وفي احد المطاعم الفاخرة، حيث جلس أدهم بصحبة منار التي قد انتقت أجمل فساتين السهرة بحوزتها لترتديه خصيصا الليلة بصحبته عله يساعدها في التأثير على رفيقها وإغراءه والذي بدا شاردا عن ذي قبل، لذا رسمت أكثر الابتسامات جاذبية وسحرا وهي تقول له بنبرة بدت مهتمة: بتفكر في إيه؟ ولا مش من حقي أعرف؟
انتبه لها ورمقها بنظرة مبهمة وكأنه قد نسي أمر وجودها بالقرب منه، بالطبع فتلك التي تشغل تفكيره بعيدة كل البعد عن تلك الألوان الصناعية عالية الجودة التي تستخدمها رفيقته، نعم فخلال تلك النظرات التي كان يختلسها إليها من حين لآخر وقت انشغالها في أمر ما لاحظ أن وجهها خالي من كل مستحضرات التجميل ولون بشرتها الخمري هو طبيعي مائة بالمائة، فيبدو حقا ان جاسر قد أجاد الاختيار، فلم يبد أنها واحدة من هؤلاء النسوة اللاتي يسعون للإيقاع برجل ثري لينتقلن إلى مستوى مادي واجتماعي أعلى، كما انها تجيد عملها، فطوال الساعة التي قضتها برفقته لم ترفع عينيها عن الكتاب أو الكراس وعن يده الممسكة بالقلم، ولكن ماذا إن كان كل ذلك لهو جزء من خطة محكمة للإيقاع به فهي لا تزال من ضمن الفئة التي لا يحبذ الاقتراب منها عكس منار التي لا تخفي نواياها الحقيقية تجاهه، يا الله! ماذا حل به؟ فللمرة الثانية يشرد بعيدا ليفكر بها، لذا نفض رأسه بخفة ليطردها من عقله ويركز مع رفيقته التي بدت انها لا تزال تنتظر جوابه بصبر: مفيش حاجة مهمة.
تحولت ابتسامة منار إلى أخرى جانبية تدل على عدم اقتناعها بكلامه: ماشي، وانا هعمل نفسي مصدقاك.
لم يبال بتعليقها، فهو لا يهتم برأي الناس حوله عموما، وجدها تفتح حقيبتها الصغيرة وتخرج منها علبة قطيفة مستطيلة الشكل وقدمته له وهي تقول بنفس الابتسامة الجذابة: يا رب تعجبك.
فتح أدهم العلبة لتطل من عينية نظرة مبهمة إلى تلك الساعة الذهبية البراقة بداخلها، ثم يسأل صاحبتها: إيه دي؟
أجابته باختصار: هدية.
ثم أضافت مداعبة: ولا انت ما بتحبش الهدايا؟
وأخيرا انفرجت شفتيه عن ابتسامة بسيطة وهو يقول: مفيش حد ما بيحبش الهدايا، بس ممكن أعرف إيه المناسبة؟
منار بابتسامة مراوغة: ولو ان مش شرط يكون فيه مناسبة، إلا انك تقدر تعتبرها بمناسبة عيد ميلادك.
ضيق أدهم عينيه وهو يقول باستنكار: بس أنا عيد ميلادي مش النهاردة ولا حتى قريب.
منار موافقة: عارفة، وعارفة كمان إني لو سألتك عن ميعاده مش هترضى تقولي، وعشان كدة قررت إني أختار أنا يوم محدد ونحتفل بيه مع بعض وما لقتش أفضل من النهاردة للمناسبة دي، عارف ليه؟
لم يصغ أدهم سؤاله بالكلمات بل اكتفى بنظراته المستفهمة في انتظار إضافتها حيث قالت بتلك الكلمات الشاعرية التي لا تتجانس مطلقا مع نبرة صوتها العملية بحكم التعود: لأن زي النهاردة كان اول يوم أقابلك فيه، معرفش إذا كنت انت فاكره ولا لا، بس انا عمري ما هقدر أنساه.
بالطبع كلماتها تلك استطاعت ان ترضي غروره كرجل، وغروره أيضا منعه من الاعتراف بأنه يتذكر هذا الحفل الذي رآها به لأول مرة، كما لا يمكنه الاعتراف أيضا بأنه تعمد سكب قطرات من العصير على فستانها ليكون سببا للتعرف عليها بعد ان علم بشخصيتها.
تظاهر أدهم بتفحص الساعة الذهبية وإبداء إعجابه بها ولو بالنظرات فقط حتى شعر بملمس يدها الناعم فوق يده فنظر إليها بتساؤل لتجيبه هي بابتسامة مشجعة ونبرة صوت بجرأة كاحدى ميزات شخصيتها: أدهم! لا انا ولا انت نقدر ننكر إن فيه انجذاب بينا، وبصراحة أن بتمنى إن الأمر يتطور لأكتر من كدة ،بس للأسف أنا مش لاقية أي تشجيع من ناحيتك، دة أنا حتى لحد دلوقت فيه حاجات كتير عنك غامضة بالنسبالي وكأني لسة عارفاك النهاردة.
ابتسم أدهم وهو يسألها بسخرية: كل دة عشان ما تعرفيش عيد ميلادي امتى.
أجابته نافية: مش بس كدة، أنا حتى معرفش اسمك بالكامل إيه؟ حتى الشركة مسميها على اسم قريبك دة اللي أنا بردو معرفش إيه صلة قرابته بيك، يعني لا هو أخوك ولا ابنك طبعا ولا.....
قاطعها أدهم بحزم: كفاية كدة.
بالطبع كونها سيدة أعمال فأكثر ما يهمها حالته المالية والمادية، ثم أردف بصرامة: قبل كل حاجة خلينا متفقين إن أنا عندي كم خط أحمر مش مسموح لأي حد إنه يتخطاهم وأولهم وأهمهم هو خالد، دة لو حابة يعني إن العلاقة بينا تتطور زي ما بتقولي.
كانت كلماته حاسمة ورادعة لا تقبل أي نقاش آخر، ولكنها منار المنشاوي، سيدة الأعمال المثابرة والتي تعشق التحدي ولا يردعها أي شيء، وكل ما ترغب به يصبح ملكها في نهاية المطاف، وربما يكون أدهم الرفاعي هو التحدي الأكثر صعوبة بالنسبة لها، ولكنها ستفوز به حتما كما اعتادت أن تفعل، وتلك الأسرار والغموض الذي يحيط بها عالمه سترفع عنه الستار يوما ما.
...............
كانت تقوم برفع الغسيل من على الحبال بالشرفة وهي تلقي بنظرة نارية باتجاه صاحب تلك المقهى المقابلة للبناية التي تسكن فيها، بينما هو يبادلها نظرتها بأخرى متأملة حالمة، نفثت نوران الهواء بضيق بعد أن انتهت من جمع الثياب التي قد نشرتها شقيقتها في وقت سابق من هذا اليوم، حدجته بنظرة شذرة ثم حملت الثياب وتوجهت للداخل، رأتها شقيقتها ولازالت ملامحها عابسة ففطنت إلى السبب وراء ذلك حيث علقت مازحة: شكل كدة أبو عيون جريئة قاعد أدام القهوة.
نوران بحنق: وهو ليه مكان تاني غير دة؟ ومش بينزل عينه من على البلكونة، إلهي يارب رقبته تتلوح ما يعرف يعدلها تاني.
سهر بنفس الابتسامة المرحة: ليه كدة حرم عليكي؟ يا بنتي دة انتي حقك تفرحي ان واقع في دباديبك واحد زي المعلم آثم على سن ورمح.
وأخيرا حصلت على ابتسامة شقيقتها التي هزت رأسها يمينا ويسارا وهي تعلق مصححة: قصدك قاسم، يا بنتي لحد امتى هفضل أصححلك الاسم، طب هما ناس جاهلة ومش فاهمين، نقوم احنا نعمل زيهم؟
لوحت سهر بيدها في لامبالاة وهي تقول: ياختي قاسم أو آسم أهو كله زي بعضه بس انا بحب ادلع الاسم شوية.
لتضيف بابتسامة عابثة وهي تغمز بعينها: طبعا، مش نسيبنا المستقبلي؟
ضيقت نوران عينيها لتلوح منها نظرة خطيرة رمقت بها سهر، ولكنها لم تكن لترضى بالهزيمة لذا قالت مؤكدة وقد قررت فجأة قلب السحر على الساحر: طبعا، أنا عن نفسي شايفة إن حماصة شاب كويس ومفيهوش أي عيب، وهو بصراحة بيتمنالك الرضا ترضي.
جحظت عينا سهر بصدمة وهي تهتف باستنكار: حماصة مين دة؟ إنتي عاوزة انا يبقى اسمي مدام حماصة؟
قالت كلمتها الأخيرة باشمئزاز واضح، بينما ردت نوران بتشفي: اشمعنى أنا؟ أنا لو اتجوزت الأب يبقى انتي كمان تتجوزي الابن وأبقى حماتك.
ثم أخرجت لسانها لإغاظتها، فزمت سهر شفتيها بضيق لتشعر نوران بالانتصار فها هي قد أخرست شقيقتها ومنعتها عن الحديث في هذا الأمر مجددا ولفترة طويلة لاحقا، فهذا الموضوع يثير حفيظتها بالفعل، ليس لأن الرجل متزوجا من غيرها أو لأنه يكبرها كثيرا في العمر وحسب، فكل تلك الفروق يمكنها أن تتخطاها ألا فرق واحد ألا وهو التعليم فإنه بالكاد يستطيع القراءة والكتابة بالتحاقه بأحد فصول محو الأمية قديما، ولكنه لم يحصل على أية شهادات علمية إطلاقا، مما يضع حاجزا كبيرا بينهما لا يمكن لأي منهما أن يتخطاه، فالأخلاق والتعليم هما شرطان أساسيان في زوجها المستقبلي ولا يمكنها الاستغناء عن أحدهما تحت أي ظروف.
...............
وكعادته في الأيام السابقة، وقف مستندا على جسم سيارته يتفحص الوجوه ذهابا وإيابا ليس للمغازلة كما كان يفعل من قبل او للإيقاع بإحداهن في شباكه وإنما فقط على أمل أن تقع عيناه على وجهها مجددا، هو لا يدري حقا ما الذي سيقوله له حينها؟ أو إن ماذا ستكون ردة فعلها آنذاك؟ ولكن رغبته في رؤيتها مرة أخرى تجعله لا يفكر في عواقب هذا الأمر.
: يابني ياللا نمشي بقا أنا الشمس سيحت دماغي ع الآخر.
مان هذا الصوت المزعج يعود لرفيقه مدحت الذي بين الفينة والأخرى يبدي انزعاجه من ذلك الانتظار الذي بدا بلا أمل، ثم أضاف محاولا استمالة صديقه لرأيه برفق: ثم مش انا قولتلك إنها لو كانت جاية كانت نانا قالتلي؟
لاحت ابتسامة عبثية متهكمة على جانب شفتيه وهو يردد خلفه: نانا!
مدحت متفاخرا بنفسه: أمال ايه يا بني، احنا ناس ما بتحبش تضيع وقت، ثم بقولك ايه بقا أنا رايح الكافيتريا أجيبلك معايا حاجة تشربها؟
هز راسه نافيا برفض: لا، أنا شوية وهحصلك.
مدحت: ماشي يا برنس، بس أوعى تنساني وتمشي زي كل مرة، تخليني أسيب عربيتي وبعد كدة أرجع بتاكسي، ياللا سلام.
ثم رحل مدحت بينما ظل خالد على حاله بينما بدأ الأمل بداخله يخبو شيئا فشيئا كلما طال انتظاره حتى حل محله اليأس وقرر أن يلحق بصديقه، وما إن هم بالذهاب وقبل أن يستدير متجها حيث ذهب صديقه إلى أن لمح خيال يشبهها، لا بل إنه لها فهو وإن رآها مرة واحدة فلم يكن ليخطئها أبدا، فهي وإن كانت لا تملك أية ملامح تميزها عن غيرها من النساء فيكفي تلك الأنفة والشموخ في سيرها ليستطيع تمييزها حتى وإن كانت وسط الآلاف.
أما عند سهر التي كانت بالفعل تسير بخطوات تمتاز بالثقة والثبات دون أن تترك ما حدث أول يوم لها في الجامعة ان يكون له تأثير على حياتها كطالبة، لقد كانت ترتاب في البداية من المواجهة فلقد شاهد الوقعة الكثير من الزملاء واعتقدت أنه لربما علق الأمر في أذهانهم لبعض الوقت، ولكن عكس توقعها فلم تلحظ أن هناك من يلتفت نحوها أو يتعرف عليها أو ربما يسخر منها مما أكسبها مزيدا من الثقة، رن هاتف صديقتها التي اعتذرت منها بنبرة شبه مرتبكة: معلش يا سهر، هروح أجيب حاجة من الكافيتريا ع السريع كدة وأحصلك أصلي ما لحقتش أفطر، استنيني عند المدرج، وأنا مش هتأخر عليكي.
أومأت سهر برأسها موافقة بصمت ثم تابعت سيرها بمفردها دون أن تلتفت يمينا او يسارا لتلاحظ تلك السيارة التي لو رأتها لكانت فرت هاربة على الفور بعد أن تفقد شجاعتها الزائفة تلك.
: آنسة سهر!
هل ما سمعته هو حقيقة أم أنها تتوهم فقط؟ أهذا صوت ذكوري ينادي باسمها؟ ولماذا تظن أنه يبدو مألوفا لها؟
: آنسة سهر! ثانية لو سمحتي.
يبدو أنها لا تتوهم كما اعتقدت، فالتفتت يمينا لترى آخر من تمنت أن تراه في تلك اللحظة بالذات، إنه هو بنفس هيئته التي بغضتها من أول لقاء والذي تمنت ان يكون الأخير، ولكن يبدو أن هذا الأم لن ينتهي بسلام كما تخيلت وهذا الشخص لن يتركها تمضي في سبيلها بسهولة، ولكنها لن تسمح له بأن يهز ثقتها في نفسها للمرة الثانية، لن تتركه ينتصر عليها كما فعل سابقا حتى وإن وصل الأمر لطردها من الكلية حلم عمرها، لذا أجابت بجمود: أفندم!
ثم أضافت وهي تشن هجومها دون ان تترك له فرصة للحديث: عاوز تقول حاجة تانية نسيت تقولها المرة اللي فاتت؟ ولا عاوز تأكدلي إنك جامد وكلمتك مسموعة هنا، خلاص يا عم المسيطر صدقنا وآمنا بكدة، تسمح بقا تسيبني في حالي وأنا هحاول على اد ما أقدر انك ما تشوفش خلقتي مرة تانية.
تفاجأ خالد من هجومها المباغت، هو بالطبع لم يكن يظن أن مهمته ستكون سهلة ولكنها لم يعتقد أيضا أنها ستكون صعبة إلى تلك الدرجة، ولأنه لم يكن قد أعد ما سيقوله لها فلقد شعر بأن لسانه انعقد فجأة ولم يملك سوى أن يقول لها بنظرة مليئة بالاعتذار ربما أعماها غضبها عن رؤيتها: سهر أنا....
لماذا يخاطبها هكذا وكأنه يعرفها منذ زمن؟ ومن أخبره باسمها؟ أهو حقا شخص مسئول بالكلية وتمكن من الحصول على بياناتها؟ ولكن يجب أن توقفه عند حده أيا كان شخصه: لو سمحت، خلص الكلام بينا لحد كدة.
ثم لم تمهله المزيد من الوقت حيث رحلت سريعا تاركة إياه يقف وحده مبهوتا، فهل ما سمعه منها هذا حقا؟ فما من فتاة قبلها تمكنت من قول كلمة واحدة مما قذفتها هي في وجهه.
: خالد! مش معقول، وحشتني أوي.
التفت ناحية ذلك الصوت الأنثوي ذي النبرة الناعمة المفعمة بالدلال، ليبتسم مرغما لصاحبته التي تمتاز بالعصرية في ثيابها وزينتها وكذلك قصة شعرها القصير: ازيك يا توتا، عاملة إيه؟
...........
آسفة لاني أخرت عليكم كتير
وإن شاء الله هنزل يومين في الأسبوع الاثنين والخميس
انتظروووووووني
أنت تقرأ
حب بالحروف الأبجدية
Romanceالأمي في اللغة هو من لا يعرف القراءة والكتابة، فماذا نطلق على من يجهل أبجديات الحب؟ أدهم الرفاعي _رجل الأعمال الشهير_ ليس فقط جاهلا بأبجديات اللغة ولكنه ايضا لا يفقه شيئا عن الحب لتأتي نوران تلك الفتاة التي وقع عليها الاختيار لتكون مسئولة عن تعليمه...