الفصل الثالث

84 11 7
                                    

«فاطمة»
الفصل الثالث
نعمه شرابي
ـــــــــــــــــــ
بعد ما نزلت فاطمه الى الاسفل كي تعد طعام العشاء،  وقصت على زوجها كل ما حدث وما قالت نعمه.
رد عليها يا محمد:ـ ليه كده بس البنت لسه عيله صغيره ممكن تفهم موقف عمتها غلط؟!

قامت نعمه من مكانها متوجهه الى ذلك السور الذي يحيط سطح المزرعه، جلست على كومة القش التي توجد بجوار السور، تتأمل السيارات التي تجري على الطريق السريع ذهابا وياها، ومن بعدهم ذلك النهر الذي يفصل بينهم وبين شريط السكة الحديد، الذي تخطو عجلات القطار عليه فقد كانت الساعة الثامنة مساء، وتأملت نعمه ذلك المنظر وهي تحدث نفسها:ـ يا ترى عمتي عملت ايه ويا ترى هى مين؟ مش ممكن تكون عمتي روحي؟ هو انا ليه يا عمه ثانيه وما اعرفش؟ ومين عمتي اللي كانت عايشه في المكان ده.
عمتي روحية عمرها ما طلعت من البرجاس. انتبهت على صوت ابنه اختها تنادي عليها كي يتناولوا الطعام، فعلى الرغم من ظلام الليل في هذا المكان إلا أن اضوية الطريق تضيء سطح المزرعه.
جلست بجوار اختها وهي شاردة كي تتناول الطعام، ولكن فجاءتهم بسؤلها.
هو انا ليه عمه ثانيه غير عمتي روحية؟ نظرت فاطمة إلى زوجها، ثم نظرت الى طبقها وقائلة:ـ  آه  لنا كبيرة واسمها عمتك
قطعت  نعمه  كلام  فاطمة ونظرت  إلى شوقية وقالت: انت تعرفيها؟
ردت شوقية تقول:ـ عايزه تعرفي هي مين؟
هزت نعمه رأسها بالموافقة،
أكملت شوقية  أنت بتشوفيها كتير بتيجي عند بيت عمك رمضان! نظرت نعمة إلى أختها وقالت: انا اعرفها؟
هزت شوقية  راسها وقال الست بتاعه الزبده! اللي انت دائما تقولي لامك يا اما الست دى بتبص لي كثير!
سألت نعمه  مرة اخرى وقالت:ـ طيب هو انا انا شفت حسين ده؟ أو هو شافني.
تحدث محمد قائله:ـ كلو الأول  وبعدين نبقى نكمل كلامنا، الاكل  له احترام بلاش
كلام على الأكل.
كانت أسئلة نعمه كثيرة حاول زوج اختها ان يبعد عن الحديث في الماضي، فقال:ـ  يلا خدوا اللب بتاعكم والشيبس والساقع واقعدوا عند السور اتفرجوا علي نور الجامع الجديد. اسمع إن هم هيشغلو من دلوقتي عشان ان شاء الله هيقولوا رؤيه رمضان بكره.
دخل السيد على نعمه الغرفة وجدها تنظر الى الاضواء الموجودة حولها بشرود، قام بوضع يده على كتفها وآل:ـ  حجه يا حجه اي حاجه سرحانه في ايه؟
عادت نعمة من شرودها وقالت:ـ هاه لا ابدا يا حبيبي ما فيش سرحان ولا حاجه،
سيد:ـ يا حاجه انا عارف ان انت مؤمنه بالله وعارف ان انت عدي عليك كثير، وصعب ان انك تفقدي خالتي، بس انت ايمانك بربنا قوي
واحنا كمان  محتاجينك وسطنا.
ردت  نعمه قائله:ـ ونعم بالله يا ابني، ده الفراق هو اللي صعب، بس يا سيد حبيبي فراق الاخ اصعب فرق، ما قصرش في موت أبويا،
قد مقصر في موت اخواتي، على الرغم ان ابويا هو سندي.
لكن اخواتي ظهري وحياتي وحمايتي، تعرف يعني ايه عزوة وحماية يا سيد؟
تعرف يعني ايه تتربى تسعة في بيت واحد! تعرف يعني ايه حب اخوه وخوف على بعض، بتعرف انه احنا  بنبعد عن بعض قد ايه وكل واحد فينا في بلد، لكن ما نحملش على بعض الهواء، اللي نافد اي نعم فرقتنا الأزواج والأيام وبعدنا. بس التليفون موجود كنا دائما قريبين حتى لو بنسمع صوت بعض، ربنا يخليك لاخواتك يابا وما يفرق بينكم احد.
أمن سيد على كلام امه، وامسك يدها وقال:ـ لها يلا يا حاجه قومي نامي، اليوم وبكره طويل واحنا في رمضان.
وفي اليوم الثاني قامت نعمه بإيقاظ زوجها للسفر الى عمله، ومن بعدها جهزت الفطور وتوضأت، وجلست تقرا قرآن، وتدعو الله، وبعد العصر اخذت بعضها وذهبت الى بيت اخيها، لاستقبال المعزين عادت الى بيتها مرة أخرى، لتناول الإفطار بين ابنائها. ومن بعد الفطور ذهبت مره اخرى الى العزاء كانت تجلس في وسط خالاتها واخواتها وكنا جميعا هي  لا يدرون بما يحدث حولها، فالحزن قد ملأ قلوبهم على فراق الاخوة، جلست نعمه في ركن في أول العزاء حتى وصل إليها اصدقائها حاولوا التخفيف عنها كثيرا وإخراجها مما هي فيه، فهم يعرفون نعمة انها حساسه زياده عن اللازم انتهى العزاء، وكل عاد الى منزله يحمل في قلبه الحزن على فراق ، كلا بداخله حزنا يختلف على الاخر قبل السحور بحوالي ساعة سالت رحمه اخيها سيد انت كنت اقرب واحد لخالتي فاطمة هي خالتي كانت بتصلي يا سيد نظر لها السيد نظره كانت تحرقها ونظر الى أمه سريعا خوفا ان تكون سمعت هذا الكلام  وتنهد سيد وقال: طبعا ما كانتش بتسيب ولا ركعة والحمد لله يا ميته في ايام مفترجه عند ربنا كفايه ان واحنا جايين شفنا اسم الله في السماء منوره بكلمة لا اله الا الله يعني معنى كده انها ماتت في ليلة القدر دي كفايه عليها ماتت في ايام فيها عتق من النار انت ما شفتش في العزاء النهارده الناس كانت تحسدها على موتها يومين اثنين بس تعبتهم وثالث يوم كانت مودعة الكل وبعدها ماتت عارفه يعني ايه حسن خاتمة يا رحمة امك دخلت لقيت خالتك وشها مبتسم وميته بخيرها.
تحدثت رحمه إلي اخوها ادعي لها بالرحمة.
يلا اقوم احضر السحور قبل أمك ما تسمعني كلمة وتقول عليا مايله.
وفي اليوم التالي كان يوم الخميس  هو يوم زيارة المقابر عندهم، اخذت نعمة ابنها الصغير محمد وذهبت الى المقابر وخاصة الى  ابيها جلست بجوار المقبره تدق عليها وهي تبكي بالقهر الكبير بداخلها، وقالت:ـ ليه اخذتها مني ليه واخدها وانت تضحك وفرحان؟ ليه ما اخذتنيش انا؟ ليه سبتني انكوى بنارهم واحد وراء الثاني؟ ليه احنا انكتب علينا الفراق واحد وراء الثاني؟ ليه خلتني تربطنا في بعض أكثر من اللازم؟ كان نفسي اشوف واحد فينا في قلبه كره الثاني! عشان ما تتعبش التعب اللي احنا شفناه ده، ليه ياأبا، وانطلقت بالبكاء المرير الذي يقطع نياط القلوب، ومن بعدها قامت بفتح حقيبتها، واخرجت كيس من الحلوى، ووضعت بعض الحلوى فوق القبر. وأخذت ترتل الدعاء من ذلك الكتاب الصغير الذي كان بيدها، وخرجت من المدفن وكل من يقابلها تضع في يده حفنة من الحلوه، الى ان وصلت الى مقبرة امها وجلست امامها تبكي بنحيب ومن بعدها استغفرت ربها وقومت ذاهبه الى بيته
مرت أيام رمضان المبارك تجي وتنقضي ولم تكل نعمة من الدعاء لفاطمة.
واليوم يوم الوقفة بعدما أعدت الإفطار ووضعت الطعام خطر ببالها أن تقوم وتكمل ما وهبته  علي روح أختها وهو الدعاء
إلى أن أذن المغرب  صلت وقامت كي تنضم
الي أولادها للافطار.
سالت دموعها دون أن تشعر، وظل الجميع يأكل في صمت، حتى انتهوا وتوجه كلا الي
وجهته، تحدثت رحمه إليها وقالت: ـ
ماما انا هفرش الشقة للعيد ولا اسيبها كدا
علي الفرش ده، رفعت نعمه رأسها ونظرت
الي هو وقالت:ـ لا يا رحمة إفرشي الجديد وعيدو يا حبيبتي، العدم على اللي اتردم
ربنا يرحمها ويغفر لها.
وأكملت نعمة كلامها: وانا هقوم  اجهز لكم الفطار والغدا، أصل خالك هيعدي عليا ورا الصلاة علي طول، ومعرفش هتأخر هناك
ولا لا، وقامت نعمة تعد لهم ما لذ وطاب
من الطعام، وانتهت ابنتها من فرط البيت
وهي من إعداد الطعام، وتوضأت وجلست تصلي، أول  مرة  تصلي وهي جالسة علي الأرض، وبعدما انتهت غفت علي سجادة الصلاه، وأذن الفجر ولم  تقم رحمة ب ايقاظها
تركتها نائمة فهي تعلم أن امها لم تنال الراحة
منذ وفاة خالتها فاطمة.
الى ان رن هاتف نعمة قبل صلاة العيد وكان
أخيها الذي سألها، إن كانت قد جهٌزت.
قامت علي الفور وتوضأت وصلت تستغفر ربها، على أنها لم تصلي الفجر وصلت الصبح
وارتدت عباءتها ونزلت تنتظر اخيها بالشارع
أمام البيت، كي تمشي معه هو واخواتها.
جلست أمام محل الجزارة، التي وجدته نظيف
حيث انتهي من البيع في وقت  متأخر من الليل، وقام صاحبه بغسله وتنظيفه.
وجدت الرجال يجتمعون بعد صلاة العيد
وجاء جارها التهامي، والقي عليها السلام
وقال:ـ قاعدة كدا لية يانعمة
نعمة:ـ راحة المحله أول  عيد على اختي
التهامي:ـ قومي قومي روحي  وعيدي في وسط ولادك بلا اختك بلا بتاع، مش ماتت
قومي اطلعي الحي ابقى من الميت
صعقت نعمة من كلام التهامي، وقالت وهي مخنوقة بالدموع:
ـ اختي لسة ميته من ست أيام، وواجب علينا
نروح لبناتها، أول عيد.
التهامي:ـ قومي روحي بلا أول عيد بلا اخير عيد، تعجبت نعمة من كلامه الهجومي هذا
وقالت بنفاذ صبر، فقد كادت ان تضربه
بزجاجة الماء التي بيدها، وهي ترد عليه
احتراما لأنه زوج صديقتها.
ولكن قالت وهي تشاورله بيدها كي يبعدعن مكانها:ـ روح يا استاذ محمد شوف انت رايح فين وسيبنا في حالنا
وقطع كلامها نداء اخوها، الذي تركت التهامي
وهي تتعجب من موقفه هذا، وعاهدت نفسها
أنها لن تلقى عليه السلام بعد ذلك، في ليس
عندها اعز من أختها.
صعدت الى السيارة، بجوار أخواتها،  وأكمل اخوها الطريق، كي يأخذ اختهم الكبرى.
التي قابلتهم هي وابنها بسيارته، على الطريق
وركب الجميع، وهم يتحدثون ويتذكرون
فاطمة في ذلك الوقت.
إلى أن وصلوا إلى المحلة،  وتوجهوا إلى المدافن، وجدوا هناك بناتها، وعلا صوت النحيب، وخاصة عندما شاهدوا لوحة كبيرة
مدون عليها «وجوه يومئذ ناعمة،قبر، المرحومة،فاطمة أحمد شرابي»
ظل حوالي ساعة يدعون لها أن تكون من سكان الجنه.
وخرجوا جميعا من المقابر، متجهين  إلى بيت
اختهم، تناولوا طعام الفطور مع بناتها،
وقبل الظهر استأذن اخوهم من زوج اخته
الراحلة في الانصراف، وبالفعل عادوا الجميع
تسبقهم دموعهم واحزانهم.
وصلت نعمة أختها الكبري الي التوك توك، ولم تذهب إلى بيتها، رأها ابنها الصغير محمد
وجهي عليها سألها إلى أين هي ذاهبة.
ابتسمت له وقالت:ـ راحة اتأسف لأبويا، تيجي معايا نروح سوا؟
هذا محمد رأسه وأشار إلى توك توك. وقال:
ـ المدافن يا اسطي
وصل التوك توك الى المدافن، وبالاخص امام مقبرة ابيها، نزلت نعمه وراءها ابنها محمد والقت السلام على من في القبور وقالت:ـ
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» اندهاش الفتى الصغير وقال: أنت بتلقي السلام على مين يا ماما هو في احد موجود!
وضعت نعمة يدها على رأس ابنها وابتسمت
وهي ترد عليه
أوصى رسول الله –صلى الله عليه وسلم بترديد السلام  ده و الدعاء للميت بها عند زيارة القبور ، فعن ماذا يقال عند زيارة القبور فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي قد حدد لنا آداب زيارة القبور ، ومنها أن يقول الزائر لأهل القبور إحدى عشر كلمة.
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون».
قالتهم نعمة بصوت هادئ بسيط
  إلى إن وقفت أمام مقبرة ابوها، وقالت:

«فاطمة» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن