التحضير 2

25 2 4
                                    


قال المقرضي بعد أن استجمع جزءا من شجاعته:

- ولكن، يوجد بيننا عهد يلزمني بالخدمة ويلزمكم بالعون.

- فلتذهب أنت وعهدك هذا إلى الجحيم. قالها دنهش بغضب شديد، مما أجفل المقرضي على أثرها، فهو أقوى محاربي قبيلة رقيائيل؛ بل وأقوى جني في ممالك الجن الشبع التي لا يستطيع أن يسيطر عليه أي أحد، ويرتعد من ذكر أسماء هؤلاء البشر الحمقة ينتهي به الأمر كخادم لذلك الأخرق المذعو المقرضي. كل هذا حدث بسبب العهد الشليماني الذي ألقاه عليه بعد أن قام بتحضيره حتى يأمن من شره، وبسبب تلك الكلمات استطاع يسيطر عليه، مما بالطبع أعجب الملك الأعظم رقيائيل فأحضره إلى عالمه حتى يتم ذلك البشري النذل الذي لا يوجد أي فائدة منه غير أنه العقد مجرد أداة ذكية للسيطرة على بني جنسه الحقراء.

- أيها القائد دنهش. قاطعه المقرضي من أفكاره بعد أن طال عليه الصمتُ من ذلك الجني، فهو يعلم قوته، وفي نفس الوقت يشعر بسعادة أنه المسيطر عليه

- حتى الآن بالطبع

- هو أكمل حديثه قائلًا بنبرة تمن، وعيناه يغزوهما الطمع: - أنت تعلم أنه إذا كان هذا الطفل من الزوهريين فهذا يعني قوة أكثر لي، وخدما أكثر.. أليس كذلك ؟! نظر إليه دنهش باحتقار، ثم قال له:

- أن كان ذلك الطفل من الزوهريين، واستطاعت أن تحضره إلي؛ سوف اجعل قبيلة كاملة من جنودي في خدمتك، أما أن أخطأت فإنّ ذلك لن يرضي مولانا الأعظم، ومن الممكن أن ينتقم منك. تحسّس المقرضي رقبته على إثر تلك الجملة وهو يتخيل المصير الأسوأ، مما أثار ضحك دنهش بشدة وهو يقول:

- لا، لا تقلق؛ فهو لن يقوم بقتلك.. فالموت راحة لك، أليس كذلك! ولكن سوف يجعلك تتمنى الموت في كل لحظة تعيشها، وأيضا لن تناله أبدا، حتى إذا حاولت أن تنتحر سوف أنقذك في كل مرة حتى تتعذب أكثر، وأكثر. قال جملته الأخيرة وفي عينه المرعبة نظرة شماتة ورغبة شديدة في حدوث ذلك الأمر.

- لا تقلق أيها القائد، فلن يكون موتي سهلًا هكذا؛ فأنا المقرضي، أقوى ساحر في مصر؛ بل أقوى ساحر في الأرض. قالها المقرضي في غرور غريب لم يتناسب مع حجمه مقارنة بالمخلوق الواقف أمامه. قاطع ذلك الحديث دخول خادم المقرضي للمكان ليعلمه بحضور السيدة بالطفل كما أمر قبل أن يخرج بعد أن نهره المقرضي بأفظع الألفاظ متوعدا له بالويل إذا دخل عليه الخلوة مرة أخرى. خرج الخادم مرعوبا ليسمح للسيدة بالدخول، وعلى وجهه علامات الخوف والامتعاض. دخلت السيدة التي كانت في أواخر عقد الأربعين، وفي يدها طفل لا يتجاوز الستة أعوام، أبيض البشرة، بل شديد البياض، بالإضافة إلى

وجود بعض الشعر الأبيض البسيط في رأسه، صاحب حول خفيف في عينه، وكانت نظرة عينه اليمنى تصب في عينه اليسرى، يصاحبها ذلك البريق في عينيه، بمجرد دخوله بدا على المقرضي شيء من الفرحة والراحة وهو يتأكد من أولى علامات الزوهريين في ذلك الطفل. أمر المقرضي الطفل بالجلوس بجواره، ففعل الطفل وهو ساكت لا يظهر عليه رعب أو خوف من المكان مثل والدته التي كانت ترتعد فرائصها. أخذ المقرضي بيد الطفل اليمنى ونظر في خطوط الكف فوجد خطا مستقيما متصلًا، يقطع اليد بشكل عرضي، وكانت تلك علامة أكيدة من علامات الزوهريين. أمر الفتى بفتح فمه وأخرج لسانه ليجده مشقوقا بالطول إلى نصفين، مما زاد تأكيده على أنه طفل زوهري، تبقى فقط أن يعلم ما درجة ذلك الطفل.... فالأطفال الزوهرتون درجات، ولكل منهم استخدام، وهذا ما سوف يعلمه دنهش وليس هو

- إيه يا مولانا، طمني! الواد ما له.. فيه إيه ؟! التفت إليه المقرضي وكأنه لم يلاحظ إلا الآن أنها هنا. اقترب دنهش من الطفل حتى يعلم إذا ظهرت أية إشارات على جسم الصبي تدل على شعوره لوجود كيان بجواره، أو أي شيء؛ ليعلم درجته كزهري.. ولكن كانت المفاجأة أن الطفل نظر مباشرة إلى عين دنهش نظرة ثاقبة كادت تخترق روح دنهش، وبلا ذرة خوف، مما أربك دنهش لوهلة، فهو لم يتعرض إلى ذلك الموقف من قبل، وأيضا أربك معه المقرضي، إلى أن قاطعت ذلك الإرباك أم الصبي في لهفة وهي لا تدري أي شيء مما يحدث، وقالت:

- متقلقيش، ابنك تمام مفيهوش حاجة، هو بس مربوط، وعليه عمل سفلي قوي، و...

- يا لهوي! يا سواد السواد. قاطعته الأم برعب وهي تسمع ذلك عن ابنها، وقالت في خوف:

- والعمل يا مولانا ؟ الواد ده هو الحيلة، اعمل أي حاجة، الواد هيضيع مني... ده أنا جيباهولك من ورا أبوه، ده لو عرف إني جبته هنا ممكن يقتلني؛ أنت متعرفش.. ده راجل مبیآمنش بالكلام ده خاالص، وممكن يبهدلني.

- خلااص اسكتي! صرح فيها المقرضي بعد أن فقد صبره حتى يخرسها ليستطيع التفكير في طريقه يجعل الصبي معه في البيت لأطول فترة ممكنة بدون أمه.

- بضي يا ولية، أنت تسيبي الواد ابنك هنا وبكره الصبح أو بالليل ع الفجر أنا هجبهولك وهيبقى زي الفل. وكمان هعملهالك لوجه الله من غير فلوس.

- أسيب مين يا شيخنا! عمرها متحصل، أنا مسبش ابني أبدا يبات بره حضني... بقولك أبوه يموتني.

- قلتلك تسيبيه، يا إما انت عارفة غضبي، وهيوصلك غضبي قبل غضب جوزك، أنت سامعة ؟ ومتخافيش من جوزك مش هيقدر يعملك حاجة، افهمي.. الواد العمل بتاعه شديد، وهيحتاج شغل كتير، فلازم يفضل معايا أطول فترة، يلّا... خرجت الأم بعد محاولات عديدة أن تأخذ ابنها باءت كلها بالرفض والتحذير من غضب مولانا.

خرجت وهي تبكي أشد البكاء، وتندم على ما فعلته، ولا تعلم ماذا تقول لأبيه حين يعود من العمل!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 17, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الساحرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن