الفصل الأول

3K 145 80
                                    

الفصل الأول

___فتاة الشاطئ___

أمسكت ريم حفنة من الرمال الذهبية ثم تركت ذراتها تنسدل من بين أنامل يديها، أخذت نفساً عميقاً قبل أن تنهض ببطئ وتقترب أكثر من الشاطئ، توقفت تغمض عيناها وهي تستمع إلي صوت الأمواج المتلاطمة فترتسم الصورة واضحة داخل أهدابها المغلقة.. شمس مشرقة في كبد السماء تطل علي زرقة المياه الصافية قطراتها تصل حدها علي هذه الضفاف الفضية فتلامس أنامل قدميها العارية بعد أن تخلت عن حذائها، تمنحها هذه المياه شعوراً لا يوصف من السكينة والهدوء، إنه البحر الجميل_عشقها وعشق والدها رحمة الله عليه_المؤتمن علي حديث القلب وأسراره، صديقها الذي تحضر إليه في كل صباح تشعر فيه بالحاجة إلي البوح.. حين تشعر بالحنين والإشتياق لأوقات قضتها في صحبة أبيها، أوقات من السعادة والطمأنينة سرقتها من الزمن ثم رحلت مع رحيل الأب والصديق.

فتحت عيناها وقد شعرت بحرقة الدموع تغزوا مقلتيها، لم يمضي علي وجودهما بالاسكندرية أكثر من ثلاثة أعوام بعد أن عادا من مدينة الإمارات التي عاشت فيها مع والدها طيلة عمرها، وها هي حياتها قد تغيرت في هذه الأعوام المنصرمة حتي باتت لا تتعرف عليها، كانت هناك في المدينة الغريبة فتاة والدها المدللة ووحيدته، يتشاركان كل شيء ويكتفي كل منهما بالآخر حتي عادا إلي الإسكندرية في ليلة قرر فيها والدها أنه اكتفي من الغربة وأراد العودة لموطنه رغم أن لا أهل له فيها ولا أصحاب.. ولكن الوطن هو الوطن، يظل في القلب كعنوان للسكن والأمان وأصالة الجذر حتي وان طاف الإنسان حول العالم ورأي أجمل بقاع الأرض، عادت معه مشتاقة لرؤية هذا الوطن من حديث والدها عنه، وقد وقعت في عشقه ماان مست قدماها أرضه.

لم تخشي قط عشق والدها لوطنه أو أن يأخذه منها، ولكن ما لم تضعه في الحسبان هو عشق من نوع آخر.. تعلق والدها بجارتهما الجميلة ثم تزوج منها بسرعة فوجدت ريم نفسها فجأة وحدها في بلد لم تألف بعد سكانه ولم تعتد عليه، فوجدت في الموسيقي كعادتها ملاذاً، صار الخروج الصباحي بكمانها عادة تسعد يومها وتنير لحظاته، تأتي باكراً إلي هذا الشاطئ القريب منها تطالع جمال صنع الخالق في ملكوته ثم تمسك كمانها وتعزف فتستشعر كل نغمة وكأنها أحرف وكلمات تصل بها من الشغف منتهاه،وكما ابتعد عنها والدها ببطئ عاد إليها بعد فترة ببطئ كما كان قبل زواجه من سندس وأصبح يشاركها هذه اللحظات بعد ان اكتشف تسللها ذات يوم وأدرك كم صار بعيداً عنها، حاول والدها مشاركة زوجته معهما في رحلتهما الصباحية ولكنها لم تكن من النساء الاتي يحببن الصباح الباكر واستنشاق الهواء العليل، بل كانت من عشاق الليل، يبدأ يومها مع قرب غروب الشمس، هذا الشيء البسيط وأشياء أخري صغيرة جعلوا والدها ولأول مرة يشرع في الحديث معها عن والدتها المتوفية بعد أن كان الحديث عنها محرماً لما يجلبه من ألم لقلبه وقد كانت توأم الروح وعشق لا يُنسي كما اعتاد أن يقول عنها.

لا تشبهين أحداًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن