[٦]

141 34 14
                                    

غدا على السّاعة الحادية عشر سأستعيد حرّيتي و الحقّ في الاجتماع مع أناس آخرين, لكن قبل أن أغادر هذا المكان لرؤية أشعّة الشّمس, أعتقد أنّه من الضّروري أن أوجّه لك بعض الكلام.بضمير طاهر, و في حضرة الإله الذي يشاهدني, أخبرك أنّني أحتقرُ الحرّية , الحياة , الرّخاء, و كل ما يعتبر في كُتبك هذه على أنّه أحسن شيء في الدّنيا.

" لقد انكببتُ طيلة خمس عشرة سنة على دراسة الحياة الدّنيوية.صحيح أنّني لم أشاهد العالم و النّاس, لكن في كُتبك شربتُ الخمر الأرج, أنشدتُ الأغاني, اصطدتُ الأيل و الخنزير البرّي في الغابات, عشقتُ النساء.......الحسناوات اللائي اختُلقن من قبل الشُّعراء و العباقرة, لقد زرنني جميعا في المساء و روين لي أحلى الحكايات, التي جعلتني أفكّر بانتظام. في كُتُبك تسلّقتُ قمم البُرْز و مون بلان و من هنالك شاهدتُ شروق الشّمس, كما شاهدتُها في المساء تغشى السّماء و البحر و قمم الجبال بلونها القرمزي.من هنالك شاهدتُ عن قرب لمعان البرق الذي يشقّ الغيوم العاصفة.رأيتُ الغابات الخضراء,الحقول,الأنهار, البحيرات و المُدن. سمعتُ غناء جنيّات البحر و عزف الرعاة.لمست أجنحة الشياطين التي حلّقت نحوي لتحدثني عن الإله. في كتبك ألقيت بنفسي في الهاوية, أحدثتُ المعجزات, قتلتُ,أحرقتُ المدن,بشّرتُ بأديانٍ جديدة, غزوتُ مملكات بأكملها...

" منحتني كُتبك الحكمة, إنّ جميع الأفكار التي شغلت الإنسان على مر العصور مضغوطة في مساحة صغيرة من دماغي.أنا أعلم أنّني أعقل منكم جميعا.

" أنا أحتقرُ كُتبك و أحتقر الحكمة و كلّ نِعَم هذه الدّنيا.كلّها تافهة, زائلة, وهمية و خادعة مثل السراب.يمكن لك أن تكون فخورا, حكيما, بارعا,لكنّ الموت سيزيلك من على وجه الأرض كما لو كنت مجرد فأر يختبئ في القعر .و ذريتك, تاريخك, عبقريتك الخالدة ستحترق معا أو تزول مع زوال الحياة الدّنيوية.

" لقد فقدتَ صوابك و اتّخذتَ الطريق المنحرف,لقد آثرتَ الكذب على الصدق و البشاعة على الجمال.ستتعجّب لو , بداعي أحداث غريبة لبعض الأنواع, فجأة تستسيغ الضّفادع و العضّاءات أشجار التّفّاح و البرتقال بدلا من الفاكهة, أو أن تفوح الورود برائحة حصانٍ مُتعرِّق . لهذا أنا أتعجّب منك كيف تستبدل الجنّة بالدّنيا.أنا لا أريد أن أفهمك.

" لأثبتَ لك احتقاري لكلّ ما تنعم به أنت الآن, فإنّني أتخلّى عن المليونين التي كنتُ أعتقد كذا مرّة أنّها الجنّة, و التي أنا الآن أحتقرها. لأجرّد نفسي من حقّي في المال, فإنّني سأخرج من هنا قبل خمس ساعات من الوقت المحدّد.و هكذا أكون قد خرقت الاتّفاق....."

عندما قرأ المصرفيّ هذا ألقى الورقة على الطّاولة, قبّل رأس الرجل الغريب و خرج من الحُجرة باكيا.

الرهان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن