانها اتجوزت 15سنة ومكنش معاها اولاد، بس فرحتها بحمل خالتي نساها كل ده، لان الناس لما كانت بتشوف حبها لايان كانوا بيفكروه ابنها هي مش ابن اختها....
وزفرت ما علق بصدرها وهي تخبرها بألم:
_انا اتولدت لقيت أمي بتحب خالتي أكتر من نفسها، لدرجة انها لما كانت بتتعب كان هي اللي بتتوجع، وحياتنا كلها اتقلبت في اليوم اللي رجعت فيه البيت بالشكل ده، جسمها كله كان متشوه ومقتولة بشكل بشع، ماما اتقتلت معاها في نفس اليوم،  مبقتش اشوف ضحكاتها على وشها، كل اللي كان نفسها فيه هو الانتقام من اللي عمل كده في خالتي، وطبعا اجبرت بابا انه ياخد بتارها وقتل جدك بس بعدها باباكي انتقم منه وقتله، من اللحظة دي وهي شايفة ان أيان الاحق انه ياخد تار امه، ربيته وهي بتزرع جواه حب الانتقام، مكنش بتعدي لحظة عليه من غير ما تفكره باللي حصل لامه من وهو طفل، كانت كل يوم بتاخده الحديقة تحت عند قبر خالتي اللي صممت تدفنها هنا جنبها... أيان معش طفولته زي أي طفل، أيان شال حمل كبير مكنش يقدر طفل عنده سبع سنين انه يشيلها!
بدت متخبطة بما تستمع اليه، فسألتها باستغراب:
_بس اللي مش قادرة افهمه ازاي جدي هيعمل كده مع واحدة من دور عياله!
أجابتها بحيرة:
_مش عارفة، بس اللي سمعته انهم كانوا بيحبوا بعض ولما اتقدملها ماما موفقتش عشان فرق السن وعشان كمان جدك كان متجوز وابنه كان على وش جواز!
انهمرت دموعها على وجنتها وهي تردد بانكسار:
_وأنا أيه اللي يربطني بكل ده، ليه يكسرني ويكسر قلبي كده، لو كان عايز ينتقم كان قتلني أرحملي الف مرة من العذاب ده.
عادت الشفقة تخيم على عينيها، فربتت على يدها بحنوٍ وهي تخبرها:
_قومي غيري هدومك وبلاش تفكري كتير في اللي حصل ده،.
ثم أخفضت صوتها وهي تخبرها بحرصٍ:
_ومتقلقيش أنا هحاول أهربك من هنا.
أمسكت يدها بلهفة:
_بجد؟
أومأت برأسها بتأكيدٍ:
_بجد، بس لازم تديني فرصة لحد ما اقدر أعمل ده.
رسمت الابتسامة على وجهها من وسط سيل دموعها، فحملت ما بيدها ثم ولجت لحمام الغرفة ومن ثم أزاحت عنها فستانها الأبيض الذي تطمح به أي فتاة، لترتدي ما قدمته لها، ثم خرجت لتتمدد على الفراش بتعبٍ شديد.
                     ******
بغرفة "آسر".
كانت تراقبه بحيرةٍ من استكشاف ما يحدث معه، فما أن صعد لجناحه وهو جالس أمام حاسوبه لساعاتٍ طويلة، حتى أنه لم يشعر بوجودها قط، بدى إليها بأنه يفعل أمرًا هام، خاصة بأنه يتلقى مكالمة كل نصف ساعة من" يحيى" و"بدر"، فظنت بأنهم يستعدون لفعل شيئًا خطير، فجاهدت فضولها النابع بداخلها حينما حملت الطبق الذي أعدته إليه، ثم اقتربت بترددٍ منه، فوضعته أمامه ثم قالت بتوترٍ:
_أنت مأكلتش من الصبح.
رد عليها دون أن يرفع عينيه عن حاسوبه:
_ماليش نفس.
بللت شفتيها بارتباكٍ:
_بس آآ... أنت م....
قاطعها حينما أمرها بلهجةٍ حازمة:
_قولتلك ماليش نفس، ولا لازم صوتي يعلى عشان تقتنعي!
حملت الطبق عن سطح مكتبه بخوفٍ من حدة حديثه، ثم اتجهت لفراشها لتجتنب مشادة الحديث فيما بينهما وخاصة بأنها تعلم ما يمر به في تلك اللحظة، لذا لم تحزن لتعصبه عليها بل كان يغلبها الحزن لما يشعر به في تلك اللحظة التي لا تتمناها لأحدًا.
غرق "آسر" بما يفعله لساعاتٍ حتى انتهى أخيرًا، فأغلق حاسوبه وهو يردد بتوعدٍ:
_انت اللي ابتديت، قابل بقى.
ونهض عن مقعده ثم اتجه للسرير، فاستلقى لجوارها ليتفاجئ بها تتطلع إليه بعينٍ يقظة، فتساءل بذهولٍ:
_أنتي لسه منمتيش؟
قالت والدموع تغرق عينيها:
_هنام ازاي وأنت صاحي!
منحها نظرة حنونة، فجذبها لأحضانه ويديه تربت على ظهرها حتى تستكين بنومتها على صدره، وهمس بحزنٍ:
_متزعليش من طريقتي معاكي في الكلام، أنا مش قادر أشوف أي حاجة غير اللي عمله الكلب ده.
تعلقت به مثلما اعتادت، ثم أجابته بصوتها الناعس:
_أنا زعلت لإني مش قادرة أخفف عنك اللي أنت فيه.
رسم ابتسامة شبه باهتة وهو يجيبها:
_متقلقيش عليا، أنا بعرف أسيطر على نفسي كويس.
وأغلق الضوء المجاور له، ثم أغلق عينيه باستسلامٍ:
_نامي...
كلماته كانت مبهمة للغاية، وربما أكدت ظنونها بنيته لفعل شيئًا خطيرًا، سئمت من التفكير في الأمر وبالنهاية استسلمت لدفء أحضانه فسرعان ما غفت بين ذراعيه هي الأخرى..
                      *********
نسمة هواء الفجر يلفح الأنفس، بنقائه فمازال الناس في غفوة وعينيه ترفض النوم، إلى أن ضاق الأمر به فهبط للأسفل قاصدًا الحديقة أمام منزله، وبالأخص ذاك الركن المنفرد بعيدًا عن الأشجار، ألقى بثقل جسده أرضًا وهو يحاول التقاط أنفاسه بمعدلات ثابتة، وحينما لم يستطيع أخرج ما به، فارتمى بذراعيه على الحجارة من أمامه ليخرج ما كبت بداخله من أهات شقت صدره ولسانه يردد بتردد لما يجتاحه:
_عشت طول عمري عشان اللحظة اللي أرجعلك فيها حقك، بس كنت فاكر أن النار اللي جوايا دي هتنطفي، كنت فاكر اني هرجع أعيش حياتي اللي اتحرمت منها، بس للاسف محصلش أنا اتكويت بنار تانية، جوايا وجع ملهوش وصف.
وارتد "أيان" بجسده للخلف وهو يشير على صدره:
_قلبي أنا اللي وجعني مش قلب فهد،  أنا مش عارف اذا كان اللي عملته صح ولا غلط بس صدقيني كنت مستعد اعمل أكتر من كده عشان أنتقم من اللي أذوكي..
وأزاح دمعاته بكره لرؤياها، وهو يستكمل حديثه بتعصبٍ:
_أنا مينفعش أحس بحاجة ناحيتها، مينفعـش، دي بالنهاية من نسل اللي اذوكي، لازم أفوق من وهمي ده، مستحيل يكون جوايا حب ليها.
وزحف بجسده للخلف حتى استند على جزع أحد الأشجار، فأغلق عينيه وهو يهمس بخفوتٍ:
_هكرهك زي الحياة اللي عشتها وأنا مفروض عليا أني أواجهها، هكرهك لأخر عمري!
وعد بالكره اتخذه من جوار قبر والدته، لا يعلم بأن خلف كلامه نفور لما يردده، خلف ما يدعيه قلبًا خفق عشقًا لها!
                          ******
بزغت الشمس كقبلة باسمة على ثغر الصباح، لترسم نهارًا مختلفًا كثيرًا عما يسبقه، فشعرت "روجينا" بشيئًا حاد يلكز خصرها، ففتحت عينيها بانزعاجٍ فانتفضت من محلها بفزعٍ حينما وجدتها تقف مقابلها وتحدجها بنظراتٍ قاتلة، اتبعها قولها الشرس:
_بسلامتك لسه نايمة، أني مش منبهة عليكي تقومي من بدري ونجهزي الوكل!
ارتجفت خوفًا مما ستلاقاه، فوجدتها ترفع عصاها الغليظة لتهوي بها على ذراعيها العارية، فاحدثت جرحًا بليغًا، تأوهت ألمًا وهي تترجاها:
_راحت عليا نومة والله، هنزل حالا أعملك اللي عايزاه.
اتاها ردها اللازع:
_مش بكيفك يا حببتي، هتنزلي غصبن عنك وعن اللي خلفوكي.
خرجت "ناهد" من حمام غرفتها سريعًا حينما استمعت لصوت صراخها، فانصدمت حينما وجدتها تعتدي بالضرب المبرح عليها، حالت بينهما سريعًا وهي تصرخ بوالدتها:
_حرام عليكي يا ماما، بتضربيها وهي حامل!
دفعتها بعيدًا وهي تشير لها بتحذيرٍ:
_متتدخليش انتي، خليكي بره أحسنلك..
ثم دفعت روجينا تجاه باب الغرفة وهي تشير لها:
_٥دقايق لو نزلت ملقتش الفطور جاهز وقسمًا بالله لأنسل لحمك ده تنسيل سمعاني.
أشارت لها عدة مرات ثم قالت بتوسل:
_هنزل بس اديني اي حاجه البسها.
فالبيجامة التي ترتديها كانت تصل لمنتصف ذراعيها، وحتي لم تكن ترتدي حجابًا تخفي بيه شعرها، ابتسمت بتسلية:
_هتنزلي اكده وان كان عاجبك.
انصاعت لكلماتها وهبطت سريعًا للأسفل، فالتقطت ناهد اسدال للصلاة الخاص بها ثم كادت بالهبوط من خلفها ولكن اعترضت والدتها طريقها، فجذبت ما بيدها وهي تصرخ بوجهها:
_قولتلك متتدخليش في اللي بيحصل اهنه والا من بكره الصبح هحجزلك على أول طيارة سامعة؟
خشيت بأن تفعل ما تقول، فهي تعلم والدتها حق المعرفة، لذا تراجعت للخلف بخوفٍ واستسلامًا لرغباتها، فهي تعلم إن أصرت والدتها بسفرها لن يستطيع أحدًا أن يقف أمام قرارها.
                       ******
بالرغم من وجود الكثير من الخدم بالمطبخ الا أن جمعيهم خشوا مساعدتها في الحصول على الأغراض الاساسية لتحضير الطعام، الجميع ملقن بالتعليمات تجاه معاملتهم تجاهها، حتى وإن لم يكن البعض على اقتناع بما يحدث معها، فكان أغلبهما يشفقون على حالتها، وبعد عناء انتهت "روجينا" من وضع الطعام على الطاولة المقابلة للمطبخ، وكان الطبق الذي تحمله أخر ما تبقى، فخرجت لتضعه على المائدة وحينما استدارت لتستعد للعودة للمطبخ شهقت فزعًا حينما وجدت عدد من الرجال يحيطون القاعة، لأول مرة ينتابها الشعور بالعري، فأخذت تشد من (كم) البيجامة لتخفي ذراعيها ويدها الاخرى تخفى خصلات شعرها المنفرد، وكأن تلك اللعينة أمرتهم بالدخول لأجل ذلك، لتجعلها تشعر بأنها مباحة للجميع، هرعت للداخل لتحتمي بين حوائط المطبخ، وعينيها تبكي في صمتٍ تام، فمرت أكثر من ربع ساعة ومازالت تختبئ من الأعين، إلى أن أتاها صوت تلك المرأة الكريه تأمرها باستنكارٍ:
_فين الشاي!
كزت على أسنانها غيظًا لما تتعرض له من مهانة، ونهضت لتضع قدر من المياه على النيران، ثم وضعت الأكواب على الصينية وما أن غلت المياه حتى وضعتها على الصينية جوار السكر، وحملته وخرجت إليهما، فتوقفت عن المضي قدمًا حينما رأته يجلس على رأس المائدة، نظراتها المتحسرة جابته وهو يشغل ذاته بتناول الطعام، فارتعش جسدها حينما عادت فاتن لتصرخ بها:
_لساكي واقفة عندك، همي.
أسرعت بخطواتها لتضع الصينيه بمنتصف المائدة ثم كادت بالعودة سريعًا حتى تحتمي من نظرات هؤلاء الرجال القذرة، فاستوقفتها كلماتها اللازعة:
_مستنياني أصبه!  .
ترجتها بنظراتها ان تتركها تغادر ولكنها لم تجد رحمة بداخل أعماقها، لذا اقتربت لتسكب بالاكواب، خيل إليه تلك العلامات التي تكتسح يدها، فرفع أيان عينيه تجاهها، فأطبق باسنانه على شفتيه السفلى حينما وجد ذراعيها يملأها آثار الضرب، ومع ذلك حاول ان يستكمل طعامه، ولكن نظراتها تجاه رجاله جذبت انتباهه، فتطلع الى ما تتطلع اليه ليجدهما يفترسونها بأعينهم، كونه رجلًا يعلم بنظرات رجل مثله، لم يحتمل ذلك فنهض عن مقعده ليردد بانفعالٍ شديد:
_مش عايز أشوف كلب فيكم هنا، وبعد كده اللي هيبص على واحدة من حريم بيتي هيمشي بعين واحدة.
ما أن انتهى من أوامره حتى اختفوا من أمامه، شعرت "روجينا " في تلك اللحظة بأن قلبها يتخبط بما يختبره بشعورٍ تجهله.
_روحي نضفي البيت كله، وخليه يبرق.
صوتها جعلها تفق على حقيقة الواقع الملموسة لذا انسحبت من أمامهما بهدوءٍ لتفعل ما أمرتها به، فور رحيلها أسرعت فاتن لتقف مقابله، لتسأله بخوفٍ ملموس:
_همك أمرها!، أوعاك تكون نسيت تارك وحبتها يا ولدي ده حساب ولزمن تاخده!
رفع عينيه الرمادية تجاهها بصمت مزقه حينما قال بغضب ملموس:
_لا منستش، بس حضرتك اللي نسيتي انها في الاول وفي الاخر مراتي يعني شرفي وعرضي، ومش هستحمل اي حيوان يبصلها نظرة قذرة زي دي، فياريت تخلي بالك من النقطة دي كويس.
وتركها وصعد للأعلى، والاخيرة تراقبه بنظرة سكن بها الشك والخوف من القادم..
                     *******
بسرايا "الدهاشنة"
أراد "فهد" من الجميع التجمع على الفطار حتى يضم العائلة ويتناسى الجميع ما حدث بالأمس، وبالفعل لبى الجميع طلبه واجتمعوا على المائدة، فكانت فرصة لم تحسبها تلك التي لم تذق طعام النوم، فكيف لعقلها أن يستوعب أن من عشقته وتمنته من الله أن يكون زوجًا لها بين ليلة وضحاها، ويا لحظها حينما سحب المقعد الذي يقابلها ليجلس أمام عينيها المزدحمة بالكثير من الحديث، شعر بها "أحمد" وود أن يعلم ما بداخلها، لذا سحب هاتفه ليراسلها برسالة وصلت لهاتفها، ففتحته لتجده أرسل لها
«هشوفك في الجنينة بعد الفطار.»
رفعت نظراتها المرتبكة عن الهاتف تجاهه، ثم هزت رأسها اليه بالمواقفة، تناول الجميع الطعام في جو من السكون، وكأنهم فقدوا مذاق الحديث مما حدث بالامس، فمازال يترك أثره العميق على الجميع وبالأخص رواية،  أما آسر فمال على بدر وهو يتساءل باهتمام:
_طمني عملت أيه؟
همس له بابتسامة فخر:
_عيب عليك، منمتش غير لما وصلت لرقمهم وما صدقوا اننا نعرض عليهم العرض ده..
وعاد ليستقيم بجلسته حتى لا يثير الشكوك، ثم مال عليه مجددًا ليسترسل قائلاً:
_يحيى قام بالواجب ومنمش طول الليل، ساعتين تلاته كده وهتلاقي صاحبك بيعيط زي الحريم.
منحه آسر ابتسامة شامتة:
_يستاهل، عشان يبقى يلعبها صح بعد كده.
قال الاخير بحماسٍ:
_ولسه..
                      ******
انسحب "أحمد" أولًا للخارج، فلحقت به "حور"، لتجده يجلس على الطاولة القريبة من الاسطبل، فسحبت المقعد المقابل له ثم جلست تتطلع له بارتباكٍ، طال الصمت بينهما وكلا منهما يترقب الاخر بالحديث، فكان لاحمد القرار الاخير حينما قاطعه قائلًا:
_حور أنا عارف ان اللي حصل كان خضة غير متوقعة لينا، بس خليني أقولك آن دي أحسن خضة أنا اتخضتها في حياتي..
وتعمق بالتطلع لها وهو يسترسل:
_زي ما يكون ربنا حب يكافئني على اللي كنت هعمله وقدمك ليا على طبق من دهب.
اربكتها كلماته ونظراته الجذابة تجاهها، وما زادها ربكة فوق ربكتها حينما مد يديه ليحتوي يدها الموضوعة على الطاولة وهو يخبرها بحبٍ:
_جوايا كلام كتير أوي اتحرمت من اني أقولهولك لانك مكنتش ليا بس دلوقتي خلاص يا حور بقيتي مراتي..
ارتجفت أصابعها بين يديه، فخرجت حروفها مذبذبة:
_أحمد أنا آآ....
ربكتها عن استكمال ما ستقول جعلته يتساءل باستغراب:
_انتي أيه!
وضعت عينيها أرضًا وهي تجاهد دموعها، ولكنها انتصرت بالاخير فقالت بصوت متقطع من فرط بكائها:
_أنا كنت بدعي ربنا على طول انك تكون ليا، حتى وأنا عارفة اني أنانية لما بطلبك لنفسي وأنت المفروض تكون مع روجينا، كان غصب عني قلبي مكنتش قادرة أجبره يبطل تفكير فيك..
قرب مقعده منها، ليردد بلهفةٍ وسعادة تسبقه:
'وأيه كمان كملي..
ابتسمت على حماسه الزائد، فسحبت يديها منه بخجلٍ:
_دول الكلام اللي طلع بس، بعد كده هتلاقي الباقي بيطلع من نفسه.
ضحك حتى أفتك بقلبها، ثم قال:
_وأنا مش مستعجل قدامنا العمر كله مع بعض يا حور..
سكنت الفرحة عينيها، فاكتفت بنظرة شملت معاني مختصة بالحب اليه حتى وإن لم ينطقها لسانها، فعشقهما كان هوس، وبات الآن حقيقة مصرحة!
                    ********
انتهت روجينا من تنظيف الطابق السفلي ثم صعدت بانهاكٍ لترتب الطابق العلوي، فأول غرفة فتحتها ثم ولجت تحمل المكنسة بين يدها وكادت بالقيام بمهامها، فما أن وجدته يتمدد على الفراش حتى حملتها لتتجه للخارج، نهض "أيان" عن محله ثم قال:
_استني.
توقفت عن المضي قدمًا، لتضع ما بيدها أرضًا، فوقف خلفها ثم قال:
_مش بكلمك!
التفتت تجاهه ثم قالت بكره سبق عينيها قبل لسانها:
_نعم تؤمر بحاجة أنت كمان، لو عايزني انضفلك الاوضة يبقى تتفضل برة لما أخلص.
اقترب منها حتى صار يقف مقابلها، فرسم ابتسامة ساخرة وهو يقول:
_شايفك استسلمتي للامر الواقع بسرعة، ودي مش عادتك يعني انتي طول عمرك عنيدة.
حدجته بنظرةٍ منكسرة قبل أن تنتقل لنبرتها:
_البركة فيك، حياتي كلها بقت زي الجحيم من يوم ما انت دخلتها فمش فارقة.
قال بابتسامةٍ ساخرة:
_وحياتك قبلي كانت بينك وبأجنحة!
منحته نظرة حاقدة، فدنا منها وهو يردد بغضب:
_طول عمرك وأنتي كارهة حياتك، لا حابة وجود مامتك ولا أحمد ولا تحكمات اخوكي وأبوكي..
انهمرت الدموع من عينيها، فقالت بقهر:
_كنت غلط، بفضلك اكتشفت اني كنت غلط، ودلوقتي نفسي ارجع لحضن أمي وأحس بوجود ابويا وأخويا اللي كنت بتحامى فيهم... أنا خسرت كل حاجة بسببك..
ثم تركته وكادت بالرحيل ولكنها استدارت لتخبره بوجع:
_عمري ما هسامحك على اللي انت عملته فيا، مالكش في قلبي غير الكره والحقد، كل الحب اللي جوايا ليك اتقلب لكره مالوش أخر.
وتركته وكادت بالخروج فوجدت ذراعيه تجذبه اليه بقوةٍ ألمتها، وكأنها أشعلت بكلماتها النيران بداخله، فيرى بأنه يحق له كرهها ولكنها لا يحق لها ذلك، حاصرها بين باب الغرفة وذراعيه ثم اقترب منها وهو يتساءل:
_بتكرهيني!
ارتبكت من نظراته التي تسبر أغوارها المغلقة بحجة الكره الزائفة، فكادت بأن تخدع ذاتها بذلك ولكن ليس قلبها الذي يخفق لقربه، شعر أيان بأن هذا القرب ليس خطير عليها هي بل على مشاعره التي تطالب بالمزيد، فكادت بأن يقترب لينعم برحيقها ولكنه تفاجئ بها تدفع جسدها لتجلس أرضًا أسفل أقدمه، لتردد بدموعٍ اكتسحت ضعفها أمامه:
_أنت عايز مني أيه، لسه بتحاول تكسرني حتى بعد كل اللي عملته ده  ،  انت شيطان؟
انحنى تجاهها، فوجد ذاته يزيح دمعاتها ثم حملها للأريكة ليغيب عن أنظارها لثوانٍ، ومن ثم عاد بعلبة الاسعافات الاولية، جذب ذراعيها ثم حاول أن يطهر جرحها، فجذبت يدها منه وهي تخبره بسخرية:
_لا عندك قلب بجد!
منحها نظرة محذرة بالا تختبره لأكثر من ذلك، ثم عاد ليجذب يدها مجددًا ليضمد جرحها، وعينيه مازالت تتطلع لعينيها، شعر لوهلة بأنها سيضعف أمامها تلك المرة لا محالة، لذا اشاح بوجهه عنها وهو يردد بصرامة:
_اطلعي برة ومتدخليش الاوضة دي تاني.
زادت حيرتها بما يحدث اليه، وكأنهما شخصين بشخصٍ واحد، وربما يملك انفصام بالشخصية، نهضت روجينا عن محلها ثم جذبت الاغراض وغادرت من أمامه..
                     *******
صعد "آسر" لغرفة جدته المريضة منذ ما حدث بالامس، فجذب المقعد القريب منها ثم جلس جوارها، ابتسمت هنية حينما وجدته لجوارها حينما افاقت فهمست بتعبٍ:
_انت اهنه من أمته يا ولدي؟
ابتسم وهو يجيبها:
_من شوية... طمنيني انتي عاملة أيه الوقتي؟
ردت عليه برضا:
_الحمد لله يا ولدي، فضل من ربنا.
_تستاهل الحمد..
قالها وانغمس بالصمت والحيرة مما يود قوله، فابتسم هنية وهي تراقبه ثم قالت:
_عايز تقول أيه يا ولدي؟
منحته الاذن للبوح عما يشغله، فقال:
_أنا محتار ومش عارف أفكر وملقتش غير اني أجيلك وأسالك في اللي فات..
_عايز تنبش بالماضي ليه يا ولدي؟
_لازم لانه بيطاردنا لحد دلوقتي.
سحبت هنية نفسًا عميق قبل ان تخرجه، فابتسمت وهي تخبره:
_جدك طول عمره راجل طيب وفي حاله، من يوم ما اتجوزته وهو بيحاول يسعدني بكل الطرق، بس عمري ما حسيت انه هيحبني زي ما بحبه، بالرغم من انه عمره ما كسر بخاطري ولا قصر معايا في حاجة.
واسترسلت بوجعٍ:
_في حاجات الواحدة منينا بتحس بيها يا ولدي من غير ما تسمعها من جوزها، بس فرحته بابوك نسيته الدنيا وما فيها، ولما فهد ولدي بقى زينة الشباب تفكيرنا اتغير وبقينا نفكر فيه اكتر منينا، بس وقتها حسيت ان جدك وهدان متغير، كانه مش معانا في دنيا تانية، ساعتها اني اتوكدت ان قلبه عشق واحدة غيري واحساسي ده اتاكد بعد كده لما قالي انه هيتجوز، واللي فجأني انها بت صغيرة من سن ولده..
انصت اليها آسر جيدًا وخاصة حينما استكملت:
_اني كنت موافقة بالرغم من العذاب اللي جوايا، وفعلا اتقدملها بس اختها فاتن مرضتش بيه لانه كان كبير عنيها، وبالوقت ده جدك الكبير "فزاع" عرف باللي كان وهدان بيعمله، والقيامة قامت بالسرايا كلتها ورفض انه يتجوزها او يتجوز اي حد، وقاله يفوق عشان عياله..
وابتلعت ريقها قبل ان تخبره:
_اني قولتله لو بيحبها للدرجادي يدلى على البندر ويتجوزها بالسر واني مش هقول لحد ابدًا عن الموضوع ده، وهي كانت موافقة على اقتراحي بس جدك كان محاوط عليه واختها كانت محاوطه عليها واجبرتها تتجوز سلفها، ساعتها وهدان نسيها وعشنا حياتنا من تاني، بس بعد سبع سنين اتفاجئت انه لساه بيقابلها ولما واجهته قالي انها بتشتكيله من جوزها وانها مبتحبهوش وعايزة تطلق منه وتتجوزه ومفيش كام يوم وسمعنا انها ماتت وجدك وهدان اللي اتهموه بيها ..
وقالت وهي تشير له بحزن:
_مش عارفة فين الحقيقة يا ولدي، بس اللي اني واثقة منه ان وهدان ميعملش كده ابدًا، لانه كان بيعشقها وقلبه كان معاها طول السنين دي حتى واني على ذمته.
قال آسر بعد تفكير:
_مش يمكن جوزها اللي قتلها واللي عمله ده عشان يلبسها لجدي.
_وارد يا ولدي بس بالنهاية احنا اللي لسه بندفع التمن لحد النهاردة، والتار موقفش بعد موت جدك وجوزها... والوقتي جيه الدور على احفادي يدفعوا تمن شيء مالهمش يد فيه!
تركها آسر وغادر وعقله مشتت للغاية، هناك حلقة مفقودة لا يعلم مغزاها، هناك سرًا غامض سيجتهد لفك شفراته، فهو الآن على علم تام بأن جده من المحال أن يفعل ذلك..
                    *****
بسرايا المغازية.
جن جنون أيان حينما علم بخسارة صفقته الضخمة التي ساهم بنصف ثروته تحديدًا لأجلها، فقبض على هاتفه وهو يردد بعنفٍ:
_ازاي يعني لغوا التعاقد هو لعب عيال!!
_لا أكيد في اللي ورا الموضوع ده، دور وراهم وشوفولي اتعاقدوا مع مين،..
_دقايق ويكون كل التفاصيل عندي سامـع!!
وأغلق هاتفه والنيران تكاد تلتهم أحشائه، فهو لا يستهان بمن يتلاعب بعمله الذي كد به لأجل ما وصل إليه، تراوده شكوك عن كناية من فعل ذلك ولكن عائلة الدهاشنة لا تمتلك صلاحيات العمل بالملاحة، تجارتهم خاصة بالفواكه، أخرج أيان سلاحه من خزانته ثم وضعه على الطاولة وجلس على المقعد المجاور له يتوعد لمن فعل ذلك بالهلاك، وبالفعل ما هي الا دقائق حتى دق هاتفه مجددًا فما أن رفعه  حتى اظلمت عينيه وهو يقول:
_كنت شاكك أن آسر ورا اللي حصل، وانت اكدتلي ده... عايزك بقى تسمعني كويس... هتاخد رجالتك وهتطلع على المكان اللي هبعتهولك ومتتحركش من هناك الا لما اوصلك سامع!
وأغلق الهاتف وهو يهمس بكرهٍ:
_موتك على ايدي..
وكاد بجذب السلاح الموضوع على الطاولة ليجد يد تقذفه بعيدًا عنه، لتقف مصعوقة أمامه وصوتها يرتجف:
_أنت عايز تقتل أخويا!!!
وقف مقابلها وهو يطالعها بحقدٍ:
_هو اللي جنى على نفسه بعملته دي.
وضعت يدها على فمها من صدمتها تلك، ومن ثم استجمعت شجاعتها لتصرخ بوجهه:
_وفاكر اني هخليك تطلع من هنا!! 
ابتسم وهو يرد عليها بسخرية:
_وأيه اللي في ايدك تعمليه، انتي هنا زي الشغالين بالظبط ومفيش خدام بيتداخل في حاجة متخصوش.
ردت عليه روجينا بعصبية بالغة:
_انت أيــــــــه شيطااااان، انتي مستحيل تكون بني آدم، انت أحقر انسان انا عرفته..
قال ومازالت الابتسامة مرسومة على وجهه:
_قولي حاجة أنا معرفهاش عن نفسي..
واتجه ليخرج من الغرفة فوجدها تصرخ به:
_وأنا مش هسيبك تقتل اخويا..
لم يفهم حديثها الا حينما تباطئت حركته حينما تحررت من سلاحه طلقة استقرت بكتفيه، فاستدار للخلف بنظراتٍ منصدمة فسقط ارضا يحتضن كتفيه وعينيه تطالعها، ألقت روجينا السلاح عن أصابعها المرتجفة، وعينيها توزع نظراتها بينه وبين يديها بصدمةٍ، فسقطت أرضًا هي الاخرى، تبكي وتردد بحرقة:
_ليه بتجبرني أكون بالبشاعة دي ليــــه!
ثم أمسكت يديه ومازال واعيًا يستمع إليها:
_أنت الانسان الوحيد اللي أنا حبيته واتمنيت أكون ليه، كنت شايفة الحلو فيك بس رغم انك كنت مخيف ليا... نسيت اصلي وخالفت كل التقاليد عشانك مفكرتش في اي حاجة الا انت.
ومسحت دمعاتها ثم جذبت السلاح وهي تهمس بابتسامة بائسة:
_بس خلاص انا كمان مش عايزة الحياة دي..
وسلطت السلاح على صدرها ثم كادت بالضغط على الزناد، ولكنه سرعان ما انتشل منها السلاح ليتمتم بوجعٍ:
_قولتلك مش هتأذي نفسك ولا اللي في بطنك طول ما أنا عايش..
ثم قدم لها السلاح مجددا لسلطه على موضع قلبه، ليبتسم وهو يردد بحروفٍ ثقيلة:
_لو عشت هدمر العالم الجميل اللي اتولدتي فيه، واولهم عيلتك دي فرصتك انك تخلصيهم وتخلصيني من العذاب ده.
ارتجفت اصابعها وهي تتطلع لعينيه الباكية، فمرر يديه الملطخة بالدماء على وجهها وهو يهمس بألمٍ:
_اللي كنت خايف منه حصل، أنا...... آآ... أنا..... بأحبـــك.....
وتركها تلك المرة ليهوي أرضًا ينازع تلك الشهقة العارمة التي تفيض بروحه، كسر باب الغرفة لتجد من أمامها عدد من الرجال وخلفهما فاتن التي صرخت وهي تردد:
_ولـــــــدي، قتلتي ولدي يا بنت ال.....
انكمشت على ذاتها خشية منها، فهمس أيان لها ولحارسه الشخصي بخشونة:
_لو حد مس شعرة منها هقطعلك رقبتك...
ومال براسه تجاه ناهد ليهمس وعينيه تنغلق:
_صدقيني هتبقي خسرتيني بجد لو قربتي منها..
وانسحب خلف ظلمته المحتمة، بينما هي تواجه الف وجع لا تعلم سببه،  لا تعلم ماذا فعل بها شيطان العشق والغرام، استهدف قلبها وترك جسدها يعاني ولكن ترى ان كان حماها باخر انفاسه من سيكمل مسيرته أمام تلك الحرباء..... فمازال يصارع للحياة وحياة ليست بدونها حيـــــــاة!!!!
........ يتبع................
#الدهاشنة..... #بقلمي_ملكة_الإبداع_آية_محمد_رفعت...
بنذكركم إن إبداع في #مرسى_مطروح 💦🏖️💥💥✨✨🔥🔥
متواجدون يوميًا في #خيمة_إبداع 🎪 تاني خيمة على اليمين في #معرض_مرسى_مطروح_للكتاب_2022
🚩 ومكانه: في مسرح الشاطئ طريق الكورنيش في مرسى مطروح

🛍️ مدة المعرض من الخميس 4 أغسطس حتى 13 أغسطس
⏰ كل يوم من الساعة 5 عصرا حتى الواحدة ليلا..
وأسعار وخصومات خاصة جدا خلال فترة المعرض..🎈📚📚

في انتظاركم يوميا هناك💗
كذلك رواية الاربعيني الاعزب  ورواياتي كامله متوفرة هناك..
*********_________*********

الدهاشنة 3 .. وخفق القلب عشقاً .. آية محمد رفعتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن