على ضفاف الشهوة ، الجزء الثاني : نَصلٌ من لَحمها

1.1K 5 4
                                    


على ضفاف الشهوة

الجزء الثاني : نَصلٌ من لَحمِها !

لست أعلم ما هي الآلية التي تدفعنا للعمل بشكل مختلف جذريا عن ما اعتدناه ، لمجرد أن نقرر السير في اتجاه غريب عن مألوفنا ، لكني وبمجرد أن أغلقت الباب خلف أم عبدو التي ذهبت مسرعة لتنقل ردّي لحسن اللّحام ، شعرتُ أنّ عليّ ألف مهمة تحتاج لأن أنجزها ، بدءا من مظهري وأناقتي وحتى بعض الرتوش التي أعرف تأثيرها على إبراز جمالي وفتنتي ، ومرورا باختيار الأحاديث التي عليّ التحكّم بمسارها لكي أحتفظ لنفسي بفرص السيطرة ، لأشدّ الآخر نحوي بحيث يتعلّق بي خدّ الولع ، وليس انتهاءا ، بتجهيز فريق العمل الموثوق جدا ، حيث لم أكن أنوي الإنخراط  في هذا العالم على طريقة أم عبدو السرية الفردية  أبدا ، وطبعا لن أسلّمها رقبتي مهما حدث ،بل يجب أن أعكس الدفّة بشكلٍ لا يتوقّعه أحد . ببساطة لقد بدأ عقلي يفكّر وكأني خبيرة في ملاحم العشق منذ قرون ، ربما لأن غريزة الأنوثة لا تحتاج إلى تدريب عندما يتعلق الأمر بمنحها حريتها الجارفة ، فتصبح مثل فيضان غزير يشق دروبه وحده مُجتازا كل العوائق ، وغامرا كل العقبات دون أن يكترث بنوعها أو حجمها ، ومُغرِقا كل الماضي بمختلف أشجانه وألوانه ، حتى لا يخرّب على نفسه قوة مساره نحو المستقبل ، نحو الهدف الذي لا رجعه عنه ، والذي دفعني إليه بقسوة ، ردّ زوجي الأخير :(( دبّري حالك )) . ليكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير بعد سنواتٍ طويلة من التضحية والصبر وتبديل الآمال ، على لا شيْء ، فانبلجت بفعله من أعماقي حياتي الجديدة التي سأحكم فيها عالمي باقتدار ، ولن أسمح لأحد أن يتحكم بقشّة من شؤوني الشخصية بعدها . لذلك عليّ أن لا أضيّع لحظة . وأن أضع خطتي وأبني فريقي ، وأوّل من خطرت ببالي هي صديقتي وجارتي دُعاء ، التي تعرّفت إليها في بلاد اللجوء المُرّ وكانت قد مرت بظروف تشبه ظروفي ،  بل ربما أشدّ قسوة ، الأمر الذي جعلها تكره جنس الرجال المتسلطين كليا ، لكنها بنفس الوقت كانت في ختام كل جلسة ٍ من جلسات تذمّرها منهم ، تقترح عليّ أن نعكس اللعبة ونتلاعب بهم ، ونتحكم بهم ، لننتقم لصنف النساء من تجبّرهم وقسوتهم ، لكني ، وبالرغم من ثقتي الكبيرة بها وإحساسي بجديتها فيما كانت تقوله ، إلا أنني كنت أتعامل مع كلامها على أنه استهزاء ومزاح  ، لتغطية صنوف القهر التي كانت تعبث في روحها ليس أكثر . واليوم ، بل الآن ، وأنا أتّخذ  قراري المصيري بتحويل مسار حياتي للأبد ، شعرت بأني مدينة ليس بإخبارها فقط ، بل بزفّ الخبر لها ، كما لو كان بشرى ، وخصوصا وأنّ كلانا تعلمان أن هذا الطريق لا عودة عنه حتى لو أردنا ، لذلك كان عليّ مهاتفتها أوّلا والتحدث معها لنخطط معا للمسار القادم لمغامراتنا المشتركة ، والتي يجب أن تزيدنا قوة لا ضعفا ، وصلابة ، لا خنوعا . وتسلطا .. لا تبعية .

دعاء تجاوزت ربيعها الخامس والعشرين ، حنطية مثل قطعة جبنة روميّة ، رقيقة مثل ماء على باب غدير ، شفافة مثل نسمة صيف باردة بعد نهارٍ حارق ، تتفرّد بوجهٍ بشوشِ مُغرَمٍ بالفرح ، تعلوه عينان عميقتان مثل بحرٍ هادئ ، يلتمع فيه الذكاء الفطري والفطنة الأنثوية المتأهّبة . ابتسامتها غامرة بالود ، وإقبالها يشبه طُلوعَ قمرٍ مُكتمل في ليلةِ صيفٍ مُرصّعة بالنجوم . تفيضُ حيويّة تنبض بالحياة ، رغم جسدها البضّ المُكتنز قليلا ، وقامتها المُختصرةِ والمنحوتة مثل دُمية . تتحدث كأميرة وتتصرّف كخبيرة حتى في التفاصيل الجديدة عليها ، عنيدة ، وصوتها رخيم ، فإن علا ، تصهل مثل فرس جموح ، وإن خَبا ، تهمس مثل قطّة تلتمس الاهتمام . لكنّ مشكلتها أنها تثق بالآخرين بسرعة ، وتوزع محبتها بسخاء ، وتتصرف بغنجٍ مثل طفلةٍ مدللة ، ولا تخبيء ابتسامتها الودودة عن أحد منحته ثقة قريبة . ومن هنا بدأت مصيبتها الأخيرة ، التي سببت تحولا جوهريا مؤلما في مسار حياتها . وقد بدأ ذلك عندما أصيبت ابنة شقيقتها بترا بما يشبه الارتجاج في الدماغ أو الفصام نتيجة ضرب زوجها العنيف لها ، الأمر الذي جعلها تغادر منزل زوجها هاربة مثل غزالةٍ جريحة ، تركض في الشوارع كمجنونة ، خلعت نقابها ورمته على رصيفٍ كانت تستريح عليه . وأرخت شعرها وتابعت رحلتها في البحث عن ملاذٍ آمن بعيدا عن تسلط زوجها ، واهتدت إلى منزل أهلها ، الذين ظنّو مثل كثيرٍ من البسطاء أنها ممسوسة بالجن ومسكونة بالشياطين ، فسحبوها مرغمة نحو شيخٍ معروف كي يلقي عليها الرقية الشرعيّة كي يطرد الجن من داخلها . وبعدأن هدأت نفسها أعادوها إلى بيت زوجها لكنها انتكست في اليوم التالي واختارت أن تذهب هذه المرة إلى منزل خالتها دعاء الذي كان الأقرب إلى بيتها ، وخصوصا أنها كانت تحمل نحوها ودّا عميقا احتاجت أن تقايضه بود غامر مع أحد قريب في محنتها . استقبلتها دعاء بمحبة وتواصلت مع أهلها لتطمئنهم بأنها ستهتم بها كما يجب لطالما هي اختارت اللجوء إليها . وسارت الأمور بسلاسة رغم أن ظروف دعاء ليست فضفاضة ماديا ، حيث تعيش في شقة متواضعة مع زوجها وأبنائهما ، يقتصدان في المصاريف ليس ليجمعا ثروتهما المستقبلية ، بل حتى يتمكنان من الإنفاق على العائلة بالحدود الدنيا وسط تصاعد الظروف المعيشية الصعبة . وغلاء الأسعار وانهيار العملة وكل تلك التفاصيل التي تجعل من حياة الفقير أشد قهرا . الأمر الذي دفعها للتفكير كثيرا والبحث عن طريقة للعمل كي تساعد زوجها على مصاريف الحياة للعائلة ، لكن زوجها كان متشددا وغيورا ويعتبر نفسه ملتزما دينياً لاتباعه كل تعاليم المشايخ  ، ولم يكن ليرضى أن تعمل زوجته خارج المنزل ، وكان يفضل الاستمرار في مقارعة العَوَز على أن يعيّره أحد بأنّ زوجته تعمل ! لكنها لم تيأس وحاولت البحث عن عمل عن بعد واشتركت في عشرات الصفحات التي تقدم خدمات تأمين العمل من المنزل للنساء ، واختبرت بنفسها عشرات الطرق التي يتم خلالها استعباد النساء مقابل قروش لا توازي شيئا من الجهد والتفرغ الذي تقدمنه . وتوصلت إلى فكرة إنشاء قناة على يوتيوب ، لأنه عمل مستقل .  ومع أنه طويل الأمد حتى يعطي النتائج ، إلا أنه يعتبر في النهاية عملا خاصا لا يمكن لأحد أن ينتزعه منها . المشكلة الوحيدة كانت في طبيعة المجتمع الذي تنحدر منه دعاء . حيث يعتبر الجميع فيه أن الموسيقى حرام ، وصوت المرأة عورة ، وظهورها على العلن أمام الناس أشدّ جرما من الزنا بذاته . باختصار يؤمنون بأن المرأة هي مخلوق يجب أن يبقى في مخبأه تحت تحكّم كامل من الرجل الولي عليها حتى بالتنفس والأفكار والأحلام . لقد كانت مهمة صعبة جدا عليها أن تُنشيء قناة يوتيوب سريّة في هذه الظروف . وتحت مخاطرة قد تكلفها روحها في حال تم كشف أمرها .                          حاولت في البدايات أن تصنع محتوى بالكتابة ومن دون صوت . فلم تتمكن من جذب الاستجابة اللازمة . فاستعانت بابنتها الصغيرة التي شاركتها سرها الصغير على انه تجربة خاصة . لكنها خافت أن يزلّ لسانُ الفتاة بأي كلمة . فسعت لاقناع زوجها بإظهار صوتها فاقتنع على مضض ، إكراما لها مشترطا عليها تغييره عن طبيعته قدر الإمكان  ، وابقاء الأمر سرا واقتصار المحتوى على الطبخ والنفخ والقصص البسيطة . وهكذا جرت الأمور وتمكنت دعاء بمثابرة طويلة واجتهاد لا يتوقف وسهر الليالي الطوال أن تحقق شروط القناة  لتندرج ضمن القنوات القابلة لتحقيق الأرباح ، وبالفعل كانت قد جمعت فيها أول خمسة دولارات في اليوم الذي وصلت فيه ابنة أختها  بترا إلى بيتها لتلتجئ إليها . ومع أنه من المفروض أن تتفرغ دعاء للإهتمام بالقناة التي أصبحت مع وجود غرباء في بيتها مثل لغم خطير قد يدمر كل حياتها فيما لو انكشف . إلا أنها انشغلت بالاهتمام بابنة أختها في تلك الفترة وأهملت القناة كليا .. بل ربما نستها تماما . رغم أنها كانت سعيدة جدا سابقا بتحقيق أول أرباح القناة لدرجة أنها احتفلت مع عائلتها بظهور أول دولار على قناتها ليتشارك الجميع متعة الوصول نحو الهدف ،بعد أكثر من عام من الجهد والعمل والسهر والتفكير والتعب . لقد كانت كل العائلة سعيدة بتحقق الحلم بالحصول على مورد رزق إضافي ، فاقتربت الأحلام من التحقق بل وصارت قابلة لأن تكبر ، فابنتها التي كانت تحلم بفستان جميل تجرأت أن تضيف حذاءا وربطة شعر إلى قائمة طلباتها ، وابنها الصغير تجرأ على طلب كرة  ، أما هي فكانت أولى أهدافها أن تتمكن من شراء تلفزيون لبيتها كي يتمكن أطفالها من مشاهدة الرسوم المتحركة أسوة بباقي الأطفال ، لكنها تجرأت فوق ذلك على أن تحلم بتغيير البيت الذي يستأجرونه برمته ، واستبداله بشقة فيها بلكون أو متنفّس أو إطلالة على منظر جميل ، لأن بيتها كان كامل الإغلاق عدا عن بضعة نوافذ صغيرة يمنع فتحها إلا بإشراف زوجها حين يكون في المنزل . وبهدف تغيير هواء المنزل ليس أكثر ، وطبعا زوجها لم يكن يبخل أبدا باصطحاب العائلة في يوم العطلة الأسبوعية الوحيد للتنزه في الحديقة أو الغابة أو حتى نحو النهر ، وذلك اليوم كان بالنسبة للجميع هو يوم السعادة المنتظر . باختصار فإن العائلة كانت تكابد وحدها ولا أحد يقدم لهم يد المساعدة لا من قريب ولا من بعيد ، وكانوا جميعا يعلمون أن عليهم الاعتماد كليا على أنفسهم لتحسين واقعهم ، لذلك كان بدء القناة بجني الأرباح هو يوم مميز بالنسبة للجميع ، له طعم النصر الموشّى بأحلامٍ مزدحمة قابلة للتجدد والنمو . ومع كل ذلك ، لم تتردد كل العائلة بالتفرغ لخدمة  بترا ابنة أختها في حاجتها للراحة والفضفضة والاهتمام  ، بل ربما كانوا يقولون في أنفسهم لعل الله أرسلها كي يختبرهم ويزيد من عطاياه لهم إن هم ساعدوها بمحبة وصدق ، كما فعلوا تماما دون أي تردد .  واستمرّ الأمر كذلك  حتى وصل ضيفٌ جديد إلى بيتهم المتواضع ، بحجة الإطمئنان على ابنة أخته ، وهو أحمد الأخ غير الشقيق لدعاء من والدها ، لأن والدها السبعيني كان قد تزوج منذ عقود فتاة أصغر من ابنته الكبرى ، وتخلى عن والدة دعاء بشكل شبه كلي ، واكتفى بإرسال مصروف متواضع لأم دعاء وأولادهما ، لا يكاد يكفي قوت يومهم ، كي يرفع عن نفسه الحرج ربما ، في الوقت الذي كان يعيش مثل ملك مع زوجته الجديدة طيلة ثلاثين عاما تخلى فيها كليا عن واجباته المعنوية على الأقل  ، تجاه زوجته الأولى وبناتها وأولادها . ولم تذكر دعاء أنه سبق وزارها في منزلها بعد أن تزوجت ،  إلا في أوقات نادرة ومتباعدة بلغت أوجها عندما واجهت مصيبتها الأولى حين أطلق عناصر حاجز للجيش الحر في ريف إدلب ، النار بغزارة على سيارة كانت فيها مع ابن شقيقتها وابنتها ، وكانت في ذلك الوقت حاملا في شهرها التاسع ، عائدة إلى منزلها بعد زيارة لوالدتها ، فأسفر الحادث عن إصابتها وشللها وفقدانها للجنين ولابنتها ذات السنوات الأربعة معا . إلا أن ذلك الحادث و رغم شدة صدمته وألمه ، كان كما تقول دوما ، السبب في صنع جسر حديدي لا يقبل الانحناء ، يربطها بزوجها للأبد ، لأنه واجه الرصاص بشجاعة لأجل إسعافهم ، حين تعلّق بباب السيارة التي كانوا فيها مصابين وكان الرصاص لا يزال يلاحفهم من زاوية لأخرى في طريقهم نحو المشفى ، وكان من الممكن أن يصاب زوجها في كل لحظة بعشرات الطلقات القاتلة ، إلا أنه لم يتخلى عنهم ولم يتركهم وبقي متمسكا بالباب ويصرخ طالبا فتح الطريق وإيقاف النار،  رغم انه أصيب بعدة طلقات متفرقة في ساقه وجسده . دعاء التي لم تكن قد علمت بعد بوفاة ابنتها الجميلة ، كانت رغم إصابتها وألمها ، تشعر بأنها في جنة الأمان بينما عيونها تتابع تشبث زوجها بباب السيارة ونضاله الشجاع مثل أسد لأجل إنقاذهم . لذلك كانت تدرك تماما أن تلك اللحظة كانت تصنع مصيرها مع زوجها الذي تعرّفت للتو ، على جانبٍ جديد في شخصيته ، ما كانت تتوقعه أو تعرفه من قبل .         والخلاصة أنّ ذلك الحادث الذي أبقاها في المستشفيات لأشهر طويلة ، كان  أيضا سببا في زيارة والدها لها عدة مرات مقتضبة . واليوم يدخل أخاها غير الشقيق أحمد إلى بيتها لأول مرة رغم أنه تجاوز العشرين من العمر ، وهذا غالبا هو الحال مع أبناء ( الضراير ) أي الزوجات لزوج واحد ، حيث لا يمكن التوقّع إلا نادرا جدا ، أن ينتج تعدد الزوجات إلا ذكريات مُرّة ، وأناسا كارهين لبعضهم البعض ، وبغضاء لا تنتهي بين الزوجات ، وبالتالي بين الإخوة والأخوات من غير أم ، الأمر الذي يفتح المجال واسعا في طريق حَبكِ المكائد  ، والتجنّي والافتراءات والحسد وكل ما يمكن للمرء أن يتخيله من خراب نفسي ، حتى لو كانت الأجواء طبيعية ، فما بالنا إذا كانت الأجواء عدائية والأبناء من الزوجة الثانية مشحونون حتى نقي العظام ضد أبناء الزوجة الأولى ، رغم أنها توفيت منذ سنوات طويلة جدا متأثرة بقهرها ، بسبب تخلي زوجها عنها وعن عائلتها وتفضيل فتاة من عمر بناته على شريكة العمر كما هو مفترض .

على ضفاف الشّهوة  🔞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن